نص الشريط
الدرس 56
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/3/1436 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2859
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (397)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ذكر المحقق النائيني في فوائد الأصول «ج 4، ص35»:

أنَّ ما ذكره الشيخ الأعظم: من أنّ العلم الإجمالي علّةً تامّةً لحرمة المخالفة القطعية ومقتضي لوجوب الموافقة القطعية، يرجع إلى ما ذكرناه.

فإن قلت: إنّ العلم الإجمالي إمّا أن يكون علّة للمنجزية أو لا. فإن كان علّةً للمنجزية، كان مستوجباً لذلك من دون فرق بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية؛ وإن لم يكن مستوجباً للمنجزية، فلا فرق بينهما.

قلت: - هو يردُّ على هذا الاشكال -: إنّ العلم الإجمالي ليس أحسن حالاً من العلم التفصيلي، والمفروض أنّ العلم التفصيلي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعيّة، لأنّ الترخيص في تمام أطرافه مصادم لأصل منجزيته ونقض للغرض، ولكنّه - أي العلم التفصيلي - مقتضٍ لوجوب الموافقة القطعية، إذ يجوز للشارع أن يرخّص في بعض الأطراف اكتفاءً بجعل ما أتى به المكلّف امتثالاً كما في مورد قاعدة الفراغ والتجاوز، فإذا كان هذا حال العلم التفصيلي فكذلك الاجمالي. هذا ما ذكره المحقق «قده».

ولكن المحقق العراقي اعترض عليه، في تعليقته على الفوائد «ج4، ص35»: وظاهر مدعى العراقي: أنّ النائيني لم يصل إلى مركز البحث في أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة أم مقتضي للمنجزية، والسر في ذلك: أنّ معنى العلّية له محتملان:

المحتمل الأول: أن يقصد بالعلّية: عدم الانفكاك عن العقوبة؛ فإذا قيل العلم الإجمالي أو التفصيلي علّة تامّة للمنجزية، فالمقصود: أن لا ينفكّ مورد العلم عن ترتب العقوبة بالاقتحام، أي: متى اقتحم مورد العلم الإجمالي ولو في بعض الأطراف ترتبت عليه العقوبة، فيقصد بالعلّية هذا المعنى، وهذا المعنى غير حاصل في التفصيلي كي يحصل في الإجمالي، فإن تركْ بعض الأطراف ليس مساوقاً لترتّب العقوبة في التفصيلي فضلاً عن الاجمالي، فلو أنّ المكلف عَلِمَ بوجوب صلاة الظهر فصلّى، فشكَّ بعد الصلاة في أنّه ترك ركناً أم لا؟! جرت في حقه قاعدة الفراغ؛ فهنا يجوز له ترك ما يحتمل نقصه وهو الركن ولا يترتب على تركه عقوبة، فالعلم التفصيلي ليس علّة بمعنى ترتب العقوبة.

المحتمل الثاني: أنّ المراد بالعلية: أنه هل يقتضي العلم عدم ترخيص الشارع في مقام الامتثال في ظرف الاشتغال أم لا؟. وهذه هي النقطة التي يقول العراقي لم يصل إليها النائيني، لأنّ المشرّع لما يعمل قاعدة الفراغ أو التجاوز أو استصحاب الطهارة وأمثال ذلك، فهو لا يعترف بالاشتغال، لا أنّه يعترف بالاشتغال ويسوّغ، وهذا هو الفرق، فالمشرّع عندما يقول تجري في حقك قاعدة الاشتغال، فهو قائل بأنّك لم تشتغل عهدتك بأكثر من ذلك، لا أنّه يعترف بالاشتغال ويجوز لك ترك الامتثال. أمّا لو أعترف المشرّع بالاشتغال، بأن لم تجر قاعدة مصححة كالفراغ والتجاوز، كما لو عَلِمَ المكلّف بوجوب صلاة الظهر وشكَّ في أصل الامتثال، كما لو كان من عادته أن يصلّي في أول الوقت، فبعد ساعة من الوقت شكّ في الامتثال، فإذا شكَّ في الامتثال بعد مرور وقت، فحينئذٍ: حيث إنّ الشارع معترف بالاشتغال هنا، لا يجوز ترك الامتثال، لا كُلاًّ ولا بعضاً، فهو هو محطُّ البحثِ؛ فلا معنى لأن تستشهد على العلّية وعدمها بما يجري في العلم التفصيلي، فإنّما يجري فيه متضمن لعدم الاعتراف بالاشتغال بأكثر مما أتى به المكلف؛ فلأجل ذلك: حيثُ إنّ المراد بالعلّية أن يكون العلم مانعاً من الترخيص بالامتثال بعد المفروغية عن أصل الاشتغال؛ نقول: لا فرق بين العلم الإجمالي والتفصيلي في أنّه ليس للشارع أن يرخّص بعد اعترافه بالاشتغال.

ولكن دوفع عن المحقق النائيني في بعض الكلمات: بأنَّ هناك فرقاً بين مقام التنجيز ومقام الامتثال؛ فتارة نتكلم عن العلّية والاقتضاء بلحاظ مقام التنجيز، وتارة نتكلم عن العلّية والاقتضاء بلحاظ مقام الاقتضاء. فإن نظرنا لهما بلحاظ مقام التنجيز، أي: استدعاء العلم اشتغال الذّمة، هذا ما يعبر عنه بمقام التنجيز ولا ينظر إلى مقام الامتثال، ففي هذه المرحلة - أي استدعاء العلم لاشتغال الذمة - يقول بالعلّية التامّة، وأنّه لا فرق بين الإجمالي والتفصيلي في أنّ العلم سببٌ تامٌّ لاشتغال الذّمة.

فالمقصود بالعلّية والاقتضاء هنا في مقام التنجيز: أنّه هل يمكن أن يرخّص الشارع بمعنى أن ينفي التكليف ظاهراً بعد العلم به أم لا؟. هذا غير معقول، لا يمكن للشارع بعد العلم بالتكليف تفصيلاً أو إجمالاً أن ينفي التكليف في بعض الأطراف.

وأمّا إذا لاحظنا مقام الامتثال، - أي بعد الفراغ عن اشتغال الذمة - نقول: هل يكتفي الشارع بالامتثال الاحتمالي أم يشمل الامتثال اليقيني؟، وهل يعتبر الشارع الموافقة القطعية الوجدانية أم يكتفي بالموافقة التعبدية؟.

فنقول: أنّ العلم التفصيلي فضلاً عن الإجمالي ليس سبباً للموافقة القطعية الوجدانية، فبلحاظ مقام الامتثال كلاهما مقتضٍ، وبلحاظ مقام المنجزية كلاهما علّة تامّة.

وبعبارة أخرى: إنّ تصرف الشارع، تارة يكون تصرفا في مقام الامتثال، بأن يعتبر عملاً صادراً عن المكلف امتثالاً ويكتفي به؛ فهذا التصرف يصحّ حتّى في العلم التفصيلي، ولذلك لا يكشف عن قصور في عالم المنجزية، ولا ينافي أنّ العلم علّة تامّة في مقام المنجزية.

وتارة يكون تصرفاً في مقام المنجزية، بأن يقول: صحيح أنّك علمت بوجوب صلاة الظهر، ولكن لا يجب عليك أن تحرز صلاةً تامّة ولو تعبداً، أو علمت بوجوب فريضة يوم الجمعة ولكن لا تشتغل ذمتك بأكثر من واحدة، فهذا التصرف في مقام المنجزية وهو غير معقول. فالنائيني ملتفت إلى معنى العلّية والاقتضاء، غاية ما في الباب يقول: العلّية والاقتضاء بلحاظ مقام المنجزية وفي مقام الاقتضاء. وأنا أرى - كالشيخ الانصاري - بأنّهما: - أي: التفصيلية والاجمالية - بلحاظ مقام المنجزية علّة تامّة، وبلحاظ مقام الامتثال مقتضٍ.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 55
الدرس 57