نص الشريط
الدرس 71
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 28/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2607
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (368)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم: أنّه إذا كانت وظيفة المصلّي الصلاة إلى أربع جهات ولكن لم يتمكن إلّا من بعض الجهات. فحينئذٍ: هل يجب عليه القضاء بعد خروج الوقت في الجهات التي لم يصل اليها أم لا؟.

وقلنا: بأنّه: تارة لا ينكشف الخلاف، بل يبقى احتمال القبلة فيما صلّى إليه وارداً؛ وتارة ينكشف الخلاف.

فإن لم ينكشف الخلاف: فعلى مسلك سيّدنا: من كفاية الصلاة إلى جهة واحدة في حق المتحير واضح أنّه لا يجب القضاء.

وعلى مسلك المشهور: من لزوم الصلاة إلى ما تيسر من الجهات هناك من نفى وجوب القضاء جزماً لأنّ المكلّف أتى بالوظيفة المقررة في حقه، وهناك من أوجب القضاء بلحاظ أنّ موضوع وجوب القضاء عدم الامتثال، فمقتضى استصحاب عدم الإمتثال وجوبه، وهناك من شكك في وجوب القضاء نظراً إلى أنّ موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة الفعلية واستصحاب عدم الإمتثال لا يثبت فوت الفريضة. هذا إذا لم ينكشف الخلاف.

وأمّا إذا انكشف الخلاف: فإن انكشف أنّه مستدبر للقبلة: فعلى جميع المسالك يجب القضاء، حتّى على مسلك سيدنا من أنّ وظيفة المتحير الصلاة إلى أي جهة.

أمّا إذا انكشف انه اقصى اليمين أو اليسار: فعلى مسلك سيدنا وجمع: عدم وجوب القضاء؛ لأنّ من اليمين إلى اليسار قبلة في فرض عدم الانكشاف حتّى خرج الوقت. بينما على مسلك المشهور وجوب القضاء. ثم أنّ سيد العروة ذكر مطلباً رابعاً في المسألة وهو أنّ من كُلّف بالصلاة إلى أربع جهات فهل يلزمه الصلاة في خطوط متقابلة أم يمكنه الصلاة في خطوط متداخلة؟، وبعبارة أخرى: من كانت وظيفته الصلاة إلى أربع جهات هل يلزمه أن يصلّي إلى أربع زوايا قائمة أم لا يلزمه ذلك؟

فقد يقال: بأنّ مقتضى العلم الإجمالي بوجود الكعبة في جهة من الجهات الأربع أن يصلّي إلى أربع زوايا قائمة بحيث يكون البعد بين كل جهة وأخرى «90درجة» لأنّه إذا صلّى بهذا النحو فمتى ما كانت الكعبة واقعة بين الضلعين لم يكن منحرفاً عن القبلة بأكثر من «45 درجة»، لأنّه إذا صلّى في جميع الزوايا القائمة والمفروض أنّ المسافة بين كل جهة «90درجة»، فلو فرضنا أنّ القبلة في الوسط فلن يزيد البعد عن القبلة الواقعية أكثر من «45 درجة»، وهذا مغتفرٌ بمقتضى أن ما بين المشرق والمغرب قبلة.

وأمّا إذا صلّى إلى جهات متداخلة: كما لو لم يصل إلى سمت الشمال بل ما بين الشمال والغرب، فإنه بذلك قد يكون البعد بينه وبين القبلة بمقدار «90درجة»، إذ لو صلّى إلى ما يقارب جهة الغرب وإلى ما يقارب جهة الشرق ولم يصلي إلى الشمال سمتاً فقد يكون النسبة بين موقع صلاته وبين موقع القبلة «90درجة»، ولأجل ذلك: قال سيد العروة: أنّه يمكن القول بأن من كانت وظيفته الصلاة إلى أربع جهات فيلزمه أن يصلّي إلى الجهات المتقابلة بنحو الزوايا القائمة. ولكن سيدنا علق: بأنّ الاحتياط في ذلك ليس لزومياً، والسر في عدم لزوميته: أنّه إذا نظرنا إلى دليل ما بين المشرق والمغرب قبلة كله، فمقتضى هذا الدليل أنّ يكتفي إلى الصلاة إلى ثلاث جهات، لأنّه إذا كان ما بين المشرق والمغرب قبلة كله، أمكن للمكلف أن يحرز فراغ الذمة من الصلاة إلى القبلة الواقعية بالصلاة إلى ثلاثة جهات، حيث إنّ محيط الدائرة «360درجة»، فمتى ما صلّى إلى ثلاثة زوايا تبعد كل زاوية عن الأخرى «120درجة» قطع بأنّه صلّى إلى جهة القبلة، فلو أخذنا بإطلاق ما بين المشرق والمغرب قبلة فكيفي الصلاة الى ثلاثة جهات، ولكن حيث ورد: «أن يصلّي إلى أربع جهات»، علِمنا أنّ الشارع تعبّداً لا يكتفي بما إذا كان البعد أكثر من «90درجة».

فهل ما ذكره سيدنا «قده» تام في توجيه كلام سيد العروة؟. حيث قال سيد العروة: «والأولى أن يكون على خطوط متقابلات».

علّق سيدنا: «لكن الأولوية غير لزومية، فيجوز أن يصلي على خطوط غير متقابلة، فيأتي بالأربع كيف ما اتفق مع رعاية الشرط المزبور، أعني عدم بلوغ الانحراف إلى حدّ اليمين واليسار بأن يكون انحرافه عن القبلة أقل من تسعين درجة، وذلك لأن المستفاد من الأدلة - «أي ما بين المشرق والمغرب قبلة» - ومنها نفس الدليل الدال على جواز الصلاة إلى الجوانب الأربعة أن ما بين المشرق والمغرب قبلة للمتحير «لأن إذا قال يصلي إلى أربع جهات مع أنّه الواقع ثمان جهات لا أربع جهات لأن القبلة قد تكون بالإضافة إلى الجهات الأربع قد تكون في الشمال الشرقي أو الشمال الغربي أو الجنوب الشرقي أو الجنوب الغربي»، ولازمه اغتفار الانحراف بما دون تسعين درجة الذي هو ربع دائرة المحيط، ومقتضى ذلك: - اي مقتضى الادلة الدالة على ما بين المشرق والمغرب قبلة - وإن كان جواز الاكتفاء بثلاث صلوات إلى زوايا مثلث مفروض في دائرة الأُفق، إذ البعد بين كل زاويتين منها «مائة وعشرون درجة»، فغاية الانحراف حينئذ «ستون درجة»، لكن النص قد دل على لزوم الأربع فيؤخذ بهذا العدد تعبداً».

ومقتضى هذا: أنّه لا يكفي الانحراف بأكثر من «90 درجة»، ثم قال: «وبالجملة: فبعد البناء على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة فالصلاة إلى الجهات الأربع في خطين متقاطعين وإن تشكل منهما زوايا حادة ومنفرجة يوجب القطع بأنّ الانحراف عن القبلة دون تسعين درجة، وقد عرفت اغتفار الانحراف بهذا المقدار لكن اختيار النحو الأول أولى، لكون انحرافه أقل، فإن غايته خمس وأربعون درجة كما عرفت».

قد يقال: بعدم تمامية كلام سيّدنا وأنّه يلزمه لا أنّه أولى يلزمه أن يصلي إلى الجهات المتقابلة أي على خطين متقاطعين، وذلك سواء بنينا على مبنى سيّدنا أو غيره.

أمّا على مبنى سيدنا الذي افاد: بأنّ الرواية - أي رواية خراش - الدالة على لزوم الصلاة إلى أربع جهات ضعيفة وغير منجبرة، إذاً فمقتضى ذلك: الرجوع إلى القاعدة وهي مقتضى منجزية العلم الاجمالي وهو الصلاة إلى ثمان جهات. ولكن، ورد لدينا: «أن ما بين المشرق والمغرب قبلة كله»، فهل المستفاد من هذا البيان توسعة القبلة واقعاً إلى «179 درجة» بحيث يكفيه الصلاة إلى ثلاث جهات؟.

أم أنّ هذه الروايات الدالة على أنّ «ما بين المشرق والمغرب قبلة» واردة في شخص صلّى لغير القبلة خطأ فأجاب الإمام أنّه: إذا التفت فإذا كان انحرافه عن القبلة عن يمينها أو يسارها كان مغتفرا، فهي في مقام تنزيل هذا الفرد منزلة الامتثال التام.

وبناءً على أنّ مفادها هو الثاني: فهي منصرفة إلى الانحراف الذي لا يخل بالاستقبال عرفاً لا الانحراف الذي يصل إلى الجهة المقابلة حيث يعد منحرفاً عرفاً.

وبناءً عليه: يلزمه بمقتضى العلم الاجمالي أن يصلّي إلى أربع جهات متسامتة كي يحرز عدم الانحراف الفاحش عن القبلة، وقد تعرّض سيّدنا في «ج12، ص39» إلى هذه الروايات الشريفة.

قال في صحيحة زرارة: عن أبي جعفر «قال: لا صلاة إلا إلى القبلة، قال قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه».

دلّت: على أنّ القبلة المعتبرة في الصلاة إنّما هي ما بين المشرق والمغرب على الإطلاق، خرج عنها صورة العلم والعمد، لاعتبار استقبال الكعبة حينئذٍ بالإجماع والنص، فيبقى الباقي تحت الإطلاق.

لكن الصحيحة غير صالحة للاستدلال؛ لمعارضتها بصحيحة زرارة الأخرى التي رواها المشايخ الثلاثة عن أبي جعفر أنّه قال له: «استقبل القبلة بوجهك، ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإنّ اللّٰه «عز وجل» يقول لنبيه في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ..» الدالة على لزوم استقبال المسجد الحرام، الشاملة بإطلاقها لصورتي العلم والجهل وغيرهما. فالنتيجة: أنّه لا توجد عندنا رواية تدل على توسعة القبلة إلى ما ببين المشرق والمغرب للمعارضة.

نعم، عندنا صحيحة معاوية بن عمار: «أنه سأل الصادق عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا، فقال له: قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة».

وموثقة الحسين بن علوان: عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي : «أنّه كان يقول: من صلّى على غير القبلة وهو يرى أنّه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان ما بين المشرق والمغرب».

ظاهرُ هذه الروايات: ليست توسعة القبلة، وإنّما لو صلّى خطئاً فإنّ الشارع ينزل صلاته منزلة الامتثال، فينصرف ما بين المشرق والمغرب إلى البنيينة العرفية فلابد من الصلاة إلى أربع جهات متسامتة». هذا مبني على مبنى سيدنا: من ضعف «رواية خراش» الدالة على لزوم الصلاة إلى أربع جهات.

وأمّا من بنى على تمامية الرواية ولو لدعوى عمل المشهور بها: فيقال حينئذٍ: بأنّ لدينا دليلين: الدليل الأول: «ما بين المشر ق والمغرب قبلة كله»، فلو فرضنا تمامية هذا الدليل على توسعة القبلة ومقتضاه كفاية الصلاة إلى ثلاث جهات للمتردد، ولكن خرجنا عن إطلاق هذا الدليل بالدليل الآخر ب «رواية خراش» الدالة على لزوم الصلاة إلى أربع جهات، مقتضاها: أن لا يكون الفاصل «120درجة» بل لابد أن يكون «90 درجة».

فإن قلت: بأن قوله في صحيح زرارة «ما بين المشرق والمغرب قبلة» بيان لحكم واقعي، لأنّه في مقام توسعة القبلة واقعاً، بينما في رواية خراش في مقام بيان الحكم الظاهري - أي في فرض جهله بالقبلة - فمقتضى العلم الاجمالي: الاحتياط بالصلاة إلى أربع جهات، فكيف يخصص دليل حكم واقعي بدلي لحكم ظاهري؟.

قلت: إنّ المدلول الالتزامي لراوية خراش مدلول واقعي، فإنّ لزوم الصلاة إلى أربع جهات دالٌّ بالمدلول الالتزامي على أنّ مستوى البعد لا يغتفر أن يكون أكثر من «90درجة» وهذا مدلول واقعي لا ظاهري، فبمقتضى هذا المدلول خصصنا إطلاق صحيح زرارة الدالة على «أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة»، والنتيجة: أنّه على مبنى المشهور: لابُّد من الصلاة إلى أربع جهات متقاطعة، لا أنّه أولوية غير لزومية.

قال سيد العروة: «مسألة 12: لو كان عليه صلاتان فالأحوط أن تكون الثانية على جهات الاولى».

فرض سيّدنا هذه المسألة على المسألة السابقة: أنّه من كانت وظيفته الصلاة إلى أربع جهات فصلّى الفريضة إلى أربع جهات، فإذا جاء لصلاة الآيات فهل يلزمه أن يصليها إلى نفس الجهات التي صلّى إليها الفريضة؟ أو لا؟ يقال أنّه هو صلّى الفريضة إلى الشمال والجنوب والشرق والغرب يمكنه أن يصلي الآيات ما بين الشمال والشرق وما بين الشمال والغرب؟. وبالنتيجة: لا يُصلّي الثانية إلى نفس جهة الصلاة الأولى.

ولكن المسألة لا تنحصر بهذا الفرض بل حتّى على مبنى سيدنا: أنّ المتحيّر يكفيه أن يُصلّي إلى أي جهة، فلو صلّى الفريضة إلى جهة شائها وأراد أن يصلّي الآيات هل يمكنه أن يُصلّي إلى جهة أخرى أو يلزمه أن يُصلّي إلى نفس الجهة التي صلّى إليها الصلاة الأولى؟!.

فقد يقال باللزوم؛ «لأنّه لو صلّى إلى جهات أُخرى مفروضة في أوساط الجهات الأولى‌ يعلم إجمالًا ببطلان إحدى الصلاتين، لأنّ القبلة إن كانت في جهات الأولى: فالثانية لم تقع إلى القبلة؛ وإن كانت في جهات الثانية: فالأُولى فاقدة للاستقبال، بل لو كانتا مترتبتين كالظهرين والعشاءين يعلم تفصيلًا ببطلان الثانية، لفقدها إما شرط الترتيب لو كانت القبلة في الثانية أو الاستقبال لو كانت في الأُولى». هكذا ذكروا في وجه الاحتياط.

ولكن سيدنا: بنى على عدم الوجوب؛ قال: «ويظهر الخدش فيه مما مرّ آنفاً، إذ بعد البناء على التوسعة في أمر القبلة بالنسبة إلى المتحير وأن ما بين المشرق والمغرب قبلة في حقه كما يفصح عنه نفس دليل الاجتزاء بالجهات الأربع ضرورة احتمال عدم وقوع شي‌ء من الصلوات إلى جهة القبلة وكونها واقعة فيما بين تلك الجهات فلا علم ببطلان شي‌ء من الصلاتين لا الأولى ولا الثانية لا إجمالًا ولا تفصيلًا، بل كلتاهما محكومة بالصحة وأنّها واجدة لشرط الاستقبال، لأنّ الانحراف في كل منهما إلى ما دون اليمين والشمال، وعلى كل حال فلا وجه لرعاية الاحتياط المزبور».

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 70
الدرس 72