نص الشريط
الدرس 73
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 3/4/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2903
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (538)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

وصل ال?لام إلى الثمرة الثالثة لبيان الفرق بين القول بالاقتضاء والقول بالعلية. وذلك: فيما إذا قامت حجة على الحكم الالزامي في أحد الطرفين، مثلاً: إذا علم المكلف اجمالاً بنجاسة أحد الانائين، فقام خبر ثقة أو استصحاب على النجاسة في إناء ألف فهل ينحل العلم الإجمالي في الطرف الآخر فيجري فيه الأصل بلا معارض أم لا؟.

وهنا يفصل بين صورتين:

الصورة الأولى: أن تكون الأمارة معينة؛ كما إذا قام خبر الثقة على أنّ النجس المعلوم هو إناء ألف، فهذه أمارة معينة لانطباق المعلوم بالإجمال، وفي مثل ذلك لا خلاف بينهم في انحلال العلم الاجمالي في الطرف الآخر حتّى لدى القائلين بالعلية باعتبار أنّ مدلول الأمارة بمثابة العلم فهو عالم بأن النجس إناء الف، فلأجل ذلك يجري الأصل في إناء باء بلا معارض.

الصورة الثانية: التي يقع فيها الكلام: وهي أنّ لا تكون الأمارة معينة؛ كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الإنائين فقام خبر ثقة على نجاسة ألف لا أنّ النجاسة المعلومة هي في ألف بل على نجاسة ألف ولعلها نجاسة أخرى غير ما هو معلوم بالإجمال. ففي مثل هذه الصورة حالتان:

الحالة الاولى: أنّ نعلم من الخارج أنّ النجس واحد لا غير، - أي أنّ النجس من بين هذين الإنائين ليس إلّا واحد، وقام خبر الثقة على نجاسة الف، فهنا: من الطبيعي أن ينعقد مدلول التزامي لخبر الثقة على أنّ باء ليس هو النجس، لعلمنا من الخارج أنّ النجس واحد، فيحصل الانحلال أيضاً في مثل هذه الحالة.

الحالة الثانية: أن نعلم بوجود نجس من بين الانائين ونحتمل نجاسة الأخرى فإحدى النجاستين معلومة، والأخرى محتملة، ففي مثل هذه الحالة: إذا قامت امارة أو منجز على النجاسة في أحد الطرفين بأن قام خبر ثقة على نجاسة ألف أو قام استصحاب على ذلك، فهل ينحل العلم الاجمالي في الطرف الآخر مع ان المنجز وهو الخبر أو الاستصحاب لا ينفي النجاسة عن الآخر بل احتمال النجاسة في الآخر لازال قائما؟.

ففي مثل هذه الحالة: وقع البحث: حيث تشبث القائلون بالاقتضاء بهذا المورد كشاهد لهم فقالوا: مقتضى القول بالاقتضاء وأنّ المنجزية تدور مدار تعارض الاصول، فالأصل فيما قامت حجة على نجاسته لا يجري إذا فيجري الأصل وهو الطهارة في الطرف الآخر بلا معارض وينحل العمل الاجمالي بينما القائلين بالعلية يقعون في حيرة وهو كيف يخرجون انحلال العلم الاجمالي في المقام، مع انه علة تامة للمنجزية.

ودعوى المنجزية في كلا الطرفين: بأن نقول: يجب اجتناب إناء ألف لقيام الحجة على نجاسته ويجب اجتناب باء لعليّة العلم الاجمالي خلاف المرتكز القائم على انحلال العلم الاجمالي في هذا الفرض فهذا شاهد للقول بالاقتضاء مقابل القول بالعليّة.

ولكن هنا عدة ملاحظات تعرّض لها الأعلام «قده»:

الملاحظة الاولى: حتى لو قلنا بالعلية فإن العلم الإجمالي لا تأثير له بحيث يوجب اجتناب الآخر، والسر في ذلك:

أنّه يعتبر في منجزية العلم الاجمالي بحسب بيان المحقق العراقي «قده» أن يكون صالحا لتنجيز معلومه على كل تقدير، وفي المقام ليس العلم الاجمالي صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير فإن كان معلومه واقعا هو نجاسة باء فهو صالح لتنجيزه، وأمّا إذا كان معلومه هو نجاسة ألف فلا يصلح لتنجيزه، لأنَّ نجاسة ألف قد تنجز بمنجز آخر وهو قيام خبر ثقة أو استصحاب على نجاسته والمتنجز لا يتنجز، لاستلزام ذلك تحصيل الحاصل، فلا محالة يكون العلم الاجمالي فاقداً لركن من أركان منجزيته حتّى على القول بالعليّة، فلا يرد ادعاء: أن هذا شاهد على القول بالاقتضاء.

نعم، ناقش من ناقش في أن هذه الكبرى وهي» أن المتنجز لا يتنجز «ممنوعة، إذ ليست نسبة المنجزات لحكم العقل نسبة العلل التكوينية كي يقال بامتناع اجتماع منجزين على تكليف واحد كامتناع اجتماع العلل على معلول واحد، بل نسبة المنجزات نسبة الموضوع للحكم، فمن الجائز أن يكون كلٌّ من العلم الاجمالي وخبر الثقة منجزاً استقلالياً في نفسه بحيث لو انفرد لكان تام المنجزية وان اجتمع كان مجموعهما موضوعا لحكم العقل باستحقاق العقوبة وهذا امر لا مانع منه عقلاً.

الملاحظة الثانية: السيد الشهيد أنّه لابّد من التفصيل في المقام، وذلك: تارة يقوم خبر الثقة أو حتّى العلم الوجداني على نجاسة ألف مقارناً للعلم الاجمالي، كما لو حصل حين العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما قيام خبر ثقة على نجاسة ألف، فهنا يمكن القول بالانحلال وجريان اصالة الطهارة في باء بلا معارض، أمّا إذا علم إجمالا بنجاسة أحدهما وبعد ذلك علم المكلف تفصيلاً أو بخبر الثقة على نجاسة ألف أي بعد تنجز العلم الإجمالي في حقه فلا ملزم للقول بالانحلال في المقام، بل نقول أنّ الطرف الآخر وهو إناء باء يبقى على منجزيته، والسر في ذلك:

أنّه لا موجب لانقلاب العلم الاجمالي بعد ان كان منجزا إلى الانحلال إذ المفروض أنّ العلم تفصيليا أو تعبدياً الذي قام على نجاسة ليس معيناً إذ لم يقل لنا ان النجس هو ألف حتّى يحصل الانحلال بل على نجاسة ألف ولعلها نجاسة أخرى، فلا موجب للانقلاب.

ولكن، ذكرنا أنّ المتركز العقلائي في فرض العلم وجداناً أو تعبداً يرى المكلف عالماً بالنجاسة، فهناك فرق بين قيام الأصل العملي الذي هو مجرد وظيفة عملية ظاهرية على نجاسة ألف كما لو جرى الاستصحاب بناءً على أنّه أصل، فهنا يتم كلام السيد إذ أنّ الاستصحاب عارض وليس مقارناً فلا موجب لانقلاب العلم الاجمالي من المنجزية إلى الانحلال.

أمّا إذا قام لديه علم وجداني أو تعبدي بنجاسة ألف: فإنّ مفاد العلم لدى المرتكز العقلائي النجاسة من أول الأمر لا أنّ النجاسة حدثت حين حدوث العلم الوجداني أو التعبدي فالعلم له مدلول وهو الأخبار عن نجاسة حاصلة من الأول وليس مثل الأصل العملي، فلأجل ذلك يرى العقلاء أن هذا الذي علم بالنجاسة وجداناً أو تعبداً بعد دقيقة من العلم الإجمالي كمن علم بها مقارنا للعلم الإجمالي، فلا يرى المرتكز العقلائي فرقاً بينهما، نعم لو قام العلم على حدوث نجاسة حينه فهذا ليس محل خلاف لدى أحد. ولهذا يجري الأصل الترخيصي وهو أصالة الطهارة في الإناء الآخر بلا معارض.

الملاحظة الثالثة: أنّه حتّى لو قلنا بالاقتضاء فإنّ القائلين بالاقتضاء لا يرون الانحلال على كل حال؛ والسر في ذلك: أنّ المكلّف لو فرضنا أنّه اقتحم الإناء النجس بالوجدان أو التعبد، وشربه ثم بعد أن شربه أراد أن يشرب الإناء الآخر فهل يرى القائلون بالاقتضاء الإنحلال حتّى في مثل هذا الفرض أنّه في هذا الفرض يعلم أنّه خالف التكليف الفعلي باجتناب النجس على كل حال.

فقد ادعى البعض: أنّ القائلين بالاقتضاء لا يمكن أن يلتزموا هنا بذلك؛ لأنّ هذا علم بالمخالفة القطعية.

وبعبارة أخرى: أنّ دليل الأصل محفوف بارتكاز متشرعي وهو أن لا يترتب على جريانه ترخيص في المخالفة القطعية ولو جرى في المقام بعد شرب النجس لكان جريانه ترخيصاً في المخالفة القطعية، ولكن إنّ هذه الملاحظة تبتني على ما سبق بيانه في الملاحظة الثانية، وهذه نقطة كبروية عند القائلين بالاقتضاء، وهي: أنّ القائلين بالاقتضاء في موارد الانحلال يرون تقوم الاقتضاء بتعارض الأصول بحيث إنّ تعارض الأصول هو المفتاح لمنجزية العلم، أم أنّ القائلين بالاقتضاء يقولون أنّ العلم الاجمالي في هذه الموارد كما في محل كلامنا هو قاصر عند العقلاء عن الامتداد لكلا الطرفين، والسر في ذلك: ما تقدم أنّ من قام لديه علم وجداني أو تعبدي على نجاسة أحد الطرفين فإنّه بنظر المتركز العقلائي ليس عالماً بتكليف فعليّ على كل تقدير، لأنّه إن كان معلومه بالإجمال هو نجاسة باء فهو عالم بتكليف فعلي جديد وإن كان معلومه الاجمالي هو ألف فهو ليس عالماً بتكليف فعلي لأنّ التكليف الفعلي باجتناب ألف متنجز إمّا بعلم وجداني أو تعبدي، وهذا القيد في منجزية العلم الاجمالي عليه المرتكز العقلائي الذي يرى أنّ العلم الإجمالي المنجز هو العلم بتكليف فعلي على كل تقدير. فبما أنّ هذا القيد أُخذ من المرتكز العقلائي فنفس هذا القيد هو الذي يُري العلم الإجمالي في امثال هذه الموارد قاصراً عن امتداد تأثيره في كلا الطرفين، وبالتالي فيترتب عليه جريان الأصل في إحدهما بلا معارض، لا أنّ المنجزية تدور مدار التعارض بحيث إن كان تعارض تنجز العلم الاجمالي وإن لم يكن تعارض فينحل.

والنقطة الاساس: هل أنّ هذا العلم الاجمالي بنظر المرتكز علم بتكليف فعلي على كل تقدير أم على تقدير أنّ المعلوم هو نجاسة ألف فلم يحصل علم بتكليف فعلي لأنك عالم بالتكليف الفعلي، ولا يرى فرق عند المرتكز بين المتقدم والمتأخر.

فالنتيجة: على القول بالاقتضاء أو العليّة لا فرق في هذه الثمرة مادام العلم الاجمالي قاصراً.

فتلّخص من الثمرات التي ذكرناها: أنّه لم تقم ثمرة واضحة تميز القول بالاقتضاء عن القول بالعليّة.

وذكر سيد المنتقى في «ج5» في موارد: أن يحصل له ما يفوت الامتثال يكون ذلك شاهداً للقول بالعليّة مقابل القول بالاقتضاء، مثلاً: إذا علم اجمالا بنجاسة أحد الإنائين ثم تلف أو خرج عن محل الابتلاء أو اضطر لشربه بعينه أو اتلفه المكلف، فبناءً على العلية: يبقى العلم الإجمالي منجزاً في الطرف الآخر. أمّا على القول بالاقتضاء: فيلزمهم القول بالانحلال، لأنّ الأصل يجري في الطرف الآخر بلا معارض.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 72
الدرس 74