نص الشريط
الدرس 98
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 10/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2516
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (388)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

الملاحظة الثانية: قال سيدنا: «واشتراط الاستقبال وإن كان مختصاً بحال التمكن كما ذكر لكنّه متمكن منه عند الشروع في الصلاة على الفرض، غايته أنّه غفل أو أخطأ فاستدبر بزعم القبلة، ولا دليل على تحقق العذر المسقط للتكليف بمثل ذلك ما لم يستوعب الوقت، أي تستمر هذه الحالة إلى آخر الوقت بحيث يكون الانكشاف خارجه».

وأما إذا تیسر له الاستقبال ولو في برهة من الوقت فليس مضطرا ومورد كلامنا هو ذلك، فإنّ المكلف حينما دخل الصلاة كان متمكنا من الاستقبال ومتيسرا أن يحدد القبلة عن طريق البينة والامارة ولكنه غفل فصلى لغير القبلة ثم التفت أثناء الصلاة إلى ان صلاته إلى دبر القبلة ولا يمكنه الاستئناف لضيق الوقت فبما ان هذا المكلف مر عليه وقت تمكن فيه من الاستقبال فليس مصداقا للمضطر وان لم يكن مصداقا للمضطر وعليه تشمله أدلة شرطية الاستقبال فإنها إنما تسقط في فرض الاضطرار ولا يصدق عرفا إلّا بالاضطرار المستوعب.

وعليه: فما صدر عنه قبل استبانة الخطأ غير محكوم بالصحة واقعا، ولا يجزئ عن الواجب بعد ما عرفت من بقاء الأمر بالاستقبال وعدم عروض المسقط له.

وقد يناقش كما عن المعلق في الحاشية، وذلك: بالنظر إلى أمرين:

الأمر الاول: أن المستفاد من صحيحة عبد الرحمن التي قالت: «فإذا استبان لك وانت في وقت فاعد وان فاتك الوقت فلا تعد» ان المناط في لزوم الاعادة كون الوقت كافيا وعدمه، بيان ذلك: ان المراد بقوله «وان فاتك الوقت فلا تعد» ليس المقصود به خروج الوقت بل المقصود وإن فاتك الوقت هو المقصود بمقابله وهو «وأنت في وقت» فالمراد بفوت الوقت ما قابل انه في وقت والمستفاد عرفا من كلمة «انت في وقت» أنك قادر على ايقاع الصلاة في الوقت، لا أنك في وقت وأنت قادر على ايقاع الصلاة، فالظاهر من كونه في وقت كفاية الوقت لأن يعيد الصلاة ففوت الوقت ليس هو خروج الوقت بل مضي الزمن الذي يتمكن فيه من اعادة الصلاة.

الامر الثاني: تنقيح الصغرى من كان يتيسر له استعلام القبلة فصلى غافلا إلى غير القبلة ثم استبان له أنّه مستدبر حال الصلاة وكان حين تبين ذلك قد ضاق الوقت، فمثل هذا المكلف في علم الله مما ليس له وقت كاف لإيجاد صلاتين، أي ليس له وقت كاف لتكرار هذه الصلاة التي دخلها فبما أنه ليس له وقت كاف لتكرار الصلاة شمله مدلول صحيحة عبد الرحمن: «وإن فاتك الوقت فلا تعد فهو ممن فاته الوقت واقعا». ولا يبعد ما ذكره المستدل في كلامه.

الملاحظة الثالثة: ذكر بأنّ ما ارتكز من ان الصلاة لا تسقط بحال لا يجدي في تصحيح صلاته بل غاية هذا المتركز أنّ الأمر لم يسقط اما ان صلاته التي أتى بها صحيحة أم لا فلا دلالة فيها على ذلك، قال: «حديث عدم سقوط الصلاة بحال لا يجدي في تصحيحه، فإنه أجنبي عن المقام، إذ ليس شأنه إلا إثبات الأمر بالصلاة الفاقدة للشرط لدى المزاحمة بينه وبين الوقت، فهو لا يتكفّل إلا لإحداث الأمر بالفاقد وإيجاده في هذا الظرف، لا لتصحيح العمل السابق الصادر حينما وقع سليماً عن المزاحمة وكان فقده للشرط لأجل الغفلة أو الخطأ ونحوهما كما لا يخفى».

والحال ان المحقق الهمداني يرى الملازمة العرفية وهو ان كان ما وقع منه من صلاة فمقتضى الاطلاق المقامي صحّة صلاته لو كان عندنا حديث ان الصلاة لا تسقط بحال فمقتضى الاطلاق المقامي ان الصلاة لو وقعت لكانت صحيحة، فكيف يقال في حق هذا المكلف ان الأمر لا يسقط عنك لأنك صليت لغير القبلة غفلة أو خطأ ولكن صلاتك مسكوت عنها قد تكون فاسدة.

المناقشة الرابعة: قال سيدنا: «ومع الغض عما ذكر وتسليم انصراف الموثق عن المقام فالمرجع حينئذ عموم قوله : «لا صلاة إلا إلى القبلة» المقتضي لفساد الصلاة في الفرض ولزوم إعادتها مستقبلًا، إذ الخارج عن العموم في الانحراف الكثير الذي هو محل البحث ما إذا كان الانكشاف خارج الوقت بمقتضى النصوص النافية للقضاء فيما إذا استبان في غير الوقت، ولا ريب في عدم شمول ذلك لمثل الفرض، لكون الانكشاف في الوقت على الفرض، فالمرجع هو العموم المزبور المقتضي للبطلان».

وهذا مبني منه على أنّ الانصراف ليس له مفهوم إذ لو قلنا ان الانصراف له مفهوم أي قلنا بأن ظاهر الموثق «اي موثق عبدالرحمن» اخصاص الفساد بفرض سعة الوقت، لو كان ظاهر الموثق ذلك لكان مقيدا لقوله لا صلاة الا إلى القبلة، ومقتضى تقييده ان يكون موضوع هذه روايات لا صلاة الا إلى القبلة فرض السعة، فلو شككنا في ان المكلف ممن دخل في فرض ضيق الوقت أو هو في سعة الوقت فالتمسك بها تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية. لكن مقصوده ان ذلك مجرد انصراف اي لو سلمنا ان الموثق منصرف عن محل كلامنا مع ذلك لم ينعقد له مفهوم يكون مقيدا للإطلاقات.

فتلخص مما ذكرناه: أنّه لا يبعد كلام المحقق الهمداني من تصحيح صلاة من انكشف له انه مستدبر وهو في ضيق الوقت. ولكن، هل يمكن الاستدلال على المسألة بوجه آخر غير ما طرحه المحقق الهمداني وهو الاستدلال بحديث الرفع، وهذا ما يسلكه السيد الإمام.

بدعوى: أنّ من صلى لغير القبلة نسيانا أو خطا أو اضطرارا فهو مشمول لحديث الرفع وبتطبيقه على محل كلامنا حيث إنَّ المكلف صلى في بعض اجزاء الصلاة لغير القبلة خطا ثم التفت أثناء الصلاة إلى انه مستدبر للقبلة فتوجه إلى القبلة فنحتاج حينئذٍ لمصححين مصحح للأجزاء التي وقعت لغير القبلة خطأ وهذا بدليل قوله: «رفع عن امتي الخطأ»، فمقتضى ذلك: ارتفاع شرطية الاستقبال في فرض الخطأ، والآخر أنه في هذا الآن الذي التفت فيه وتوجه فقد مرَّ أنّ مستدبر القبلة لا عن خطأ بل عن التفات وعلم ففي هذا الآن الذي الفتت إلى القبلة فهذا الآن حصل فيه استدبار للقبلة عن التفات فما هو مصحح لصلاته في هذا الان؟. قال: المصحح هو الاضطرار بقوله: «رفع ما اضطر اليه» فهناك فقرتان تصحح صلاته فقرة الخطأ وفقرة الاضطرار. وقد اورد على الاستدلال بحديث الرفع بعدة ايرادات:

الإيراد الاول: أنّ شمول دليل رفع الاضطرار فرع تحقق الموضوع وتحقق الاضطرار فرع تكليف الشارع بإتمام الصلاة لأنّه لو لم يكن مكلفا لما كان مضطرا للاستدبار فمن لم يكن مأمورا بالصلاة لا يقال له انه كان مضطرا للاستدبار ومع احتمال بطلانه لأنّه يحتمل ان صلاته فاسدة يشك في انه مأمور بالإتمام ومع شكه مأمور بالإتمام يشك في انه مضطر فلا يصح التمسك بحديث: «رفع عن امتي ما اضطروا اليه» لأنّه تسمك بالدليل في الشبهة المصداقية أو فقط بأنّه يلزم الدور لأن الرفع متوقف على الاضطرار والاضطرار متوقف على الأمر بهذه الصلاة فلو كان الأمر بهذه الصلاة متوقفا على جران حديث الرفع في حقه لكان دوراً.

قلت: نعم، يمكن استكشاف لزوم الاتمام من الادلة الكثيرة الظاهرة في مراعاة الشارع للوقت وأنّه إذا دار الأمر بين أي شرط وبين الوقت فإن الوقت مقدم عند الدور بين بينه وبين سائر الشروط.

الايراد الثاني: أن يقال ما هو المرفوع بحديث الرفع؟ هل المرفوع شرطية الاستقبال أو مانعية الاستدبار؟ فإن كان المرفوع هو شرطية الاستقبال فشرطية الاستقبال لم يتعلق بها خطا لأنّه اخطأ بالقبلة لا في شرطية الاستقبال، ولابّد أن يكون المرفوع بحديث الرفع ما تعلق به الخطأ والخطأ إنما تعلق بالموضوع لا بالحكم فالحكم الكبروي وهو شرطية الاستقبال لم يتعلق به خطا ولا نسيان وإنّما تعلق الخطأ بالموضوع الخارجي انه أخطأ الجهة فإن كان المفروض شرطية الاستقبال فالمفروض انه لم يتعلق به خطأ. وإن كان المرفوع مانعية الاستدبار فقد يقال الاستدبار مانع فترتفع مانعية الاستدبار، فالجواب: أن الاستدبار ليس له اثر شرعي أي ان ما جعله الشارع فقط شرطية الاستدبار وفرع عليه ا ان من اخطأ القبلة فسدت صلاته ولم يجعل الشارع مانعية الاستدبار كي يقال ان المرفوع في المقام مانعية الاستدبار. قال السيد الامام في كتاب «الخلل في الصلاة، ص: 71‌»: «إلّا أنّ يستشكل في صحة الاستدلال بدليل الرفع في غير الجهل بالحكم ونسيانه، بأن يقال: أن المصلّي صلّى إلى غير القبلة سهوا أو خطأ، ورفع غير القبلة لا اثر له، الا ان يقال ان رفع الاستدبار الخطأي أثره عدم بطلان الصلاة، وكذا رفع الاستدبار الاضطراري، إلّا أن يقال أن ما هو الشرط استقبال القبلة، وما ورد من أن الالتفات الفاحش قاطع للصلاة إرشاد إلى اشتراط القبلة في جميع حالاتها، وليست القاطعية حكما شرعيا حتى يتعلق به الرفع، وما هو حكم شرعي قابل للرفع هو اشتراط التوجه إلى القبلة ولم يتعلق به السهو والخطاء ولا الاضطرار، بل المانعية والقاطعية لو لم ترجعا إلى اشتراط ما يقابلهما غير معقولة.

والتحقيق: أنّ أساس الإشكال في التمسك بحديث الرفع لنظائر المقام أمور: «منها» أنّ حديث الرفع لا يرفع إلّا ما هو ثابت بالأدلة الأولية ولو قانونا، إذ لا معنى لرفع غير ما ثبت بالشرع، والمفروض في المقام أن ما هو ثابت شرطية القبلة لا مانعية الاستدبار إذ لا دليل لها.

وفيه منع عدم الدليل على مانعيته لأنّ ظاهر كثير من الروايات أن الالتفات الفاحش أو لا التفات عن القبلة تقطع أو تفسد الصلاة، وأدلة الاشتراط لا يفهم منها إلّا لزوم الاستقبال حال الإتيان بها فإنّ الصلاة هي الأذكار والقرآن والأفعال المعتبرة فيها، ولو لا أدلة البطلان بالالتفات لما دلت أدلة الشرائط على البطلان به في غير حال الاشتغال بها.

وبالجملة: هاهنا دليلان: دليل اشتراط القبلة ودليل قاطعية الالتفات، وإرجاع الثانية إلى الاولى لا وجه له الا مع القول بالامتناع، وقد مر الكلام في دفعه في بعض المقامات وتأتي الإشارة إليه. مضافاً إلى ان دليل الرفع بما أن فقرته حقائق ادعائية ومصححها رفع جميع الآثار فيما إذا لم يكن بعضها واضحة أو شايعة كما تقدم الكلام فيه يرفع لازم المجعولات الشرعية كالاستدبار، فإنّ قاطعيته لازم شرطية القبلة، بناء على شرطيتها في الأكوان أيضا، مع ان رفع الاستدبار الراجع إلى قاطعيته لازمه رفع شرطية الاستقبال فلا ينبغي الإشكال من هذه الجهة».

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 97
الدرس 99