نص الشريط
الدرس 124
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/7/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2677
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (405)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في أن حديث لا تعاد هل يشمل الجاهل المقصر، أم يختص بالناسي والجاهل القاصر، وذكرنا أن في منع شموله للجاهل المقصر ذكرت وجوه مضى الكلام في وجهين منها:

الوجه الثالث: أن يقال أن حديث لا تعاد وإن كان في نفسه مطلقًا شاملًا للجاهل سواء كان قاصرًا أو مقصرًا، إلا أنه محفوفٌ بارتكازٍ عقلائيٍّ، وهذا الارتكاز العقلائي عبارة عن عدم معذرية الجاهل المقصر. فيقال: إن ظاهر سياق حديث لا تعاد هو الامتنان على من أخلّ بسنةٍ من سنن الصلاة، وبما أن سياقه سياق الامتنان، فلأجل ذلك يكون احتفافه بالارتكاز العقلائي القائم على أن الجاهل المقصر غير معذور، فهو ليس موردًا للامتنان موجبٌ لاختصاص حديث لا تعاد لا عن تقصير. فلولا هذا الارتكاز لقلنا بأن الحديث في نفسه شامل، ولكن ببركة هذين العنصرين، أحدهما أن سياق حديث لا تعاد سياق الامتنان، والعنصر الثاني أن الارتكاز العقلائي لا يرى المقصر موردًا للامتنان، فمقتضى هذين العنصرين اختصاص حديث لا تعاد بالجاهل لا عن تقصير.

ولكن الكلام كله في العنصر الثاني، فلو سلمنا أن حديث لا تعاد واردٌ في سياق الامتنان، إلا أن قيام المرتكز العقلائي على أن الجاهل المقصر غير معذور من حيث مخالفة التكليف شيء، وأما أن عمله صحيح أو فاسد فهذا شيء آخر، ومنظور حديث لا تعاد الحكم الوضعيّ، وهو صحة الصلاة وفسادها، فاحتفاف هذا الحديث بارتكاز عقلائي على عدم المعذرية لكن من حيث مخالفة الحكم التكليفي لا يوجب انصراف حديث لا تعاد للجاهل لا عن تقصير. فالنتيجة أن ما ذكره السيد الشهيد وشيخنا الأستاذ «قدهما» من شمول حديث لا تعاد للجاهل المقصر غير الملتفت هو الصحيح، خلافًا لما ذهب إليه سيدنا من اختصاص حديث لا تعاد بالجاهل القاصر. وهنا تنبيهات تترتب على هذه المباني:

التنبيه الأول: بناء على أن حديث لا تعاد يشمل الجاهل المقصر، فالجاهل المقصر صلاته صحيحة. قد يقال كإشكال، لازم هذا المبنى عدم وجوب تعلم الأحكام حتى لو ارتكب العمل عن جهلٍ تقصيريٍّ فصلاته صحيحة، فلازم هذا المبنى وهو شمول حديث لا تعاد للجاهل المقصر ألا يجب على المكلف تعلم سنن الصلاة وأحكامها، وإنما يختص وجوب التعلم بالفرائض، لأن المفروض أن الإخلال بأي سنة من السنن عن جهل تقصيري لا يوجب فساد الصلاة، فلا إطلاق في دليل وجوب التعلم للشمول للجاهل المقصر من ناحية سنن الصلاة. وهذا منافٍ للمتسالم عليه، من أنه يجب على المكلف أن يتعلم المسائل الابتلائية، ومنها أن يتعلم واجبات الصلاة من فرائض وسنن.

الجواب عن ذلك:

أولًا: إن الجاهل المقصر الخارج عن الأدلة الأولية المشمول بحديث لا تعاد الجاهل المقصر غير الملتفت، لا الجاهل المقصر الملتفت، وحينئذ لا يرض النقض، فإن الجاهل المقصر إذا كان غافلًا أو ناسيًا، وكانت غفلته أو نسيانه عن تقصير منه، فحينئذ ليس مخاطبًا بأدلة وجوب التعلم لغفلته عن ذلك. فخروج الجاهل المقصر غير الملتفت عن إطلاق ادلة وجوب التعلم ليس منافيًا لما هو متسالم عليه، فإن مورد التسالم لمن كان ملتفتًا، إلى أن الصلاة مشتملة على احكام وأنه لا يمكنه تحصيل الفراغ اليقيني إلا بتعلم تلك الأحكام، فإنه حينئذ تشمله أدلة وجوب التعلم. وأما إذا كان غير ملتفت لذلك - ولو كانت غفلته عن تقصير منه -، فحينئذ عدم شمول أدلة وجوب التعلم له ليس أمرًا منافيًا لما هو المتسالم عليه. فالبناء على عدم شمول دليل التعلم للجاهل الغافل ليس منافيًا لأمر متسالم عليه كي يكون نقضًا على القائلين بشمول حديث لا تعاد للجاهل المقصر.

وثانيًا: يمكن تخريج المسألة كما ذكرنا في الجاهل القاصر بتعدد الأمر، وبيان ذلك:

ذكرنا سابقًا في الجاهل القاصر أن هناك أمرين يتوجهان إلى هذا المكلف: أمر بالصلاة التامة في فرض عدم الإتيان بالناقصة عن جهل، وأمر بالجمع بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة عن جهل، فإذا أتى المكلف بالصلاة التامة امتثل للأمرين، وإذا أتى بالصلاة الناقصة عن جهل قصوري أو تقصيري، فقد امتثل للأمر بالجمع دون الأمر الأول ألا وهو الأمر بالصلاة التامة في فرض عدم الإتيان بالصلاة الناقصة عن جهل، فمقتضى ذلك أنه إذا كان مقصرًا صح عمله لامتثاله الأمر بالجمع، وعوقب على ترك امتثال الأمر الأول، وحينئذ دليل وجوب التعلم يشمله، لأنه مأمور بالصلاة التامة، فبلحاظ أن هناك أمرين، أمر له بالصلاة التامة فيجب عليه التعلم، غاية ما في الباب إذا خالف هذا الأمر عن تقصير وصلى صحت صلاته لامتثاله للأمر الثاني، فلا منافاة بين الحكمين، بين الحكم بصحة صلاته وبين الحكم بشمول أدلة وجوب التعلم له لأنه مخاطّب بأمرين. فبلحاظ مخاطبته بالأمر الأول وهو الأمر بالصلاة التامة إن لم يأتِ بالصلاة الناقصة عن جهل، فهنا يجب عليه التعلم، وإذا خالف يستحق العقوبة، وبلحاظ امتثاله للأمر الثاني صح عمله، فلا منافاة بين الحكمين. إذًا فيمكن الجمع بين شمول حديث لا تعاد لمن أخل بسنة من سنن الصلاة عن جهل تقصيري وبين استحقاق هذا الجاهل المقصر العقوبة وأنه مشمول لأدلة وجوب التعلم. هذا مما يترتب على القول بشمول حديث لا تعاد للجاهل المقصر.

التنبيه الثاني: على مبنى سيدنا الخوئي «قده» والسيد الأستاذ «دام ظله» من أن حديث لا تعاد يختص بالجاهل القاصر ولا يشمل الجاهل المقصر إذا شك المكلف في أن جهله كان عن قصورٍ أم عن تقصير، فلو فرضنا أن المكلف أحرز أنه أخلّ بالسورة أو أخل بالاطمئننان أثناء الذكر الواجب، ولكن لا يدري عندما أخل بالاطمئنان أثناء الذكر الواجب هل كان مستندًا لتقليد مجتهد جامع للشرائط، فيكون جهله قصوريًا، أم كان اعتباطًا منه فيكون جهله تقصيريًا، فإن كان عن قصور شمله حديث لا تعاد، وإن كان عن تقصير، فمقتضى قاعدة الاشتغال الإعادة، فما هي وظيفته؟

فهنا ذكر سيدنا «قده» في الجزء الأول من موسوعته صفحة 342 قال: تارةً يحصل له الشك بعد خروج الوقت، وتارةً يحصل له الشك أثناء الوقت، فإن حصل الشك بعد خروج الوقت فهو يدري جازمًا أنه أخل، لا يجب عليه القضاء، لأن موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة، وهو لا يحرز فوت الفريضة، إذ لعله كان عن جهل قصوري لا عن جهل تقصيري، فحيث يشك في فوت الفريضة فمقتضى الاستصحاب عدم الفوت، وبالتالي لا يجب عليه القضاء. وأما إذا شك أثناء الوقت، فبناءً على ذلك أفاد سيدنا «قده» بأنه يمكن تصحيح صلاته بأحد طريقين:

الطريق الأول: الاستصحاب، حيث أن موضوع صحة الصلاة ألا يكون الجهل تقصيريًا، يستصحب عدم الإخلال عن جهلٍ تقصيري. وبهذا الاستصحاب يتنقح موضوع حديث لا تعاد فيشمله، إذ لولا الاستصحاب لكانت الشبهة مصداقية ولا يصح التمسك بالعام بالشبهة المصداقية، فلا يمكنه أن يتمسك بحديث لا تعاد ما دام شاكًّا في أن إخلاله عن قصورٍ أو تقصير، لكن ببركة استصحاب عدم التقصير يتنقح موضوع حديث لا تعاد فيبني على صحة صلاته.

ولكن يلاحظ على ما أفاده «قده»: إذا فرضنا أن الجاهل المقصر خرج بدليل لفظي، فمقتضى كون المخصِّص دليلًا لفظيًا تعنون العام بعدمه، فإذا قال أكرم كل عالم وقال في دليل لفظي «لا تكرم العالم الأموي»، لا محالة يتعنون الموضوع العام بالعالم الذي ليس أمويًّا. فإذا كان الدليل المُخرج للجاهل المقصر عن عموم لا تعاد دليلًا لفظيًا سيتم كلام سيدنا «قده»، إذًا موضوع لا تعاد الجاهل الذي ليس مقصرًا، أو من أخلّ عن تقصير، وهذا قد أخل بالوجدان، ولا عن تقصير بالاستصحاب، فموضوع صحة الصلاة مركّب من عنصرين، الإخلال بسنة - وهذا محرز بالوجدان - لا عن تقصير - وهذا محرز بالاستصحاب -، فنتيجة ذلك صحة صلاته كما أفاد سيدنا «قده». أما إذا كان المخرج للجاهل المقصر إما دليل لبيّ وهو الإجماع، وإما مقتضى الامتنان، وإما لأننا إننا لو أدخلنا الجاهل المقصر تحت حديث لا تعاد، لم يبق تحت الأدلة الأولية إلا العالم العامد وهو فرد نادر الوجود. إذا لم يكن المخرج للجاهل المقصر عن حديث لا تعاد دليلًا لفظيًا، فخروج الجاهل المقصر عن حديث لا تعاد لا يعني أن موضوعه الجاهل لا عن تقصير حتى يمكن إثباته بالاستصحاب، فلعل الموضوع الجاهل القاصر، واستصحاب عدم التقصير لا يثبت أنه جاهل قاصر إلا بالأصل المثبِت. أو لعل موضوع حديث لا تعاد عدم كون الإخلال عن تقصير على نحو العدم النعتي، لا عدم الإخلال عن تقصير على نحو العدم المحمولي، بل عدم كون الإخلال عن تقصير، ففرق بين مفاد ليس التامة ومفاد ليس الناقصة، إذ تارةً نقول موضوع الصحة عدم الإخلال عن تقصير على نحو مفاد ليس التامة. أما إذا كان الموضوع مفاد ليس الناقصة وهو عدم كون هذا الإخلال الصادر منه عن تقصير، فهذا مما لا يمكن إثباته باستصحاب العدم المحمولي بل يتوقف على استصحاب العدم الأزلي، أي عندما لم يكن هذا الإخلال موجودًا لم يكن عن تقصير، ففرقٌ بين مفاد ليس التامة ومفاد ليس الناقصة، وإنما يجري استصحاب العدم المحمولي على جميع المباني لو كان موضوع صحة الصلاة مفاد ليس التامة، وأما لو كان موضوع صحة الصلاة مفاد ليس الناقصة، أي عدم كون هذا الإخلال عن تقصير، فهذا الأمر لا يمكن إثباته إلا باستصحاب العدم الأزلي، وهو يختص ببعض المباني دون بعض، فتأمّل والتفت.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 123
الدرس 125