نص الشريط
الدرس 126
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/7/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2693
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (350)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا في ما سبق، أن في مناط جريان قاعدة الفراغ مبنيين، المبنى الأول: أن مقتضى إطلاق الأدلة وهي قوله في صحيح محمد بن مسلم «كلما شككت فيهم ما قضى مضى فأمضه» هو أن موضوع قاعدة الفراغ الشك في مطابقة المأتيّ به للمأمور به، سواءً كان الشك راجعًا إلى الشك في قيد اختياري أم قيد غير اختياري، وسواء كانت صورة العمل محفوظة تفصيلًا أم ليست محفوظة تفصيلًا، والمبنى الثاني: ما ذهب إليه سيدنا «قده» من أن موضوع قاعدة الفراغ أن يشك المكلّف في عمله، موضوع قاعدة الفراغ أن يشك المكلّف في عمله، وذلك لأحد وجهين:

الوجه الأول: أن المنصرف من المطلقات هو ذلك، فقوله مثلًا في صحيحة محمد بن مسلم «كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرًا فأمضه» فإن ظاهرها أن موضوع القاعدة ما يصدر منه، فلا تشمل القاعدة الشك في ما لا يصدر منه، كما لو شك في أن الكعبة هل هي في هذه الجهة أم لا، وأن المائع هل هو ماء أم مضاف؟ وأن الوقت هل هو في الساعة السابعة أو الساعة السادسة، فكل هذا ليس شكًا في ما يصدر منه.

والوجه الثاني: على فرض أن هناك مطلقات فلا بد من الخروج عنها بموثقة بكير بن أعين «سألته عن الرجل يشك بعدما يتوضأ، قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»، فإن ظاهرها أن المناط في جريان القاعدة هو الأذكرية، والأذكرية معناها: أن يكون حاله حين العمل غير حاله حين الشك والالتفات، وهذا إنما يُتَصور إذا كان ما يشك فيه ما صدر منه، لا ما إذا شك في ما لا يصدر منه، فإنه إذا شك في عمله وما يصدر منه صح أن يقال: إنك حال ما يصدر منك أذكر منك حال شكك، وأما إذا لم يكن شاكًا في ما يصدر منه، كما إذا علم أنه صلى إلى الجهة الغربية لكن لا يدري أنها قبلة أم لا، أو توضأ بهذا المائع لكنه لا يدري أنه مضاف أم مطلق، أو صلى في الساعة السابعة لكن لا يدري هل دخل الوقت في الساعة السابعة أم لا، ففي جميع هذه الموارد ليس شكه في ما صدر منه وإنما شكه في أمر واقعي خارجٍ عما يصدر منه، وحينئذ سوف يكون المشكوك متساوي النسبة بين حال العمل وحال الالتفات، فإنما يكون المشكوك مختلف النسبة بين حال العمل وحال الالتفات إذا كان شكًا في ما يصدر منه، فإن نسبته إليه حال العمل غير نسبته إليه حال الشك.

إذًا فالمناط بنظره الشريف أن يكون الشك في ما يصدر منه، لأنه حينئذ لن يكون المشكوك متساوي النسبة بين حال العمل وحال الالتفات، بلحاظ أنه حال العمل أذكر منه حال ما يشك.

ولأجل ذلك بنى سيدنا على أن من أحرز أنه ترك السورة في صلاته أو تلك الاطمئنان في صلاته ولكن شك هل أن تركه كان عن استنادٍ إلى تقليدٍ صحيح أم أن تركه كان اعتباطًا، فإذا حصل ذلك فإن ما يشك فيه هو ما صدر منه، حيث إن حيثية الاستناد من شؤون عمله، إلا أن يمنع مانع من المدركين، بأن يقول إن مقتضى الإطلاقات هي أن يكون الشك في مطابقة المأتي به للمأمور به، وأن التعبير في قوله في صحيح محمد بن مسلم «كل ما مضى من صلاتك وطهورك» المقصود به الصلاة بمعنى الاسم المصدري لا بالمعنى المصدري وهو ما صدر منه وفعله.

وأما الأذكرية في موثقة بكير بن أعين، فغاية مفادها مانعية إحراز الغفلة، أي إن أحرز أنه كان غافلًا حين العمل لم تجر القاعدة، لا أن مفاد الأذكرية أن يكون حال العمل غيره حال الشك، من يمنع من المدركين يمكنه أن يتوصل إلى جريان قاعدة الفراغ في تمام الموارد.

وأما ما يتعلق بالصغرى وهي من ترك السورة أو ترك سنةً من سنن الصلاة وشك أنه هل تركها استنادًا لتقليد صحيح أم لا، فقد أشكل بعض الأجلّة على ذلك بأن التقليد ليس جزءًا من العمل ولا شرطًا، وإنما التقليد محقق لأمر ظاهري، وهو أنه إن استند إلى فتوى فقيه كان مأمورًا بتطبيق عمله على طبق الحجة الظاهرية في حقه وهي فتوى الفقيه الجامع للشرائط، فالاستناد مجرد محقق لموضوع الأمر الظاهري وليس الاستناد مأخوذًا في العمل لا جزءًا ولا شرطًا، فإذا شك في الاستناد فهو لا يشك في عمله الصادر منه حتى يكون مجرىً لقاعدة الفراغ.

ويلاحظ على ذلك أن من اقتصر على ملاحظة «مصباح الأصول» في كلام سيدنا «قده» فقد يتوهم هذا الإشكال، ولكن عند ملاحظة كلماته في الفقه حيث تعرض لنفس هذا المطلب في بحث الاجتهاد والتقليد في الجزء الأول من موسوعته صفحة 290، فأفاد هناك في مسألة 41 من مسائل التقليد حيث قال صاحب العروة «قده»: إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد، لكن لا يعلم أنها كانت عن تقليد صحيح أم لا، بنى على الصحة.

وهنا سيدنا «قده» صفحة 288 فصّل المسألة كطريقته في تفصيل المسائل، فقال: المدار على تطبيق عمله على ما انكشف له الأمر إما انكشافًا وجدانيًا أو تعبُّديًا، فتارةً يكون عمله السابق موافقًا، وتارةً يكون مخالفًا للفتوى الفعلية، فإن كان الإخلال بالفرائض، فصلاته فاسدة لحديث لا تعاد، وإن كان إخلاله بغير الخمسة من إحدى السنن، فتارة يكون إخلاله عن جهلٍ قصوريٍّ بمعنى أنه ترك السورة اعتمادًا على بينة شهدت بأن فلانًا جامع للشرائط، ثم حصل له شك سارٍ في حجية هذه البينة، وأنهما هل كانا من أهل الخبرة أم لا، هل هما من الثقات أم لا؟ فحصل له شك سارٍ في أن استناده للبينة كان في محله أم لا، فحينئذ يكون قد أخل بالسورة عن جهل قصوري فتشمله لا تعاد. وإن كان عن جهلٍ تقصيري بأن قلد السابق لا اعتمادًا على بينة، فحينئذ لا يشمله حديث لا تعاد باعتبار أن إخلاله عن جهل تقصيريّ.

وأما إن كان لا يدري أن تقليده للسابق كان عن جهل قصوري أو تقصيري، أي أنه هل استند في ترك السورة لبينة جامعة للشرائط فقلّد من يفتي بعدم وجوب السورة، أو أنه عن اعتباط وتشهٍّ، فإذا شك في أن عمله السابق كان عن قصور أو تقصير فحينئذ أفاد سيدنا: لا بد من التفصيل، وهو أن يقال: تارةً يشك المكلّف في الاستناد وتارةً يشك في طرف الاستناد، وإذا شك في طرف الاستناد فهو على نحوين أيضًا، أي تارةً يشك في جامعيته للشرائط، وتارةً يشك في مصداق ما هو جامع للشرائط، ففي الصورة الأولى وهو أن يكون شكه في الاستناد لا في طرف الاستناد، بمعنى أن الذي استند إليه في ترك السورة جامع للشرائط، لكن هل استند إليه اعتمادًا على بينة أم اعتباطًا، فهو شاك في استناده لا في طرف الاستناد، فهنا يُحكم بصحة عمله، وإن علم أن استناده كان عبثيًا.

وأما إذا شك في طرف الاستناد فهو على قسمين: تارةً يعلم بأنه قلّد زيدًا من الناس، وإنما الآن يشك أن زيدًا جامع للشرائط أم لا، فإذًا هو يشك أنه مقصر أو قاصر، ومقتضى استصحاب عدم التقصير شمول حديث لا تعاد، لأن موضوع الصحة في لا تعاد من ليس مقصرًا، وكونه ليس مقصرًا ثبت بالاستصحاب، فتنقح موضوع لا تعاد فشمله الحديث.

والقسم الثاني أن يقع الشك في المصداق، بمعنى أن هناك مرجعين زيد وهو جامع للشرائط، وعمر وهو ليس جامعًا للشرائط، لكن لا يدري أنه استند إلى زيد أم إلى عمر، ففي مثل هذه الصورة يقول سيدنا «قده» أيضًا مقتضى استصحاب عدم التقصير صحة صلاته به، بل لا مانع في هذه الصورة من الحكم بصحة عمله بقاعدة الفراغ، والوجه في ذلك تحقق المقتضي وتوفر الشرط، أما تحقق المقتضي فهو ما ذكره في «مصباح الأصول» من أن المقتضي لجريان قاعدة الفراغ أن يشك في عمله، ومن شك في أنه استند في ترك السورة لتقليد صحيح أم لا فقد شك في عمله، فهو هناك عالج المقتضي في «مصباح الأصول».

وأما توفر الشرط، فإنه قد ذكرنا أن موضوع حديث لا تعاد من أخل بالسنة لا عن تقصير، فهو عندما يشك أنه هل استند في ترك السورة لتقليد صحيح أم لا فهو بالنتيجة يشك في صحة عمله لأنه يشك أنه قاصر أو مقصر، فبما أن مرجع شكّه في الاستناد وعدم الاستناد إلى الشك في أن عمله صحيح أم لا إذًا فهو مجرىً لقاعدة الفراغ، فما أشكل به عليه من أن الاستناد محقق لموضوع الأمر الظاهري غير تام، لأن الاستناد وإن كان من جهة محقق لموضوع الأمر الظاهري، لكنه من جهة أخرى محقق لموضوع لا تعاد، أي إنه من جهة أخرى نافٍ للتقصير فيتنقح به موضوع لا تعاد، فإجراء سيدنا قاعدة الفراغ عندما يشك في أنه استند أم لم يستند، إذًا لعلمه بأن موضوع قاعدة لا تعاد من لم يكن مقصرًا، إذًا فالاستناد صار دخيلًا في صحة العمل، ولا معنى لأن يقال إن الاستناد ليس جزءًا من العمل ولا شرطًا في صحته، وإنما هو محقق لأمر ظاهري، بل الاستناد دخيل في صحة العمل، لأن الاستناد محقق لعدم التقصير فيدخل في موضوع لا تعاد، فإذا شك في الاستناد فقد شك في شرط صحة عمله، ومقتضى قاعدة الفراغ شمولها لذلك، فتحصّل أن جريان قاعدة الفراغ في من ترك السورة مع شكّه في أنها عن تقليد صحيح أم لا تام على مبنى سيدنا «قده» والوجه في تماميته أمرين:

الأمر الأول: أننا استفدنا من قاعدة لا تعاد أن موضوع الصحة من ليس مقصرًا، والاستناد محقق لهذا الموضوع، فيكون بذلك الاستناد دخيلًا في صحة العمل، وليس مجرد منقّح لموضوع أمر ظاهري.

والأمر الثاني: فالشك في الاستناد سوف يرجع إلى الشك في صحة عمله، لأنه سوف يرجع للشك في القصور أو التقصير، ومقتضى قاعدة الفراغ صحة عمله.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 125
الدرس 127