نص الشريط
الدرس 134
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 21/7/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2555
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (383)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أنّ العلم بالنّجاسة أثناء الصلاة هل هو مبطلٌ أم لا، وذكرنا أنّ للمسألة صورًا.

الأولى: أن يعلم بالنّجاسة أثناء الصلاة، ولكنه يشكّ في سبقها، فيحتمل أنها واقعة أثناء العلم بها، وقلنا بأنه في هذه الصورة صلاته صحيحة.

الصورة الثانية: أن يعلم بالنّجاسة أثناء الصلاة، ويعلم بأنّها موجودة منذ شروعه في الصلاة، وكان الكلام في أنّ الصلاة في هذا الفرض صحيحة أم لا؟ وقد ذكرنا أنّه استُدِلَّ على الصحة في هذا الفرض بوجوه:

الوجه الأول: الأولوية القطعية وقد سبق الكلام فيها.

الوجه الثاني: التمسّك برويات الرّعاف التي ذكرناها أمس، بدعوى أن مقتضاها أن من رعف أنفه، فإنّ صلاته صحيحة، ولكن من الواضح عدم إطلاقٍ لهذه الروايات لما إذا تبيّن له أنّ الدم من حين الشروع في الصلاة.

الوجه الثالث: أن يُقال: إذا صحّت صلاته في النّجس، مع علمه به أثناء الصلاة بمقتضى الاستصحاب، كما في صحيحة زرارة «وإن لم تشك ثم رأيته رطبًا، قطعت الصلاة وغسلته، ثم بنيت على الصلاة، لأنّك لا تدري لعلّه شيءٌ أُوقع عليك، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا»، فإنّ ظاهرها أنّ الصلاة تصحّ مع استصحاب الطهارة إلى حين علمه بالنجاسة، فيقال: إذا صحّت الصلاة مع استصحاب الطهارة، وإن كان الثوب نجسًا واقعًا، صحّت مع الجهل بالطهارة وإن علم أنّ النجاسة منذ شروعه في الصلاة، إلّا أنّ المفروض أنّه لم يعلم بذلك إلّا الآن، وأما ما مضى من أجزاء الصلاة فقد كانت النجاسة مجهولة، فأيُّ فرق بين فرض استصحاب النجاسة وفرض الجهل بالنجاسة، فإنّه إن كان الثوب طاهرًا واقعًا فهو واجدٌ للطهارة، وإن كان نجسًا فقد صحّت الصلاة معه بمقتضى استصحاب الطهارة، فلماذا لا تصحّ معه مع الجهل بالنّجاسة؟ ولكن من المحتمل خصوصية لقيام استصحاب الطهارة، وهو وجود حكم ظاهريٍّ في حقِّه، إذ المفروض أنّه في هذا الفرض علم الآن بالنجاسة، لكنه لا يعلم بسبقها، ومقتضى الاستصحاب بقاء الطهارة إلى حين العلم بها، فهو واجدٌ لطهارة ظاهريّة.

بينما إذا لم يعلم بالنجاسة إلى أن دخل الركعة الثانية، ولكنه في الركعة الثانية علم بسبق النجاسة، فالطهارة الظاهرية المتحققة بالاستصحاب ليست موجودة عنده، وإن كان معذورًا لكونه جاهلًا. ففرق بين كونه معذورًا لجهله، وبين كونه واجدًا لطهارة ظاهرية، فمن المحتمل أنّ لوجدان الطهارة الظاهريّة دخلًا في صحة صلاته، فما دام هذا الأمر محتملًا، فلا يمكن قياس فرض الجهل بالنجاسة على فرض قيام حكم ظاهريٍّ وهو استصحاب الطهارة.

الوجه الرابع: أن يُستدَلّ بإطلاقات عدة روايات، منها «موثّقة داود بن سرحان، عن أبي عبد الله في الرجل يصلّي، فأبصر في ثوبه دمًا، قال: يُتِمّ»، فإنّ مقتضى إطلاقها أنه سواءً علم بسبق الدم منذ أول الصلاة أم لم يعلم. متى ما وجد دمًا في صلاته فإنّ هذا لا يضرّه «في الرجل يصلّي فأبصر في ثوبه دمًا، قال: يُتِمّ».

ولكنّ سيدنا «قده» ص 335 قال بأنّ إطلاقها يقبل التقييد، بما إذا حدث الدم أثناء الصلاة، ولا يشمل الدّم الحادث منذ أول الصلاة، بقرينة ما تقدّم من الأخبار الواردة في بطلان الصلاة الواقعة في النجس. في ص 333 ذكر هذه الأخبار:

الخبر الأول: «رواية أبي بصير في رجلٍ صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به، قال: عليه أن يبتدئ الصلاة»، فيرى سيدنا «قده» أنّ من علم بسبق النجاسة منذ أول الصلاة فصلاته فاسدة بمقتضى هذه الرواية. وعندنا قريب من هذا المدلول «صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ، قال: ذكر المني فشدّده، فجعله أشدّ من البول، ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعدما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة» ثم قال «وكذلك البول». ولكن ألا يُحتمل خصوصية للمني والبول في مقابل الدم؟ بأن يقال: إنّ اكتشاف تنجّز الثوب بالمني أو البول منذ أوّل الصلاة مُفسدٌ، وأمّا اكتشاف تنجُّس الثوب بالدّم منذ أول الصلاة فلا ضائريّة فيه بمقتضى إطلاق موثّقة داود بن سرحان.

الرواية الأخرى من هذه الروايات: «صحيحة محمد بن مسلم، عن الرجل يرى في ثوب أخيه دمًا وهو يصلي، قال: لا يؤذنه حتّى ينصرف»، حيث يقال بأنّ قوله «لا يؤذنه حتى ينصرف» هل هو حكم تكليفيّ أم وضعيّ؟ يعني هل أنّ النهي هنا نهيٌ تكليفي أم إرشاديّ؟ إذ ربما يقال أنّ النّهي تكليفيّ، أي لا ينبغي لك أن تخبره بوجود النجاسة في ثوبه، لأنه سيبتلي بعد ذلك، بأن يقطع الصلاة ويغسل ثوبه، وربما يتمكّن من إزالة النجاسة وربما لا يتمكّن، فالراجح أن لا تخبره «لا يؤذنه حتى ينصرف». فإذا قلنا أنّ مفاد الرواية نهي تكليفيّ، ولو كان تنزيهيًا، بملاك عدم إيذائه بإخباره بالنجاسة، فلا ربط لها بمحل الكلام، لأننا نبحث عن مقيد وضعيّ للصحة.

وأمّا إذا قلنا بأن النهي في المقام إرشاد كما استظهر سيدنا «قده»، أي أنّ قوله «لا يؤذنه حتّى ينصرف» إرشاد إلى أن العلم بالنجاسة أثناء الصلاة مُفسد، فإنّه لو علم بذلك لكانت صلاته فاسدة. «لا يؤذنه حتّى ينصرف» إرشادٌ إلى أنّ العلم بالنّجاسة مُفسد. فهنا أفاد سيدنا «قده» أنّ هذه الرواية مقيِّدة لإطلاق موثّقة داود بن سرحان، فإنّ مفاد تلك هو أنّ من أبصر في ثوبه دمًا يتمّ، ومفاد هذه: أنّ من علم بالدّم أثناء الصلاة فإنّه يعيد صلاته، وهذا مقيّد لذاك، فهل أنّ مفاد صحيحة محمد بن مسلم «لا يؤذنه حتى ينصرف» يصلح أن يكون مقيِّدًا لإطلاق موثّقة داود بن سرحان؟ ولكنّ الظاهر أنّ المفادين بنحوٍ واحد، فهما متعارضان، لا أنّ مفاد صحيحة محمد بن مسلم مقيّد لمفاد موثّقة داود بن سرحان. وهنا أفاد سيدنا بأنّه قد يُقال: إنّ موثّقة داود بن سرحان منصرفة إلى الدّم المعفوّ عنه، لكونه درهمًا أو أقلّ، والوجه في هذا الانصراف هو المحمول، حيث قال «في الرجل أبصر في ثوبه دمًا، قال: يُتِمّ»، فإنّ الأمر بالإتمام دون أمره بالتطهير أو الإزالة، قرينة على الدم مما يُعفى عنه، وبالتالي تكون موثقة داود بن سرحان أجنبية عن محلّ كلامنا، فإنّ محلّ كلامنا في الدم الذي لا يُعفى عنه، ولو بلحاظ المقدار.

فإذا قلنا بأنّ رواية دواد بن سرحان ناظرةٌ للدّم المعفوّ عنه، إذًا فليس عندنا دليل على صحّة الصلاة في من أبصر في ثوبه دمًا، فنأخذ بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم «لا يؤذنه حتى ينصرف» الدالّة على فساد صلاته لو علم بالدم أثناء الصلاة. وهذا وجه ذكره الشيخ الطوسي في موثّقة داود بن سرحان.

ولكن يلاحظ على ذلك:

أوّلًا: أنّ قوله «يتمُّ صلاته» مجرّد إرشاد إلى الصحة، وليس ناظرًا إلى كيفيّة معالجة النّجاسة، من أنّه يُبقيها أو يطهّرها، فليس في مقام البيان من هذه الجهة، وإنما غاية مفاده أن رؤية الدم لا تُوجب فساد الصلاة، فلا يصلح المحمول قرينةً على الموضوع.

وثانيًا: على فرض أنّ المراد بقوله «يتمّ صلاته» يعني يمضي من دون إزالة، أي أنّ قوله «يتمّ صلاته» أنّ وظيفته أن يمضي مع الدم من دون أن يطهّره، على فرض دلالتها على ذلك، فإنّ حملها على خصوص الدّم المعفوّ عنه، هذا من باب التشبّث بالمقدار المتيقّن من الخارج، والمقدار المتيقّن من الخارج ليس من القرائن العرفيّة الّتي تكون دخيلةً في تنقيح الظهور، فمجرّد العلم من الخارج أنّ الدّم بمقدار الدرهم أو أقلّ معفوٌّ عنه ولا يجب إزالته، لا يصلح أن يكون قرينة عرفيّةً على أنّ ظاهر هذه الرواية النظر لذلك، بحيث يرتفع التعارض بينها وبين صحيحة محمد بن مسلم.

فبقي عندنا من هذه الروايات صحيحة زرارة «قال: وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبًا قطعت الصلاة وغسلته، ثمّ بنيت على الصلاة، لأنّك لا تدري لعلّه شيءٌ أُوقع عليك» فإنّ مقتضى مفهوم التعليل في هذه الرواية أنّ من علم بسبْق الدم منذ شروعه في الصلاة فصلاته فاسدة، فنقيّد إطلاق موثّقة داود بن سرحان بمفهوم الشّرط في صحيحة زرارة، فمقتضى هذا التقييد حمل مفاد موثّقة داود بن سرحان على ما إذا احتَمل أن الدم طرأ أثناء الصلاة.

ومن هذه الروايات التي استُدلّ بها على الصّحّة، رواية عبد الله بن سنان «قال: إن رأيت في ثوبك دمًا وأنت تصلي، ولم تكن رأيته قبل ذلك، فأتمّ صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله. وإن كنتَ رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله، ثم رأيته وأنت في صلاتك، فانصرف فاغسله وأعدْ صلاتك»، فيُتمسّك بإطلاق الفقرة الأولى «إذا رأيت في ثوبك دمًا ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك»، والكلام فيها هو الكلام في موثّقة داود بن سرحان، لأنّ اللسان واحد.

ومن هذه الروايات حسنة «محمد بن مسلم، قال: قلت له الدّم يكون في الثوب وأنا في الصلاة، قال إن رأيتّه وعليك ثوبٌ غيره فاطرحه وصلّ في غيره، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامضِ في صلاتك ولا إعادة عليك، ما لم يزدْ على مقدار الدرهم، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء، رأيتَه قبل أو لم تره. وإن كنتَ قد رأيتَه وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاةً كثيرة، فأعدْ ما صلّيت فيه».

ومحلّ الكلام بناءً على إطلاق الفقرة الأولى، لما إذا كان الدّم من أوّل الصلاة أو ما إذا طرأ أثناء الصلاة، حيث قال «الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة، قال: إن رأيته وعليك ثوبٌ غيره فاطرحه وصلِّ في غيره»، فإنّ مقتضى إطلاقها أنّه: حتّى لو كنت تعلم بسبق هذا الدّم من أول الصلاة، مع ذلك صلاتك صحيحة، غاية ما في الأمر بدّلْه أو اطرحه وصلِّ في الثوب الطاهر. فمقتضى إطلاقها صحة الصلاة إذا رأى الدم أثناء الصلاة وإن علم بسبقه منذ أوّل الصلاة. وعليه، فلا بدّ من تقييد هذه الرواية بمفهوم صحيحة زرارة السابقة، كما قلنا في تقييد الروايتين السابقتين، وهما موثّقة داود وحسنة محمد بن مسلم. ص 338: فالمتحصّل أنّ مقتضى الأخبار المتقدمة - بعد التقييد -، أنّ الصلاة في هذه الصورة، وهي صورة ما إذا علم بأنّ النّجاسة سابقة منذ أوّل الصلاة الصلاة باطلة، ويجب استئنافها مع الطّهارة بتبديل الثوب أو بغسله.

وأمّا الصورة الثانية وهي: ما إذا رأى الدّم أثناء الصلاة، وعلم بسبقه مع بعض الأجزاء، لكنّه لا يعلم بوجوده منذ أول الصلاة، وإن علم بسبقه مع بعض الأجزاء، فهل يحكَم بالصحة فيها كما ذهب المشهور؟ أو بالفساد كما ذهب إليه سيّد العروة «قده»؟ ذكر سيدنا «قده» في ص 340، قال: إنّ التعليل الوارد في صحيحة زرارة يشمل هذه الصورة «لأنّك لا تدري لعلّه شيءٌ أُوقع عليك، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا»، فيقول السيد الخوئي: أُوقع عليه مقابل ما كان موجودًا قبل الصلاة، لا أُوقع عليك حين العلم.

فبالنتيجة مقتضى عموم منطوق هذه الجملة «إذا كنت لا تدري لعلّه شيءٌ أُوقع عليك»، مقتضى إطلاقها أنّه: متى ما احتملتَ أنّ الدم وقع عليك بعد الدخول في الصلاة، سواءً كان قد وقع عليك الآن - أي حين رؤيته -، أو وقع عليك من الرّكعة السابقة، المهمّ أنّه ليس سابقًا منذ أول الصلاة، وإنما وقع عليك في الأثناء. فمقتضى إطلاق هذا الكلام صحّة الصلاة في هذه الصورة، وإنْ تيقّن بأنّ ركعة أو ركعتين كانت مع النّجاسة، ما دام يحتمل أنّه ممّا أُوقع عليه وليس سابقًا منذ الشروع في الصلاة. قال: إنّ التعليل الوارد في صحيحة زرارة يشمل هذه الصورة، لأنّ معناه أنّ النّجاسة المرئيّة لعلّها شيءٌ أُوقع عليك وأنت تصلّي، لا وأنت في زمان الانكشاف، أعني الآنات المتخلِّلة الّتي التفت فيها إلى النّجس، فإنّها لم تقيّد الوقوع بما إذا كان في ذلك الزّمان. فالعبرة بعدم سبق النّجاسة على الشّروع في الصلاة، وليست العبرة بأن يحتمل وقوعه أثناء الالتفات، فمقتضى عموم التّعليل صحّة الصلاة في هذه الصورة وفاقًا للمشهور.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 133
الدرس 135