نص الشريط
الدرس 137
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/7/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2621
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (438)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا سابقًا، أنّ من الطوائف التي تناولت هذه المسألة، وهي من صلّى في النجس نسيانًا، طائفتان متعارضتان، دلّت إحداهما على الأمر بالإعادة مطلقًا، ودلّت الأخرى على عدم المطلوبيّة بالإعادة مطلقًا. وكان الكلام في وجه الجمع بين الطائفتين، وسبق الكلام في الوجه الأول، وهو حمل ما دلّ على الأمر بالإعادة على الاستحباب. وصل الكلام إلى الوجه الثاني، وهو يبتني على مقدمتين:

المقدمة الأولى: أنه ورد في موثّقة سُماعة «سألت أبا عبد الله عن الرجل يرى في ثوبه الدّم، فينسى أن يغسله، حتّى يصلّي، قال: يعيد صلاته، كي يهتمّ بالشيء إذا كان في ثوبه، عقوبةً لنسيانه». وتقريب مفادها أنّ: تعبيرها عن الأمر بالإعادة بأنّه عقوبةٌ للنسيان، ظاهرٌ في أنّ الصلاة صحيحة، وإنّما يجب إعادتها تكليفًا، لا أنّ الصلاة فاسدة، والملاك في وجوب الإعادة عقوبة الناسي على تقصيره في عدم التّحفّظ، كما ورد هذا اللسان في الحجّ أيضًا، حيث إنّ من جامع امرأته قبل السعي، فإنّه عليه الإعادة من قابل، وقد سأل الإمام : «أيّ الحجّتين له؟ قال: الأولى والثانية عقوبة». وثمرة كون الصلاة صحيحة، وإن كان يجب إعادتها عقوبةً صحّة الائتمام، فإنّه يصحّ له أن يأتمّ بهذا الإمام الذي صلّى في ثوبه النّجس نسيانًا، أو أنّه لا يجب على الولد الأكبر قضاء مثل هذه الصلاة، لأنّها لم تفُت أباه، وإن كان يجب على أبيه إعادتها تكليفًا، لكنّها لم تفتْه بمقتضى كونها صحيحة. بل مقتضى صحّتها أنّه يجوز له الدخول في ما يترتّب عليها، حيث يعتبر في صحّة صلاة العشاء والعصر، صحّة الظّهر، وإن كان يجب إعادتها تكليفًا، لكنّها صلاةٌ صحيحة، فيصحّ له الشروع في ما يترتّب عليها، وكذا سائر آثار الصحّة.

المقدمة الثانية: بما أنّ ظاهر لحن التعبير في موثّق سماعة، أنّ الصلاة صحيحة وإن وجبت إعادتها تكليفًا، فهذه الموثّقة إمّا شاهد جمعٍ بين الطائفتين، أو موجبٌ لانقلاب النسبة، فيُقال بأنّ: الطائفة الدالة على عدم الإعادة محمولةٌ على النظر إلى صحّة الصلاة، أي أنّ الصلاة صحيحة مع النسيان، والطائفة الآمرة بالإعادة محمولةٌ على الأمر التكليفيّ من باب العقوبة، لا لأنّ الصلاة فاسدة، وبذلك يتمّ الجمع بين الطائفتين المتعارضتين. كما ذهب لذلك بعض الأساتذة. أو يُقال بأنّ: هذه الطائفة موجبٌ لانقلاب النسبة، بمعنى أنّ: الطائفة الدالّة على عدم وجوب الإعادة محمولة على ما إذا كان النسيان لا عن تقصير، فحيث إنّ موثّقة سُماعة، بقرينة مناسبة الحكم للموضوع، ناظرةٌ لفرض النسيان عن تقصيرٍ وإهمال. إذًا، فهي مقيِّدةٌ لما دلّ على عدم الإعادة مطلقًا، وهو الطائفة الثانية كصحيحة العلاء، فتُحمَل صحيحة العلاء الدالّة على عدم الإعادة على فرض القصور، لأنّه في فرض التقصير يلزمه الإعادة. فإذا صارت صحيحة العلاء خاصّةً بفرض القصور، صارت أخصّ مطلقًا ممّا دلّ على الإعادة، وهو صحيحة ابن أبي يعفور وصحيحة زرارة. فتُحمَل الصحيحتان - أي صحيحة زرارة وابن أبي يعفور - الدالّتان على الإعادة على فرض التقصير، فبعد تخصيص الطائفة الثانية - وهي صحيحة العلاء - بموثّقة سماعة، تنقلب النسبة بينها وبين صحيحتين ابن أبي يعفور وزرارة، من التباين إلى العموم والخصوص المطلق، فتُخصَّص بها. فتكون النتيجة بعد انقلاب النسبة هي التفصيل، بأنّه إن كان النسيان عن تقصيرٍ وجبت الإعادة، وإن لم يكن عن تقصيرٍ فلا إعادة عليه. هذا هو الوجه الثاني للجمع بين هذه الروايات. ثمّ إنّ سيدنا «قده» ذكر في ص 344، من الجزء الثالث، ذكر أمورًا: الأمر الأول: قال بأنّ الصحيح في علاج المعارضة بين النصوص، حيث لم يتعرّض هو للوجه الثاني الذي ذكرناه أصلًا، ولم يعلّق عليه، لذلك ذهب مباشرةً إلى علاج المعارضة بين هذه النصوص، فذكر أمورًا:

الأمر الأول: تقديم ما دلّ على الأمر بالإعادة على صحيحة العلاء الدالة على عدم الإعادة بالشهرة، حيث إنّ الطائفة الأولى أشهر. حتّى أن الشيخ «قده» في تهذيبه، في الجزء الثاني، ص 360، بعد أن ذكر الرواية - أي صحيحة العلاء الدالّة على عدم الإعادة -، قال: إنّه خبرٌ شاذّ، لا يُعارَض به الأخبار التي ذكرناها ها هناك، وفي ما مضى من كتاب الطهارة. فمقتضى هذا البيان، تقديم الطائفة الدالة على الإعادة بالشهرة.

الأمر الثاني: قال إنّ التقديم بالشهرة ليس من باب الترجيح، كما يظهر من سيد المستمسك «قده»، في الجزء الأول، ص 538، بل من باب أنّه مخالفٌ للسنّة، فعندما نقول بأنّ الطائفة الدالة على الإعادة مقدّمة لأنها مشهورة، لا من باب ترجيح المشهور على غيره، فإنّ الترجيح بالمشهور إمّا وارد في المرفوعة، أو وارد في المقبولة. أمّا المرفوعة فساقطة سندًا لأجل الرفع، كما أشار إليه السيد الشهيد «قده» في أصوله في الجزء السابع، قال: وأما المرفوعة التي رواها ابن أبي جمهور في «غوالي اللآلي» عن العلامة مرفوعًا إلى زرارة، التي تضمّنت هذه العبارة «خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودعِ الشاذّ النادر»، قال في ص 370، في الجزء السابع من أصوله: لا إشكال في سقوط المرفوعة سندًا، لما فيها من الرفع، بل قالوا إنّ هذه الرواية لم تُوجَد في كتب العلامة التي بأيدينا، مع أنّه نقلها ابن أبي جمهور عن العلامة. وأمّا المقبولة، أي مقبولة عمر بن حنظلة، التي أيضًا تضمّنت عنصر الشهرة، حيث قالت: «يُنظر إلى ما كان من روايتيهما عنّا، في ذلك الذي حكما به، المجمَع عليه عند أصحابك، فيؤخَذ به من حكمنا، ويُترَك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمَع عليه لا ريب فيه». فقد أفاد سيدنا «قده» بأنّ عمر بن حنظلة لا توثيق له، وأمّا ما ورد في رواية يزيد بن خليفة، أنّه سأل الإمام الصادق : «جاءنا عمر بن حنظلة بوقتٍ عنْكَ - لأنّه من رواة أوقات الصلاة -، فأجاب : إذًا لا يكذب علينا»، فقد أفاد سيدنا «قده» بأنّ يزيد بن خليفة أيضًا لا توثيق له، فكيف نعتمد على روايته في توثيق عمر بن حنظلة. ولكنّ السيد الشهيد، حيث يبني على توثيق من روى عنه أحد الثلاثة، والمفروض أنّ صفوان بن يحيى روى عن يزيد بن خليفة في باب كفّارة الصوم من الكافي، الجزء الرابع، لأجل ذلك أصبح يزيد بن خليفة ثقةً، لرواية صفوان عنه، وحيث إنّ يزيد بن خليفة روى عن الصادق أنّه قال في عمر بن حنظلة «إذًا لا يكذب علينا»، فالنتيجة هي وثاقة عمر بن حنظلة. ولكن ذكرنا في الأصول في محلّه المناقشة في كلا الأمرين: أما في رواية أحد الثلاثة عن شخصٍ، فقد ذكرنا أنّ شهادة الشيخ الطوسي «قده» بأنّ الطائفة ساوتْ بين مَراسيلهم ومسانيدهم، وأنّهم لا يرسلون ولا يروون إلا عن ثقة شهادةٌ حدْسيّة، ولم يحرَز أنّها حسّيّة كي يُعتمَد عليها. وعلى فرض أنّها شهادة حسّيّة، فإنّنا نستظهر من العبارة، أنّ من يروي عنه أحد الثلاثة، على نحو الاعتماد، لا مجرّد الرواية عنه، ويكشف عن روايته عنه على نحو الاعتماد أن يُكثر من الرواية عنه، فإذا أكثر من الرواية عن شخصٍ، كشف عن اتّكائه عليه، فكان شهادةً منه بوثاقته، وأمّا مجرّد أنّ صفوان روى رواية واحدة عن يزيد بن خليفة في باب كفّارة الصوم، فهذا ليس مشمولًا بشهادة الشيخ الطوسي في العدّة - على فرض أنّها شهادةٌ حسّيّة -.

وأمّا الأمر الثاني، وهو رواية يزيد بن خليفة «إنّ عمر بن حنظة جاءنا بوقتٍ عنك، قال: إذًا لا يكذب علينا»، فلا ظهور فيها في توثيق عمر بن حنظلة، بل غاية مفادها أنّه: في ما أخبر به ليس كاذبًا، أمّا أنّه شخص لا يكذب علينا مطلقًا، وأنّ هذا شأنه وحاله، فهذا لا يُستفاد من هذه الرواية. والنتيجة أنه: لا توثيق لعمر بن حنظلة، إلا أن يُقال بأنّ عمل الطائفة بالمقبولة في باب القضاء، وفي باب حلّ التعارض بين الأخبار، قرينةٌ على الوثوق بصدورها، وهذا أمرٌ آخر.

والنتيجة: أنّ تقديم الطائفة الدالة على الإعادة، على الطائفة الدالة على عدم الإعادة، بنظر سيدنا ليس من باب الترجيح بالشهرة، إذ لم يثبت الترجيح بالشهرة في رواية معتبرة. وإنّما من باب طرح ما خالف السنّة، أي أنّه إذا اشتهرت روايةٌ بين الأصحاب، بحٍّ يوثق بصدورها، فالمخالف لها مخالفٌ للسُّنَّة، ويُطرح من باب أنّه مخالف للسنّة، فليست المسألة مسألة ترجيح، وإّنما من باب عدم حجّيّة الخبر المخالف، وهذا ما طبّقه سيدنا على المقام، حيث اعتبر صحيحة العلاء مخالفة للسنّة فتُطرَح، لا كما عبّر سيد المستمسك بأنّ الطائفة الأولى أشهر وأصحّ سندًا، بل قال سيدنا أكثر من ذلك، بل إنّ الطائفة الثانية أصلًا ليست حجّةً، لأنّها مخالفة للسنّة.

وقد ذكرنا عدّة مرات، أنّ ظاهر التعبير بطرح ما خالف السنة، كما في صحيحة أيوب بن رشد، وأيوب بن حَمْر: «سمعت أبا عبد الله يقول: كلُّ حديث مردودٌ إلى الكتاب والسّنّة وكلُّ شيء لا يوافق كتاب الله فهو زخرف»، أنّ المقصود بالسنة الخبر الواضح، المركوز بين المتشرّعة، لا الخبر الذي قطع بصدوره مجتهدٌ نتيجة بعض القرائن، فإنّ هذا ليس مصداقًا للسنّة. فإنّ ظاهر القرن بين الكتاب والسنة، أنه ليس المراد من السّنّة كل خبر مقطوع الصدور، بل المراد بالسّنّة ما كان قرين الكتاب في كونه أمرًا مركوزًا بين المسلمين وواضحًا بينهم، لا مجرّد أنّه خبر مقطوع الصدور. صحيح لا يختص عنوان السنّة - كما ذهب إليه السيّد الإمام قده - بسنّة النّبيّ ، حيث خصّص السنّة بسنّة النبيّ لما ورد في بعض الأخبار غير التامّة سندًا، بأنّه بالتعبير بسنّة النبيّ ، حيث قال: «في رواية ابن أبي يعفور، سألت أبا عبد الله عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به. قال: إذا ورد عليكم حديث، فوجدتّم لها شاهدًا من كتاب الله، أو من قول رسول الله ، وإلا فالذي جاءكم به أولى به. وورد في بعض الروايات «لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنّة نبيّنا»، فإنّ هذه الروايات لم تتمّ سندًا، ولو تمّت فإنّه لا مفهوم لها بحصر السنّة في سنّة النبي ، وإنّما المراد بالسنة الخبر الواضح المرتكز بين المتشرّعة، كوضوح القرآن الكريم، لا مجرّد أنّه خبر مقطوعٌ بصدوره. مضافًا إلى أنّ الصغرى غير تامّة، فإنّ مجرّد وجود ثلاث روايات، أو أربع روايات دالّة على أنّ من صلّى في الثوب النجس يُعيد صلاته، لا يجعلها من السنّة القطعيّة، بحيث يُطرَح ما خالفها من باب طرح ما خالف السنّة. ولذلك نقول: إن لم يتمّ الجمع الذي ذكرناه بين الروايات، واستقرّ التعارض بينها، فإنّ مبنانا على أنّ إعراض المشهور عن العمل بالرواية مانع من حجّيتها، والمشهو هنا لم يعمل بصحيحة العلاء مع صحّة سندها، وورودها في كتب الحديث، وإنّما عمل بالطائفة الأخرى. وإن لم يتمّ ذلك، فيُصار إلى تقديم ما دلّ على الأمر بالإعادة، لما ذكره سيدنا «قده» من باب ترجيح ما خالف العامّة، فقد ذكر الشيخ في «الخلاف» أنّ: القول بعدم وجوب الإعادة، مسلك جملة من علماء العامّة، كالأوزاعي والشافعيّ في القديم، وأبي حنيفة، ورُوي ذلك عن ابن عمر. وذكر ابن قُدامة في «المغني»: الصحيح أنّ مسألة الجهل بالنجاسة ونسيانها واحدة، فكما في الجهل يُعذر المكلّف، ففي النسيان أولى، لورود النصّ عنه بالعفو. وقال الزرقاني في «شرح فقه مالك»، في الجزء الأول: الطهارة من الخبث شرطٌ في الصحة في حال الذكر والقدرة على المشهور ابتداءً ودوامًا. وفي «الفقه على المذاهب الأربعة» في الجزء الأول، نقل عن المالكيّة، ثم قال: من صلّى بالنّجاسة ناسيًا أو عاجزًا، فصلاته صحيحة على القولين. وبالتالي يُقدّم ما دلّ على الإعادة، لأنّه مخالفٌ للعامّة، لا من باب التقيّة، كما ذكر سيدنا «قده» ص 345، حيث قال: وبذلك تُحمَل الصحيحة - أي صحيحة العلاء - الدالّة على عدم الإعادة على التقيّة، بل لأنّ نفس مخالفة العامّة هي مرجّحٌ في حدّ ذاته، مع غمض النظر عن صدور الخبر تقيّةً أم لا، حيث إنّ ظاهر الروايات أنّ نفس المخالفة مرجّحٌ، ففيها «ما خالف العامّة ففيه الرشاد»، أو «إنّ الرشد في خلافهم»، فافهم وتأمّل.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 136
الدرس 138