نص الشريط
الدرس 141
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 30/7/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2695
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (576)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا في ما سبق، أنّ سيدنا «قده» أفاد بأنّ من تذكر أنّ ثوبه نجس، وكان في أثناء الصلاة، فإنّه يجب عليه الإعادة، وذلك لثلاثة أدلة، ووصل الكلام إلى الدليل الثالث، وهو «صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى ، قال: سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته، أنّه لم يستنجِ من الخلاء، قال: ينصرف، ويستنجي من الخلاء، ويعيد الصلاة»، فإنّ مقتضى إطلاقها هو لزوم الإعادة، سواءً كان عدم استنجائه من البول أو عدم استنجائه من الغائط. ولكن عند مراجعة الروايات، يوجد تعارض بينها، ففي موثقة سماعة «قال: قال أبو عبد الله : إذا دخلتَ الغائط، فقضيت الحاجة، فلم تهرق الماء، ثم توضّأت، ونسيت أن تستنجي، فذكرت بعدما صليت، فعليك الإعادة. فإن كنت أهرقت الماء، فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صليت، فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك، لأنّ البول ليس مثل البراز». وظاهر هذه الرواية، أنّ من نسي الاستنجاء حتّى فرغ من صلاته، فإن كان المنسيُّ الاستنجاء من البراز، صحّ وضوؤه، لكن عليه إعادة الصلاة، وإن كان المنسيّ الاستنجاء من البول، بطل وضوؤه أيضًا فضلًا عن صلاته، لأنّ البول ليس مثل البراز، فلعلّه لأنّ البول يبقى أثره على العضو، فيكون ذلك مانعًا، بخلاف البراز، غايته أنّه لم يستنجِ منه مثلًا، ولو بالأحجار. ولكن، مقابل هذه الرواية التي فصّلت بين البول والبراز، روايات أخرى دلّت على عدم الإعادة، بعضها في البراز، وبعضها في البول. مثلًا موثقة عمار بن موسى «قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لو أنّ رجلًا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي، لم يعِد الصلاة»، فإنّ ظاهره أن عدم الاستنجاء من البراز ليس موجبًا لبطلان الصلاة. وأمّا في البول، فأيضًا توجد هذه الرواية، وهي رواية «عمرو بن أبي نصر، قال: لقلت لأبي عبد الله : إنّي صلّيت، فذكرت أني لم أغسل كذا بعدما صليت، أفأُعيد؟ قال: لا»، مع أنّ مفروض السؤال أنّه لم يغسل عضو البول، مع ذلك، أفادت بأنّ صلاته صحيحة. فنتيجةً لذلك، تقع المعارضة بين الروايات، وعليه فلا يصحّ الاستدلال بما ذكره سيدنا «قده» من صحيحة عليّ بن جعفر، على أنّ: من ذكر أنّه لم يستنجِ، فإنّ صلاته باطلة، فإنّها داخلة ضمن المعارَضة. ولكن هذه الرواية التي استدلّ بها سيدنا «قده»، موردها من ذكر وهو في الصلاة، حيث قال في صحيحة عليّ بن جعفر «سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنجِ من الخلاء، قال: ينصرف ويستنجي ويعيد»، بينما مورد الروايات المتعارِضة من لم يتذكّر إلا بعد الفراغ من الصلاة، حيث قال: «فذكرت بعد ما صليت»، فهل يمكن بذلك أن يفصَّل بين الموردين؟ بين الذكر بعد الصلاة والذكر أثناء الصلاة؟ ولا يبعد بأن يُقال بأنّه: إنّما التعارض إنّما هو بين الطائفتين الثانية والثالثة، الدالّتين على حكم من تذكّر بعد الصلاة، حيث ذكر في إحداهما الأمر بالإعادة، والأخرى عدم الأمر بالإعادة، فتبقى الطائفة الأولى بلا معارِض، وحينئذٍ يتمّ كلام سيدنا «قده» من أنّ: من ذكر النجاسة أثناء الصلاة أعاد. ولا يحتمل خصوصية لعدم الاستنجاء، يعني بأن يكون لعدم الاستنجاء خصوصيّة، أمّا في غيره من النجاسات فلا، يعني إن ذكر عدم الاستنجاء أثناء الصلاة فصلاته باطلة، وأمّا النجاسات الأخرى إذا ذكرها أثناء الصلاة فصلاته صحيحة، هذا التفصيل غير محتمل. فمقتضى هذه الرواية - وهي صحيحة عليّ بن جعفر - بطلان من ذكر النجاسة أثناء الصلاة. نعم، التعدّي إلى الدّم محلّ تأمُّل ذكرناه في ما سبق، وليس أمرًا جديدًا. هذا تمام الكلام في هذه المسألة. مسألة 277: ناسي الحكم تكليفًا أو وضعًا، كجاهله في وجوب الإعادة. من ذكر الحكم لا الموضوع، أي كان عالمًا بأنّ النجاسة مبطلة للصلاة، ولكنّه نسي حكم الشارع بالمبطليّة، فصلّى في النّجس ملتفتًا إلى وجود النّجاسة لكنّه ناسٍ للحكم، أو ناسٍ أنّه يعتبر التطهير، فإمّا أن يكون ناسيًا للشرطية، أو ناسيًا للزوم التطهير. ذكر سيدنا «قده» ص 350، من الجزء الثالث من موسوعته المباركة أنّ: مقتضى «لا تعاد» صحّة صلاته، إذا كان نسيانه للحكم عن قصور لا عن تقصير، وذلك لأنّ: «لا تعاد» مطلقة «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة»، خرج عن هذا الإطلاق من نسي الموضوع، أي من نسي النجاسة، فلم يتذكرها إلا حين الصلاة أو بعد الصلاة، فإنّ هذا محكوم بالإعادة بمقتضى الروايات الخاصة. وأما من نسي الحكم، فيبقى تحت إطلاق حديث «لا تعاد»، حيث لا تشمله الروايات الخاصّة الدالّة على البطلان لمن تذكّر، فإنّها واردة في من نسي الموضوع، ولا تشمل من نسي الحكم، من نسي الحكم يبقى تحت إطلاق حديث «لا تُعاد». ولكن حيث ذكرنا في ما سبق، الإجمال في عنوان الطّهور، حيث إنّ الطهور المذكور في المستثنى «إلا خمسة»، الطّهور والقبلة والوقت والركوع والسجود، مجملٌ يحتمَل شموله للطهارة الخبثية، فلم يحرَز إطلاق المستثنى منه، لما إذا نسي الحكم، فإذا لم يحرَز إطلاق حديث «لا تعاد» لمن نسي الحكم، فمقتضى حسنة ابن سنان، التي بنى عليها سيّدنا في ما سبق، هو بطلان الصلاة في هذا الفرض «قال: سألت أبا عبد الله عن رجل أصاب ثوبه جنابةٌ أو دمٌ، قال: إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي، ثمّ صلّى فيه ولم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى»، فإنّ مقتضى إطلاقها أنّ من علم بالنّجاسة فصلّى فصلاته باطلة، سواءً كان شروعه في الصلاة لنسيان الموضوع أو لنسيان الحكم، فإنّ مقتضى إطلاقها هو الحكم بالبطلان. مسألة 178: لو غسل ثوبه المتنجّس، وعلم بطهارته، ثمّ صلى فيه، وبعد ذلك تبيّن له بقاء النجاسة، فهل هذا يعدُّ من باب النسيان، أو من باب الجهل؟ فإن اعتبرناه من باب النسيان فصلاته فاسدة، وإن اعتبرناه من باب الجهل بالموضوع فصلاته صحيحة. وقد أفاد سيدنا «قده» ص 350، أنّ هذا ملحقٌ بالجهل بالموضوع، فهو كمن يجهل وجود نجاسة من الأصل، فكما أنّ من يجهل وجود نجاسة من الأصل وعلم بها فإنّ صلاته لا تكون فاسدة، كذلك من علم بالنجاسة، فطهّر المكان، فصلّى، فتبيّن بقاء النجاسة، فإنّ هذا المقدار من النجاسة مجهولٌ. واستدلّ على ذلك بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: قال: المستفاد من صحيحة زرارة أنّ: من صلى بانيًا على طهارة ثوبه، فصلاته تامّة. صحيحة زرارة «فإن ظننتُ أنّه قد أصابه، ولم أتيقّن ذلك، فنظرت فلم أرَ شيئًا، فصلّيت، فرأيت فيه، قال: تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت: لمَ ذلك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا»، فإنّ مقتضى عموم التعليل، أنّ من دخل صلاته متيقّنًا بالطهارة، فصلاته صحيحة، وإن كان هذا اليقين بالطهارة مسبوقًا بالعلم بالنجاسة، إلا أنّ المفروض أنّه بعد أن غسل الموضع حصل له يقينٌ بالطهارة، فدخل الصلاة وهو على يقين بالطهارة «لأنّك كنت على يقينٍ من طهارتك فشككت، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدًا»، فهل هذا الاستدلال تام؟ يعني هل الملحوظ في الرواية اليقين بالإضافة إلى الشّكّ؟ أو الملحوظ في الرواية اليقين في حد ذاته؟ يعني هل أنّ منظور الرواية أنّه مجرى الاستصحاب؟ فلوحظ اليقين بالإضافة إلى الشك، يعني من تيقّن الطهارة ثم شكّ، فالملحوظ اليقين بالإضافة إلى الشكّ. أمّا اليقين بالإضافة إلى تبيُّن العدم، يعني تيقّن بعدم النجاسة لأجل الغسل، ثم انكشف أنّ يقينه في غير محله، وأنّ النجاسة باقية، فالرواية لا تشملها. فهل الرواية ناظرة لأنّ نفس اليقين له موضوعية «من صلى بيقين في الطهارة فصلاته صحيحة»؟ أو لا، نظر الرواية: من صلّى بيقينٍ بالطّهارة فشكّ في عروض النجاسة، فإنّ صلاته صحيحة؟ لا أنّ لليقين في حدّ ذاته موضوعيّة. وحيث يُحتمَل احتمالًا عرفيًّا أنّ منظور الرواية هو: أنّ المصحح للصلاة كون المصلّي مجرىً للاستصحاب، أي أنّ منظورها اليقين بالإضافة إلى الشكّ، لا اليقين في حدّ ذاته، فدعوى ظهور الرواية في أنّ من صلّى بانيًا على الطهارة صحّت صلاته، وإن تبيّن بقاء النجاسة، غير تامّ. الوجه الثاني: «ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله ، قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم، فصلّى فيه وهو لا يعلم، فلا إعادة عليه. وإن علم قبل أن يصلّي، فنسي وصلّى فيه، فعليه الإعادة». فهنا ذكر سيدنا «قده» أنّ محلّ مسألتنا، وهو «من غسل الموضع وتيقّن بالطهارة فصلّى، ثمّ تبيّن بقاء النجاسة» داخل في الفقرة الأولى، وهي «أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه»، حيث إنّ المناط في صحّة الصلاة إمّا الطهارة الواقعية، بأن انكشف أنّ ثوبه طاهر واقعًا، أو عدم تنجُّز النجاسة، بأن لم يعلم بها، فمتى لم يعلم بالنجاسة، فلم تتنجّز النجاسة في حقّه، فصلاته صحيحة، ومحلّ الكلام ممّن لم تتنجَّز النجاسة في حقّه، إذ المفروض أنّه طهّر المحل، وتيقّن بالطهارة، ثمّ صلّى، ثم تبيّن بقاء النجاسة، فالنجاسة لم تتنجّز في حقّه في الصلاة، ومقتضى ذلك صحّة صلاته. فهل ظاهر هذه الرواية - وهي رواية أبي بصير - أنّ المناط عدم تنجُّز النجاسة؟ أو أنّ المناط أن لا يعلم بالنجاسة من الأصل، لا أنّه علم بها فطهّرها، فتيقّن بعدمها، ثمّ انكشف عدم ذلك «قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم، فصلّى فيه وهو لا يعلم»، فهل أنّ قوله «وهو لا يعلم» مطلق، يشمل من علم فطهّر؟ أو «وهو لا يعلم» منصرفٌ إلى من لم يعلم بالنجاسة من الأصل؟ فقد أفاد «قده» في ص 351، قال: «فصلّى فيه وهو لا يعلم»، ولم يقل «لم يعلم»، فكلّ من صلّى وهو لا يعلم يحكَم بصحة صلاته، وإنّما يُستثنى من ذلك خصوص من نسي موضوع النجاسة، وبما أنّ من غسل ثوبه واعتقد الطهارة، فهو غير عالم بالنجاسة، فلم تتنجّز النجاسة في حقّه حال الصلاة، فلا يصدق عليه عنوان الناسي، بل هو جاهل بالموضوع. ولكنّ إطلاق الرواية لمثل ذلك محلُّ تأمُّل.

الوجه الثالث: حسنة ميسِر «قال: قلت لأبي عبد الله : آمرُ الجارية فتغسل ثوبي من المني، فلا تبالغ في غسله - لا يعني أنّها ممّن لا تبالغ، بل يعني أنّها في هذه المرة لم تبالغ في الغسل -، فأصلّي فيه، فإذًا هو يابس - فإذًا أراه يابسًا في الثوب -. قال: أعد صلاتك، أما إنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء»، حيث صرّحت بأنّه: لو غسل ثوبه، ثمّ ظهر بقاء النجاسة، لم تجب الإعادة، إذ أنّ الإنسان إذا غسل بنفسه الثوب يحصل له اليقين أو الاطمئنان، بخلاف ما لو اعتمد على غيره، فإنّ ظاهر هذه الرواية في التفصيل بين أن يغسل هو أو تغسل المرأة، أنّ للاطمئنان دخلًا، فمن صلّى مطمئنًّا بعدم النجاسة صحّت صلاته.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 140
الدرس 142