نص الشريط
درس القواعد الفقهية - الدرس 7
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 25/11/1436 هـ
مرات العرض: 2647
المدة: 00:12:38
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (582) حجم الملف: 2.89 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

المطلب الثالث: هل أنّ الافتاء واجب على الفقيه الملتفت إلى جامعيته لشرائط الإفتاء بنظر العامّي أم لا؟.

فقد يقال: بوجوب الافتاء على الفقيه بأحد وجهين:

الوجه الأول: مفاد آية الإنذار، ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. بدعوى: إن ظاهرها وجوب الإنذار على الفقيه.

ولكن يلاحظ على هذا الاستدلال: أنّ عنوان الانذار اعم من الافتاء اي الاخبار عن الحكم الشرعي. والوجه في ذلك:

أنّ المراد بالانذار عرفا: تحذير المكلف عن الوقوع في مخالفة الواقع. والتحذير عن الوقوع في مخالفة الواقع لأجل الوعيد عن المخالفة كما يتم بالاخبار عن الحكم الشرعي في حق المكلف يتم ايضاً لبيان مورد الاحتياط. فإنه يصدق على بيان مورد الاحتياط انه انذار. مضافاً الى أنّ ظاهر الآية في قوله: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ أنّ التكليف متنجز في رتبة سابقة على الإنذار لا أنّ التكليف تنجز بالانذار بل ظاهر أمر المتفقه بالانذار لعل الحذر يترتب على إنذاره أنّ التكليف قد تنجز في رتبة سابقة على العامي، ويراد حذره بانذار الفقيه وهذا يعني اختصاص الآية بموارد تنجز التكليف في رتبة سابقة، إما بحجة على التكليف أو بالعلم الإجمالي فلا شمول لمفادها لموردٍ ينحل فيه العلم الإجمالي بالتكاليف بما يظفر عليه العامّي. كما لو فرضنا: أنّ العامي حينما بلغ علم اجمالاً بوجود الف إلزام في الشريعة مثلاً، وبفحصه في كتب الفتاوى وجد هذا المقدار من العدد في كتب فتاوى الفقهاء. وعليه فالعلم الاجمالي بوجود الف إلزام قد انحل بالنسبة للعامي، فليس لديه منجز للتكليف في رتبة سابقة على فتوى الفقيه، وفي مثل هذا المورد لا يصدق على فتوى الفقيه أنها إنذار موجب للحذر حيث لا تنجز بتكليف في رتبة سابقة، وبالتالي فالآية المباركة أخص من المدّعى.

الوجه الثاني: الذي استدل به على وجوب الافتاء على الفقيه، آية الاتمام، وهي قوله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ.

بدعوى: أن ظاهرها وجوب ابراز الاحكام الشرعية، فإن في عدم ابرازها كتمانا للهدى، وهو مبغوض لدى الشارع المقدّس.

ولكن هذا الاستدلال أيضاً غير تام:

أولاً: لأنّ اخفاء الفتوى أو عدم ابراز الحكم الشرعي حتى مع العلم التفصيلي به فضلاً عن العلم التعبدي، عدم ابراز الحكم الشرعي لغرض عقلائي لا يصدق عليه عنوان الكتمان، وإنما يصدق الكتمان على عدم إبراز الحكم الشرعي إذا كان هذا الاخفاء في معرضية وقوع العامي في مخالفة الواقع، وأما إذا لم يكن في معرضية ذلك لا يصدق على عدم الابراز أنه كتمان حتى يقال بوجوب الافتاء.

وثانياً: إنّ غاية ما تدل عليه الآية وجوب الإبراز في الجملة بلحاظ أن مفاد قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ فإن ظاهرها: أنّ ما كان له ظهور في الكتاب فإن عدم إبرازه يعد كتمانا مبغوضاً ولا يشمل ذلك جميع ما يتوصل اليه الفقيه من الفتاوى، بل هي ناظرة لما كان له ظهور ووضوح في الكتاب لا مطلقا.

وثالثا: قد يقال بأن ظاهر السياق: أن المبغوض الكتما الموجب لخفاء الهدى لا كل كتمان وبالتالي فلا يصح الاستدلال بهذين الوجهين على وجوب الافتاء على هذا الفقيه، غاية ما في الباب: كما قيل: ان الاجتهاد ليس واجبا عينيا وانما هو واجب كفائي بغرض عدم اندراس الشريعة بالجهل بالاحكام الشرعية، حيث ان حفظ قوام الشريعة بقوامها واحكامها امر واجب، لذلك يجب الاجتهاد وجوبا طريقيا بمقدار ما تنحفظ به الشريعية وبمقدار ان لا تندرس الشريعة، وبعين هذا الوجوب وهذا الحد يقال بوجوب الافتاء، فإن الافتاء انما يجب إذا كان الافتاء طريقا لحفظ الشريعة عن الاندراس واما إذا كان كثير من احكام الشريعة معروفا اما بالضرورة واما بالتسالم واما بالمشهورية بين فقهاء الشريعة فحينئذٍ لا يصدق على عدم الافتاء انه اندراس للشريعة كي يكون واجبا وجوبا طريقياً.

والحمد لله رب العالمين.

درس القواعد الفقهية - الدرس 6
درس القواعد الفقهية - الدرس 8