نص الشريط
الدرس 20
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 14/12/1436 هـ
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2952
المدة: 00:31:02
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (216) حجم الملف: 10.6 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام حول تحديد حجية الإمارة المجملة، كما لو افترضنا انه قامت لدينا خبر ثقة على أن الإمام قال: فيمن افطر في رمضان لعذر فإنه يقضي أو يفدي. والتردد من الراوي. فإن الراوي سمع من الامام احد امرين يقضي أو يفدي.

فهنا في هذا الفرض: ما هو معنى حجية الامارة على اجمالها. وقد افاد السيد الشهيد «قده»: انه على مبنانا من ان الحجية بمعنى: ابراز الاهتمام بالواقع في مورد قيام الامارة، فاذا قام خبر الثقة على أن صلاة الجمعة واجبة تعيينا مثلا، فمعنى حجية هذا الخبر: ان الشارع ذو اهتمام بصلاة الجمعة على تقدير صدق الخبر، فليس معنى الحجية الا ابراز اهتمام الشارع بالواقع على تقدير صدق الامارة. فعلى هذا المبنى في تحديد الحجية يكون الأمر واضحاً، فإن الإمارة إذا كانت مجملة بأن قال زرارة: سمعت من الصادق أن من افطر لعذر يجب عليه شيء من هذين الشيئين: اما ان يقضي واما ان يدفع الفدية. إذن معنى حجية هذه الأمارة ان الشارع مهتم بالواقع المشار اليه في خبر زرارة، فإن زرارة في اخباره يشير إلى واقع في البين، صدر من الامام مرددا عند زرارة بين امرين، فالشارع مهتم بذلك الواقع المشار اليه في هذا الخبر. ومقتضى اهتمام الشارع بالواقع: هو وجوب الموافقة القطعية احرازا لما هو مورد اهتمام الشارع.

اما على مباني القوم في تحليل الحجية، فهل يتم ذلك أم لا؟.

المبنى الأول: مبنى صاحب الكفاية: وهو أن الحجية بمعنى جعل المنجزية أو المعذرية. فإنه إن كان مفاد الخبر إلزاماً كما اذا قال: تجب الجمعة، فمعنى حجيته تنجيز مؤداه، وان كان مفاد الخبر ترخيصا بأن قال: لا يجب عليك قضاء صلاة الآيات. فمعنى حجية هذا الخبر هو جعل المعذرية. فبناء على هذا المسلك: يقول السيد الشهيد: تأتي مشكلة. وهي: عندما يريد الشارع أن يجعل منجزيةً، فما هو المجعول له المنجزية؟ حيث إن زرارة قال سمعت من الامام ان احد الامرين واجب، اما القضاء أو الفدية، فما هو المنجز، هل المنجز احدهما بعينه؟ فهذا ترجيح بلا مرجح. هل المنجز احدهما المردد؟ لا يوجد احد مردد، فإن كل احد معين في الواقع وان لم نعلم به. أم ان المنجز الجامع؟ اي احدهما لا بعينه هو المنجز في حق المكلف. فلازم ذلك ان يكون للمكلف الاكتفاء باحدهما. لانه ما دام المنجز في حقه الجامع فالجامع يصدق على أي منهما وبالتالي فيكتفي المكلف باحد الطرفين وهذا خلف المقصود. أم ان المنجز الواقع الذي صدر من الامام والذي لم يسمعه زرارة، فذلك الواقع هو المنجز في حق المكلف.

فيأتي السؤال: هل ذلك منجز منجزية عقلية؟ أم ذلك الواقع منجز منجزية شرعية؟.

فإن كان المدعى ان ذلك الواقع الذي صدر من الامام منجز على المكلف عقلا، فهذا خلف مبنى صاحب الكفاية، لان صاحب الكفاية يرى: ان معنى الحجية المنجزية الشرعية، المنجزية المجعولة، لا المنجزية العقلية. من باب قاعدة الاشتغال.

وان كان المقصود المنجزية الشرعية: فإن ما يتنجز الخبر شرعا بمقدار مؤداه لا اكثر، وما اخبر به زرارة هو الجامع ولم يخبر بالواقع، حيث قال زرارة: ما سمعته من الامام احدهما، فما أخبر به هو الجامع ولم يخبر بالواقع، فكيف يتنجز الواقع في حق المكلف تنجزا شرعيا مع ان الخبر لم يخبر بالواقع.

فما يريد ان يقوله السيد الشهيد: ما معنى الامارة المجملة بنظر الآخوند؟ حيث ان ذلك لا يلتئم مع مبناه في حجية الامارة.

الجواب: إن معنى حجية الامارة بنظر الآخوند جعل المنجزية، والمنجزية في المقام لما أخبر به زرارة، - بما أخبر به الثقة -. الا ان الكلام فيما اخبر به. وما أخبر به الثقة ليس هو الجامع والا لم يكن فرق بين أن يقول زرارة: سمعت من الامام يقول: «من افطر في رمضان متعمدا فعليه اما ان يعتق رقبة أو يطعم ستين مسكينا أو يصوم شهرين متتابعين» فمن الواضح ان ما اخبر به زرارة هو الجامع المحض، اي الجامع بما هو جامع بحيث يكتفى بامتثاله بأي واحد.

وبين أن يقول: «سمعت من الامام يقول: من افطر متعمد فعليه شيء واحد، لكن لا ادري ما هو ذلك الواحد، هل هو صوم شهرين أو هل عتق رقبة، لكنه أحد هذه الأشياء صدر من الامام» فمن الواضح حينئذ ان زرارة لم يخبر عن الجامع، وإنما يخبر عن جامع ذي خصوصية، وهي خصوصية المشيرية لواقع معين. فما دام ما أخبر به زرارة هو جامع ذو خصوصية وهي الخصوصية المشيرية لواقع فهذا الجامع ذو الخصوصية هو المنجز. ومقتضى تنجزه شرعاً في حق المكلف: وجوب الموافقة القطعية، كي يحرز امتثاله. فلا اشكال على مبنى الآخوند.

المبنى الثاني: ان معنى حجية الامارة جعل العلمية، فمعنى حجية خبر الثقة جعله علما من قبل الشارع، ويترتب على جعل العلمية المنجزية عقلاً، فإن المحقق النائيني والمحقق العراقي يقولان: بأن الشارع لا يتناول في جعله المنجزية والمعذرية، فإن المنجزية والمعذرية حكمان عقليان لا يتناولهما الشارع في جعله، وإنما الذي يقوم بجعله الشارع هو اعتبار خبر الثقة علماً. فاذا قام بهذا الاعتبار حكم العقل ان خبر الثقة منجز ان اصاب، معذر ان اخطأ.

فبناءً على هذا ا قال السيد الشهيد: تتولد لدينا مشكلة بناء على مبنى المحقق العراقي. فإن العراقي من جهة يقول: معنى الحجة جعل العلمية كما يقول النائيني، ومن جهة اخرى يقول: العلم الاجمالي علم بالواقع وليس علما بالجامع. فبناء على مبنييه هذين: نقول:

إذا اخبرنا يونس ابن ظبيان أنه سمع من الامام أنه قال: «من افطر في شهر رمضان عن عذر يجب عليه شيء اما الصوم أو الفدية» احد الامرين. فتارة نحرز ان لدى يونس علما اجماليا على طبق خبره، اي أن خبره هذا يحكي عن علم اجمالي في داخل نفسه وهو فعلا لديه علم اجمالي بأن الامام قال يجب احد الامرين لكنه لا يدري عنه، فهنا يتصور جعل العلمية، بأن يقول الشارع: العلم الإجمالي بالواقع الموجود في نفس يونس ابن ضبيان اعتبره علما بالواقع. فهذا العلم الاجمالي الموجود في نفس يونس الشارع اعتبره علما تفصيلا بالواقع تعبدا. فهنا جعل العلمية محفوظ في هذه الصورة.

اما اذا كنا نحتمل ان يونس يكذب في اخباره هذا، إذن لا نحرز ان لدى يونس علما اجماليا بالواقع، فما الذي ينزله منزلة العلم؟، فإنا اذا لم نحرز ان لدى يونس علما اجماليا بالواقع فما الذي يعتبره الشارع علما تعبدياً بالواقع؟!.

إذن إن كان خبر يونس كشف لنا عن وجود علم اجمالي لدى يونس بالواقع فيصح هنا جعل العلمية بأن نقول: ذلك العلم الموجود عند يونس هو علم تفصيلي بالواقع لكن تعبداً. واما اذا لم نحرز: فلعل ما في ذهن يونس صورة خيالية لا أكثر.

فلا يصح جعل العلمية في الواقع لما في ذهن يونس والحال انه ليس في ذهنه الا خيال.

فعلى مبنى العراقي: من ان معنى الحجية جعل العلمية لابد من جعل شيء يجعل علما، وذلك الشيء لابد ان يكون علما اجماليا بالواقع، وهذا غير موجود في تمام الصور.

ويلاحظ على ما افاد «قده»:

أولاً: بأن هذا يرد حتى على مبنى المحقق النائيني فإن المحقق النائيني يقول: العلم الاجمالي ليس علما بالواقع، إنما هو علم بالجامع الانتزاعي المشير إلى الواقع وليس علما بالواقع. فعلى مبناه ايضا يرد الاشكال، اذا لم نحرز ان في نفس يونس علما بالجامع المشير للواقع فما الذي يجعله الشارع علما تعبديا والحال ان في نفس يونس صورة وخيال، فلا يرد الاشكال على خصوص مبنى المحقق العراقي.

ثانيا: على فرض التسليم من ان مبنى المحقق العراقي ان العلم الاجمالي علم بالواقع، المجعول علما الخبر، وليس المجعول علما ما في نفس المخبر. فإن من يقول بأن معنى حجية الخبر جعل العلمية، يريد ان يقول: ان المجعول علما هو نفس الخبر لا ما في نفس المخبر، سواء ما كان في نفس المخبر ظنا علما وهما خيالا، النتيجة هذا خبر إذا تمت شرائطه من كونه خبر ثقة، هذا خبر ثقة ضابط، فاذا تمت شرائط الحجية قال الشارع: هذا الخبر علم بالواقع ولا يلحظ في مقام جعل العلمية ما في نفس المخبر، فمع غمض النظر عما في نفس المخبر من انه علم بالواقع وهم بالواقع، النتيجة خبره علم بالواقع تعبدا.

فلو أصر السيد الشهيد على أن الملحوظ في جعل العلمية ما في أفق النفس فيمكن ذلك: بلحاظ من تلقى الخبر وان لم يمكن بلحاظ المخبر، فيقال: من تلقى الخبر عالم بالواقع، فإن من تلقى الخبر حصل لديه نتيجة الخبر علم اجمالي بالواقع وهذا العلم الاجمالي الواقع في المتلقي للخبر علم تعبدي بالواقع.

فإذن سواء قلنا بأن العلم الاجمالي علم بالجامع المشير كما يقول به النائيني. أو قلنا على تحليل السيد الشهيد: بأن العلم الاجمالي عند العراقي علم بالواقع لكن بصورة مغشوشة مطردة، لكنه علم بالواقع. على كلا المبنيين: إذا قامت لدينا امارة مجملة، اي اخبر الثقة بواقع مجمل فإنه يمكن جعل العلمية لهذا الخبر بما افاد. ولو أصرّ على ان يكون الملحوظ جعل العلمية بلحاظ ما في النفس صح ان يقال: من وصل لديه الخبر فهو عالم بالواقع، صحيح انه عالم بالواقع على اجماله، الشارع يقول: هو عالم بالواقع تعبداً.

وبذلك تبين: أن الاشكال على المبنيين الا وهما مبنى الآخوند: من ان الحجية بمعنى جعل المنجزية أو المعذرية. أو مبنى النائيني والعراقي من ان معنى الحجية جعل العلمية، يكون جعل الحجية للامارة المجملة منسجماً مع أدلة الحجية.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 19
الدرس 21