نص الشريط
الدرس 144
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 3/8/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2793
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (346)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام: في أنه هل تصح الوكالة في الأمور الخارجية؟ أم تختص بالأمور الاعتبارية وما يلحق بها كالقبض والاقباض. وقلنا: بأنّ هذا البحث يبتني على تحديد معنى الوكالة وصحة الانتساب، وذكرنا فيما سبق ذكر تعريفات ثلاثة لحقيقة الوكالة، ووصل الكلام إلى لتعريف الرابع، وهو ما ذكره بعض الأجلّة في «كتاب الإجارة، ج2، ص257»: من أنّ الوكالة هي: إعطاء الولاية من قِبل المالك للغير على التصرف. فهي توسعة في دائرة الولاية. فمثلاً: الإنسان له ولاية على بيع أمواله بمقتضى أن الناس مسلطون على أموالهم، فيقوم بتوسعة دائرة ولايته، فيعطي الولاية لشخص آخر على بيع داره، وهذا الاعطاء هو عبارة عن الوكالة. فالوكالة: إعطاء ولاية من قِبل المالك الذي هو وليٌ على بيع او التصرف في أمواله. وأثر هذه الولاية: نفوذ ذلك التصرف على المالك، بحيث ليس له الاعتراض، إذ بعد أن اعطى زيداً الولاية على بيع داره فباع زيد الدار فليس للمالك الاعتراض على ذلك أو نقضه ما لم يكن بيعاً خيارياً، فأثر اعطاء الولاية نفوذ التصرف على المالك بمقتضى اعطائه الولاية لغيره.

وأما مسألة الانتساب حيث إن ظاهر تعريف سيدنا «قده» للوكالة، او تعريف السيد الشهيد للوكالة: أن الوكالة مساوقة لصحة الانتساب، بمعنى انه: متى ما صحت الوكالة في أمرٍ صح الانتساب، أي انتساب فعل الوكيل للأصيل، وجَعلَ الأعلام أنّ ذلك هو الأثر المقوّم للوكالة، فكأنه ما لم يصح الانتساب أي انتساب فعل الوكيل للاصيل فلا تصح الوكالة، فإنّ هذا غير تام. وهذا أيضاً ما ذكره السيد الإمام «قده» في «كتاب البيع»: من أنّه لا ملازمة بين صحة الوكالة وصحة الانتساب، فليسا أمرين متلازمين، بحيث نجعل المقوم لصحة الوكالة في أيِّ مورد صحة الانتساب، فما لم يصح الانتساب لا تصح الوكالة، والوجه في ذلك: أنّ الوكالة تصح في موارد لا يصح فيها الانتساب إلّا مجازاً.

المورد الأول: ما ذكره السيد الامام في فرض التفويت: كما لو فرضنا أن انسان وكّل شخصا آخر على نحو التفويض بأن قال له: أنت وكيلٌ في أي تصرف تراه في أي مالٍ من أموالي أو أي ملك من أملاكي أو أي شأن من شؤوني من دون أن يعين له تصرفا معيناً، فإن الوكيل المفوّض إذا رأى أنّ المصلحة في بيع دار الموكل وقام ودرك الامر حتى هيأ موارد المعاملة فباع الدار، فإن انتساب البيع الصادر من الوكيل المفوّض الى الموكل انتساب مجازي، ولذلك يصح السلب، بأن يقال: هل فلان هو الذي باع داره؟، يقال: لا، وإنما باعه وكيله المفوض، غاية ما في الباب لانه مفوض إذاً البيع نافذٌ، فبما انه يصح السلب في فرض التفويض فهذا شاهد على أنّ الانتساب مجازيٌ لا حقيقيٌ.

المورد الثاني: ما إذا عزلَ الموكّل الوكيل ولم يصل العزل الى الوكيل، فإذا افترضنا أنّ الموكّل عزل الوكيل ولم يصل العزل الى الوكيل فباع، فلا إشكال أن هذا البيع نافذٌ. قبل وصول العزل نافذ وإن كان لا ينتسب الى الموكل لأنه المفروض أنه عزله واقعاً وإن لم يصل العزل إليه. كلامنا في صحة الانتساب. أو ما إذا اعطيت الوكالة بنحو شرط النتيجة: كما إذا اشترطت الزوجة ضمن عقد النكاح على زوجها أن يوكلها في تطليق نفسها منه متى شاءت فوكّلها، فإنّ الزوجة إذا غضبت يوما على هذا الزوج فعزمت على تطليق نفسها منه فطلقته، فإنَّ هذا الطلاق وإن كان صحيحاً نافذاً إلا أنه لا ينتسب الى حقيقة الزوج واإنما ينتسب اليه مجازاً. إذاً بالنتيجة: لا ملازمة بين الوكالة وصحة الإنتساب كي ندور مدار صحة الانتساب. وبناء على هذا التعريف للوكالة: حينئذٍ نقول:

لا وجه لتخصيص الوكالة بالأمور الاعتبارية وما ألُحق بها لأنه لا يصح الانتساب الى الموكل إلّا في الأمور الاعتبارية وما يلحق بها، باعتبار ان في غيرها لا يصح الانتساب إلّا مجازاً.

ولكن هذا التعريف للوكالة بأنها: إعطاء ولايةٍ بحيث تندرج تحت توسعة دائرة الولاية غير تام. والوجه في ذلك: أنّ هناك فرقا بين الوكالة والولاية في أن المنظور في الوكالة: الطريقية؛ بخلاف الولاية فليس المنظور فيها الطريقية. بيان ذلك: إذا وكّل المكلف زيداً في بيع داره أو وكله توكيلا تفويضيا في مطلق شؤونه، فمعنى الوكالة: انّه قائم مقامه، أي أن فعل الوكيل طريق لفعله، فالمحلوظ في الوكيل حيثية الطريقية إليه فلذلك يكون معنى الوكالة - كما نقلنا سابقا عن السيد الخوئي «قده» وهو مسلك شيخه المحقق النائيني أيضاً - من أن الوكالة: هي التسببيب إذ معنى التسبيب ليس هو التسبيب التكويني، التسبيب الاعتباري، والمقصود بالتسبيب الاعتباري: أن يجعل الغير وجهاً له كاشفاً عنه طريقاً إليه، فهذا هو معنى حقيقة الوكالة؛ ولذلك يترتب على الوكالة أن المدار على نظر الموكّل لا على نظر الوكيل، فلو اختلف الوكيل والموكيل اجتهادا أو تقليداً، فإن المناط على نظر الموكّل لا على نظر الوكيل، وإلا فهي بنظر الموكل معاملة فاسدة، فلا يكون الوكيل مأذوناً في إبرامها عنه.

بينما الولاية: لا يحلظ فيها حثيثة الطريقية، فان الشارع إذا جعل الاب وليا على الطفل أو ان الحاكم الشرعي جعل شخصاً ولياً على الأوقاف مثلاً، او ولياً على القصّار، فليس معنى الولاية إلا أن له سلطة شرعية، أي ان المولّي - وهو الحاكم الشرعي عندما يجعل زيداً ولياً على الأمة فمعنى الولاية: أنه أمضى تصرفاته لا انه جعله وجها له وطريقا له -، لذلك المدار في باب الولاية على نظر الولي أو نظر المولّى عليه على خلاف عندهم. إذ تارة: المولّى عليه ليس عاقلاً مكلّفاً، كما لو أعطاه ولاية على الأوقاف، المدار على نظر الولي. فلو افترضنا ان الولي يقلّد غير هذا الحاكما الشرعي الذي أعطاه الولاية بأن يقلّد شخصاً آخر، المدار على تقليد الولي وليس المدار على نظر المولّي.

وأما إذا كان المولى عليه عاقلاً، كما لو ولُيَّ على الصبيّ وكان الصبّي مميزاً وكان ذا نظرٍ إما اجتهاداً او تقليداً، فهنا وقع الخلاف بينهم، هل المدار في نظر الولي في التصرف في أموال الصبي؟، او المدار على نظر الصبّي اجتهاداً او تقليداً؟.

إذاً فالولاية يختلف بابها عن باب الوكالة، فإن حيثية الطريقية محفوظة في الوكالة غير منظورة في الولاية فلا معنى لإرجاع الوكالة الى الولاية، نعم، ما ذُكر في الأمر الثاني: من أنّه لا ملازمة بين صحة الوكالة وبين صحة الانتساب كما ذكره السيد الإمام «قده» هذا كلام صحيح.

أما أنّ الوكالة من باب الولاية فليس هذا تامّاً.

التعريف الخامس: ما ذكره بعض الاساتذة «دام ظله»: وهو يقرب من التعريف السابق مع اختلاف بعض الخصوصيات: من أن الوكالة إعطاء للسلطنة. بيان ذلك: أنّ الوكيل إذا صدر منه بيعٌ مثلاً، فهنا تصرفان: تصرف تكويني، وهو إنشاء البيع؛ وتصرف اعتباري: وهو اعتبار الملكية للمشتري. فبلحاظ التصرف التكويني: وهو إنشاء البيع لم يصدر هذا التصرف من الموكّل وإنما صدر من الوكيل فلا ينتسب إلى الموكل - هذا التصرف التكويني وهو الإنشاء - إلا مجازاً.

وأمّا بلحاظ التصرف الاعتباري وهو اعتبار الملكية فقد صدر أيضاً من الموكل، إذ أن توكيله في بيع داره معناه اعتبار الموكل الملكية لمن يبيع عليه الوكيل. فإذا قال: وكلتك في بيع داري فمرجع ذلك الى أنني اعتبرت الملكية لمن تبيعه. فبهذا اللحاظ «لحاظ التصرف الاعتباري» ينتسب البيع الى الموكّل حقيقة، وبلا حاجة إلى أدنى تجوز، وبهذا يمكن التأمل فيما نقلناه عن السيد الامام «قده»: من انه إذا كانت الوكالة تفويضية: فإن ما يصدر من الوكيل لا ينتسب الى الموكل إلا مجازاً، فإن الذي لا ينتسب إليه إلا مجازاً التصرف التكويني، وأما التصرف الاعتباري فهو صادر منه منتسب اليه حقيقة بلا تجوز. فبناء على هذا التعريف للوكالة: تكون هناك ملازمة بين الوكالة وصحة الانتساب، لأن الوكالة هي عبارة عن: إعطاء سلطة للوكيل، ومقتضى إعطاء السلطة له على هذا التصرف: أن ينتسب ما صدر منه للمسلِّط، لأنّ مرجع تصرفه الى تسليط من الموكّل.

ولكن هذا التعريف محل تأمل.

أولاً: لو كان التسليط كافيا في الانتساب لكان الإذن كافيا في الانتساب لأن الإذن أيضاً تسليط، سواء كان المأذون فيه أمراً خارجيا او أمرا اعتبارياً، فإذا أذنت لزيد أن يدخل داري فقد سلطته على التصرفات المتعارفة عند الدخول في الدار، وإذا أذنت لزيد أن يهب كتابي لبكر فقط سلطته على الهبة. فالإذن تسليط ومع ذلك فقط ذكر الأعلام ومنهم الأستاذ «دام ظله»: أن الإذن أعم من الوكالة، يعني لا ملازمة بين الإذن والوكالة. والوجه في عدم الملازمة: أن الإذن يرتفع برفعه وإن لم يبلغ المأذون. بخلاف الوكالة: لا ترتفع بالعزل ما لم يصل، فمثلاً: إذا دخل الانسان في سوق البورصة فرأى ان فلان يعرض بيع اسهمه، فتارة يحرز أن هذا البيع مأذون فيه فيشتريه؛ وتارة: لا يحرز أنه مأذون فيه، فهنا هل يجري استصحاب الإذن الى حين دخوله هو على الشاشة وشرائه؟ أم أن استصحاب الإذن أصل مثبت؟، بخلاف ما لو احرز انه وكيل وشك في عزله وعدم عزله، فانه لا اثر له. إذاً فبالنتيجة: فهناك فرق بين الوكيل والمأذون. حتى في الإجازات التي يعطوها الفقهاء، تارة يقولون فلان وكيل، وتارة يقولون فلان مأذون. الماذون غير الوكيل، درجة أدنى. فالوكيل لا تنعزل وكالته بمجرد العزل، بل لابّد أن يصل العزل اليه، بينما المأذون ترتفع صلاحيته بمجرد إعراض الآذن عن إذنه. إذاً فالإذن مع انه تسليط لا يكفي الإذن في انتساب العمل المأذون فيه للآذن، مما يعني أن مجرد إعطاء السلطة لا يكون مصححاً للانتساب.

الملاحظة الثانية: أنّ الوكالة تشمل حتى الموارد التي لا سلطنة فيها. فلا موجل لتخصيص الوكالة لإعطاء السلطنة. فمثلاً: إذا وكّل زيدٌ بكراً في مجرد التلفظ بالصيغة، بأن يقول زيدٌ لبكر: تمت جميع الشرائط، أنت وكيل فقط في أن تقول «فلانه طالق أو زوجت فلانه»، فليس وكيلا إلا مجرد التلفظ بالصيغة، فإنه لا إشكال في صحة الوكالة في هذا المورد مع أنه لا يتضمن إعطاء سلطنة على شيء. إذاً بالنتيجة: تعريف الوكالة: عبارة عن إعطاء السلطنة ليس تعريفاً مطّرداً. إذاً بالنتيجة: المختار هو: تعريف سيدنا «قده» تبعاً لشيخه المحقق النائيني: من أنّ الوكالة هي تسبيب، أي تسبيب اعتباري وحقيقة هذا التسبيب الاعتباري هي إعطاء جعله قائماً مقامه. ولأجل أن نبين ذلك بنحو أوضح، نقول: بأنّ الوكالة تعتمد على أركان ثلاثة - «بحثنا هذا الدرس في الدرس الثالث» -:

الركن الأول: أن يكون الفعل في حدِّ نفسه قابلاً للانتساب، فما لم يكن الفعل قابلا للانتساب أصلاً، فلا تصح فيه الوكالة، كما لو افترضنا انه فعل حلولي، كالأكل، والشرب، والنوم، والمشي، فإنه فعل حلولي في فاعله، فلا يقبل الانتساب الى غيره. أو كان فعلا اعتباريا لكن لم يتعارف الاتكال فيه على الغير بل كان المتعارف الاتكال فيه على النفس، فمثل هذه الافعال وإن كانت افعالا اعتبارياً، لكن بما أنه لم يتعارف الإتكال فيها على الغير وإنما تعارف الإتكال فيها على النفس، فمثلا التدريس، فإنه لا تصح فيه الوكالة. فما تصح فيه الوكالة: ما كان قابلا للانتساب، وهو الفعل الاعتباري أو الفعل التكويني الذي تعارف فيه الاتّكال على الغير كالقتل والحيازة والاحياء كالقبض، كالحلق، كالذبح. ولذلك ذكرنا فيما سبق: أنّ ما أفاده سيدنا «قده» في موسوعته «كتاب الإجارة، ج30، ص355 و256»: أنّ الوكالة لا تصح في الحيازة ولا الصيد ولا الاحتطاب، لأنهما من الأمور الخارجية، وإنما تصح في الأمور الاعتبارية وما يلحق به كالقبض والاقباض يتنافى مع ما ذكره «قده» في «مباني تكملة المنهاج، ج41، ص32»: حيث قال: تصح الوكالة في الأمور الخارجية حيث جرت السيرة العقلائية كالقبض والإحياء، فإنه لا فرق عرفاً بين الإحياء والحيازة، فإذا صحت الوكالة صحت في الحيازة، إذ لا فرق بين الإحياء والحيازة في شيء سوى أنّ الإحياء: عبارة عن زارعة الأرض أو بناءها. والحيازة: عبارة عن وضع اليد على ما يصح حيازته، كالطير والسمك. فإما الجميع فعل اعتباري أو الجميع فعل تكويني، وإذا الجميع فعل تكويني: فإما الجميع مما سرت السيرة العقلائية عليه في الاتكال على الغير او لا!. فالتفكيك بين الاحياء والحيازة غير عرفي. ولا نقصد بذلك: أنّه متى صحت الوكالة صح الانتساب، فإننا نقول: قد تصح الوكالة ولا يصح الانتساب، ولكن نقول: متى صح الانتساب صحت الوكالة. فيعتبر من مقومات الوكالة أن الفعل قابلاً للانتساب وإن لم يكن يترتب عليه الانتساب لمانع من الموانع.

الركن الثاني: أن تكون الوكالة من باب إيجاد المقتضي لا من باب رفع المانع، لأنّ التسبيب على قسمين: إذ قد يكون تسبيبا بمعنى إيجاد المقتضي. وقد يكون تسبيباً بمعنى رفع المانع.

فالتسبيب: بمعنى رفع المانع: كالإذن. حيث يشترط مثلا في صحة العقد على بنت الأخ إذن العمّة إن كانت هي الزوجة. أو في العقد على بنت الأخت إذن الخالة، إلّا أنّ هذا الإذن مجرد رفع مانع لا انه موجد للمقتضي كي يُعبّر عنه بالوكالة، فلا يقال: وكلّت العمّة زوجها في أن يعقد على بنت أخيها، وإنما إذنت في ذلك. بمعنى رفع المانع. وكذلك على بعض المباني التي تقول: إذن الأب في تزويج بنته من باب رفع المانع، وإلا فالولاية على العقد بيد البنت البكر البالغ الرشيد لا بيد الأب وإنما دور الاب دور رفع المانع. إذاً الإذن وإن كان تسبيباً إلا انه تسبيباً برفع المانع فليس من باب الوكالة في شيء. وإنما الوكالة تسبيب بنحو ايجاد المقتضي، وهو أن يجعل الغير قائماً مقامه، ولذلك كانت الوكالة عقداً وليست إيقاعاً يعتبر فيه قبول الوكيل بأنّ يقوم مقام الموكل بحيث يكون وجها له. وبناءً على ما ذكرنا: تصح الوكالة في الأمور الخارجية التي يتعارف فيها الإتكال فيها على الغير كما في الحيازة، والذبح والتطهير أيضاً - تطهير المتنجسات من النجاسة - فإنّه لا مانع من ذلك.

والحمد لله ربّ العالمين.

الدرس 143
الدرس 145