نص الشريط
الدرس 145
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 5/8/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2620
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (382)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

وحاصل الكلام في المطلب السابع: هل أنّ حقيقة الوكالة تقتضي عدم نفوذ الوكالة بالأمور الخارجية أم لا؟. وذكرنا أنّ هذا يختلف باختلاف المباني. فعلى مبنى: أنّ الوكالة هي عبارة عن التوسعة في دائرة الولاية فلا موجب لاختصاص الوكالة في الأمور الاعتبارية، بل تشمل الأمور الخارجية.

وأما إذا قلنا بأن الوكالة عبارة عن التسبيب الخاص بجعل الوكيل قائما مقام الموكل، فمقتضى ذلك: اختصاص الوكالة بالأمور الاعتبارية أو الخارجية التي تعارف الاتكال فيها على الغير.

وعلى تعريف ثالث: وهو أنّ الوكالة: عبارة عن إعطاء السلطنة. قد يقال: باختصاصها بالأمور الاعتبارية وما يلحق بها. إذا فتعلق الوكالة بالأمور الخارجية يبتني على تحديد ما هو حقيقة الوكالة.

المطلب الثاني: فلو فرضنا أنّ شخصاً وكّل شخصاً في تطهير ثوبه ثم أخبره الوكيل بأنّه قد طهّر الثوب. فهنا: لا يمكن قبوله من باب حُجيّة خبر الوكيل. المفروض أن الوكالة غير نافذة، وإنّما يكون خبره مقبولا إذا قلنا بحجية خبر الثقة وكان ثقة، أو حصل الوثوق من أخباره.

وأما قبول خبره من باب حجية خبر ذي اليد، فلأنّ المفروض عدم صدق أنّه ذو يد على الثوب، لأنه سُلّط من قِبل المالك على الثوب لا أنّه ذو يد عليه في رتبة سابقة. ومورد حجية خبر ذي اليد: ما إذا كان ذا يدٍ في نفسه، لا ما إذا كان ذا يد بتسليط من هو شاكٌ في فعله. باعتبار أنّ المناط في حجية خبر ذي اليد هو المرتكز العقلائي أو السيرة العقلائية، والسيرة العقلائية دليل لبيٌ، والقدر المتيقن منه: من كان ذا يد مع غمض النظر عن تسليط من أُخبر بالعمل، وأما لو كان كونه ذا يد بستليط من هو المخبر فلا يحرز شمول حجية خبر ذي اليد لمثل هذا المورد. بل إذا قلنا بأن المناط في حجية خبر ذي اليد كما ذكره السيد الصدر ونقلنه عنه سابقا هو الأخبرية، فمجرد التوكيل لا يعني أنه أخبر بما تحت يده كي يكون خبره حجة.

وأما بالنسبة الى إجراء أصالة الصحة في فعله، فلابد أن نحرز أن الفعل صدر منه، فإذا وقع الشك في صحة فعله أجرينا أصالة الصحة. حيث ذكرنا ان ما استدل به سيدنا من عدم جريان أصالة في فعليه كحسنة ميسر، قلنا: هي مما لم يعمل بها المشهور فلا يمكن التعويل عليها من منع جريان أصالة الصحة في عمل الوكيل.

المسألة الثانية: ذكر سيدنا «قده»: بما أنّ المناط في فساد الصلاة تنجز النجاسة، فما لم تتنجز النجاسة فالصلاة صحيحة، وإن كانت في النجاسة واقعاً. إلّا في خصوص الناسي للموضوع حيث إنه خرج بالأدلة الخاصة، إذ أنه مع عدم تنجز النجاسة في حقه، لكن مع ذلك حكمنا ببطلان صلواته للنصوص الخاصة.

ويترتب على هذا فروع:

الفرع الاول: ما إذا وقعت قطرة بول أو دم وشك أنها وقعت على ثوبه أو وقعت على الأرض، وصلى. ثم تبين أنها وقعت على ثوبه، فصلاته صحيحة. لأنّ النجاسة لم تتنجز عليه حيث إنّ أحد طرفي العلم الاجمالي خارج عن دائرة الصلاة ألا وهو الأرض.

الفرع الثاني: ما إذا رأى في بدنه أو في ثوبه دماً وشك انّه من دم البقّ أو من دم القروح، وكان بمقدار الدرهم، فهنا أيضاً أفاد سيد العروة: تصح صلاته، لأن النجاسة لم تتنجز في حقه، وإن انكشف بعد ذلك أنه دم القروح أو الجروح.

الفرع الثالث: إذا قطع أنّ الدم أقل من الدرهم أو شك في ذلك فصلى فتبين بعد ذلك أنّه درهم أو أكثر فإنّ صلاته أيضاً صحيحة لأنّ النجاسة لم تتنجز في حقه. يقول سيدنا «قده»: وهذا لا يتنافى مع ما ذكره سيد العروة في مسألة ستأتي وهي: «مسألة3، من فروع ما يُستثنى من مانعية النجاسة»: إذا علم كون الدم أقل من الردهم وشك أنّه من المستثنيات أم لا؟ يبني على العفو، وأما إذا أنه بقدر الدرهم أو أقل فالأحوط عدم العفو. إلا أن يكون مسبوقاً بالأقلية وشكّ في الزيادة. فإن الملاحظ: أن سيد العروة «قده» في «مسألة 299»: قال: من شك أن الدم أقل من درهم أم درهم؟ فالأحوط وجوباً عدم صحة صلاته فيه. بينما ذكر في هذه المسالة التي نحن بصددها وهي «مسألة 278»: قال: أو شكّ أنّه اقل من الدرهم أو نحو ذلك ثم تبين انه مما لا تجوز الصلاة فيه فإن صلاته صحيحة.

فقد يقال: كيف يمكن الجمع بين المسالتين، وقد اشكل بعض المعلقين على العروة بذلك، بأنك في هذه المسالة تقول بأن الصلاة صحيحة، إذا شك أنه درهم أو أقل. بينما في تلك «المسالة 299» تقول: بأن الاحوط وجوبا بطلان صلاته. فكيف يمكن الجمع بين الأمرين؟!

فقد ذكر سيدنا «قده»: وجهاً للجمع بين الأمرين: وهو أنه: في هذا المقام سيد العروة يبني على علاج المسألة من حيثية الجهل، لا من حيثية وجود منجزات أخرى. فيقول: من شك في أن الدم درهم أو اقل فمن حيث انه شك فهو جاهل، ومن حيث انه جاهل لم تتنجز عليه النجاسةن فبلحاظ هذه الحيثية صلاته صحيحة. وإن تبين أن الدم بمقدار الرهم.

وأما في تلك المسالة فهو ناظر لهذا الفرض أو لهذا الموضوع من حيثية أخرى: وهو أنه هل لدينا ما يبرر جواوز دخوله في الصلاة أم لا؟ فسيّد العروة يقول: لا، مقتضى قاعدة الاشتغال ان لا يدخل في الصلاة بمثل هذا الدم وان عليه تطهيره، نعم، إذا دخل، فإن مقتضى الاحتياط الوجوبي أيضاً أن يعيد صلاته ولا يجتزأ بصلاته.

فمحل بحثنا في الفرع الآتي: من حيث إن هناك مبررا لجواز دخوله في الصلاة ولو بعنوان ثانوي أو لا يوجد مبرر، بينما محل البحث في الفرع الفعلي مع غمض النظر عن وجود مبرر للعنوان الثانوي وعدمه، وإنما النظر اليه من حيث هو شاكٌّ، فبلحاظ انه شاك هو جاهل بالنجاسة والنجاسة لم تتنجز عليه فصلاته صحيحة.

قال: ثم ما أفاده الماتن في هذه المسألة: من أن المصلّي إذا شك في أن الدم من المعفو أو غيره، ثم صلّى ثم تبين أنه مما لا يجوز لم تجب عليه الإعادة لا ينافي ما يأي منه من أنه إذا شكّ في أنه بقدر الدرهم أو أقل يحتاط احتياطا لزوميا. والوجه في عدم منافاتهما: أنّ كلامه في المقام مبنيٌ على القول بجواز الدخول في الصلاة مع الشك، وهذا لا يضره الحكم بعدم العفو إذا لم نبن على جواز الدخول. كأنما: تارة ننظر الى المسألة بالعنوان الأولي، وتارة ننظر الى المسألة بالعنوان الثانوي. تارة: ننظر الى المسألة من حيث أنه شاك، وتارة: ننظر الى المسألة هل أن هناك مانعا من جواز دخوله في الصلاة أم لا؟.

وبعبارة واضحة: إنّ البحث في المقام متمحض في لزوم الإعادة وعدمه من حيث أن المقام داخل في صغرى الجهل بالنجاسة، أو غير داخل فيها. هل أن هذا وهو _من شك أن الدم بقدر درهم أم أقل - من صغريات الجاهل بالنجاسة بالعنوان الأولي أم لا؟ وهذا لا ينافي البحث في المسالة الآتية. والبحث في المسالة الآتية انما هو في جواز الدخول مع الشك وعدم جواز الدخول بالنظر الى امر آخر. مثلا: مقتضى الاستصحاب أن لايدخل، مقتضى قاعدة الاشتغال ان لا يدخل. اما من حيث هو جاهل صلاته صحيحة.

فعلى تقدير البناء في تلك المسألة على جوازه لا محذور، وعلى تقدير البناء في تلك المسألة على عدم جوازه نحكم بفساد صلاته، لكن لا ينافي أننا في المقام نقول: لو خُلّينا وحالة الشك من دون نظر الى مانع آخر فإن صلاته صحيحة. بحسب ترتيب العروة لا يوجد فرق بين المسألتين حتى في صفحة كاملة، من البعيد أن يقول في نفس الباب وعدم وجود هذا الفاصل الطويل برأي ثم يخالفه. فمقتضى الدلالة انه ناظر هنا الى وجه آخر.

المسالة الثالثة: لو علم بنجاسة شيء فنسي، ولاقاه الرطوبة، وصلى، ثم تذكر انه كان نجسا وان يده تنجست بملاقاته، فالظاهر انه من باب الجهل بالموضوع وليس من باب النسيان، لانه لم يعلم نجاسة يده، والنسيان إنما هو لنجاسة الشيء الآخر، غير الذي صلّى فيه، فصلاته صحيحة. نعم، لو توضا أو اغتسل قبل تطهير يده وصلى، كانت صلاته باطلة من جهة بطلان وضوءه أو غسله.

ففي المسألة مطلبان:

المطلب الاول: أنه إذا احرز نجاسة هذا الجسم، ككتاب، كفراش، ولاقى ثوبه برطوبة هذا الموضع النجس، إلّا أنّه حينما لاقى ثوبهُ الموضع النجس كان ناسياً للنجاسة، ولكن حينما لاقى ثوبه برطوبة هذا الكتاب كان قد نسي النجاسة فصلى. فهذا ممن صلى مع نجاسة ثوبه.

فهل تعتبر هذه النجاسة التي صلى فيه من النجاسة المنسية أو من النجاسة المجهولة؟

فإن قلنا: بأنّها من النجاسة المنسية: فصلاته فاسدة، لأننا ذكرنا سابقا: من نسي النجاسة فصلّى فيها فصلاته فاسدة، بمقتضى النصوص الخاصّة.

وأما إذا قلنا هذا من صغريات الجهل بالنجاسة، من صلّى بنجاسة وهو لا يعلم بها فصلاته صحيحة، فهل الفرع من النجاسة المنسية أو من النجاسة المجهولة؟.

فهنا أفاد سيدنا: بأنّها من النجاسة المجهولة، الصحيح ذلك - عدم فساد الصلاة - لعدم تنجز النجاسة حال الصلاة، لجهله بنجاسة ثوبه، وإنما المنسي نجاسة الكتبا، فما نسيه وهو نجاسة الكتاب، لم يصل فيه. وما صلّى فيه وهو نجاسة ثوبه، لم ينسه، وإنما جهله، فصلاته صحيحة.

أما لو افترضنا ان هذه النجاسة كانت في اعضاء الوضوء، بمعنى ان هذا الجسم المتنجس لاقاه بيده، ثم توضأ وافترضنا أن الوضوء ما أزال النجاسة؛ فهنا صلاته فاسدة لا لأنّ النجاسة منسية بل لأنّ النجاسة منسية، بل النجاسة مجهولة، وإنما لبطلان وضوئه، حيث يعتبر في صحة الوضوء طهارة أعضائه والمفروض انه توضأ مع نجاسة اعضائه فوضوئه باطل فصلاته فاسدة لفقد الوضوء، لا لأنّ النجاسة المجهولة، بناءً على أنّه يشترط في صحة الوضوء طهارة الأعضاء.

والحمد لله ربّ العالمين.

الدرس 144