نص الشريط
مفهوم البر في الإسلام
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 9/9/1426 هـ
مرات العرض: 2827
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1493)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ

صدق الله العلي العظيم

من أجل أن نحدّد مفهوم البر نتعرّض إلى أمور ثلاثة:

الأمر الأول: منطلق العلاقات الاجتماعية.

لقد بحث علماء الاجتماع في أنَّ علاقة الإنسان بأخيه الإنسان - العلاقة الاجتماعية - ما هو محورها وما هو منطلقها؟ لماذا يحتاج الإنسان إلى أن يقيم علاقةً مع المجتمع؟ لماذا يحتاج الإنسان إلى أن يقيم علاقةً مع الإنسان الآخر؟ ما هو السر وما هو المنطلق لهذه الحاجة؟ وهنا نظريتان: النظرية الأولى هي نظرية الاستخدام، والنظرية الأخرى هي نظرية الدوافع الفطرية لدى الإنسان.

النظرية الأولى: نظرية الاستخدام.

نظرية الاستخدام هي عبارة عن أن الإنسان جُبِل وخُلِق وفُطِر على حب ذاته وعلى خدمة ذاته، فترى هذا الإنسان يبذل طاقته وجهده من أجل ذاته، من أجل أن يوفّر لذاته العيش الرغيد، ومن أجل يوفّر لذاته الراحة والاستقرار، فالإنسان انطلاقًا من غريزة حب الذات يجهد نفسه، ويتعب نفسه من أجل أن يوفّر لهذه الذات الراحة والرغد والهدوء، وانطلاقًا من غريزة حب الذات يقيم العلاقة مع المجتمع، انطلاقًا من حبه لذاته يحب غيره، انطلاقًا من حبه لذاته يبتكر ويصطنع العلاقة الاجتماعية.

وعلى ذلك، فالإنسان إنما يقيم علاقة اجتماعية لأجل علاقته بذاته، الإنسان إنما ينطلق لإقامة العلاقات الاجتماعية لأجل خدمة ذاته، لأجل أن يوفر لذاته العيش الرغيد، فهو يستخدم الطبيب لأن الطبيب يوفر له العلاج، ويستخدم الزوجة لأنها توفر لنفسه الراحة، ويستخدم مثلًا العامل لأنه يهيئ له الوسائل المريحة، إذن الإنسان إنما يقيم علاقة اجتماعية حتى مع زوجته وحتى مع أقرب الناس إليه انطلاقًا من حبه لذاته، وانطلاقًا من غريزة حبه لذاته، وانطلاقًا من أنه يريد أن يخدم ذاته بأي وسيلة من وسائل الخدمة، وهذا ما يسمى بنظرية الاستخدام، أن المنطلق للعلاقة الاجتماعية غريزة الاستخدام المتفرعة على غريزة حب الذات.

النظرية الثانية: نظرية الدوافع الفطرية.

الإنسان ينطلق للعلاقة الاجتماعية بدوافعَ فطريةٍ، بدوافعَ إنسانيةٍ، لا بدوافع ذاتية، لا بدوافع خدمية، لا بدوافع مصلحية، الإنسان إنما ينطلق لإقامة العلاقة الاجتماعية لأن العلاقة الاجتماعية جزءٌ من فطرته، لأن العلاقة الاجتماعية جزء من إنسانيته، لأن العلاقة الاجتماعية جزء من تركيبته الفطرية الداخلية، فانطلاق الإنسان للمجتمع هو جزءٌ من إنسانيته، لا يمكن أن يكون إنسانًا حقيقيًا حتى تكون له علاقة اجتماعية، العلاقة الاجتماعية نابعة من إنسانية الإنسان، وليست متفرعة على غريزة حب الذات، وعلى خدمة الذات.

والقرآن الكريم كما أشار إلى النظرية الأولى أشار إلى النظرية الثانية، القرآن الكريم كما تحدث عن النظرية الأولى في قوله: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا، أي: ليسخّر بعضهم البعض الآخر لأجل خدمته، ولأجل راحته، ولأجل توفير العيش الرغيد لذاته، أشار إلى نظرية الاستخدام لكن لا كمنطلق عام لكل العلاقات الاجتماعية، بل كمنطلق في بعض الصور وفي بعض الظروف.

أشار أيضًا إلى النظرية الأخرى، وهي أن العلاقة الاجتماعية نابعة من إنسانية الإنسان، عندما يقول القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، أي: جعلنا إنسانيتكم مربوطةً بالتعارف، نحن خلقنا فيكم الاستعداد والميول للتعارف، نحن خلقنا فيكم الفطرة لكي يقبل بعضكم على البعض الآخر، وقال في آية أخرى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، السكون والمودة والرحمة جعلٌ إنسانيٌ جعله الله في صميم كيان الإنسان، فكيان الإنسان من الصميم يميل نحو السكون إلى الطرف الآخر، يميل نحو المودة والرحمة إلى الطرف الآخر، فهذا جزءٌ من إنسانية الإنسان وليس متفرعًا على غريزة حب الذات.

الأمر الثاني: قوى الإنسان الفردية والاجتماعية.

بعد أن عرفنا أن من صميم إنسانية الإنسان انطلاقه للعلاقة الاجتماعية، انطلاقه للارتباط بالمجتمع، من هنا نفهم ما يذكره علماء العرفان من أنَّ للإنسان قوى فردية وللإنسان قوى اجتماعية، الإنسان يمتلك قوى فردية ويمتلك قوى اجتماعية، من القوى الفردية: القوة الشهوية، التي هي مجموعة من الشهوات، شهوة الإنسان نحو الطعام، نحو الجمال، نحو الجنس، مجموعة من الشهوات تلح على الإنسان أن يشبعها وأن يغذيها، هذه القوة الشهوية قوة فردية؛ لأنها تؤكد فردية الإنسان، لأنها تؤكد انكباب الإنسان على نفسه، وخدمة الإنسان لنفسه.

أيضًا القوة السبعية من القوى الفردية، وهي روح الانتقام، الإنسان يمتلك روح الانتقام، إذا تعرض إلى أذى أو تعرض لضرر أو تعرض لخطر، يثأر لنفسه بطبعه وفطرته، هذه القوة السبعية أيضًا قوة فردية؛ لأنها تؤكد ارتباط الإنسان بذاته وخدمة الإنسان لذاته.

وهناك قوة اجتماعية في داخل الإنسان، في إنسانية الإنسان، وهي القوة الضميرية، المعبّر عنها بالضمير، هذه القوة التي تخز الإنسان وتنبه الإنسان، هذه القوة مرتكزة على الإحساس بالغير، أن هناك إنسانًا آخر، أن هناك مجتمعًا، أن هناك روابطَ، أن هناك علاقاتٍ، القوة الضميرية هي التي توقظ في الإنسان الإحساسَ بغيره، وهذه قوة ترسّخ الجانب الاجتماعي لدى الإنسان، وتؤك الجانب الاجتماعي لدى الإنسان.

القرآن الكريم يشير إلى أن هناك بعض السلوكيات تخدم القوة الفردية، وهناك بعض السلوكيات تخدم القوة الاجتماعية، لاحظوا قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، حتى نعرف البر لا بد أن نعرف ما يقابله، وهو الإثم والعدوان، الإثم يخدم القوة الشهوية، العدوان يخدم القوة السبعية، الإثم والعدوان يخدمان القوة الفردية لدى الإنسان، الإثم هو أن يتجاوز الإنسان الحدَّ المشروع في إشباع شهوته، فهنا هو في انطلاقه نحو الإثم يخدم القوة الفردية، العدوان هو أن يتجاوز الحد المشروع في تعامله مع الآخرين، وهنا هذا يخدم القوة الفردية، وهي القوة السبعية، القوة الغضبية لدى الإنسان.

وفي مقابل ذلك ما يخدم القوة الاجتماعية، البر عنصرٌ يؤكّد خدمة القوة الاجتماعية، البر عنصر يرتكز على القوة الضميرية داخل الإنسان، البر هو عبارة عن الصلة، البر معناه الصلة، البر هو الصلة بالإنسان الآخر، والصلة بالإنسان الآخر - كما ذكرنا - تنطلق من إنسانية الإنسان لا من غريزة حب الذات، فالبر قوةٌ ضميريةٌ تعبّر عن صلة الإنسان بالإنسان الآخر، وتنطلق من صميم إنسانية الإنسان، لا من غريزة حب الذات.

لذلك، القرآن الكريم يؤكد على أن البر يتجاوز بك من ذاتك إلى غيرك، على أن البر ينقلك من الفردية إلى الاجتماعية، ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، ليس البر شكلًا، البر ليس مظهرًا ولا شكلًا، أن الإنسان يتوجه إلى القِبلة، أن الإنسان يحمل السبحة، أن الإنسان يربّي اللحية، أن الإنسان يقوم ببعض الأعمال أمام الناس، هذه كلها أشكال، كل هذه أشكال، كل هذه ألوان، كل هذه صور، ليست هي البر، البر ليس صورًا ولا أشكالًا ولا ألوانًا.

﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ إلى آخر الآية المباركة، إيتاء المال مع حبه هو البر، يعني مضمون، سلوك يتجسد على الأرض، هو البر، وليس البر صورًا وألوانًا. لذلك قال: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، لأن البر قوة ضميرية فلا ينالها الإنسان إلا إذا تجاوز ذاته، لأن البر انطلاق من إنسانية الإنسان، لا يمتلك الإنسان هذه الدرجة الراقية من الإنسانية إلا إذا أنفق.

الأمر الثالث: البر علو لا استعلاء.

هنا نرجع أيضًا ما يطرحه علماء العرفان، علماء العرفان يقولون: هناك علوٌّ حقيقيٌّ للنفس، وهناك استعلاء، فكيف نميّز بين العلو والاستعلاء؟ الإنسان عندما يفكّر في مسألة رياضية أو مسألة فلسفية، يفكّر في هذه المسألة ساعة، ينشغل عن زوجته، ينشغل عن أولاده، ينشغل حتى عن راحته، ينشغل حتى عن طعامه وشرابه، لأنه يفكر في هذه المسألة المعقدة، الإنسان عندما ينشغل بالتفكير فهو في حالة علو، علو حقيقي، النفس تعلو.

أنا لا أريد أن أتعرض للمسالك الفلسفية، لأن هذا يطول بحثه، الفلاسفة يقولون: الإنسان عندما يريد أن يقتنص الفكرة يتصل بعالم المُثُل، يتصل بعالم العقول الكلية، نحن لا نريد أن ندخل في هذا البحث. نحن نريد أن نقول: الإنسان عندما ينشغل بالتفكير فإنه يتجرد عن المادة، فإنه يتجرد عما حوله ويكون في حالة علو، حالة علو حقيقي، النفس تعلو، ليس علوًا حسيًا، نحن لأننا مغللون ومطوقون بالحواس الخمس لا ندرك إلا الأمور الحسية، عندما يقال لنا: الشيء يعلو، نتصور أنه يعلو علوًا حسيًا: يرتفع ويتجرد من جاذبية الأرض! لا، العلو لا ينحصر في العلو الحسي، هناك علو واقعي وعلو حقيقي لكنه ليس علوًا حسيًا، الإنسان عندما ينشغل بالتفكير فهو في حال علو، علو حقيقي، وإن لم يكن علوًا حسيًا.

وهناك استعلاء وليس علوًا، ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا، الإنسان الذي يرى أن الناس أقل منه، أقل منه نسبًا، أقل من علمًا، أقل منه ثقافة، أقل منه شرفًا، أقل منه مالًا، عندما ينظر للناس نظرة دونية فهو يعيش حالة استعلاء، لكن هذا ليس علوًا، هو يعيش في وهم، يرى أنه ارتقى عن الأرض، وهو ما زال في أدغال الأرض، ما زال في أوحال الأرض، هذا استعلاء وليس علوًا، العلو الحقيقي هو سموٌّ واقعيٌّ للنفس.

ومن مظاهر العلو الحقيقي: البر، البر علو، الإنسان عندما يبرّ أخاه، عندما يبرّ مجتمعه، يعيش في حالة علو، ولذلك القرآن أكّد على حالة العلو الحقيقي في عدة آيات، قال تبارك وتعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ، العمل الصالح يرفع هذه النفس، يعرج بهذه النفس من حيث لا تشعر، ”الصلاة معراج المؤمن“، النفس تعرج عروجًا حقيقيًا، ليس عروجًا مجازيًا، ليس عروجًا وهميًا، النفس حال الصلاة تعرج عروجًا حقيقيًا، البر يعرج بك إلى الله تبارك وتعالى عروجًا حقيقيًا، البر علو حقيقي.

ويقول في آية أخرى: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، الآن هم في عليين لا أنهم سوف يصبحون يوم القيامة في عليين، وهم في الدنيا هم في عليين، الأبرار في عليين دائمًا، في تمام أحوالهم، في تمام ظروفهم، في تمام أوقاتهم، لم يقل: إن الأبرار سيكونون في عليين، بل هم الآن فعلًا في عليين، ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ، المقربون يشهدون الأبرار وهم في الدنيا، والأبرار يشهدون المجتمع وهم في الدنيا، هناك شاهد على شاهد على شاهد آخر، كل يشهد الآخر، وكل يراقب الآخر، الأبرار في حالة علو، وفي حالة سمو نفسي، وهم يعيشون في هذه الحياة، ليسوا في استعلاء، ولكنهم في علو.

بينما الذين يعيشون الاستعلاء يقول عنهم القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى، هو يعيش في حفر الأرض، وليس يعيش علوًا. إذن، البر علو لا استعلاء، ولذلك قال القرآن الكريم: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ولأنه آمن وعلا ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ إلى آخر الآية المباركة.

فقه الوقف:

من أوضح مظاهر البر ومن أوضح مظاهر الإنفاق: مسألة الوقف، أنا أتعرض للوقف بشكل مختصر سريع، حتى يلتفت بعض الإخوان لمسائل هذا الباب المهم في الفقه، ألا وهو باب الوقف. الوقف يعرّفه الفقهاء: تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة. يعني: الوقف هو عبارة عن أن تحبس العين وتسبّل منفعة العين، مثلًا: لو أراد الإنسان أن يقف نقودًا، لا يكون ذلك وقفًا؛ لأن النقود لا يمكن فيها حبس العين وتسبيل المنفعة، وإنما النقود تُصْرَف، وكذلك الطعام، لا يتصوّر فيه الوقف؛ لأنه لا يمكن حبسه وتسبيل منفعته، وإنما يتصوّر الوقف في عينٍ يمكن حبسها مع بقاء منفعتها وتجدّد منفعتها، بأن يقف الإنسان دارًا، وريع هذه الدار يُصْرَف مثلًا على الفقراء، على العلماء، على المحتاجين، على أي جهة يُوقَف عليها، فالوقف هو تحبيس الأصل - أي: تحبيس العين - وتسبيل الثمرة، أي: المنعة للجهة الموقوفة عليها.

ولا يحتاج الوقف إلى تلفظ، قد يكون باللفظ، كأن يقول: وقفتُ، وقد يكون بالعمل، كأن يحضر كتابًا إلى المسجد، هذا نفسه وقف حتى لو لم يقل وقفتُ مثلًا، وكذلك إذا بنى للمسجد، لو بنى للمسجد مرافق فنفس هذا البناء هو وقف وإن لم يقف وقفت، فالوقف لا يتوقف على اللفظ.

الوقف على قسمين: وقف تخصيص ووقت تحرير، ما هو الفرق بينهما؟ وقف التحرير هو إخراج الأرض عن الملك، مثلًا: عبد مملوك، كيف أحرره من الملك؟ أعتقه لوجه الله، العبد المملوك إذا أعتق تحرر من الملك، أصبح ليس ملكًا لأحد، حتى الأرض تستطيع تحريرها من الملك، تجعل الأرض ليست ملكًا لأحد، عندما تقول: وقفت هذه الأرض مسجدًا، بمجرد أن تقول مسجدًا تتحرر الأرض من الملك، فلا مالك لها من البشر إطلاقًا، هذا يسمى وقف تحرير، كالوقف على المسجد، كالوقف على المقبرة، وقفتُ هذه الأرض مقبرةً، هذا وقف تحرير، فلا يملكها أحد، كما في تحرير العبد من الملك.

وهناك وقف تخصيص، بأن يوقف الإنسان أرضًا أو دارًا على جهة معينة، وقفتُ هذه الدار على الحسين، هذا وقف تخصيص لا تحرير، وقفتُ هذه الدار مثلًا على العلماء، هذا تخصيص، دار توقَف على المسجد، هذا تخصيص أيضًا، والتخصيص على نوعين: قد يكون على نحو التمليك، وقد يكون على نحو المصرفية. كيف يكون التمليك؟ تقول هذه الدار للمسجد، يعني ملك للمسجد، يملكها المسجد، أو هذه الدار للحسين، يعني يملكها الحسين ، فهذا وقف يؤدي إلى التمليك، تمليك الدار للحسين، تمليك الدار للمسجد، هذه العمارة للعلماء، يعني يملكها كليُّ العلماء.

وتارة يكون على نحو المصرفية، كأن تقول: وقفت هذه العمارة على أن يُصْرَف ريعها على الطلبة المغتربين، نحن ألا نحتاج إلى طلبة مغتربين؟! نحتاج إلى طلبة مغتربين، هؤلاء الطلبة المغتربون الذين يدرسون في البلاد الأخرى، ويرجعون إلى بلدانهم أطباء مهندسين علماء ينفعون بلدانهم يحتاجون إلى أن يوقَف عليهم بعضُ الأموال، إذا قال: وقفتُ هذه العمارة على أن يصرَف ريعها في خدمة الطلبة المغتربين فهذا وقف تخصيص وليس تمليكًا، لم أملّك شيئًا، ولكن يصرَف الريعُ على خدمة هؤلاء المغتربين.

لا يعتبر في الوقف قصد القربة، لو لم يقصد القربة فوقفه صحيح، الوقف صحيح وإن لم يقصد به القربة، لا يتوقف على قصد القربة. يعتبر في صحة الوقف القبض: الوقف في موردين لا يحتاج إلى القبض، المورد الأول: أن تكون العين في يد الموقوف عليهم، مثلًا: هناك بيت يسكن فيه أولادي، قلت: وقفت هذا البيت على أولادي، هنا لا حاجة إلى القبض، لأنهم أصلًا يسكنون فيه. المورد الثاني: الجهات العامة، وقفت هذه الأرض مقبرةً، من يقبضها هنا؟ الموتى؟! لا معنى للقبض هنا، الوقف على الجهات العامة لا معنى لقبضه، فلا يشترط فيه القبض.

إذن، القبض يشترط في الوقف على الجهات الخاصة، كأن أقول: وقفت هذه الدار على العلماء، لا بد أن يقبضها واحد يمثّل العلماء، ولو كان هو الحاكم الشرعي، أو وقفت هذه الدار مثلًا على الفقراء، واحد يمثّل الفقراء ولو كان هو الحاكم الشرعي حتى يصح الوقف، فالوقف يصح بالقبض، ويشترط فيه القبض إذا كان الوقف على طرف آخر.

القبض - كما تعلمون - على نوعين: قبض حسي، مثلًا: أنا أقف هذا الكتاب، قبضه بأن أجعله في المسجد، هذا قبض حسي، وتارة يكون القبض مجرد تخلية، وقفت هذه الأرض على أولادي، القبض هنا بمعنى أن أخلّي بينهم وبين الأرض، التخلية هي قبضٌ، في الأمور المنقولة يكون القبض بالحس، وفي الأمور غير المنقولة يكون القبض بالتخلية، أن أخلّي بين الموقوف عليهم وبين هذه الأرض، أو يسلّمهم الصك مثلًا أو أشباه ذلك من مصاديق القبض.

من أحكام الوقف: أنه لا يجوز توقيته بوقف. عندنا حبس وعندنا وقف، فرق بين الحبس والوقف، وكلاهما عملٌ يقرّب إلى الله تبارك وتعالى، مثلًا: أقول: أنا حبستُ هذه الدار عشرين سنة إلى الفقراء، طوال العشرين سنة يصرف ريعها على الفقراء، أو يسكنها الفقراء، بعد عشرين سنة ترجع لي كما كانت، هذا ليس وقفًا بل هو حبس، وهو جائز وصحيح شرعًا، أما إذا قال: وقفتُ، فالوقف لا يقبل التوقيت، لا يصح أن تقول: وقفت الدار عشرين سنة، هذا ليس وقفًا بل هو حبس، الوقف لا يجتمع مع التوقيت.

نعم لو أن الإنسان وقف على.. مثلًا: وقفت هذه الدار على عائلة أبي السعود أو عائلة العوامي أو عائلة الخبّاز، وقفت هذه الدار على العائلة الفلانية، العائلة الفلانية انقرضت، سلسلة استمرت مثلًا مئة سنة أو مئتي سنة ثم انقرضت، لا يوجد أحد منهم، بعد أن ينقرض، أنا لم أوقته بوقت، قلت وقفته على بني فلان، لكن بني فلان الآن انقرضوا، بعد أن ينقرضوا يعود الوقف إلى الواقف مرة أخرى، فإن لم يكن موجودًا يعود إلى ورثته، فإذا انقرض ورثته فحينئذ يكون تحت ولاية الحاكم الشرعي، يصرفه في وجوه البر.

لا يصح الوقف على النفس، لو قال شخص: وقفتُ هذه الدار على نفسي، قال لورثته: وقفتُ هذه الدار على نفسي، أخرجوا منها بعد موتي أعمال بر، صلوات، هذه الدار موقوفة على نفسي، الوقف على النفس يبطل، فرق بين الوصية وبين الوقف، الوصية للنفس تصح، لكن بمقدار الثلث، الإنسان يقدر أن يوصي بمقدار الثلث، ليس له حق أكثر من هذا، يستطيع أن يوصي بمقدار الثلث من تركته على نفسه، يقول: مقدار ثلث من أموالي اصرفوه علي بعد موتي، تجهيز وتغسيل وتكفين وصلوات وأعمال ومبرات، اصرفوها عليَّ، ولو أوصى بأكثر من الثلث فوصيته غير نافذة، لا تنفذ إلا في مقدار الثلث، البقية للورثة، إلا إذا أجاز الورثة.

الوصية على النفس بمقدار الثلث تصح، لكن الوقف على النفس لا يصح، لا يمكن للإنسان أن يقف على نفسه، هو إنسان عنده ثروة، هذه الثروة كلها تذهب إلى أولادي، أنا علام أحصل منها؟ كيف أقف على نفسي؟ كيف أتوصل للوقف على نفسي؟ هنا يمكن أن يهب المال لأحدٍ من أولاده، ويشترط عليه في ضمن عقد لازم أن يقفه على نفسه، مثلًا: أنا أقول لولدي: وهبتُك هذه العمارة، هذه لك، ملك، استلمها، وأشترط عليه في ضمن عقد آخر، عقد لازم، مثلًا: أبيع شخاطة أو قلمًا، أقول: بعتك هذا القلم بريال وأشترط عليك أن تقف تلك العمارة بعد موتي عليَّ، فإذا اشترط عليه أن يقف العمارة التي وهبها إياه عليه بعد موته صحَّ ذلك، وحينئذ يكون الولد ملزمًا بعد موت أبيه أن يقف تلك العمارة التي وُهِبَت له على أبيه وعلى مبرات أبيه وفاءً بالشرط الذي اشترط عليه.

يعتبر في الواقف أن يكون بالغًا عاقلًا مختارًا غير محجور عليه من سفهٍ أو غير ذلك، فلا يصح وقف الصبي، أو وقف المجنون. ويجوز للواقف أن يجعل الولاية لنفسه، يقول: أنا وقفت الدار على الحسين، لكن الولاية لي، في نفس الوقفية يجعل الولاية له أو لمن يريد، هذا أمرٌ جائزٌ لا بأس به. إذا جعل الواقف وليًا، قال: أنا وقفت هذا البستان على الحسين، وجعلتُ الولي ولدي أو شخصًا آخر، وما جعل له أجرة، تارة يجعل له أجرة، يقول: وجعلتُ الولي فلانًا وله أجرة على ولايته وعلى إدارته، له أجرة من نفس الوقف.

أما إذا لم يعيّن له أجرة، قال: وقفت هذا البستان على الحسين وجعلتُ الناظر فلانًا، ولم يعيّن له أي أجرة، فله أجرة المثل، لهذا الناظر أجرة المثل، يعني النظارة كم قيمتها في السوق؟ كم أجرتها في السوق؟ للناظر أجرة المثل يأخذها من ريع الوقف ومن حاصل الوقف قبل تقسيمه، إلا أن ينص على المجانية، الواقف يقول: وقفتُ هذه الدار على الحسين وجعلتُ الناظر فلانًا على نحو المجّانية، لا يأخذ شيئًا، إذا نصّ الواقف على المجانية فيؤخذ بتنصيصه، الوقوف على ما يقفها أهلها، أما إذا لم يجعل المجانية فله أن يأخذ أجرة المثل.

إذا لم يجعل الواقف وليًا، قال: وقفت هذه الدار على الحسين، ولم يجعل وليًا، فالولاية للحاكم الشرعي، للفقيه الجامع للشرائط، أما إذا وقف على ذرية معينة، قال: وقفت هذه الدار على ذرية فلان، الولاية تكون لنفس الذرية لا للحاكم الشرعي، إذا وقف على ذرية معينة فالولاية لهم لا للحاكم الشرعي.

لا يشترط في الوقف الإسلام، حتى الكافر يقدر أن يقف، تستطيع أن تقف عليه ويستطيع الكافر أن يقف أيضًا، الكافر لو وقف، قال: أنا وقفت هذه العمارة على الفقراء، وقفه صحيح، كذلك أنت تستطيع أن تقف على الكافر، تقول: والله أنا وقفت هذه العمارة على المسيحيين اللذين يساعدون المسلمين، هذا وقف صحيح ولا إشكال فيه، كما أن الكافر يصح وقفه يصح الوقف أيضًا على الكافر، لا مانع من ذلك، هذا أمر لا مانع منه، ويمكن أن يتحقق به القربة أيضًا. السيد الخوئي «قدس سره» استدل بنفس الآية: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ تقف عليهم، الوقف من جملة البر، ﴿أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، فيجوز الوقف على الكفار بلحاظ هذه الآية المباركة وأمثالها.

إذا وقف الإنسان، قال: وقفت الدار على الفقراء، ينصرف لأي فقراء؟ ينصرف إلى فقراء بلده، إعطاؤها إلى فقراء غير بلده يحتاج إلى ولاية، إذا كان الواقف من الشيعة، قال: وقفت هذه الدار على الفقراء، ينصرف لفقراء الشيعة، وإذا كان الواقف من السنة نفس الشيء، واحد من السنة قال: وقفت هذه الدار على الفقراء، لا يعطى لفقراء الشيعة، بل ينصرف إلى الفقراء من أهل السنة، وقف الواقف ينصرف إلى أهل ملته وأهل دينه، أما إذا قال: للمسلمين عامة، فلا بأس بذلك، أما إذا قال: وقفتها للمسلمين، ونحن ندري أنه لا يرى الشيعة مسلمين، لا يجوز إعطاؤها للشيعة.

إذا سمّى الوقف فلا يجوز للواقف ولا لغيره تبديله ولا تغييره، الوقوف على ما يقفها أهلها، لا يمكن التغيير في جهاته أو في مصاريفه، مثلًا: الآن شائع عند بعض الناس مثلًا دار موقوفة على الحسين، ما دامت هذه موقوفة على الحسين فريع هذه الدار نصرفه على الفقراء؛ لأن الحسين يحب الفقراء! لا، لا يصح ذلك، الوقف على الحسين يُصْرَف في شؤون الحسين، تعزيته، ميلاده، طباعة كتب تتحدث عن الحسين ، زوّار الحسين ، هكذا.

بعض أساتذتنا - كالشيخ التبريزي «دام ظله» - يقول: الوقف على الحسين، إذا قال: على الحسين، تارة يقول: وقفت على مأتم الحسين، هذا واضح، يُصْرَف في المأتم، أما إذا قال: وقفت على الحسين، فإنه يعطى لزوار الحسين، المصرف الأول هو زوّار الحسين، يُصْرَف على زوار الحسين؛ لأن عندنا بعض الروايات ورد فيها أن إنسانًا وقف مالًا على الكعبة، فسئل الإمام الصادق، هذا كتب في وصيته أو وقفيته أنها على الكعبة، فماذا نفعل؟ قال: يُصْرَف على الحجّاج، على زوّار الكعبة. أيضًا إذا قال: وقفت على الحسين يُصْرَف على زوار الحسين ، فإن لم يكن زواره يحتاجون إلى مصرف حينئذ يُصْرَف في المصارف الأخرى التي ترتبط باسم الحسين وبعنوان الحسين .

إذا احتاج الوقف إلى التعمير أو الترميم، يعمَّر من نفس ريع الوقف وحاصل الوقف، الوقف يعمِّر ذاتَه، أما إذا خرب الوقف، هذه مسألة مهمة، هناك تسامح عند الناس في الأوقاف الخربة كيف يتعاملون معها، إذا خرب المسجد لم يخرج عن المسجدية، يبقى مسجدًا، وإن تعذر تعميره، وكذا إذا خربت القرية، والمقصود بالقرية البستان، البساتين يسمونها قرية، وكذا إذا خربت القرية حتى بطل الانتفاع بها، وأما غيرها من الأعيان الموقوفة، مثل الدار مثلًا، وقفت الدار على الحسين، فإذا تعذّر الانتفاع بالدار لخرابها وزوال منفعتها، مثلًا وقفت البستان لكن البستان تحوّل إلى أرض، فإنه يجوز بيع بعضه وعمارة الباقي.

لا بد في البداية من أن يسلك هذا الحل، وهو بيع بعضه لعمارة الباقي، لا أن يقول من أول الأمر: هذا البستان انتهى فبعه واشتر بدله واحدًا آخر! لا، أولًا يباع بعضُه لعمارة البعض الآخر، وكما ينصّ الأساتذة - السيد السيستاني والشيخ التبريزي «دام ظلهما» - قبل البيعة أولًا الإجارة، إذا أمكن إجارته وتعميره بإجارته فلا يجوز البيع، أو أمكن إجارة بعضه وتعمير البعض الآخر بحاصل الإجارة لا يجوز البيع، أولًا يلجأ إلى الإجارة، إذا أمكن إجارته وتعميره فهو ذلك، وإذا ما أمكن فحينئذ يأتي إلى الوسيلة الثانية، وهي بيع بعضه لعمارة البعض الآخر، إذا لم يمكن أصلًا، كما لو كان في مكان لا يُرْغَب في بيع بعضه، لا أحد يشتري بعضه، أو كان صغيرًا جدًا لا يمكن بيع بعضه وعمارة الباقي، حينئذ تصل النوبة إلى بيعه بتمامه وتبديله.

المسألة الأخيرة من مسائل الوقف: هذه المسألة مسألة ابتلائية. الأموال التي تُجْمَع، هذا متعارَف، نحن نجمع أموالًا حتى نبني حسينية، أو نجمع أموالًا حتى ننشئ صندوقًا خيريًا، أو نجمع أموالًا حتى نبني مسجدًا، هذه الأموال أنا عندما أعطيها، يقوم شخص في المسجد ويقول: يا مؤمنون، عندنا حسينية، هيا تبرعوا.. أنا أعطيه خمسين ريالًا مثلًا لأجل هذه الحسينية أو لأجل هذا المسجد، هنا قصدان لا بد من الالتفات إليهما: تارة أعطيه إياه بقصد الوكالة، أنت وكيل عني في صرف هذه الخمسين ريالًا في بناء الحسينية، فهذا المال لا يخرج عن ملكي إلى أن يُصْرَف، ما دام هو محفوظًا ما زال ملكي؛ لأنني ما أعطيته إياه بعنوان التمليك، بل أعطيته إياه بعنوان الوكالة، أنت وكيلٌ عني في أن توصل هذه الخمسين ريالًا إلى بناء الحسينية، أو أنت وكيل عني.. كما هو الحال في الجمعية الخيرية.

أنا أعطي الأموال للجمعية الخيرية، أعطيها بأي قصد؟ إذا أعطيتها بقصد التوكيل، والله أنت الذي في الجمعية الخيرية وكيل عني في أن تصرف هذه الأموال على الفقراء، بقيت في حساب الجمعية سنة أو سنتين، تبقى في ملكي؛ لأنني لم أعط تمليكًا وإنما أعطيت توكيلًا، فهذا المال يبقى على ملكي إلى أن يُصْرَف، فإذا جاء موعد الخمس لا بد من تخميسه لأنه زائد عن مؤونتي، وإذا متّ ينتقل إلى ورثتي لأنه لا زال ملكي، أنا مت وجاء ورثتي وعلموا أنني أعطيت الجمعية خمسين ألفًا، قالوا: بما أنكم لم تصرفوها فأحضروها؛ نحن نحتاج إليها. لهم ذلك، لهم الحق في ذلك.

إذن فبالنتيجة: إعطاء المال بعنوان التوكيل لا يخرج المال عن الملك، فماذا أفعل؟ لا بد من قصد القصد الآخر: أعطي المال بقصد الإعراض عنه إلى هذه الجهة، أنا أسلّم المال لهذا، أقول: أعرضت عن هذا المال لجهة الحسين، أو لجهة الفقراء، بمجرد أن أقصد الإعراض إذا هو قبضه خرج عن ملكي، وهكذا أستريح منه.

الأموال التي تُجْمَع لعزاء سيد الشهداء من صنف خاص لإقامة مأتمهم أو للأنصار أو كذا.. الظاهر أنها من قسم الصدقات المشروط صرفها في جهة معينة، فلا يجوز لمالكها الرجوع فيها، ولا يجوز لوارثه المطالبة بها، ثم يقول: وإذا كان الدافع للمال غير معرضٍ عنه ويرى أن الآخذ للمال بمنزلة الوكيل لم يخرج المال عن ملك الدافع، وجاز له ولورثته ولغرمائه المطالبة به، بل يجب إرجاعه إليه عند المطالبة، وإلى وارثه عند موته. إذن فبالنتيجة: لا بد أن يُلْتَفَت إلى هذه المسألة.

الإمام علي (ع) وَدولة الإنسان
فقه البيئة