نص الشريط
أصالة الصحة | الدرس 11
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 7/9/1437 هـ
مرات العرض: 2836
المدة: 00:25:06
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1316) حجم الملف: 5.7 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

الدليل الثالث: _الذي استدل به على أصالة الصحة في العقود والإيقاعات_ الاستدلال بالسيرة.

وبيان ذلك: ان الاستدلال بالسيرة على نحوين، إذ تارة يكون استدلالا بالسيرة المتشرعية، وأخرى يكون استدلالا بالسيرة العقلائية.

أما النحو الأول: وهو الاستدلال بالسيرة المتشرعية.

فقد أفيد في محله في علم الأصول بأن كاشفية السيرة المتشرعية عن الحكم الشرعي التأسيسي إنما تتم بأحد وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: هو دعوى الأمارية العقلائية، كما أفاد السيد الأستاذ في أصوله: أنه إذا كان جماعة تمتاز بمائز عن سائر العقلاء وهذه الجماعة بما هي ممتازة بمائز معين عن سائر العقلاء تبانت على أمر فإن تبانيها كاشف عن ان منشأه هو ذلك المائز الذي يميزها عن سائر العقلاء فهنا ملازمة عقلائية بين صدور العمل عن الجماعة الممتازة بمائز معين وعن كون منشأ تباني هذه الجماعة على ذلك العمل هو المائز الذي يجمعها وهذا لا يفرق فيه بين الأصناف والمصاديق، فتباني الأطباء على عمل معين دون غيرهم كاشف عن أن منشأ تبانيهم أمر طبي، وتباني المهندسين على أمر معين كاشف عن ان منشأ تبانيهم أمر هندسي، كما أن تباني المتشرعة على أمر معين دون غيرهم كاشف عن أن منشأ ذلك الأمر أو منشأ ذلك التباني هو تشرعهم أي المائز الذي يميزهم عن غيرهم وهو التزامهم وتقيدهم بالشريعة، فهو يكشف عن أن الشريعة هي منشأ تبانيهم على ذلك الأمر.

الوجه الثاني: أن يدعى ان كاشفية السيرة المتشرعية عن حكم الشارع بالوثوق أي ان التفات العقل إلى تباني المتشرعة بما هم متشرعة على أمر موجب لوثوقه بأن هناك حكماً شرعياً يكشف عنه هذا التباني. وبالتالي فتكون دليلية السيرة المتشرعية ليست بما هي سيرة متشرعية بل يدور الأمر مدار الوثوق أي ان الدليلية والحجية للوثوق لا للسيرة المتشرعية بما هي سيرة متشرعية، كما انه بناء على الوجه الأول لا خصوصية للسيرة المتشرعية وإنما هي بما هي مصداق من مصاديق كاشفية العمل الصادر عن الجماعة الممتازة عن كون منشأ ذلك هو الامتياز.

الوجه الثالث: أن يدعى ان منشأ كاشفية السيرة المتشرعية عن الحكم الشرعي التأسيسي هو الظهور، بمعنى أن ظاهر حال الشارع الملتفت إلى تباني اتباعه على أمر معين هو كونه منشأ ذلك الأمر وإلا لصدر منه خلافه، فعدم صدور الخلاف ظاهر في أن منشأ التباني من قبل المتشرعة هو الشارع نفسه، وبالتالي فالكاشفية موضوعها ظهور حال الشارع في انتساب عمل المتشرعة وتبانيهم اليه. ولا نريد في المقام بحث الوجه الصحيح في كاشفية سيرة المتشرعة عن حكم الشارع ما هو؟ وإنما نقول بأنه يدعى في المقام الصغرى أي ان سيرة المتشرعة قائمة على الحكم بالصحة على العمل الصادر من الغير سواء كان عملا اعتباريا أو خارجياً وسواء كان أثره أثراً شرعياً أم عقلياً، وبهذه السيرة تثبت أصالة الصحة.

ولكن الكلام كله في الصغرى، وهي انه جريان سيرة المتشرعة على الحكم على فعل الغير بالصحة بما هم متشرعة أم بما هم عقلاء، حيث لم يثبت ان بناءهم على الصحة جار بما هم متشرعة كي تأتي الوجوه الثلاثة السابقة.

النحو الثاني: الاستدلال بالسيرة العقلائية.

ومن الواضح ان السيرة العقلائية تختلف عن السيرة المتشرعية من حيث الكاشف والمنكشف، فإن الكاشف هناك سيرة المتشرعة بما هم متشرعة، والكاشف هنا السيرة العقلائية لا بشرط من حيث التشرع وعدمه، كما ان المنكشف الحكم الشرعي في كليهما الا ان المنكشف بالسيرة المتشرعية الحكم الشرعي التأسيسي، بينما المنكشف بالسيرة العقلائية الحكم الشرعي الامضائي، وقد وقع الكلام أيضاً في الأصول في محله في الوجه في كاشفية سيرة العقلاء عن الحكم الشرعي الإمضائي فهل ان الوجه في ذلك هو الوثوق أم ان الوجه في ذلك هو ظاهر حال الشارع، في إمضائه مع التفاته للسيرة وكونه في مقام البيان والقدرة على الردع؟ أم أن كاشفية السيرة عن الحكم الامضائي كاشفية عقلية؟ حيث بملاك قبح نقض الغرض إذ لو كان الشارع غير راض عن السيرة العقلائية مع قدرته على الردع وكونه في مقام البيان للزم من ذلك نقض الغرض وهو قبيح.

أم أن هناك أمارة عقلائية كما هو ظاهر جماعة، وهو عدم وصول الردع كاشف عقلائي وان لم يحصل وثوق فنفس عدم وصول الردع كاشف عقلائي عن الإمضاء والرضا كما في سائر الموارد، فإن جريان عمل الرعية على عمل ما مع كون السلطان سلطان الرعية في مقام الردع والبيان فإن عدم وصول الردع منه كاشف عقلائي عن رضاه وإمضائه، وعلى أية حال فبأي نحو من الأنحاء السابقة أو بأي وجه من الوجوه السابقة حللنا كاشفية العقل عن الحكم الامضائي يقال بأن الصغرى متحققة في المقام وهو جريان السيرة العقلائية على الحكم بالصحة عند الشك في فعل الغير، وهذا كاشف عن الحكم الشرعي الإمضائي الذي يعني بحسب النتيجة حجية أصالة الصحة.

نعم، هل أن جريان السيرة العقلائية على الحكم بالصحة على فعل الغير من باب الامارية، أي بملاك الغلبة؟ بمعنى انه لما كان الغالب في العمل الصادر من المتلفت للقانون كون العمل على وفق القانون تنقحت أمارة عقلائية وهي أمارية الظهور، بمعنى ان ظاهر الفعل الصادر من الملتفت للقانون كونه مطابقاً للقانون.

أم أنّ أصالة الصحة عند العقلاء أصل لا إمارة؟ فليس هو راجع للظهور، وإنما هو أصل نظامي، بمعنى ان العقلاء أدكوا انهم لو يبنوا على أصالة الصحة في فعل الغير للزم من ذلك اختلال النظام، فدرئاً منهم لمحذور اختلال النظام جرى بنائهم على الحكم بالصحة على فعل الغير، فهو أصل نظامي.

وقلنا سابقا بأنه قد تترتب بعض الثمرات وهي حجية أصالة الصحة في المثبتات وعدم حجيتها بناء على النكتة الأولى أو النكتة الثانية.

هذا هو الدليل الثالث وهو الاستدلال بالسيرة العقلائية.

وقد ظهر من هذا الدليل انه لا يختص بالعقود والإيقاعات فموضوعه أعم من ذلك.

الوجه الرابع: هو الاستدلال بموثقة حفض بن غياث الواردة في أمارية اليد، حيث قال: لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق.

فهنا قد استدل الشيخ الأعظم بهذا التعليل في الرواية لإثبات حجية أصالة الصحة ويمكن إرجاع كلامه إلى احدى نكتتين:

النكتة الأولى: الاستدلال بالأولوية. وهو أن يقال: بأنه ظاهر هذه الرواية أن المناط في حجية اليد وأماريتها على الملكية هو حفظ النظام إذ لولا أمارية اليد على الملكية شرعا للزم اختلال النظام، وبما أن اختلال النظام المترتب على عدم أصالة الصحة أشد فمن باب الأولوية يستفاد حجية أصالة الصحة.

وهذا ما منع منه سيدنا الخوئي «قده» حيث أفاد بانه:

أولاً: لا يلزم من عدم حجية أصالة الصحة على نحو الاطراد اختلال النظام، إذ يمكن القول بعدم حجية أصالة الصحة في العبادات وفي المعاملات بالمعنى الأعم الشامل لمسألة الطهارة والنجاسة ولا يلز من من ذلك محذور اختلال النظام، فالدليل اخص من المدعى.

ثانياً: لا شاهد على هذه الأولوية أي بين محذور اختلال النظام المترتب على عدم أمارية اليد على الملكية ومحذور اختلاف النظام المترتب على عدم جريان أصالة الصحة. فتأمل في ذلك.

النحو الثاني _من الاستدلال بالرواية_: هو الاتكاء على نكتة عدم الخصوصية.

بأن يقال انه لا موضوعية لليد فما هو المذكور في ذيل الرواية كبرى كلية، وهي: أن كل ما يلزم من عدم حجيته اختلاف النظام فهو حجة، وبما أن أصالة الصحة من صغريات هذه الكبرى فتثبت حجيتها بمقتضى عموم الكبرى المذكورة في الذيل.

وهذا يبتني على أن المذكور في الذيل كبرى لا انه مجرد حكمة أو ذكر لإحدى العلل أو احد الملاكات لأمارية اليد على الملكية.

الوجه الخامس: الاستناد لدليل نفي العسر والحرج، بأن يقال: بناء على شمول دليل نفي العسر والحرج للحكم العدمي وعدم اختصاصه بالحكم الوجودي كما هو مبنى السيد الصدر والسيد الأستاذ يقال في المقام بأنه: لو لم يحكم الشارع بالصحة على فعل الغير للزم من عدم حكمه وقوع المكلفين في العسر والحرج، فمقتضى دليل نفي العسر والحرج هو حجية أصالة الصحة وهذا كما ترى مضافا إلى انه يبتني على شمول دليل نفي العسر والحرج للحكم العدمي فإنه يبتني على عموم الحرج المنفي للحرج النوعي وإلا لدار الأمر مدار الحرج الشخصي، فيقال: مقتضى اطلاق «ما جعل عليكم في الدين من حرج» أن المنظور إليه هو الحرج الشامل للحرج الشخصي والنوعي، فما يلزم من عدم الحكم به حرج نوعي على المؤمنين فمقتضى دليل نفي العسر والحرج هو ثبوته. وهذا هو محل التأمل.

فتلخّص من ذلك: أنّ لدينا أدلة عديدة على حجية أصالة الصحة. وهنا قد ناقش السيد الأستاذ «دام ظله» بمناقشات نتعرض لها في الدرس القادم إن شاء الله.

بقي هنا وجه ذكره الشيخ الأعظم «قده» في الرسائل وهو الاستدلال بحكم العقل. وتقريبه:

إنّ العقل باستقلاله مع غمض النظر عن الشارع حاكم بقبح اختلاف النظام، وبما ان العقل بمقتضى حكمه بقبح اختلاف النظام فلازم ذلك: ان كل ما لم تثبت حجيته يلزم من عدم حجيته محذور اختلاف النظام فمقتضى قبح اختلال النظام عقلا هو حجيته، وبعبارة أخرى: عدم ترتيب آثار الصحة على الفعل الصادر من الغير قبيح، وقبحه صغرى من صغريات قبح اختلال النظام حيث إن في ترتيب آثار الصحة على فعل الغير تسبيباً لاختلال النظام والتسبيب لاختلال النظام قبيح فإن التسبب للقبيح قبيح، إذن فمقتضى قبح العقل لعدم ترتيب آثار الصحة لزوم ترتيب آثار الصحة عقلاً.

والحمد لله رب العالمين.

أصالة الصحة | الدرس 10
أصالة الصحة | الدرس 12