نص الشريط
الأخطاء العلمية في القرآن الكريم
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/1/1438 هـ
مرات العرض: 3191
المدة: 01:07:44
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1582) حجم الملف: 15.5 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقًا من الآية المباركة نتحدّث في محاور ثلاثة:

المحور الأول: سلامة مادّة القرآن الكريم.

هناك سؤالٌ قد يطرأ على الأذهان، وهو أنَّ أول طبعة للقرآن الكريم تمّت في عهد الملك فاروق الأقدم سنة 1824 ميلادي، وقبلها كان القرآن الكريم نسخًا خطية متداولة، فمن أين نحرز أنَّ النسخة التي بين أيدينا الآن من القرآن الكريم تتطابق مع النسخة التي كانت موجودة في زمان النبي مصطفى ، أو على الأقل كانت موجودة في القرن الهجري الأول، أي قرن وجود الصحابة الذين حفظوا القرآن الكريم وتداولوه فيما بين أيديهم؟

كيف نثبت أنَّ هذا القرآن الذي بين أيدينا يتطابق مع تلك النسخة الشريفة، خصوصًا وأنَّ القرآن كتاب إنشائي، لم ينزل على النبي مكتوبًا، وإنما نزل عليه مقروءًا، والنبي قرأه على المسلمين، فخطّه المسلمون في الرقاع والأحجار، ومن هنا قد تختلف النسخ، قد تختلف الكتابات، قد تختلف طريقة الكتابة، فمن أين نحرز أنَّ ما بين أيدينا من المصحف الشريف هو متطابق مع النسخة في زمن النبوة أو زمن الجيل الأول من الصحابة، يعني في القرن الهجري الأول؟

خصوصًا وأنه في القرن الثاني الهجري حدثت عدة تغييرات في القرآن الكريم، يعني اختلف القرّاء في القرن الثاني في ألفاظ القرآن، إمّا اختلاف في الهيئة، «ربَّنا باعِد بين أسفارنا» أو «ربُّنا باعَد بين أسفارنا»، أو اختلاف في الحرف «طلحٍ منضودٍ» أو «طلعٍ منضودٍ»، أو اختلاف في الكلمة «مالك يوم الدين» أو «ملك يوم الدين»، أو اختلاف في الأعراب «وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم» أو «وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم»، أو اختلاف بالتأخير والتقديم، كما في بعض القراءات، «وجاءت سكرة الموت بالحق» أو «وجاءت سكرة الحق بالموت». إذن، هذا التغيير والاختلاف بين القرّاء في القرن الهجري الثاني يمنع من أن نحرز أنَّ هذه النسخة التي بين أيدينا الآن متطابقة مع النسخة التي كانت للقرآن الكريم في القرن الهجري الأول. هنا أجاب العلماء بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: دليل حساب الاحتمالات.

قالوا: القرآن الكريم أهمّ شيء عند المسلمين منذ زمن النبي إلى يومنا هذا، أهمّ شيء اعتنى به المسلمون واهتموا به هو القرآن، فبما أنَّ القرآن الكريم على مدى العصور والقرون - كما يذكر المؤرخون - كان موضع اهتمام المسلمين حفظًا ونسخًا وتداولًا وترتيلًا وإيصاء وتنزيهًا، كانوا ينزهون القرآن عن مواطن النجاسة، مواطن الهتك، مواطن سوء الأدب، بلغ اهتمامهم بالقرآن أكثر من اهتمامهم بأسرهم وبيوتهم، كما نقل المؤرخون، فإذا كان القرآن على مدى هذه القرآن موضع اهتمام المسلمين حفظًا ونسخًا وتداولًا، فمن البعيد جدًا أن يطرأ تغيير على القرآن الكريم ولا يلتفت له عامة المسلمين في سائر البلاد الإسلامية، لا في العراق ولا في الشام ولا في مصر ولا في الجزيرة العربية ولا في غيرها، هذا احتمال موهوم جدًا، احتمال 2/1000 أو 1/500 مثلًا، لو طرأ أي تغيير على القرآن مع شدّة اهتمام المسلمين بالقرآن لكُتِب عن ذلك وسُجِّل ذلك وتتبعه المسلمون لشدّة اهتمامهم بالقرآن. إذن، مقتضى دليل حساب الاحتمالات أنَّ احتمال التغيير احتمال موهوم، احتمال لا يعتنى به بحسب الموازين العلمية.

الوجه الثاني: التواتر.

في كل جيل على مدى 1400 سنة، على مدى هذه الأجيال، في كل جيل يحفظ القرآن عن ظهر القلب عدد كبير من المسلمين يمتنع تواطؤهم على الكذب، فإذا كان في كل جيل يحفظ القرآن بعدد كبير، وكذلك ينسخ بعدد كبير من النسخ، إذن هذا العدد وهو وجود مئات في كل جيل يتداولون القرآن حفظًا ونسخًا يمتنع تواطؤهم جميعًا على الكذب والغش، يعني يعلمون أن هناك تغييرات ومع ذلك يغضّون النظر عنها إلى أن تكون غشًا على الأجيال الآتية، هذا ممتنع، التواتر هو عبارة عن إخبار عدد كبير يطمأن بعدم تواطؤهم على الكذب والغفلة والخطأ، وهذا ما حصل بالنسبة إلى القرآن الكريم.

الوجه الثالث: النسخ الخطية.

وهذا الوجه هو أهم الوجوه، هناك مسألة موجودة في المملكة في المنطقة الشرقية، دخلت مع هذه المؤسسة شخصيًا بنفسي، وزرت استنبول، وزرت بيرمينغهام في إنجلترا، وزرت برلين في ألمانيا، تتبعًا لهذا الموضوع، الذي يفيد ويجدي في أنَّنا نثبت تطابق النسخة الموجودة بين أيدينا مع النسخة التي كانت في القرن الهجري الأول، والتي كانت بمرأى ومسمع من الجيل الأول من الصحابة، علي وأمثاله، حفظًا ونسخًا، الذي ينفع أن نثبت وجود نسخة خطية منذ ذلك العصر، إذا استطعنا أن نحصل على نسخة خطية من ذلك العصر، يعني من القرن الهجري الأول، ونطابق تلك النسخة مع القرآن الذي بين أيدينا، ونرى التطابق بين النسختين، حينئذ يكون هذا الدليل دليلًا دامغًا واضحًا على أن القرآن لم يخضع لتغيير أو تحريف أو تبديل، وهذا ما سعت هذه المؤسسة لأجله.

في قصر السلطان سليمان في استنبول توجد نسخة، في جامعة بيرمينغهام في إنجلترا توجد نسخة، في ألمانيا أيضًا توجد نسخة، قام عليها المستشرق «مانغانا»، كان يريد أن يصل إلى تحريف أو غمز في القرآن فما استطاع، إلى أن وصلوا إلى نسخة خضعت للاختبار الفيزيائي C14، وخضعت لعلم الخط، آليتان ضروريتان لاكتشاف عمر النسخة، من أين تكتشف عمر النسخة المخطوطة؟ طبعًا النسخة المخطوطة ليس فيها نقاط، على طريقة الكتابة في تلك الأزمنة، من أين نكتشف أنَّ هذه النسخة هي من القرن الهجري الأول؟

أمامنا آليتان: الاختبار الفيزيائي للورق، للرقاع، الاختبار الفيزيائي يؤكد لك عمر الورق، عمر الرقعة، أنها من كم سنة، من كم مئة، من كم ألف سنة، الاختبار الفيزيائي C14 أثبت أنها من القرن الأول الهجري. ويضاف إليه علم الخط، علم الخط يقوم على المقارنة بين هذه النسخة وبين الكتابات الثابتة لتلك الأزمنة، ليثبت أنها منها أو لا. وفعلًا، نتيجة هاتين الآليتين ثبت أنَّ هذه النسخة يرجع عمرها إلى سنة 27 هجري، وهناك نسخة أخرى إلى سنة 37 هجري، يعني كلتا النسختين في عهد الإمام أمير المؤمنين علي . طبعًا هناك حدس ليس عندنا عليه دليل قوي، لا زلنا في جمع الأدلة، وهو أن النسخة بخط علي نفسه، لأنها تتشابه مع الخطوط المنسوبة إليه .

وأما اختلاف القراءات، ملك ومالك، طلح وطلع، أرجلِكم وأرجلَكم، هذه لا تضر بسلامة المادة، لأنها لا تغيّر من جوهر المادة، يبقى جوهر المادة سليمًا منزهًا عن التحريف والتغيير، وإن كان هناك اختلاف بسيط في القراءات، هذا الاختلاف البسيط لا يضر بقطعية سلامة المادة القرآنية.

المحور الثاني: هوية القرآن الكريم.

نحن ذكرنا أنَّ القرآن كتاب إعجازي، وأقمنا على ذلك الدليل في محاضرة سابقة، نريد أن نقول: ليس إعجاز القرآن في بضع آيات تشير إلى قصة التاريخ، وليس إعجاز القرآن في بضع آيات تشير إلى بعض الحقائق العلمية، أو بعض الحقائق التربوية، بل إعجاز القرآن في كونه كتاب هداية، لاحظ القرآن الكريم عندما يقول: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، إذن هوية القرآن أنه كتاب هداية، فأين إعجازه؟ إعجازه في هذه الهوية، في كونه كتاب هداية، لأن الهداية - هداية الإنسان فردًا ومجتمعًا - تتوقف على عدة عناصر: عنصر تاريخي، عنصر تربوي، عنصر قانوني، عنصر بلاغي، لذلك جمع القرآن هذه العناصر المختلفة الدخيلة في تحقيق الهداية، هنا تكمن هوية القرآن، هنا يكمن إعجاز القرآن، إعجاز القرآن في جامعيته لهذه العناصر كلها الدخيلة في تحقيق هدفه، ألا وهو هدف الهداية.

المحور الثالث: سلامة القرآن عن الأخطاء المنسوبة إليه.

نُسِب إلى القرآن الكريم مجموعة من الأخطاء، قالوا: القرآن وقع في عدّة أخطاء، ما هي الأخطاء التي نُسِبَت إلى القرآن الكريم؟ هذه الأخطاء على عدة أقسام:

القسم الأول: ما يتعلق بالخلق.

ونكتفي هنا بالحديث عن ثلاث آيات:

الآية الأولى: آية الخلق الزوجي.

وهي قوله عز وجل: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، قالوا: هذا خطأ، لأن البكتيريا ليس لها زوجان، بل هي صنف واحد، فكيف يقول: ومن كل شيء خلقنا زوجين؟

الجواب: أولًا: بعض العلماء حمل الزوجين لا على الذكر والأنثى، بل حملها على السالب والموجب، لا يوجد كائن حي لا يحمل في طيّاته عنصرين: سالب وموجب. ثانيًا: لو أغمضنا النظر عن هذا الجواب، الآية لا تتحدث عن كل شيء في الكون، بل الآية تتحدث عن شيء مخصوص، وهو عالم النبات، لأن القرآن يفسِّر بعضه بعضًا، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”اضربوا القرآن بعضه ببعض“، يعني القرآن يفسّر بعضه بعضًا. يقول في آية: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ، ويقول في آية أخرى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ، هذه الآية تفسر تلك الآية، ما هو المطر الأول السيئ؟ هو مطر حجارة من سجيل.

هذه الآية التي قرأناها: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اقرأ ما قبلها: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فرش الأرض وتمهيدها يتناسب مع الزراعة والنبات، ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ يعني هيأناها تربة خصبة للزراعة والإنبات، هذه قرينة على أنه ناظر لقسم من الأشياء، ارجع إلى الآية الأخرى التي تتشابه تمامًا مع هذه الآية وتصرّح بالنبات، اقرأ قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، نفس السياق، مد الأرض، فرش الأرض، جعل فيها رواسي وأنهارًا، ثم حدّد الزوجين من الثمرات، إذن المراد من ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ يعني ومن كل شيء من النباتات التي تمّت بتمهيد الأرض وفرشها ومدّها، كما يظهر من الجمع بين الآيات الكريمة.

الآية الثانية: آية خلق الإنسان من الصلب والترائب.

وهي قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، قالوا: هذا خطأ، لأن الماء الذي يتكون منه الإنسان - يعني المادة المنوية - لا تخرج من بين الصلب والترائب، الصلب هو عظام الظهر، والترائب عظام الصدر، هذه المادة لا تخرج بين الصنفين من العظام، هذه المادة تخرج من جهة الأعضاء التناسلية، فما علاقتها بالخروج من بين هذين العظمين؟ هذا خطأ علمي في القرآن، فما هو الجواب؟ هنا جوابان:

الجواب الأول: أن نظر القرآن لما يتكوّن منه الماء لا لنفس الماء، الإنسان لا يتكون من المادة المنوية وحدها، بل يتكون من النطفة الملقحة، يعني من المادة الملقحة من الحويمن والبويضة، وليس من المادة المنوية وحدها، بما أن الإنسان يتكون من هذه البويضة الملقحة، إذن لا بد من أن نرجع إلى أصل المادة المنوية وأصل البويضة، أصل وموقع المادة المنوية الخصية، موقع البويضة المبيض بالنسبة للمرأة، كلا هذين الموضعين - الخصية والمبيض - أول ما تكوّنا في جسم الإنسان تكوّنا قريبًا من الكلى، فتكوّنا بين الصلب والترائب، ﴿مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ يعني يخرج من منبعين: الخصية والمبيض، وهذان المنبعان في أول تكونهما ونشئهما عند تكون جسم الإنسان كانا واقعين بين عظام الظهر وعظام الصدر، بين الصلب والترائب.

الجواب الآخر: أن الضمير لا يرجع للماء، بل يرجع للإنسان، وذلك بقرينة الذيل، ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ من الذي يخرج؟ ليس الماء، بل الجنين يخرج، يخرج الجنين من بين الصلب والترائب، والذي قال بعد ذلك: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يعني رجع الإنسان لا رجع الماء، ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ انتهت هذه الجملة، ﴿يَخْرُجُ يعني يخرج الإنسان لا الماء، يخرج هذا الإنسان من الرحم، والرحم واقع بين الصلب والترائب، ولذلك قال تعالى في الآية التي بعدها: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يعني رجع الإنسان.

الآية الثالثة: آية كسي العظام لحمًا.

وهي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، بعضهم قال: هذا خطأ؛ لأنَّ هذه الآية تقول: العظام خُلِقَت أولًا ثم جاء اللحم، ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا، هذا خطأ علمي؛ لأنّ تشكّل أعضاء جسم الإنسان جاء متزامنًا وليس متتاليًا، فبما أنَّ الجسم تشكّلت أعضاؤه بشكل متزامن، فتشكّلت العظام وتشكّل اللحم في زمن واحد، لا أن بينهما تتاليًا وتدرجًا، وبالتالي من المفترض أن يقول القرآن: «فخلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فجعلنا في المضغة عظامًا»، لا أن يقول: ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا، هذا خطأ علمي في القرآن الكريم.

نأتي الآن إلى الجواب: الدكتور محمد الديب - أستاذ قسم الجراحة في جامعة جدّة - بحث حول هذه الآية المباركة وتوصّل إلى الجواب عن هذا الإشكال، قال: أولًا: بالعكس، هذه الآية انتصارٌ علميٌّ للقرآن الكريم، اُكْتُشِف علميًا أخيرًا أنَّ العظام تتكوّن قبل اللحم، وهذا الذي كان مجهولًا أول ما نادى به القرآن الكريم، بالعكس هذا يعدّ فتحًا علميًا للقرآن الكريم وليس خطأ علميًا؛ لأنَّ العظام تتكوّن قبل أن تكسى لحمًا، بمعنى أنه تتشكّل العظام ثم تكسى باللحم، تغليف للأعضاء بالأنسجة، تغليف للأنسجة بالعظام، تغليف للعظام باللحم، هناك أغلفة ثلاثة: غلاف لأعضاء الجسد بالأنسجة، غلاف للأنسجة بالعظام، غلاف للعظام باللحم.

ثانيًا: القرآن جمع بين الإعجاز العلمي والإعجاز البلاغي، الإعجاز العلمي: نبّه على أنَّ بين المرحلتين - مرحلة العظام ومرحلة اللحم - تدرّجًا، ولم يسبقه كتابٌ قبل ذلك، والإعجاز البلاغي: التعبير، إذا كان التدرج سريعًا يعبر بالفاء، وإذا كان التدرج بطيئًا يعبر ب «ثم»، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً، ولم يقل: فجعلناه نطفة، لأن الإنسان أولًا يأكل الغذاء، هذا الغذاء الناشئ من الطين، يأكل الغذاء، ثم يتحول إلى بدنه، ثم تنشأ منه المادة المنوية، القضية تأخذ فترة، ليست متتالية، بل متباطئة، ولذلك عبّر ب «ثم». ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثم قال: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا هذه كلها متتالية فاستخدم الفاء، بعد أن تمّ الجسم إلى أن يصبح إنسانًا كاملًا يأخذ فترة، فقال: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.

الأمر الثالث الذي يذكره هذا الدكتور، يقول: التعبير بالكساء تعبير علمي وبلاغي، الكساء عبارة عن خيوط يلتفت بعضها على بعض، الكساء يتكوّن من خيوط يلتف بعضها على بعض إلى أن يشكّل ثوبًا محيطًا، نفس الهيئة تحصل لجسم الإنسان، بمعنى أنَّ الأعضاء تنشأ منها ألياف، وهذه الألياف التي تنشأ من الأعضاء تلتف فتكوّن الأنسجة، ثم تلتف على بعضها فتكوّن العظام، ثم تلتف فتكوّن اللحم، لذلك هذا النوع من التفاف ألياف الأعضاء وتشكيلها لجسم الإنسان متشابه مع الكساء، ولذلك عبّر القرآن الكريم بالكسوة، ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا، ولم يقل: جعلنا على العظام لحمًا، وهكذا جمع بين الإعجاز العلمي والإعجاز البلاغي.

القسم الثاني: ما يرتبط بخلق السماء.

هناك عدّة آيات تتعلق بخلق السماء، نُسِب عليها الأخطاء العلمية، منها:

الآية الأولى: آية السماوات السبع الطباق.

وهي قوله عز وجل: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ، أول خطأ أنه لا توجد سبع، نحن صعدنا ولم نر سبع سماوات، وثاني خطأ: طباق، لا توجد أشياء متطابقة، يعني بينها طبقات، فهذان خطآن علميان في الآية المباركة.

الجواب: أولًا: السماء في القرآن تُطْلَق على معانٍ، تارة يطلق السماء ويريد به القرآن العالي، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ، هذه من الشواهد العلمية، ما كان العرب يعرفون أنَّ الإنسان إذا تجاوز الغلاف الجوي فإنه لا يستطيع أن يتنفس نتيجة لنقص الأكسجين، هذا ما كان يعرفه العرب، القرآن تكلم عنه، ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا، يضيق صدره عن الهداية كالشخص الذي لا يستطيع أن يتنفس لأنه صعد إلى السماء، يعني صعد إلى الأعلى، ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ.

المعنى الثاني للسماء في القرآن الكريم: الغلاف الجوي، ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا، يريد بالسماء الغلاف الجوي المحيط بالأرض، لأن هذا الغلاف الجوي يحفظ الأرض من خطر النيازك، لولا هذا الغلاف لاحترق ما على الأرض، كل يوم ثمانون نيزكًا ينزل على الأرض فيحرق ما عليها.

وأحيانًا يعبّر القرآن الكريم بالسماء ويريد بها الفضاء، كما في قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ. نحن نختار هذا المعنى الثالث، ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ يعني سبعة فضاءات، كل فضاء لا حد له، الآن العلم لم يكتشف لا أن العلم اكتشف الخطأ، هذا تعبير غير صحيح، العلم لم يكتشف بعد، العلم إلى الآن لم يكتشف أنَّ للفضاء سبع طبقات، سبعة مدارات، لم يكتشف العلم إلى الآن، لا أن العلم اكتشف الخطأ. القرآن يقول: نعم، هناك فضاءات لا متناهية تقدّر بسبعة، هذا يبقى حقيقة قرآنية إلى أن يكتشفها العلم.

وأما كلمة «طباق» فليس المراد بها أنها متطابقة طبقة فوق طبقة، بل طباق بمعنى أنها متطابقة في الأنظمة، يعني نظام السماء الأولى كنظام السماء الثانية، كنظام السماء الثالثة، بدليل قوله: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ، يعني الأنظمة واحدة، ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا يعني متوافقة في الأنظمة ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ.

الآية الثانية: آية رجم النجوم للشياطين.

وهي قوله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وقال في آية أخرى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ، وقال: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ، ما هو الإشكال على الآيات؟ قالوا: القرآن يتكلم عن كلام العجائز! يقول القرآن أنَّ المصابيح - يعني النجوم - ترجم، هذه النجوم لا ترجم، أولًا: لا يوجد شياطين حتى ترجمهم هذه النجوم، هذا كلام عجائز! وثانيًا: لو فرضنا أنَّ هناك ما يرجم الشياطين فالذي يرجم الشياطين هو الشهب وليس النجوم، النجوم والكواكب باقية في مداراتها، لا تهبط على الأرض كي تكون راجمة للشياطين، الذي يرجم الشياطين - لو كان هناك شياطين - هو الشهب لا النجوم، بينما القرآن يقول: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ مع أنها لا ترجم الشياطين، وإنما الذي يرجم الشياطين هو الشهب، فهذا خطأ علمي في القرآن الكريم.

الجواب: مقتضى الجمع بين هذه الآيات الثلاث التي ذكرناها أنَّ القرآن يريد أن يقول أنَّ هذه المصابيح - الكواكب، الأجرام السماوية - بالنسبة لأهل الأرض زينة، ﴿وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ، ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ، فبالنسبة لأهل الأرض زينة، لكن بالنسبة لأهل السماء - الذين هم الملائك - ماذا؟ بالنسبة إليهم حفظ، هذه الكواكب زينةٌ لأهل الأرض حفظٌ لأهل السماء، حفظٌ لأهل السماء من أي شيء؟ من تدخّل شياطين الجن واستراقها أخبار الملائكة وأنباء الملائكة.

العلم يقول: هذه سوالف عجائز! هذا خروجٌ عن الميزان العلمي، ليس من حقك أن تقول أن هذا الأمر غير صحيح إلا إذا أقمت دليلًا علميًا على خطئه، إلى الآن لم يستطع العلم أن يثبت وجود شياطين من الجن ولا أن ينفي، لا يوجد دليل ينفي ذلك، إذن نحن نمشي على منطق القرآن، أن هناك شياطين من الجن، يحاولون بين فترة وأخرى أن يصلوا إلى هذه المنطقة - منطقة السماء - فيُرْجَمون من الكواكب، لا بمعنى أن الكواكب هي التي ترجمهم، وإنما تصدر من الكواكب شهبٌ ترجم هؤلاء، فلأن الكواكب تصدر منها شهبٌ ترجم الشياطين، عبّر عن الكواكب بأنها رجومٌ للشياطين.

والقرينة على ذلك: الآيات الأخرى، لاحظوا قوله: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا يعني حفظنا النجوم ﴿مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ، يعني الشهاب يصدر من الكواكب، يتبع الشيطان، ليرجعه عن هذه المنطقة، وقال: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ.

الآية الثالثة: آية لمس السماء.

وهي قوله عز وجل: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، يقولون: السماء ليست مادة حتى تُلْمَس، وإنما هي فضاء، فهذا خطأ علمي أيضًا. الجواب: اللمس لا يراد به المسك باليد، القرآن الكريم عندما يقول: ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا يعني امسكوا باليد؟! المراد باللمس التحصيل والنيل، كأن تقول: عاشرت فلانًا فلمست منه رجلًا صالحًا، يعني بالمعاشرة وجدته رجلًا صالحًا، اللمس بمعنى الوجدان والتحصيل، عاشرت فلانًا فلمست منه رجلًا صالحًا، فلمست منه رجلًا عالمًا، يعني وصلت إلى هذه الحقيقة، ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا يعني حصّلوا هذا النور، ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ يعني: إنّا وصلنا إلى منطقة فأدركنا هذه الحقيقة، أنَّ السماء ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا، والحرس الشديد هم الملائكة المقرّبون.

الآية الرابعة: آية هوي النجم.

وهي قوله: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، قالوا: النجم لا يهوي، فكيف يقول القرآن: والنجم إذا هوى؟! الجواب: هناك بعض النجوم أصغر من الأرض بمرات مرات، ليست كل النجوم بحجم الأرض ولا كل النجوم أكبر من الأرض، هناك نجوم نيترونية أصغر من الأرض بأضعاف، وهذه النجوم قابلة لأن تهوي وتسقط على الأرض، فالقرآن الكريم لا يقول أنّ هذا الشيء وقع، وإنما يتكلم عن القابلية، يمكن أن يقع.

الآية الخامسة: آية استقرار الشمس.

وهي قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، قالوا: الشمس لا تستقر، فكيف يقول القرآن: والشمس تجري لمستقر لها، يعني تجري وتجري ثم تأخذ استراحة ثم تجري مرة أخرى! الشمس لا استقرار لها، هي في حالة دوران دائم، فلا يوجد استقرار كي يقول القرآن: والشمس تجري لمستقر لها.

الجواب: هل اللام هنا لام التعليل أم اللام هنا لام الغاية؟ فهم اللغة العربية لا بد من دراسة، تارة نقول بأن اللام لام الغاية، يعني الشمس تجري - يعني تبقى على صفة الجريان - إلى أن يأتي يوم ينتهي فيه هذا الجريان ويحصل استقرار، فهو يشير إلى الغاية النهائية، لا يريد أن يقول لكل حركة استقرار، لكل حركة نهاية، بل الشمس تجري، إلى أن يأتي يوم تستقر فيه هذه الحركة وتنتهي، وذلك اليوم يوم الختام، يوم القيامة، يوم المعاد، هذا إذا جعلنا اللام لام الغاية.

ويمكن أن تُجْعَل اللام لام التعليل في موضع المفعول لأجله، كالآيات التي قرأناها: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ يعني ولأجل الحفظ من كل شيطان، هذا يسمى مفعولًا لأجله، ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لأي سبب تجري؟ تجري ﴿لِمُسْتَقَرٍّ، أي أنَّ الهدف من جريان الشمس أن يحصل استقرارٌ لنظام الكون، فاللام هنا لام التعليل، وليست اللام لام الغاية، حتى يعدّ هذا خطأ علميًا في آيات القرآن الكريم.

القسم الثالث: الأخطاء الإعرابية.

قيل: في القرآن خطأ في الإعراب، يعني لا يعرف أن يتكلم حتى على طبق اللغة العربية الصحيحة! لأنه قال في سورة المائدة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وقال في سورة البقرة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، فرفعها تارة ونصبها أخرى، هذا خطأ نحوي.

هذا اختلاف في القراءة، بعضهم قرأ الصابئون عطفًا على المحل، وبعضهم قرأها عطفًا على اللفظ، إذا عطفناها على اسم إنَّ فهي منصوبة «والصابئين»، وإذا عطفناها على محل إنَّ مع اسمها فإنَّ مع اسمها في محل رفع، لأنَّ إنَّ مع اسمها ابتداء، وموضع الابتداء هو الرفع، فتارة نعطف على اللفظ، يعني على اسم إنَّ، فتقرأ والصابئين، وتارة تعطف على محلّ إنَّ مع اسمها - وهو محل رفع لكونه ابتداءً - فتقرأ والصابئون، وليس هناك خطأ في إعراب القرآن الكريم.

وقفة مع الكلمات غير العربية في القرآن:

القرآن الكريم استخدم ألفاظًا غير عربية كثيرة، استبرق، سندس، الكوثر، لا يوجد في اللغة العربية كوثر، اللغة العربية ليس فيها فوعل، فوعل ليس من صيغ المبالغة في اللغة العربية، لذلك بعضهم يعتبر كوثر اسمًا جامدًا غير مشتق إذا اعتبرناه لفظًا عربيًا، بعضهم يقول: كوثر ليس عربيًا، كوثر بمعنى كوشرسيس بمعنى الطهر، وهذا موجود في اللغة الآرامية، ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ يعني أعطيناك الطهر، هذا لفظ آرامي استخدمه القرآن الكريم. فليكن، ما هي المشكلة؟! يقولون: إذا كان القرآن يستخدم ألفاظًا غير عربية فمعنى ذلك أنه أخذ هذه الألفاظ من كتب العهدين - من نسخ التوراة والإنجيل - وأضافها لأنها ألفاظ غير عربية.

طبعًا هذا الحدس الذي يرتكَب بلا دليل، هذه الألفاظ وإن كانت غير عربية إلا أنها لما كانت ألفاظًا شائعة عند العرب، وإن لم يكن جذرها ولا أصلها عربيًا، لكن لأنها كانت ألفاظًا متداوَلة عند العرب استخدمها القرآن من أجل التفهيم وإيصال معانيها، أي مانع في أن يستخدم القرآن لفظًا غير عربي إذا كان أوضح وأقرب لإيصال المعنى من اللفظ الموافق له بحسب اللغة العربية؟!

طبعًا هذا بحث واسع، وأنا أطلت فيه، ولا ينتهي، لا تكفيه محاضرة أخرى أيضًا، ما نُسِب إلى القرآن وما يُدْفَع به هذه الأخطاء بحث أطول من هذا البحث، ولكن بالمقدار الممكن تعرّضنا لهذا البحث. القرآن الكريم كتاب صامت، لا يمكن فهمه إلا بالرجوع إلى الكتاب الناطق، والكتاب الناطق العترة النبوية العلوية الفاطمية الحسنية الحسينية، ”إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي“، لا تستطيع أن تفهم القرآن دون الرجوع إلى العترة، القرآن يقول: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، من أين نحدد اليد؟ من الكتف؟ من المرفق؟ من الزند؟ من أطراف الأصابع؟ نرجع إلى العترة العلوية لتحدّد لنا ذلك. ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ، ما معنى الساق؟ الله له ساق؟! لا نقدر أن نفهم القرآن حتى نرجع إلى أهله، نرجع إلى مصدر علومه، ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وقال الإمام الباقر لقتادة: ”ما ورّثك الله من كتابه حرفًا“.

القيم الخلقية فطرة أم اكتساب
القراءة المنسية في عقيدة الامامة