نص الشريط
الإعجاز العلمي للقرآن بين الحقيقة والخيال
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 9/1/1440 هـ
مرات العرض: 3332
المدة: 01:03:58
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (986) حجم الملف: 18.3 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا

في هذه الآية المباركة يتحدى القرآن الكريم المجتمع العقلائي من الإنس والجن في أن يأتوا بمثل القرآن الكريم، وهذا يكشف عن المرحلة الثانية ألا وهي: مرحلة الإعجاز القرآني.

ليس الإعجاز القرآني إعجازا لفئة خاصة، لو كان القرآن الكريم معجزة لفئة خاصة لما تحدى المجتمع العقلائي كله، فإن هذا التحدي يكشف عن أن القرآن في تمام أنحائه وجهاته هو معجزة، الأديب البليغ يكتشف الإعجاز البلاغي في القرآن، علماء القانون يكتشفون الإعجاز التشريعي في القرآن بلحاظ ماقبله ومابعده من القوانين والتشريعات، علماء النفس، علماء الاجتماع يكتشفون اطروحات القرآن ويكتشفون إعجازه في هاذين المجالين، كذلك علماء الفلك، علماء الأحياء، علماء الفيزياء، إذن كل متخصص يكتشف إعجاز القرآن من خلال تخصصه، وهذا هو معنى تحدي القرآن للمجتمع البشري، وللمجتمع العقلائي من الإنس والجن ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ.

حديثنا عن صورة من صور الإعجاز العلمي في القرآن، ألا وهو السبق العلمي في القرآن، وله ثلاثة عناوين:

أولا: الإعجاز العلمي:

القرآن كتاب هداية كما أفصح عن نفسه ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ إلا أن روافد الهداية وطرقها متنوعة ومختلفة، فتارة يقودنا إلى الهداية من خلال وصاياه الروحية، ومن خلال تعاليمه النفسية، وتارة يقودنا إلى الهداية من خلال الحقائق الكونية التي يتحدث عنها ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، ﴿وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ الإعجاز العلمي في القرآن عبارة عن دلالة مجموعة من الآيات، دلالة واضحة منذ زمن صدورها على حقائق كونية لم يكتشفها الإنسان إلا بعد قرون من الزمن بعد القرآن الكريم.

نذكر هنا بعض هذه الشواهد:

الشاهد الأول:

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ هناك كتاب موريس بوكاي «القرآن والتوراة والإنجيل» يقارن بين الكتب الثلاثة بناء على مكتشفات العلم الحديث، يذكر في هذا الكتاب أن العهدين القديم والجديد نصا على أن أصل الوجود هو الماء، لكنه يقول أن هذا خطأ، أصل الوجود بحسب الاكتشاف العلمي هو النار - الدخان - وليس الماء، وأن القرآن أصاب في اكتشاف أصل الوجود بخلاف كتاب العهدين، يقول أن القرآن عبر بالدخان ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ الدخان هو: هالة غازية تتضمن مواد نارية صلبة، وهذا يتطابق مع الحقيقة العلمية، منذ أن حدث الانفجار العظيم وامتد بسرعة أسرع من الضوء، تشكلت هذه الكتلة الغازية المعبر عنها بالدخان، كوزان مدير المرصد الفلكي في طوكيو يقول: من خلال السفن الفضائية اكتشف أن بعض النجوم مازال هالة غازية، مما يدل على أن أصل الكون كان كتلة غازية.

إذن كلام القرآن تطابق مع المنطق العلمي، هناك فرق بين أصل الوجود، وأصل الحياة، فأصل الوجود هو الهالة الدخانية، وأصل الحياة هو الماء، الحياة تأخرت، هذا الكون المادي منذ 13، 7 مليار سنة، بينما الحياة بدأت من قبل 4 مليار سنة، بدأت الحياة بأول عنصر وهو عنصر الماء، فالماء مبدأ الحياة وليس مبدأ الوجود، لذلك قال تبارك وتعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوآ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ.

الشاهد الثاني:

قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا لم يكن العرب يفهمون هذه الظاهرة، لأنهم لم يغوصوا في المحيطات ولا البحار ولم يكتشفوها، بعد مئات السنين اكتشف علماء المحيطات والبحار أن البحرين العذب والمالح يلتقيان لكن لا يختلطان، بينهما حاجز من الفضاء الوهمي يمنع من اختلاطهما، والآية الأخرى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ الرازي في تفسيره بعد 700 سنة من نزول القرآن يقول بأن أهل زمانه أي المعاصرين له من البحارة كانوا يقولون بأنه لا يوجد لؤلؤ ومرجان في الماء الحلو، ولا وجود له إلا في الماء المالح، كانوا يعترضون على القرآن في القرن السابع، بعد مئات السنين اكتشف الغواصون، علماء المحيطات والبحار أن المعادن الغالية كالألماس واللؤلؤ والمرجان تستخرج من الأنهار العذبة كما يستخرج من البحار المالحة تماما.

الشاهد الثالث:

قوله تبارك وتعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ هذه دلالة واضحة على حركة الأرض قبل أن يكتشفها الإنسان بمئات السنين، الآية التي قبلها تتحدث عن الآخرة ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ثم يقول: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً هنا يظن أن الآية الثانية أيضا تتحدث عن الآخرة ولكن هذا ليس بصحيح، لأن ذيل الآية وهي قوله تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ دليل على نظر الآية لعالم الدنيا، لأن عالم الدنيا هو عالم ظهور الصنعة الإلهية، والعجائب الإلهية، وأما دار الآخرة فهو دار الختم والنهاية ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، في الآية: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ لماذا تبدل الجلود؟ لماذا لا يبدل الجسم كله؟

ينقل كتاب «براهين النبوة» للدكتور سامي عامري عن مجلة الإعجاز العدد الثاني مقالة بعنوان «الإعجاز في عيونهم» ينقل عن بروفيسور تيجاتات تيجاسين عميد كلية الطب في جامعة شيانج ماي، لديه بحث يقول فيه أن الحروق العميقة حينما تأكل الجلد وتصل إلى العظم يزول شعور الإنسان بالألم، فمنطقة الإحساس بالألم هي الجلد، لذلك حتى يبقى الإحساس بالألم يقول القرآن: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ.

إذن هذه الشواهد حيث إنها تدل على حقائق كونية بدلالة واضحة منذ زمن صدورها تعتبر شاهدا على الإعجاز العلمي للقرآن، فالقرآن ليس كتاب إعجاز بلاغي فقط أو إعجاز تشريعي بل هو مظهر للإعجاز العلمي، وهناك شروط ثلاثة للإعجاز العلمي:

الشرط الأول:

أن تكون دلالة الآية واضحة، لاتحتاج إلى تكلف، فمثلا بعض العلماء يذكر الآية: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا يقول البعض أن هذا التعبير بالمهد دليل على حركة الأرض، ولكن هذه الآية لاتحتوي على دلالة واضحة حتى نعتبرها شاهدا على الإعجاز العلمي، فالمهد كناية عن الراحة والاستقرار، وليس كناية عن الحركة الدائرية حتى يدل على حركة الأرض.

الشرط الثاني:

أن تكون الآية دالة على حقيقة علمية وليس نظرية علمية، يجب التفريق بين النظريات وبين الحقائق، لأننا إذا أسقطنا النظريات العلمية على القرآن أضررنا بالقرآن نفسه، لأن النظريات تتغير بمرور الزمن وبمقتضى التراكم المعرفي، فإذا فسرنا القرآن بنظريات علمية وأسقطنا النظريات على القرآن ثم تغيرت النظرية، فإما أن يكون الكذب من المفسر، أو أن الكذب من القرآن وهذا يوهن إعجاز وعظمة القرآن، لذلك لا ينبغي أن نفسر القرآن بنظرية، لابد أن تكون حقيقة علمية ثابتة حتى نستطيع أن نقول بأن الآية شاهد على الإعجاز العلمي في القرآن، فمثلا عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وقوله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ بعض المفسرين قال بأن القدر هو عبارة عن نظرية الأوتار.

مثلاً: لدينا مجموعة من الأبعاد، النقطة موقع لا أبعاد فيه، ثم يأتي الخط ذو بعد واحد، ثم يأتي السطح ذو بعدين، ثم يأتي المكعب ذو أبعاد ثلاثة، ثم تأتي المادة ذات أبعاد أربعة، على حسب نظرية آينشتاين لأنه أضاف الزمن بعدا رابعا، ثم يأتي بعد خامس كلوزا كلاين يعتبرونه البعد الخامس الناشئ عن قوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية، ثم من البعد السادس إلى العاشر يسمى بنظرية الأوتار، من أين استفادوها؟ يقولون رصدنا الجسيمات تحت الذرية، وجدنا أن هذه الجسيمات تظهر في اتجاه معين، ثم تختفي فتظهر في اتجاه آخر مع أننا نرصدها، هذا دليل على أن هناك أبعاد لا يمكن لنا أن نراها ونرصدها، عبروا عنها بالأوتار، البعد الحادي عشر هو الغشاء الكوني، نظرية الأوتار مازالت نظرية لم تتحول إلى حقيقة علمية، لا يصح أن نصرف القرآن إليها ونقول بأن مفاد قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ يعني نظرية الأوتار.

الشرط الثالث:

أن لا تكون الحقيقة معلومة قبل زمان الرسول ، فلو كانت الحقيقة معروفة في زمان الرسول لن يصبح للقران سبق علمي حتى يكون إعجاز علمي، فمثلا الآية: ﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ بعض علمائنا قدس سره ذكر في كتابه أن هذه الآية من الإعجاز العلمي لأنها دلت على أن النبات له وزن، ولم يكتشفه الإنسان إلا بعد قرون، هذا اشتباه لأن اليونانيين اكتشفوا أن للنبات وزنا قبل أن تأتي بعثة النبي محمد اليونانيون قبل ثلاثة آلاف سنة سبقوا المجتمع البشري في مجال الفلسفة، علم النفس، علم الفلك، علم الطب، وفي علم النبات أيضا، وسجلوا أطروحاتهم ونظرياتهم، فلا تعتبر هذه الآية شاهدا على الإعجاز العلمي.

ثانيا: التفسير العلمي:

هناك آيات لا تتضح صورتها المتكاملة إلا بالتقدم العلمي، هي في حد ذاتها لا تدل على هذه الحقيقة العلمية، لكن التقدم العلمي اكتشف مدلولها ومفادها، فهي لا تعتبر إعجاز علمي لأن الإعجاز العلمي أن تدل الآية دلالة واضحة من حين صدورها على الحقيقة الكونية، فمثلا قوله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ عندما نقرأ هذه الآية لا نكتشف صورتها المتكاملة، كيف نكتشف صورتها المتكاملة؟ إذا رجعنا إلى الحقائق العلمية.

درجا برساد راو أستاذ جيولوجيا البحار في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة يتحدث عن هذه النقطة بشكل مفصل، يقول: الشعاع الضوئي الذي ينزل من الشمس، تمتص السحب بعضه ويتشتت البعض الآخر، فإذا امتصت السحب بعضه يتكون ظلام تحت السحب وهذه أول ظلمة، الباقي من الضوء ينعكس على موج البحر فإذا عكس الموج الأشعة حدثت ظلمة ثانية تحت سطح البحر، هناك جانب سطحي من البحر، وهناك جانب عميق وبين الجانبين يوجد موج أيضا، هذا لم يكتشف إلا عام 1900م أن هناك موجا يفصل الجانب السطحي من البحر عن الجانب العميق، وهذا الموج الداخلي يحدث ظلمة ثالثة في الجانب العميق، حتى الأسماك في أعماق البحار لا ترى بأعينها وإنما يصدر من بعض أجسامها ضوء لا أكثر وإلا هي لا ترى بأعينها.

ثم يشرح ويقول: الشعاع الضوئي عندما ينعكس على البحر المائج الذي فيه موج، الشعاع الضوئي له ألوان سبعة، إذا غصت 10 أمتار يختفي اللون الأحمر بحيث لو أن إنسان غاص 30 متر وصدر من جسمه دم وأراد أن يرى الدم لا يراه باللون الأحمر، إذا غصت 30 مترا يختفي اللون البرتقالي، إذا غصت 50 مترا يختفي اللون الأصفر تماما، إذا غصت 100 متر يختفي اللون الأخضر، إذا غصت 200 متر يختفي اللون الأزرق، إلى أن تصل إلى بعد تختفي جميع الألوان حينئذ إذا أخرج يده لم يكد يراها ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا إذن هذه الآية لولا التقدم العلمي لم نكتشف صورتها المتكاملة، فهذه الآية شاهد على التفسير العلمي.

﴿الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا الحسين ابن خالد أحد أصحاب الإمام الرضا يسأل عن الآية، يقول: سيدي أين هذه العمد؟ الإمام الرضا قال: هو قال ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا فكيف أدلك عليها وهي لا ترى؟

ماهي العمد التي ارتفعت بها السماوات ونحن لا نراها؟ العلم الحديث يقول لدينا قوتان: قوة الجاذبية، والقوة المضادة للجاذبية، لولا قوة الجاذبية لانتثر الكون، ولولا القوة المضادة لاصطدم الكون بعضه ببعض، فالقوتان أحدثت توازن، بقيت السماء وبقيت الأرض، ربما يقول قائل الله حكيم لماذا يعطينا آيات بها طلاسم وكلها ألغاز ولا يفهمها الإنسان إلا بعد مئات السنين، ألا يتنافى هذا مع الحكمة الإلهية؟ خصوصا وأن القرآن الكريم يقول: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ الألغاز والطلاسم تتنافى مع اللسان العربي المبين؟ الآية حينما صدرت كان لها مدلول لغوي عربي واضح انما الصورة المكتملة للمعنى هي التي تحتاج لتقدم علمي يكتشفها ويحدد معالمها وهذا مانعبر عنه بالتفسير العلمي.

ثالثا: التحفيز العلمي:

أشار القرآن إلى بعض الحقائق الكونية، نذكر ظاهرة لدينا نحن المسلمين وحتى عند بعض الباحثين في القرآن الكريم، وهي ظاهرة الاتكالية، المسلمين ينتظرون الغرب وكلما اكتشف الغرب شيء قالوا القرآن سبقهم، وكلما توصل الغرب إلى مخترع قالوا أن القرآن تحدث عنه منذ زمن، تمسكا بقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ هذه الظاهرة خطيرة، تخدر العقل الإسلامي وتمني المجتمع الإسلامي بالاتكالية، هذه الظاهرة غير صحية، ظاهرة مرضية، القرآن الكريم لم يذكر هذه الحقائق كي نتكل على الآخرين في اكتشافها، ذكر الحقائق وأرشد وأشار إليها ليحفزنا على البحث، والعلم والتفكير، ولذلك يقول علماؤنا 25% من آيات القرآن الكريم آيات تخاطب العقل ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ، ﴿أَفَلَا يَتَفَكَّرُونَ، ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

القرآن مارس التحفيز العلمي، أرشد إلى حقائق كي يحفزنا على بحثها وفحصها والوصول إليها، نذكر هنا شاهد، قوله تعالى: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ عندما نتأمل الآية نذهب إلى كتاب كارل ساغان «النقطة الزرقاء الباهتة» ماهي النقطة الزرقاء الباهتة؟ هي الأرض، عندما تصعد إلى الفضاء وتنظر إلى الأرض تراها نقطة زرقاء باهتة لا تشكل أي شيء في الكون أبدا ولا ذرة غبار، يذكر ساغان في كتابه: يوما ما توجد نهاية للشمس والأرض ولو بعد 4 مليار سنة لابد أن ينتهوا، فالشمس ستتمدد وتتحول إلى كرة دائرية حمراء يعبر عنها بالعملاق الأحمر، نتيجة تحول أنوية ذرات الهيدروجين الموجودة في باطن الشمس إلى الهيليوم، إذا تحولت إلى ذلك وبسبب الاندماج النووي تتحول الشمس إلى عملاق أحمر يبتلع ماحوله، فتبتلع عطارد، والزهرة، ثم تقترب من الأرض وتنسف الغلاف الجوي من الأرض وتجفف مياهها إلى أن تبتلعها، حتى القمر، القمر يبتعد عن الأرض بمقدار 4 سنتيمتر سنويا إلى أن يأتي الوقت الذي يتحرر القمر فيه من جاذبية الأرض، إذا تحرر القمر من جاذبية الأرض إما أن ينفلت إلى جهة أخرى، وإما أن تبتلعه الشمس بمقتضى جاذبيتها، فعندما تقرأ هذه المعلومات تحفزك على فهم الآية القرآنية: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ *يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ.

كل هذه الشواهد التي ذكرناها وغيرها هي دليل مؤكد على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم يكشف أنه صناعة إلهية لا صناعة بشرية، وحيث لم يأت بعده أحد ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا وكل ذلك انطلاقا من كون القرآن كتاب هداية، والهداية على أنواع:

أولا: هداية روحية: كما في قول القرآن الكريم: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي هذه هداية روحية، يرشدك إلى الطريق الذي يجعل الله حاضرا في قلبك ووجدانك ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

ثانيا: هداية نفسية: القرآن سبق علم النفس وذكر أقسام النفس: النفس الأمارة ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، النفس اللوامة ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ، النفس العاقلة ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً.

ثالثا: هداية تاريخية: حيث ذكر لنا قصة البشرية من يوم آدم إلى يوم النبي محمد وقال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ

رابعا: هداية اجتماعية: السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر في المدرسة القرآنية تحدث عن اللقاء بين علم الاجتماع وبين القرآن، القرآن سبق علم الاجتماع في النظر إلى المجتمع البشري، وتحدث أن المجتمع البشري يموت ويحيا وليس فقط الإنسان حتى الحضارات تموت وتحيا ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ متى تموت الأمم؟ القرآن يذكر مظاهر للموت، ومظاهر للحياة:

المظهر الأول: هو توزيع الثروة توزيعا عادلا، إذا كان المجتمع يوزع الثروة توزيعا عادلا فهو حي، أما إذا كان يسرق الثروات فهو ميت ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.

المظهر الثاني: هو التناحر والاختلاف ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ الصراع عامل فتاك في بقاء المجتمع حيا، الصراع يقتل الأمة مهما كان عندها من حضارة، وعقول، وقوة خلاقة، لأنها تعيش صراعا داميا.

المظهر الثالث: عدم قراءة التجارب، المجتمع العربي لا يقرأ تجربته، لذلك لا يستفيد من تجاربه السابقة، القرآن يقول: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ.

المظهر الرابع: عدم الاتكاء على العناصر الشابة، القرآن يركز على ضرورة الاعتماد على العنصر الشاب، القوة الشابة هي القوة القادرة على البناء، والعطاء، والقادرة على أن تتحدى الأعاصير، لأن هذا العمر الشبابي هو العمر الذي يمتلك الحماس والمبادرة ويمتلك القدرة على التكيف والأفكار المشاريع، لذلك أي دولة أو مؤسسة أو مركز لا يعتمد على العنصر الشاب يفشل، القرآن الكريم يقول في قوم نوح: ﴿مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ أي لم يتبعك أحد من الكبار والشخصيات والوجهاء، الذين اتبعوك كلهم من الشباب الفقراء، إذن القرآن بهذا يكشف لنا أن الفئة التي ناصرت الأنبياء هي فئة الشباب، التي حملت على عاتقها حركة الأنبياء وحركة الأئمة.

القرآن إبداع بشري أم إعجاز إلهي؟
الإمام الحسين (ع) في مشروعه الإصلاحي