نص الشريط
الرسول محمد (ص) في كلمات الحسين بن علي (ع)
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: حسينية السنان | القطيف
التاريخ: 11/1/1441 هـ
مرات العرض: 3253
المدة: 00:50:27
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (482) حجم الملف: 14.4 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157]

صدق الله العلي العظيم

ربط الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه مشروعه الإصلاحي بالشخصية المحمدية في كل تفاصيله وجميع شؤونه، وكل مشروع كي يضمن النجاح يحتاج إلى عدة عناصر: القاعدة، والبناء، والإنجاز العملي، وضمان المبادرة وإزالة العوائق.

فهذه العناصر التي يحتاج إليها كل مشروع استند الإمام الحسين في تحقيقها إلى الشخصية المحمدية:

العنصر الأول: عنصر القاعدة.

أول خطوة من خطوات أي مشروع ديني، ثقافي، تجاري، هو وجود القاعدة التي ينطلق منها ذلك المشروع، وهنا ركز الحسين في أول حديثٍ له عن مشروعه، ركز على القاعدة النبوية التي ينطلق منها، فقال لوالي المدينة: يا أمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله.

لماذا عبر الحسين ببيت النبوة؟ لماذا لم يقل «إنا أهل بيت النبي»، «أهل بيت رسول الله»، وإنما قال «إنا أهل بيت النبوة»، هذا التعبير يرمز إلى القاعدة الروحية التي ينطلق منها مشروع الحسين ، الحسين لم يكن ابن بنت النبي فقط، بل كان ابن سلالةٍ كلها أنبياء، هو لم يخرج من بيت نبي وإنما خرج من بيت كله أنبياء وكله مرسلون، الحسين هو سلالة إبراهيم الخليل، وإبراهيم الخليل هو أبو الأنبياء كما عبرت عنه الأحاديث والروايات، والقرآن الكريم يشير إلى هذا البيت، الذي هو بيت يقطر نبوة ورسالة ووصاية عندما يقول: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [الحديد: 26]، وقال القرآن الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ «33» ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «34» [آل عمران: 33 - 34]

ويقول القرآن الكريم عن هذه الأسرة التي كلها أنبياء وكتب ورسالات وأوصياء ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24]

إذن القاعدة الروحية التي يستند إليها الحسين في مشروعه هي أن الحسين فرع من تلك الدوحة النبوية ولأجل ذلك قال: إنا أهل بيت النبوة، ومختلف الملائكة.

فرق بين منزل الملائكة ومختلف الملائكة، الملائكة تنزل على كل بيت يكون مهداً لطاعة الله عزوجل، ورد عن النبي : ”إن البيت الذي يُقْرأ فيه القرآن تحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض“.

فبيت القرآن تحضره الملائكة، ولكن المقصود بمختلف الملائكة أي لا تغيب الملائكة عن هذا البيت، وفود تذهب ووفود تأوي، بيت تختلف عليه الملائكة بمعنى أن الملائكة بألوانها وأنواعها وأقسامها تختلف على هذا المنزل، وتتعاقب عليه بين وفود ذاهبة ووفود آتية، ومختلف الملائكة لأنه بيت النبوة ومعدن الرسالة.

العنصر الثاني: عنصر البناء.

ورد في زيارة عاشوراء: ”وَأَبْرَأُ اِلَى اللهِ وَاِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذلِكَ وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيانَهُ وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ“.

يتحدث عن ثلاثة مراحل: تأسيس، وبناء، وإنجاز عملي، مشروع الظلم أخذ مراحل ثلاث، وكما أن مشروع الظلم أخذ خطوات ثلاث فمشروع الإصلاح في مقابله يأخذ هذه الخطوات، العصابة الأموية قامت بهذه المراحل الثلاث، مرحلة التأسيس لظلم أهل البيت ثم انتقلت إلى المرحلة الثانية مرحلة البناء على تلك الأسس، ثم انطلقت إلى المرحلة الثالثة ألا وهي مرحلة تفعيل الظلم بشكل عملي تفصيلي، ”أبرأ إلى الله ممن أسس أساس الظلم وبنى عليه بنيانه وجرى في ظلمه وجوره عليكم“، وكما أن مشروع الظلم اعتمد على مراحل ثلاث مشروع الإصلاح أيضاً اعتمد على مراحل ثلاث:

  1. المرحلة الأولى: التقعيد والتأسيس هو بيت النبوة.
     
  2. المرحلة الثانية: مرحلة البناء، في آية المباهلة ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران: 61] قضية المباهلة لم تكن قضية شخصية ولا قضية اجتماعية ولا قضية سياسية، قضية المباهلة هي قضية دينية محضة، والرسول في هذه القضية الدينية أخرج علي وفاطمة وحسناً وحسيناً، أراد أن يعلم المسلمين درساً وبياناً أن البناء الذي يعتمد عليه الدين في مسيرته هم هؤلاء الأربعة، بيت النبوة هو القاعدة، لكن البناء الذي تأسس وقام على هذه القاعدة هو الذي تشكل من أربعة أركان: علي وفاطمة وحسناً وحسيناً، فالحسين ركناً وعضواً وجزء في البناء، لذلك الحسين بن علي يشير إلى هذا العنصر ألا وهو عنصر البناء، عندما يقول: ”لن تشذ عن رسوله الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه وتسر بهم نفسه“، طريقي طريق رسول الله، ودربي درب رسول الله، لأني أحد أركان هذا البناء الذي يحمل على عاتقه الدين وأعباء الدين وأهداف الدين.
العنصر الثالث: سرعة الإنجاز.

الحسين أسرع في المشروع ولم يتوقف أو ينتظر، فبمجرد أن أصبح يزيد في موقع العرش اعترض الحسين ولم ينتظر أبداً، السرعة في الإنجاز هو العنصر الثالث من عناصر أي مشروع، فبعد أن تتحقق القاعدة ويقوم البناء تأتي الخطوة الثالثة ألا وهي السرعة في الإنجاز، والمبادرة إلى الإنجاز، السبق في الإنجاز، والحسين هو أول من اعترض على بيعة يزيد وأول من أعلن المعارضة، وأول من وقف آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، وقد كان بإمكانه أن يتروى وأن يدرس الظروف، ولكن الحسين كان السبقة في هذا الموقف والسرعة في الإنجاز.

حركة الحسين فيها عدة نظريات: نظريات عرضية ونظريات ذاتية، نظريات ركزت على العرض، ونظريات ركزت على الجوهر، هناك نظريات قامت بتحليل عرضي لحركة الحسين مثلاً أن حركة الحسين تتلخص في رفض بيعة يزيد بن معاوية، أو أن حركة الحسين تتلخص في الاستجابة لنداء أهل الكوفة، فهذا نسميه تحليل عرضي ولم يدخل في جوهر الحركة ولا في ذاتها، فلو افترضنا أنه لم تعرض على الحسين بيعة يزيد فهل هذا يعني أن الحسين لن يتحرك! في هذا ربط لقضية الحركة بقضية ظرفية مرحلية، أو عندما تقول حركة الحسين تتلخص في الاستجابة لاستغاثة أهل الكوفة، فلو لم يستغيثه أهل الكوفة ولا كتبوا له ولا فعلوا شيء، فهل سيصمت الحسين! حركة الحسين كانت ستحصل على كل حال عرضت عليه البيعة أم لا، استغاثة أهل الكوفة أم لا، فالحسين سينطلق على كل حال، إذن تحليل حركة الحسين برفض البيعة أو بالاستجابة لأهل الكوفة هو تحليل عرضي وليس تحليلاً لذات الحركة وجوهر الحركة.

وجوهر الحركة فيه نظريتان:

  • النظرية الأولى: أن الحسين ثار من أجل إقامة حكومة عادلة فقام بانقلاب، يخلع يزيد ويضع نفسه حاكماً للبلاد الإسلامية.
  • النظرية الثانية: أن الحسين قاد مشروعاً إصلاحياً ألا وهو مشروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يكن يهدف إلى قلب نظام الحكم آنذاك.

عندما نأتي إلى تصريحات الحسين نراها متلائمة مع النظرية الثانية لا مع النظرية الأولى، بغض النظر عن كون الإمام الحسين إمام معصوم فهو رجل ذكي وحكيم قادر على قراءة الظروف والمعطيات الظرفية آنذاك، فمن المستحيل على الحكيم أن يهدف لقلب النظام بأن يصبح هو رئيس النظام من دون أن يمتلك المؤهلات والمقومات لهذا المشروع.

أولاً الجيش الأموي كان جيشاً قوياً غزا الروم وتمكن من بلادها، ولم يكن الحسين في مقابله يمتلك شيء لا عدة ولا عتاد.

ثانياً الحسين يعلم جيداً ببطش الأموين، فتاريخ الأمويين معروف مع حجر بن عدي، مع ميثم التمار ومع غيرهم من صحابة الإمام علي وأبنائه، تاريخ معروف بالبطش والفتك، والحسين مطلع على ذلك، وأن أي محاولة لأن يصل إلى هذا المكان فسوف تكون هذه المحاولة مواجهةً بلغة البطش والفتك.

ثالثاً الحسين بنفسه أنبأ عن مقتله عدة مرات، والشخص المتنبئ بأنه سيقتل ”كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلا بين النواويس وكربلاء، والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي“ كيف يقود حركة لأن يصبح حاكماً وهو متنبئ بأنه سينتهي ويقتل قبل أن يصل إلى ذلك!

إذن عندما نقرأ المعطيات التاريخية والتصريحات الحسينية نصل إلى حد القناعة أن مشروع الحسين لم يكن مشروع الوصول إلى الحكم، وأن مشروع الحسين لم يكن مشروع خلع يزيد وإنما كان مشروع الحسين مشروع الإصلاح وتحريك الامة، أن يحرك الأمة في مجال الاعتراض على الظلم والجور، وانتشار البدع والجور والتخلف آنذاك، كان مشروعاً إصلاحياً موسوماً بحركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ”إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ومفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر“

ومن المؤشرات على أن هذا هو مشروع الحسين هو السبق، أن الحسين ما انتظر، فالذي يريد أن يؤسس دولة لابد أن ينتظر ويهيئ جيشاً ويقرأ الظروف ويُمَكِّن رسالته من مختلف الأمصار والأمكنة، ولكن الحسين لم ينتظر، ومنذ أول يوم أعلن الرفض والمواجهة «ومثلي لا يبايع مثله»، وبدأ مشروعه من المدينة إلى مكة وإلى العراق، هذا السبق والمبادرة في الإنجاز ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148]، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]، وهذا السبق يؤكد لنا أن الحسين ربط هذه الخطوة وربط هذا العنصر ألا وهو السبق بشخصية النبي محمد.

جاءه عمر بن لوذان وقال له: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ [الروم: 60]، وجاءه محمد بن الحنفية أخوه وقال: إنك تعلم أن أهل الكوفة أهل غدر وشقاق ونفاق فكيف تخرج إليهم، وعبدالله بن جعفر، وعبدالله بن عباس.. وفلان، وفلان، الحسين يجاوب: ”أمرني رسول الله بأمر وأنا ماض فيه“، وهذا الأمر أفصح عنه الحسين في مكة المكرمة: إنا سمعنا ممن سمع عن رسول الله أنه قال: ”من رأى منكم سلطاناً جائراً فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه، ألا وأني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً“.

إذن ربط سرعة الإنجاز بالأمر النبوي الصادر عن النبي محمد .

العنصر الرابع: إزالة العوائق.

وهذه العوائق هي إصرار الجيش الكوفي التابع للسلطة الاموية آنذاك على قتال الحسين وإعاقة مشروعه، وقد ركز الحسين في خطبته يوم عاشوراء في أغلبها على دفع العائق، فالقاعدة أسسها في كلماته في المدينة ومكة، والبناء شرحه في خطاباته في المدينة ومكة، والسبق في الإنجاز والمبرر له شرحه قبل أن يصل إلى كربلاء، فلما وصل إلى كربلاء وجد عائق أمامه وأمام حركته ومشروعة، فبدأ بإزالة هذا العائق، وهو إصرار هذا الجيش على قتاله، والحسين دفع العائق بالتركيز على ثلاثة عناصر في شخصيته العلوية الفاطمية الحسنية الحسينية:

العنصر الأول: الرصيد التاريخي.

أول خطابات الحسين هي التي قالها أمام الجيش يوم عاشوراء عندما وقف على فرسه وخاطب الناس: ”أيها الناس انسبوا من أنا، ثم ارجعوا لأنفسكم فعاتبوها هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسوله بما جاء به من عند ربه، أوليس حمزة سيد الشهداء عمي، أوليس جعفر الطيار عمي“

الإسلام ألغى القيمة النسبية ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13] وورد عن النبي : كلكم لآدم وآدم من تراب، فإذن لماذا أصر الحسين على النسب؟ وما هو الغرض؟

والجواب على هذا التساؤل هو لبيان الرصيد التاريخي للنضال، مشروع الحسين ألا وهو مشروع الإصلاح له تاريخ يمتد به، وهو امتداد لذلك التاريخ تاريخ النضال وتاريخ الجهاد وتاريخ الدفاع عن القيم والمبادئ، وذكر لهم فصولاً للتاريخ الذي هو امتداد له: علي، وحمزة، وجعفر.

علي عبر عنه بالتصديق، فهو أول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله، وتصديق الإمام علي ليس تصديقاً لفظيا بل هو تصديق عملي، وهو التصديق الذي تحدثت عنه الزهراء في خطبتها: ”وكُلَّمَا َفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها“ علي هو الضمان لاستمرار الرسالة، وهو الدرع لحماية الرسالة، والجدار الذي يحوط الرسالة ويصونها.

كما يقول جورج جرداق: الإمام علي لديه حس أمني، فلو قرأت التاريخ لرأيت أن أي حدث يدخل فيه الرسول فالإمام علي إلى جانبه، إذن كان يشكل حماية ودرعاً إلى رسول الله ، لأن لديه حس أمني من كل حدث ومن كل ظرف وكل خطوة يخطوها النبي تجد علياً إلى جانبه، «وكُلَّمَا َفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ» وهذا هو التصديق العملي.

وحمزة سيد الشهداء الذي بذل روحه في سبيل مبادئه، وجعفر ذو الجناحين الذي بذل روحه في سبيل مبادئه، إذن لدينا عنصر مهم؛ وهو عنصر تاريخي ورصيد تاريخي كله نضال ودفاع عن القيم والمبادئ.

العنصر الثاني: أن الحسين ثقل رسول الله.

كما ورد في حديث متفق عليه بين المسلمين، في صحيح مسلم وفي مستدرك الحاكم، وجميع المسانيد اتفقت على هذا الحديث: ”إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي“. في كل زمن يوجد هذان الثقلان كتاب الله وعترتي أهل البيت وعلى الأمة التمسك بهما الاستنان بهما، الثقل الأول هو القرآن الكريم، فمن يمثل الثقل الثاني يوم كربلاء؟ لا يوجد غير الحسين، فالحسين عندما يتعرض لهذه الكلمات فهو يريد أن يذكرهم بحديث الثقلين، يقول لهم أنا أتوفر على عنصر آخر غير العنصر التاريخي والعنصر الآخر أني أمثل هذا اليوم أحد الثقلين اللذين أمر الرسول باتباعهما ولذلك قال: أولم يقل رسول الله فيَّ وفي أخي الحسن هذان سيدا شباب أهل الجنة فإن صدقتموني فوالله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضر به من اختلقه وإن كذبتموني فإن فيكم من إذا سألتموه أخبركم عن ذلك، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري، سلوا أبا سعيد الخدري، سلوا سهل بن سعد الساعدي، سلوا أنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من جدي رسول الله فيَّ وفي أخي الحسن، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي وانتهاك حرمتني!

العنصر الثالث:

”إن كنتم في شك في ذلك أفتشكون أني ابن بنت نبيكم! فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم“. الآية التي ذكرناها في بداية المحاضرة ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157]، تعزير رسول الله واجب على كل مسلم، والتعزير أي حفظ حرمة النبي ، وحفظ حرمته واجب على كل مسلم ومسلمة، والحسين يريد أن يؤكد على هذا العنصر، فإن لم يكن لي تاريخ ولم أكن أحد الثقلين فعلى الأقل حفظ حرمة رسول الله وتعزيره تقتضي أن تراعوا حياتي وتراعوا وجودي، فأنا ابن بنته أي أنا الذي أمثله وحفظ حرمته في ذريته وفي نسله وأبنائه.

”يا حجار ابن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا شبث بن ربعي ألم تكتبوا لي أن أقبل إلينا، فلقد اخضر الجناب واينعت الثمار وإنما تُقْبل على جند لك مجندة. قالوا: ما فعلنا ذلك يا أبا عبدالله. قال: بلى والله لقد فعلتم، قال له الشمر بن ذي الجوشن: يا حسين انزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه، قال: أنت أخو أخيك أتريد من بني هاشم أن يطلبوك بأكثر من دم مسلم بن عقيل، والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد“

الرسول وَالحسين (ص) صورتان لمشروع واحد
الثابت وَالمتغير في شريعة النبي (ص)