نص الشريط
المنهج العلوي في إدارة الأزمات
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: حسينية السنان | القطيف
التاريخ: 13/1/1442 هـ
مرات العرض: 3534
المدة: 00:54:43
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (123) حجم الملف: 18.7 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

انطلاقا من الآية المباركة نتناول ثلاثة محاور:

  • الفتنة في المنظور القرآني.
  • القراءة التحليلية لمبدأ التقية.
  • الإدارة العلوية في مواجهة الفتن.
المحور الأول: الفتنة في المنظور القرآني.

الفتنة: عبارة عن الاضطراب، سواء كان اضطرابا نفسيا أم سلوكيا فإن الاضطراب يعبر عنه بالافتتان والفتنة، والقرآن الكريم أطلق الفتنة على عدة أنواع:

النوع الأول: الفتنة الفكرية.

كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ أي أن تأويل القرآن منشأ لفتنة فكرية والفتنة الفكرية تعني التيار الذي يتبنى التشكيك في المعتقدات والمبادئ بحيث يحدث اضطرابا فكريا في نفوس المسلمين فيلتبس الحق بالباطل والصواب بالخطأ.

النوع الثاني: الفتنة المادية.

كما في قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ من أوضح أمثلة ذلك أن المجتمع الذي لا يعمل بمبدأ العدالة في توزيع الثروة تصيبه فتنة وهي فتنة الطبقية ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أي أن المجتمع الذي لا يطبق أمره تعالى في تجسيد العدالة وتوزيع الثروة هذا المجتمع تصيبه فتنة اقتصادية مادية، حدوث الطبقية الفاحشة بين فقرائه وأغنيائه، كما ورد عن الإمام علي : ”ما جاع فقير إلا بما متع به غني“.

النوع الثالث: الفتنة الروحية.

وهي عبارة عن الامتحان والابتلاء الذي يمر به الإنسان المؤمن نتيجة بعض الأحداث والمواقف، عندما يقول القرآن الكريم: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أي امتحانا لكم، وعندما يقول القرآن الكريم: ﴿الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ يعني وهم لا يبتلون ولا يمتحنون، وعندما يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ الأموال والأولاد امتحان يمتحن به الإنسان ليميز مدى إيمانه وصبره وصموده.

النوع الرابع: الفتنة الاجتماعية.

هي أشد أنواع الفتن خطرا، يعبر عنها القرآن الكريم: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً الفتنة الاجتماعية هي أن يتحول الاختلاف إلى الاحتراب، الاختلاف على قسمين: اختلاف موضوعي واختلاف عدائي.

الاختلاف الموضوعي: هو الاختلاف الفكري الناشئ بين طرفين ولكل طرف أدلته وبراهينه.

الاختلاف العدائي: عندما يتحول الاختلاف الفكري إلى عوامل شخصية، إلى عوامل ذاتية فيصبح تحزبا، متى ما تحول الاختلاف الفكري إلى تحزبات وتيارات أصبح ذلك الاختلاف منشأ للاحتراب، التحزب يؤدي إلى الاحتراب والاحتراب يعني انهيار المجتمع الإسلامي وتمزق صفوفه، كما حدثت مذابح وجرائم طائفية في عدة من المجتمعات العربية لأن الاختلاف تحول إلى الاحتراب وهذه فتنة خطيرة، القرآن الكريم يقول: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.

المحور الثاني: القراءة التحليلية لمبدأ التقية.

نحن عندما نقرأ النصوص التي ترشد إلى مبدأ التقية، مثلا: قول الإمام الصادق : ”التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له“ أو قوله : ”تسعة أعشار الدين في التقية“، ماذا تعني هذه النصوص؟ هناك قراءة فقهية وقراءة كلامية:

القراءة الفقهية: أن التقية عبارة عن مجموعة من الأحكام الفقهية، مثلا: من كان بين مجموعة من أبناء مذهب آخر وخاف على نفسه أو أمواله يجوز له أن يغسل رجليه في الوضوء أو يصلي متكتفا، التقية عبارة عن مجموعة من الأحكام الفقهية التي تستند إلى النصوص الواردة عن الإئمة ويسندها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ هذه نسميها قراءة فقهية لمبدأ التقية.

القراءة الكلامية: ما هو المنطلق الذي انطلق منه مبدأ التقية؟ هنا اتجاهان:

الاتجاه الأول: الاتجاه المرحلي.

يقول بأن المنطلق الذي انطلق منه مبدأ التقية هو العجز، باعتبار أن أئمة أهل البيت كانوا في موقف ضعف وموقف عجز وعدم قدرة على استلام أمور الحكم في أزمنتهم فشرعوا مبدأ التقية، المنطلق هو منطلق مرحلي، هو منطلق العجز وعدم القدرة، ولو كانوا قادرين لما شرعوا مبدأ التقية وهذا هو ظاهر قول الإمام علي : ”فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا“ ولما استلم الأمور قال: ”لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر“.

الاتجاه الثاني: الاتجاه الموضوعي.

الذي يقول ليس المنطلق الكلامي لمبدأ التقية هو العجز والخوف وإنما المنطلق لمبدأ التقية هو رعاية الأهداف العليا للإسلام، وهي استمرار رسالة الإسلام، ووحدة الأمة الإسلامية، وصون المجتمع الإسلامي عن التحزب والاحتراب.

هذه القراءة التحليلية المرحوم العلامة شيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله في كلمته التي ألقاها بمناسبة الاحتفال بعيد الغدير في لندن عام 1990 طرح هذه النظرية، هي موجودة عند غيره ولكنه طرحها وفصلها، قال: أنا لا أقرأ التقية في الاتجاه الأول، وإنما أقرؤها في الاتجاه الثاني أن الأئمة من أهل البيت إنما أسسوا مبدأ التقية رعاية للأهداف العليا للإسلام وهو استمرار الرسالة الإسلامية ونبذ الاحتراب بين أبناء المجتمع الإسلامي وصون المجتمع الإسلامي عن أي اختلاف وانهيار بحيث وهنا تبدو نقطة الخلاف لنفرض أن الأئمة استلموا الحكم وكانت بيدهم الأمور فكيف سيتعايشون مع أوضاع من يختلف معهم؟ بالنتيجة هناك اختلاف اعتقادي واختلاف مذهبي موجود حتى في زمن الأئمة، حتى في زمن الإمام علي ، كيف سيتعايشون مع هذا الاختلاف؟ هل سيفرضون ما يرونهم دينا أم لا؟ شيخ شمس الدين يقول لا فحتى مع قدرتهم وعدم عجزهم فإنهم سيؤسسون لمبدأ التقية صونا لوحدة الأمة الإسلامية وصونا للأهداف العليا للإسلام وهي استمرار رسالة الإسلام من دون حدوث احتراب في داخل جسم الأمة الإسلامية، وهو يستند إلى ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين“ الهدف الأعلى أن تسلم أمور المسلمين وأن تعيش الأمة الإسلامية وحدة وترابطا وتكاملا ”لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين“ يعني أن هناك فرق بين أن أطالب بالخلافة وهذا رهن القدرة، متى ما حصلت له القدرة سيستلم دفة الخلافة، أما التعايش مع الآخر المختلف معتقدا ومذهبا فهذا سن له مبدأ التقية من أجل رعاية الأهداف الإسلامية العليا.

صحت نظرية الشيخ شمس الدين أو أخطأت أقول كلمة أنهي بها هذه النقطة، نحن شيعة الخليج الذين نعيش مع إخواننا من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى نحن المصداق الأجلى الممثل لهذه الأهداف العليا وهي وحدة الأمة الإسلامية، نحن المصداق الأجلى الذي يمثل مراعاة وحدة الأمة الإسلامية وترابط وتواصل أبنائها انطلاقا من المبدأ القرآني: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وانطلاقا من قول الإمام علي : ”لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين“ لا من حيث الموقف السلبي بل من حيث الموقف الإيجابي لأن هناك من يفهم أن الموقف موقف سلبي، يعني أننا ننعزل ونترك الأمور لأننا لسنا واردين في تمام الأمور نترك ونعيش حالة من العزلة والوحدة والسلبية، لا فنحن عندما نتكلم عن مبدأ الوحدة الإسلامية فمبدأ الوحدة هو عبارة عن موقف إيجابي وليس موقفا سلبيا، موقفنا من هذا المبدأ هو المشاركة مع إخواننا من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى في شتى دول ومدن الخليج، المشاركة معهم في مشاريعهم وفعالياتهم التي تخدم المصلحة العامة لهذه المجتمعات، نحن أبناء هذه الأوطان ولدنا في ترابها وعاش آباؤنا وأجدادنا وأسلافنا فيها وشيدوا هذه الأوطان وبنوا حضارتها مع إخوانهم من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى، هذه اللحمة وهذا الربط ترابط التراب، ترابط الدم، ترابط الأنساب، ترابط القبائل، ترابط الدين وترابط الأهداف يجعلنا معا في مسار واحد، إذن نحن عندما نكرس هذا المذهب وهذا المبدأ وهو مبدأ الوحدة الإسلامية فنحن نكرسه بالموقف الإيجابي أي المشاركة والمساهمة مع سائر الفعاليات والبرامج التي تخدم المصلحة العامة لهذا المجتمع الإسلامي بكل تفاصيله وبعرضه العريض، وبالتالي نحن المصداق الذي يمثل سيرة أئمتنا في هذا الموقف الإيجابي.

الإمام أمير المؤمنين علي كيف تعامل مع الوضع بعد وفاة رسول الله ؟ هو الخليفة المنصوص عليه بالخلافة من قبل الرسول وهو المعين للخلافة وقد أبرز مظلوميته مما حصل لكنه كيف تعامل مع الوضع؟ هل عاش وحيدا؟ هل تعامل مع الوضع بموقف سلبي أم تعامل مع الوضع بموقف إيجابي؟ نحن الآن نقرأ بعض النصوص التي وردت في كتب المؤرخين:

النص الأول: ما ذكره «الكامل في التاريخ» الجزء الثاني صفحة 325، وكتاب «تاريخ الأمم والملوك» الجزء الثالث صفحة 209، بعد وفاة الرسول لما بويع أبو بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول: إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم، يا آل عبد مناف فيما أبو بكر من أموركم أين المستضعفان؟ أين الأذلان؟ علي والعباس، وقال للإمام علي : أبا حسن ابسط يدك حتى أبايعك، فزجره علي وقال: ”إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة وإنك والله طالما بغيت للإسلام شرا لا حاجة لنا في نصيحتك“، هذا الموقف من الإمام علي إخماد الفتنة حفاظا على وحدة المجتمع الإسلامي، واستمرار رسالة الإسلام، وعلى أن لا يقع في المجتمع الإسلامي احتراب يقضي عليه وهو حديث العهد.

النص الثاني: ما ذكره ابن أعثم في «الفتوح» الجزء الثاني صفحة 34 إلى صفحة 40: لما بلغ الخليفة عمر ابن الخطاب ما يجري على الجبهة الشرقية مع الفرس، وصلت إليه أخبار القتال في مدائن كسرى بين العراق وإيران فجمع المهاجرين والأنصار وشاورهم في مسيره إلى العراق: أسير بنفسي أم أترك الأمور بيد قادة الجيش، فأشاروا عليه بالذهاب وقالوا: إن ذهابك يعطي الجيش هيبة، أنت خليفة المسلمين، فسأل الإمام علي قال: ماتقول يا أبا الحسن؟ فقال : «إنك إن صرت إلى العراق وكان مع القوم حرب واختلط الناس لم تأمن أن يقوم عدو من الأعداء ويرفع صوته ويقول: قتل أمير المؤمنين، فيضطرب أمر الناس ويفشلوا في حرب عدوهم ويظفر بهم العدو ولكن أقم بالمدينة ووجه برجل يكفيك أمر العدو».

هذا النص قريب منه نص ورد في نهج البلاغة ذكره الشريف الرضي: عند خروجه إلى الروم قال الإمام علي للخليفة الثاني: «إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفا دون أقصى بلادهم وليس بعدك مرجع يرجعون إليه فابعث إليهم رجلا مجربا واحفز معه أهل البلاء والنصيحة فإن أظهر الله فذلك ما تحب وإن تكن الأخرى كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين»، يعني أن يبقى في المدينة ويضع أحدا مكانه فإن انتصر فهذا ما يريد وإن لم ينتصر حينئذ القائد مازال موجودا في المدينة، يعني الجيش سيحتفظ بقوته لأن قائده ما زال موجودا، أما لو ذهبت فانكسر الجيش وأنت معه لكان ذلك كسرة للمسلمين، ابقى بالمدينة تكون «ردءا للمسلمين ومثابة لهم»، هذه المشورات مشاركة إيجابية من الإمام علي في الوضع وفي تلافي المحاذير وفي الحفاظ على الأهداف العليا للإسلام لذلك ذكر السبط ابن الجوزي صفحة 87 من «التذكرة» عن الخليفة الثاني: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن، وذكر في «العقد الفريد» الجزء الرابع صفحة 97: ولست آخذ إلا بمشورة علي فما عرفناه إلا محمود المشورة ميمون النقيبة.

المحور الثالث: الإدراة العلوية في مواجهة الأزمات والفتن.

هنا نذكر نقاط ثلاث:

النقطة الأولى: ما هو دور المؤمن في مواجهة الفتنة؟

الإمام أمير المؤمنين علي رسم لنا الدور من خلال مرحلتين:

المرحلة الأولى: عند ظهور الفتنة، أي فتنة عندما تظهر تكون بأساليب براقة وبوجوه خادعة لذلك يغتر بها من لا يتأمل في الأمور، أي فتنة فكرية اجتماعية، لذلك دور المؤمن في هذه المرحلة أن يبتعد تماما عن أطراف الفتنة وعن أدواتها، الإمام علي يقول: ”كن في الفتنة كابن اللبون ولا تكن ظهرا فيركب ولا ضرعا فيحلب“ لا تكن مصدرا يؤجج الفتنة، هذا معنى «ضرع يحلب»، ولا تكن أداة من أدوات الفتنة يحركوك متى ما أرادوا وهذا معنى «ظهر فيركب»، أنت مثل ابن اللبون هذا الفصيل الصغير الذي يمشي بين النياق ولا أحد يلتفت إليه.

المرحلة الثانية: إذا ظهر الحق وظهر الإمام العادل وكشف اللبس والزيف وأبان الحقائق حينئذ ليس للإنسان أن يأخذ دور المتفرج لأن الحق اتضح وتبين زيف الباطل والضلال، بل على الإنسان حينئذ أن يقف إلى جانب الحق، يقول الإمام أمير المؤمنين علي : ”أيها الناس لا تقتحموا ما استقبلتم من فور نار الفتنة وأميطوا عن سننها وأخلوا قصد السبيل لها فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن ويسلم فيها غير المسلم إنما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة يستضيء به من ولجها“.

النقطة الثانية: من أشد الفتن التي واجهها الإمام علي في عصر حكومته فتنة الغلاة.

مجموعة قالوا أن الإمام علي إله، وإن لم يكن إله فنصف إله، بالنتيجة فيه صفات الألوهية، كيف تعامل الإمام علي مع هذه الفتنة؟ ربما تكبر وتتسع إذا تركها، ماذا صنع الإمام علي مع تيار الغلاة؟

يذكر الكليني في «الكافي» في الجزء السابع صفحة 259، والصدوق في «من لا يحضره الفقيه» الجزء الثالث صفحة 152 عن الصادقين أبي جعفر وأبي عبدالله : ”لما فرغ الإمام علي من أهل البصرة أتاه سبعون رجلا من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم ثم قال: «إني لست كما قلتم أنا عبد لله مخلوق» فأبوا وقالوا: أنت هو، فقال لهم: «لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم وتتوبوا إلى الله عز وجل لأقتلنكم» فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا، فأمر بإحراقهم“.

السيد العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه «الصحيح من سيرة الإمام علي الجزء 26 يتعرض لموضوع الغلاة في زمن الإمام علي وكيف تعامل معهم ويدفع الكثير من الاعتراضات والإشكالات على هذه القصة التاريخية يمكنكم أن ترجعوا إليه.

الذي يعنينا في المقام هو هل أن الغلاة فرقة ظهرت في زمن الإمام علي واختفت أم أن الغلو يستجد ويتكرر بين فترة وأخرى، في كل جيل وفي كل فترة؟ ننقل هنا كلمات ثلاثة من أعلام الإمامية لتتعرفوا على الخطوط العريضة حول الغلو:

الأول: الشيخ الصدوق قال في كتاب «اعتقادات الصدوق» صفحة 109 قال: اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله جل جلاله وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس ومن جميع أهل البدع والأهواء وأنه ما صغر الله جل وعلا تصغيرهم شيء، قال الله عز وجل: ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ واعتقادنا في النبي والأئمة أن بعضهم قتلوا بالسيف، وبعضهم بالسم على وجه الحقيقة. يعني يريد أن يقول أن هناك فرقة عاصرها الصدوق في زمانه ترى أن الأئمة رفعوا إلى السماء، الإمام الحسين ما قتل بل الملائكة رفعته إلى السماء، شبه لهم أنه قتل ولكنه ما قتل، وروي عن زرارة أنه قال: قلت للصادق إن رجلا من ولد عبدالله ابن سبأ يقول بالتفويض، قال : «وما التفويض؟» قلت: أن الله تبارك وتعالى خلق محمدا وعليا ففوض إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحيا، فقال: "كذب عدو الله إذا انصرفت إليه فاتلوا عليه هذه الآية من سورة الرعد: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.

الثاني: الشيخ المفيد في كتابه «تصحيح الاعتقاد» صفحة 63 قال: الغلو تجاوز الحد والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته إلى الإلهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد وهم ضلال كفار، حكم أمير المؤمنين فيهم بالقتل والإحراق بالنار، قال: والمفوضة صنف من الغلاة وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم، ودعواهم أن الله تفرد بخلقهم خاصة، وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال.

يعني أن هؤلاء يقولون أن الله خلق محمد وآل محمد فقط ولم يخلق غيرهم، محمد وآله هم الذين خلقوا هذا الوجود بجميع ما فيه من الأفلاك والأملاك وبجميع الأفعال، هؤلاء هم المفوضة الذين قال عنهم المفيد في هذا الكتاب.

المجلسي في «البحار» في الجزء 25 صفحة 336 زاد على هذه الكلمات: لو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام أو القول أن الأئمة أنبياء أو القول بتناسخ أرواحهم بعضهم ببعض أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي، والقول بكل منها كفر وإلحاد وخروج عن الدين.

النقطة الثالثة: الفتنة التي حاربها الإمام علي منذ أن استلم الخلافة وحذر منها حتى فارق الدنيا هي فتنة بني أمية.

قال الإمام أمير المؤمنين علي : ”إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت نبهت ينكرن مقبلات ويعرفن مدبرات يحمن حوم الرياح يصبن بلدا ويخطئن بلدا ألا وإن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فإنها فتنة عمياء مظلمة عم خطؤها وخصت بليتها وأصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها“ الإمام علي أجهد نفسه في محاربة هذه الفتنة وفي كشف زيفها وفي كشف باطلها والتنبيه على مشاريعها وخططها، ولذلك هو يعتبر نفسه فقأ عين الفتنة، يقول: ”وإني فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها“ ربما شخص يقول ما فقأ عين الفتنة، بقي بنو أمية وامتدوا في التاريخ والأحاديث والروايات، الإمام علي يقصد أنه أقام الحجة على كل المسلمين لأنه أبان الحق وكشف الزيف وبين الأخطاء وموارد الضلال، فهو عندما أقام الحجة فقأ عين الفتنة، يقول الإمام أمير المؤمنين علي وهو يشير إلى ذلك: ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا فإن منهم الذي قد شرب فيكم الحرام وجلد حدا في الإسلام وإن منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الإسلام الرضائخ فلولا ذلك ما أكثرت تأليبكم وتأنيبكم وجمعكم وتحريضكم ولتركتكم إذ أبيتم ووليتم ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت".

في رحاب نهج البلاغة
الحوار المفتوح لمحاضرات محرم 1442