الأولى: حاجة المجتمع الإنساني للقيادة النبوية
الثانية: التاريخ النبوي تحت مجهر البحث النقدي التاريخي
من محاضرات سماحة العلامة الحجة السيد منير الخباز في موسم محرم الحرام عام 1440هـ
بالنسبة لمثال زواج أم كلثوم من الخليفة، وردت روايات من طرق الشيعة ذهب بعض المحققين لضعفها سندًا ومضمونًا، وهناك جمع من المحققين نفوا وقوع هذا الزواج وناقشوا الروايات الواردة - الشيعية والسنية - سندًا ومضمونًا، ومنهم الباحث الخبير السيد علي الشهرستاني في كتابه «زواج أم كلثوم الزواج اللغز»، ومنهم السيد ناصر السيد حسين الموسوي الهندي في كتابه «إفحام الأعداء والخصوم».
والروايات المشار إليها هي:
1/ ما رواه الشيخ الطوسي في [التهذيب: ج9، ص363] عن القداح عن جعفر عن أبيه قال: «ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل».
2/ ما نقله في كتاب «الخلاف» عن عمار بن ياسر: «أخرجت جنازة أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر وفي الجنازة الحسن والحسين وابن عباس».
3/ ما نقله الشيباني في كتاب [الآثار: ج2، ص146] عن ابن أبي شيبة أن عبد الله بن عمر صلى على جنازة أم كلثوم وابنها زيد بن عمر.
وأما حديث «ذلك فرج اغتصبناه» فيحمل على أن زواج أم كلثوم كان ينبغي أن يكون برجل هاشمي، لما ورد عن الإمام علي : «بناتنا لبنينا»، وحيث لم يحصل ذلك قيل عنه غصب، وبعضهم يشكّك في الحادثة لصغر عمر أم كلثوم أثناء خلافة الخليفة الثاني.
وأما بالنسبة إلى زيارة الأربعين، فينبغي التفريق فيها بين ثلاثة أمور:
الأمر الأول: إن زيارة الأربعين زيارة مشهورة، رواها ابن فضال عن الإمام الصادق ، سواء تم رجوع السبايا أم لا، فلا ينبغي الخلط بين نفس الزيارة وبين رجوع السبايا.
الأمر الثاني: إن رجوع السبايا لكربلاء ربما يكون قد تحقق، وإنما الكلام في تاريخ تحققه.
الأمر الثالث: إن رجوع السبابا في نفس يوم العشرين قد تأمل فيه السيد ابن طاووس في [الإقبال: ص46]، وناقش فيه المحدث النوري في كتابه «اللؤلؤ والمرجان»، والشيخ المطهري أيضًا.
ولكن بعض أهل المنبر قام بتحقيق توصل فيه إلى أن الذهاب كان بطيئًا لأن الغرض منه كان الشماتة والتفرج، فكان يدخل بهم كل بلد لأجل ذلك، وأما الرجوع فكان سريعًا، ويكفي فيه ستة أيام بالمشي السريع، فإذا كان وصول السبابا إلى الشام قد تم في 19 يومًا، حيث دخلوا الشام في أول صفر، مع أنهم دخلوا بهم الكوفة في الأثناء، واستقروا بها، وداروا بهم في البلدان، فمن المحتمل أنهم أقاموا في الشام 10 أيام، ثم خرجوا بنحو السرعة وعبر طريق أقرب، فوصلوا كربلاء في العشرين من صفر، والله العالم.
* في [تهذيب الأحكام: ج6، ص173]: أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص عَرَضَهُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْعَانَاتِ فَمَنْ وَجَدَهُ أَنْبَتَ قَتَلَهُ وَ مَنْ لَمْ يَجِدْهُ أَنْبَتَ أَلْحَقَهُ بِالذَّرَارِيِّ.
* في [عوالي اللآلي]: وَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْضَةَ بِقَتْلِ مُقَاتِلِيهِمْ وَ سَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَ أَمَرَ بِكَشْفِ مُؤْتَزَرِهِمْ فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَ مَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَهُوَ مِنَ الذَّرَارِيِّ وَ صَوَّبَهُ النَّبِيُّ ص
لكن الأولى مرسلة، والثانية ضعيفة بوهب بن وهب، وهو عامي من أكذب البرية، وصاحب العوالي ينقل عن العامة.
وقد يقال: إنه لا ظهور في بعض هذه الروايات في طلب النبي كشف العورات، وإنما هو طلب لتمييز العانة لمعرفة الإنبات فيها، وهو مما يمكن باللمس أو النظر من دون حاجة لكشف العورة، إلا أن بعضها قد يقال بظهوره في كشف العورة، وهو التعبير بكشف المؤتزر، ولذلك روى بعض العامة عن عطية القرضي أنه جرِّد من إزاره، كما في رواية المصنف لعبد الرزاق الصنعاني [ج10، ص 179]، وكذا في السنن الكبرى للنسائي [ج5، ص 185].
وإنما الثابت منها أن الرسول قتل المقاتلة منهم لا جميع الرجال فضلًا عن البالغين، وهو حكم صحيح بالنظر إلى أن المقاتلة بقيادة حيي بن أخطب هم الذين نقضوا العهد والميثاق، وقد رضوا بحكم سعد بن معاذ سيد الأوس، فكان هذا هو حكمه.
وقد تعرض سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي لمناقشة بعض تفاصيل الواقعة في كتابه [الصحيح من سيرة النبي : ج12، ص 88].
الأول: رفض بيعة يزيد بن معاوية، وهذا الهدف لم يتراجع عنه الحسين ، أولًا لأنه ذكر أن بيعة يزيد إذلال للدين، وقد أفصح عن ذلك في عدة خطابات، فلا يعقل أن يتراجع عنه، فإن في التراجع إذلالًا للدين. وثانيًا: إصراره على رفض الاستسلام إلى حين خطبته في يوم عاشوراء، كما نقل المؤرخون.
الثاني: مشروع الإصلاح الذي هو مقدم عليه على كل حال، سواء بقي يزيد في السلطة أم مات، حيث قال: «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولامفسدًا ولاظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، ولم يصدر منه تراجع عن المشروع.
الثالث: مكان انطلاق المشروع هل هو الحجاز أم الكوفة أم اليمن مثلًا؟ فهذا يمكن للحسين تغييره، فإذا صحت الرواية أن الحسين طلب الرجوع للمدينة أو الذهاب لثغر من ثغور المسلمين من أجل انطلاق المشروع منه فلا مانع من ذلك.
الأول: بيان أن المدرسة الإمامية قد فتحت باب الاجتهاد في تقويم النص سندًا أو متنًا، كما تعرض لذلك الإمام الخوئي «قدس سره» في [معجم رجال الحديث، ج1] وغيره.
الثاني: منع ردة الفعل لدى بعض الشيعة، فإن البعض إذا التفت لوجود مثل هذه الروايات في كتبنا صدفة - مع عدم تصريح أهل العلم بذلك وإظهارهم أن أحاديثنا منقحة بنحو لا غبار عليه - تحصل لديه ردة فعل من المذهب نفسه أو من علمائه، ولكن إذا رأى وضوحًا في كلمات أهل العلم وأنهم يبرزون واقع الكتب الحديثية عندنا على ما هي عليه دون كتمان أو تزويق فإنه يجد نفسه في فكر واضح الأبعاد.