هناك من يطرح بعض الأشكالات حول مقتل الإمام علي من بدأه الافطار مع إبنته أم كلثوم إلى أن أخذ إلى منزله حيث داواه الطبيب ومن جملة هذه الإعتراضات:
أولاً: لم تُقدّم أم كلثوم لأبيها طبقا فيه لبن وملح وخبز، ثم أمرها برفع اللبن وابقاء الملح والخبز، فان الصحيح هو تقديم اللبن والتمر والخبز، ورفعت التمر، فبقي اللبن لأنه عطشان والخبز لأنه جائع، هذا ما تقتضيه الحكمة، لأنه من غير المعقول ان يأكل الانسان الجائع العطشان الصائم الحكيم خبزا وملحاً حتى وإن كان سيد الأولياء، ولا سيما وان الإمام قد افطر مع عياله واهل بيته وأولاده كلهم، وهذه طريقته في الإفطار فانه يجمعهم كلهم، لا أنه يفطر لوحده، وهو الذي يوصي بالافطار مع اهل البيت.
ثانياً: لم يبت الإمام في بيت ابنته أم كلثوم بل بات في بيته وعند زوجته واطفاله ولكن كانت ام كلثوم ضيفة عليه، وهي امرأة متزوجة من ابن عمها ولها عائلة واولاد، ولكنها تحب أن تخدم اباها من صغرها الى النهاية فجائت الى بيت ابيها، وقد أصبح عمره 67 سنة.
ثالثاً: إن الإمام لم يقتل في صلاة الفجر بل في أول سجدة من أول ركعة من نافلة الليل لأن صلاة الفجر تقام جماعة بامامة خليفة المسلمين ومعه أهله وأولاده وخاصته ولا يمكن للقاتل ان يقدم على جريمته حينئذ، بدليل ان الحسنين جاؤوا متأخرين، فكيف يتأخرون عن صلاة الفجر في المسجد لو كان القتل في صلاة الفجر!!!
رابعاً: بعد مقتل الإمام حملوه راسا الى بيته ولم يبق معهم في المسجد بل صلى ايماءاً في بيته وأتوه بالحكيم رأساً، لأن الوقت طويل بين الضربة وبين صلاة الفجر، ورجعت الناس فصلوا بالمسجد ثم عادوا اليه، لأنه ليس من الحكمة أن يصاب أحد بشكل خطير ويتركونه ولا سيما رئيسهم ويلتجأون الى الصلاة، بل عليهم اتيان الحكيم فورا والقيام بالاسعاف الطبي.
خامساً: صوت المنادي في السماء «انفصمت والله العروة الوثقى» خطير جداً، لأن العروة الوثقى لا انفصام لها بعد وجود حجج الله على خلقه من بعده وفي ذلك نص قرآني كريم.
فسؤال هل هذه الإعتراضات صحيحة أنه معظم ما يذكرة الخطباء على المنبر روايات ضعيغة السند، وإن كانت كذلك فما هو الصحيح؟؟
وجزاكم الله خيراً
دمتم موفقين
بسم الله الرحمن الرحيم
وثانياً: دعوى أن الإفطار على الخبز والملح خلاف الحكمة أيضاً لم نجد لها لا مستنداً طبياً ولا مستنداً اجتماعياً ولا مستندا تاريخياً، فإنه ليس باختيارنا أن نصنع التاريخ كما يروق لنا ويتناسب مع أذواقنا، فمن الواضح أن الملح كان اداماً عند العرب كما كان الخبز إداماً عندهم، وليس المقصود بالملح هذا الملح الذي نتناوله، بل كان ملحاً طبيعياً له طعم خاص وله عناصره الكيميائية الخاصة، ولذلك ورد عندنا في الروايات الشريفة عن النبي استحباب البدء بالملح والختم به، وهو ما ذكره الأعسم في منظومته:
ابدأ بأكل الملح قبل المائدة | واختم به فكم له من فائدة |
فالملح الطبيعي النقي يستحب البدأ به والختم به، فلعل ما فعله أمير المؤمنين من أكله للملح كان في بدء الطعام وفي نهايته، وهذا لا يتنافى مع الحكمة في شيء.
مضافاً إلى أن الأجسام تختلف مع غمض النظر عن كون الإمام علي سيد الأولياء أو غيره، فإن طبيعة الأجسام مختلفة في أن هناك بعض الأجسام يناسبها نوع من الطعام ولا يناسب جسماً آخر، فلعل جسم الإمام أمير المؤمنين منذ صغره اعتاد على أن يطعم بالملح سواء أكان صائماً أم مفطراً، ولأجل اعتياد جسمه على ذلك صار هو الإدام المناسب لجسده والمفضل عنده، فلذلك أحضر له الملح والخبز واللبن وغير ذلك، وقال لابنته أم كلثوم «من طاب مطعمه ومشربه طال وقوفه بين يدي الله» وأمرها بأن ترفع أحد الإدامين.
وثانياً: إذا راجعنا كتب التاريخ فإن الإمام علي كانت بيوت أولاده وبناته غرفاً مجاورة لغرفته، كما صنع النبي ، فإن الفارق بين بيت النبي وبين بيت ابنته فاطمة هو فرق بالجدار فقط وإلا فبيت فاطمة يُعد بمثابة غرفة من غرفات بيت النبي ، ولذلك تدخل عليه فاطمة في أي وقت تشاء، ويدخل عليها في أي وقت يشاء، كذلك الإمام علي كما هو موجود حتى الآن في بيته في الكوفة فإن بيته عبارة عن مجموعة من الدور متلاصقة ومترابطة، بعض هذه الدور للحسن، وبعضها للحسين، وبعضها لابنته زينب، وبعضها لابنته أم كلثوم، وهو من باب إدخال السرور على بناته وعياله يُفطر كل ليلة في دار واحد منهم، ولأجل أن يطرح البركة في تلك الدار يقوم بالعبادة والصلاة في تلك الدار، فتلك الليلة كان نصيب ابنته أم كلثوم ، وأما ما ذكر في السؤال فليس له مستند تاريخي أصلاً.
وثانياً: إن تجلي العروة الوثقى في شخصية النبي أقوى من تجليها في شخصية الإمام علي، وتجليها في شخصية الإمام علي أقوى من تجليها في شخصية الإمام الحسن ، فلأجل ذلك فعند فقدان الإمام أمير المؤمنين وإن كان الإمام الحسن موجوداً إلا أنه لمّا كان المفقود أعظم تجلياً للعروة الوثقى ممن هو موجود صحّ لجبرائيل أن يقول «وانفصمت والله العروة الوثقى».
وثالثاً: إن انفصام العروة الوثقى قد يكون بلحاظ الجريمة التي ارتكبت أي ليس المقصود بانفصام العروة الوثقى مجرد رحيل الإمام علي عن الدنيا، بل المقصود بها الإعتداء العظيم والجريمة الكبيرة على ما هو ممثل للعروة الوثقى على الأرض، فنداء جبرائيل بأن العروة الوثقى قد انفصمت أي أن هذا الإعتداء وهذه الجريمة العظيمة كانت فصماً من الناس للعروة الوثقى، لا أن العروة الوثقى قد انفصمت في حد ذاتها وإنما الإعتداء عليها كان فصماً لها من قبل من قام بهذه الجريمة.
فلا تنافي بين قول القران الكريم بأن العروة الوثقى ﴿لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ حيث إن معناه أن العروة الوثقى لا ينقطع مصداقها إلى يوم القيامة إذ لا تخلو الأرض من حجة لله، وبين قول جبرائيل «وانفصمت والله العروة الوثقى» حيث أراد به رحيل ما هو المصداق الأجلى والأتم في زمانه وهو الإمام علي . ولذلك ورد في الروايات الشريفة أنه لما مات رسول الله كُسفت الشمس، ولمّا قتل الحسين بكت السماء دما وما رُفع حجر ولا مدر إلا ووجد تحته دم عبيط، مع أنه حين وفاة النبي كان الإمام علي موجوداً، وحين مقتل الإمام الحسين كان الإمام زين العابدين موجوداً، إلا أن هذه الظواهر السماوية كانت اشارة إلى رحيل المصداق الأجلى والأتم للعروة الوثقى في زمنه.