مسيرة الخطابة بين المنابر الثلاثة: الجامد، والمرهون، والبريكي

الجامد، والمرهون، والبريكي

بسم الله والصلاة والسلام على المصطفين الاطهار محمد وآله، وبعد:

بمناسبة مرور إحدى وسبعين سنة على رحيل العلامة الكبير خطيب القطيف الشيخ منصور المرهون قدس سره؛ نودّ أن نتحدث عن مسيرة المنبر الحسيني في المنطقة ومراحل تطوره، فنقول:

إن المنبر كان قبل مائة سنة مقتصرا على عرض سيرة المعصومين ، وفاجعة الطف بتفاصيلها، ممزوجا بتلاوة أروع الشعر الحسيني من القريض والنبطي، ابتداءً وختاماً، وكان التمايز بين أرباب المنبر إما بعذوبة الصوت، أو جهوريته، أو جودة الأداء للشعر والنثر، أو المهارة في أساليب الإبكاء، المعبر عنها بالقوريز. ثم بدأت:

المرحلة الأولى:

في تجديد مسيرة الخطابة بمنبر الخطيب المفوه الملا حسن الجامد المتوفى عام 1375 هـ، والجامد وإن عاش بعد رحيل المرهون ثلاثة عشر سنة إلا أنه كان يمثل الخطوة الأولى في مسيرة تطور الخطاب المنبري، لسبقه في ميدان الخطابة عليه، بلحاظ مغيب الشيخ المرهون برهة زمنية مديدة لبناء شخصيته العلمية في النجف الأشرف، وهذا الذي أشرت له في أرجوزتي في تاريخ المنطقة:

نبدأُ بالجامِدِ جَدِّنا حَسَنْ خَطيبِ وَادِي الخَطِّ في مَاضي الزَمَنْ

فقد أضاف لمسة جذابة لعطاء المنبر آنذاك، بتلاوة المواعظ، وإبراز القيم التربوية لآل البيت ، بأسلوب قصصي سلسٍ مؤثرٍ في القلوب، عبر صوت جهوري شجيٍّ، وأداءٍ متميزٍ بالفصاحة، كما شهد معاصروه، حتى ذاع صيته في ربوع الخليج الأخضر، وازدهرت منابره، بين القطيف والبحرين والأحساء ومسقط، حسبما سمعت من أم والدي ابنته فاطمة أم عدنان.

المرحلة الثانية:

المفضال الشيخ منصور المرهون لقد تألق المنبر الحسيني في المنطقة بدرجة راقية، من خلال الشخصية العلمية للعلامة المفضال الشيخ منصور المرهون قدس سره، الذي حول عطاء الأعواد من عرض تاريخي للسيرة العطرة لآل البيت ، إلى أفق مشرق من البحوث المتنوعة في التفسير، وعلم الكلام، والفقه، وغرس العقيدة بالأساليب البرهانية - لا الخطابية -، فكان المنبر المنشود من قبل علماء البلاد، والخطيب الأول في المآتم الرئيسية في قلعة القطيف، وسائر مناطقها، والمدرسة الفياضة بالفكر والأدب، وكل ذلك يعود لثقله العلمي، وأدبه البديع، وهمته العالية، التي نتج عنها أول حوزة علمية في القطيف ببلدته الوفية أم الحمام، وولائه الفاطمي حيث حدث معاصروه أنه لم يكن يوم الأربعين يوماً معروفاً بالحداد والعزاء، فبادر الشيخ المرهون بموكب عزاء من منطقة الكويكب إلى القلعة، مروراً بالسوق صادحاً بشعره النبطي:

زينب من الشام اليوم جت كربلا والراس عند السجاد في محمله

فتحول يوم الأربعين ببركة جهوده إلى رمز للحزن والأسى والحداد إلى الآن.

ومن أهم خصائص العلامة المرهون التي تميز بها على الخطباء السابقين واللاحقين حتى الآن، أنه وبعد سبعين سنة من رحيله عام 1362 هـ ؛ مازال يملأ ذروة المنبر بفكره وشعره ضمن كوكبة من أهل العلم والأدب والخطابة من أبنائه، كالعلامة الشيخ علي المرهون، والفاضل الشيخ محمد حسن، والشيخ صادق، والشيخ عبدالعظيم رحمهم الله، والشيخ سعيد، وشيخ الخطباء الفاضل الأديب الشيخ عبدالحميد المرهون حفظهما الله.

والعَلَمُ المرهونُ نجمُ الخُطَبَا أصبحَ لِلْقُرّاءِ شَيخاً وَأبا

وَهَذهِ أبناؤهُ في الأ ثَرِ مَشْيَخَةُ الفَنِّ وأهْلُ المِنْبَرِ

المرحلة الثالثة:

الشيخ ميرزا حسين البريكيوهي مرحلة الريادة، حيث تحول منبر المنطقة لمنارة شامخة، تحتل موقع الريادة لأغلب المنابر في البلدان الأخرى، وقد تجسدت دعائم هذا التميز في منبر العلامة الشيخ ميرزا حسين البريكي رحمه الله المتوفى عام 1395 هـ ، بأسلوب أدبي جذاب، وبلاغة خلابة، الذي نهض بالذرى المنبرية إلى مستوى الدراسات المقارنة بين المذاهب الإسلامية ببراعة وعمق، وبالمتابعة للفكر المتجدد أدبا وثقافة، والقراءة التحليلية لتاريخ الإسلام.

ومع أن منبر المنطقة في الأحساء والقطيف في هذه الفترة؛ أصبح في طليعة الأعواد على مستوى العالم العربي، إلا أنه مازال يتكامل ومازال الطموح يفرض علينا أن نملأ عدة فراغات:

- منها تنوع الاختصاصات؛ بحيث يكون لدينا منبر يختص بالتاريخ، وآخر بالتفسير، وثالث بعلم الكلام، ورابع بعلم الأخلاق.

- ومنها أن يستند المنبر في كل قضية إنسانية، أو اجتماعية، لدراسات موثقة علمية - لا لرؤية الخطيب فقط -.

- ومنها متابعة المنبر لكل جديد في عالم الفكر والثقافة، رصداً، وتعليقاً، ونقداً، واستفادة.

نسال الله تعالى أن يوفق جميع أرباب المنبر لخدمة طريق الحسين علماً وعملاً إنه سميع الدعاء.