الدرس 104

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم: ان من الثمار المترتبة على القول بالاقتضاء أو العلية ما ذكره السيد الشهيد من انه تارة يكون الاصلان من سنخ واحد، وتارة يكونان من سنخين فاذا كانا من سنخ واحد فلا يجري الأصل في أطراف العلم الاجمالي سواء قلنا بمسلك العلية أو الاقتضاء، واما إذا كان الاصلان من سنخين فهنا تظهر الثمرة لأنه إذا قلنا بمسلك العلية أي ان المانع من جريان الأصول مانع ثبوتي وهو ان نفس العلم الاجمالي مانع من جريان الاصول في اطرافه كلا أو بعضا فلا فرق في ذلك بين ان تكون الأصل من سنخ واحد أو من سنخين.

واما إذا بنينا على مسلك الاقتضاء أي ان المانع من جريان الاصول اثباتي فهنا انما يكون المانع الاثباتي مؤثرا إذا كان الاصلان من سنخ واحد، واما إذا كانا من سنخين فحينئذٍ يجري الاصلان ولكن يقع التعارض بينهما في طول جريانهما.

وهذا الذي افيد اشكل عليه:

الاشكال الاول: ان يقال: بانه سواء قلنا بالعلية أو قلنا بالاقتضاء وسواء قلنا بأن المانع ثبوتي أو اثباتي فلا فرق في عدم جريان الأصل بين ان تكون الاصول من سنخ واحد أو من سنخين، اما بناءً على كون المانع ثبوتيا فالأمر واضح، لان نفس العلم الاجمالي بمقتضى حكم العقل بمنجزيته لوجوب الموافقة القطعية فضلا عن حرمة المخالفة القطيعة هو المانع من جريان الترخيص في تمام الأطراف أو في بعضها، فلا فرق في ذلك بين ان يكون الاصلان ممن سنخ واحد أو من سنخين، واذا قلنا بمسلك الاقتضاء وان المانع اثباتي فذلك المانع هو عبارة عن حكم العقل بعدم جريان الأصل في الطرفين لكونه ترخيصا في المخالفة القطعية، وعدم جريانه في احدما المعين لكونه ترجيحا بلا مرجح، ومن الواضح ان هذا المانع لا فرق فيه بين ان يكون الاصلان من سنخ واحد أو سنخين، ولذلك التزم مثل المحقق النائيني وسيدنا بعدم جريان الأصل لا في تمام الأطراف ولا في بعضها بناء على القول بالاقتضاء، بلحاظ ان المانع من جريانه في جميعها وهو قبح الترخيص في المخالفة القطعية قائما حتّى مع كون الاصلان من سنخين وكذا جريانه في احدهما المعين وهو قبح الترجيح بلا مرجح ايضا قائم سواء كان الاصلان من سنخ أو من سنخين فلا تظهر الثمرة بين القول بالعلية والاقتضاء.

ولكن السيد الشهيد ملتفت الى هذا الاشكال فلذلك صاغ المطلب بنحو آخر، فقال: نحن نطرح هذه الثمرة بين القول بالعلية والاقتضاء لا على طبق المسالك الاخرى في الاقتضاء بل على مسلكنا وبيانه، انه بناء على القول بالاقتضاء فما هو المانع من جريان الاصول في أطراف العلم الإجمالي، إذ اننا إذا قلنا بالعلية فالمانع من جريان الاصول نفس العلية، أي نفس العلم الاجمالي المنجز بحكم العقل هو المانع من حريان الاصول، كلا أو بعضا اما إذا قلنا بالاقتضاء فنحتاج الى مانع اخر إذ مجرد العلم الاجمالي لا يمنع من جريان الأصل حيث إنَّ منجزية العلم الاجمالي فرع عدم جريان الأصل فلابد من تحصيل مانع عن جريان الأصل في رتبة سابقة على منجزية العلم الإجمالي، فما هو ذلك المانع، فهنا مسلكان، المسلك الذي بنى عليه المحقق النائيني ان قلنا بكونه اقتضائيا وسيدنا في ان المانع من جريان الأصل ثبوتي الا وهو ان جريان الأصل في تمام الأطراف ترخيص في المخالفة القطعية، وجريانه في بعضها المعين ترجيح بلا مرجح فعلى هذا المسلك في القول بالاقتضاء لا تظهر الثمرة إذ سواء كان الاصلان من سنخ واحد أو سنخين هذا المانع قائم.

اما على المسلك الآخر في الاقتضاء: وهو مسلك السيد الشهيد: من ان المانع من جريان الاصول في أطراف العلم الاجمالي ليس ثبوتيا وانما اثباتي بمعنى ان دليل الأصل اختف بالمرتكز القائم على عدم مقاومة الغرض الترخيصي للغرض اللزومي المعلوم، فبناء على القول بالاقتضاء بهذا المسلك يقال بانه انما ينصرف دليل الأصل عن الشمول لأطراف العلم الاجمالي ببركة احتفافه بهذا المرتكز العقلائي إذا كان دليل الاصلين واحدا فيقال هذا الدليل الواحد لا يشمل أطراف العلم الاجمالي، اما إذا كان لدينا دليلان إذ ان كل أصل يرجع الى دليل مستقل كدليل الحيلولة والفراغ وفي المثال السابق فإذا كان لدينا دليلان وكل منهما يختص بطرف فلا موجب لانصرافه عن أطراف العلم الاجمالي، لان الموجب لانصرافه ان يشمل الطرفين وهو لا يشمل الطرفين فلا مانع حينئذٍ من شمول دليل كل منهما لمورده، فيقال من علم اجمالا انه اما لم يصل الفجر أو ان صلاة الظهر التي فرغ منها فاسدة فإن دليل قاعدة الحيلولة يجري في صلاة الفجر ويقول بأنك اديتها ودليل قاعدة الفراغ يجري في صلاة الظهر فيقول بانها صحيحة فلا منع من جريان دليلي الاصلين في أطراف العلم الإجمالي لان المانع الاحتفاف بالمرتكز وهذا الاحتفاف ليس بموجود، إذا تظهر الثمرة بين القول بالاقتضاء والعقلي بناءً على هذا المسلك.

الايراد الثاني: ان يقال: ان الثمرة لا تظهر على كل حال حتّى لو قلنا ان المانع من شمول دليل الأصل لأطراف العلم الاجمالي اثباتي والسر في ذلك ان الاطلاق لو احتفظنا به فقلنا بأن لدليل قاعدة الحيلولة يشمل الطرف الأول وهو الشك في اداء صلاة الفجر ودليل قاعدة الفراغ يشمل الطرف الثاني وهو الشك في صحّة الظهر، ولكن دليل حجية الظهور هل يشملهما معا أم لا، فإن مرد وجود اطلاق لفظي في دليل قاعدة الحيلولة بحيث يشمل الشك في الاداء، واطلاق لفظي في دليل قاعدة الفراغ بحيث يشمل الشك في الصحّة لا يجدي ما لم ننقح حجية هذين الاطلاقين وحجية هذين الاطلاقين من صغريات حجية الظهور ودليل حجية الظهور سنخ واحد فرجعنا الى رجوع الاصلين الى سنخ واحد، الا وهو دليل حجية الظهور، سواء قلنا بأن دليل حجية الظهور لفظي كتمسك الائمة بظهور الكتاب، أو قلنا بأن دليل حجية الظهور لبي وهو بناء العقلاء على ترتيب الاثار على ظهور الألفاظ، فعلى كل حال يقال هذا الدليل الواحد على حجية الظهور لا يمكن ان يشمل هذين الاطلاقين اطلاق دليل قاعدة الحيلولة واطلاق دليل قاعدة الفراغ والسر في ذلك احتفاف دليل حجية الظهور بالمرتكز العقلائي القائم على ان الغرض الترخيصي لا يزاحم الغرض اللزومي المعلوم، فهذا المرتكز يقول لو يشمل دليل حجية الظهور لكلا الإطلاقين فصار ترخيص في كلا الطرفين للزم من ذلك التضحية بغرض لزومي معلوم في البين وهو انك فوت احدى الصلاتين لحساب غرض ترخيصي.

فتخلصنا من الانصراف بلحاظ دليل الأصل نفسه لا يخلصنا من هذا الانصراف بلحاظ دليل حجية الظهور.

وهذا الايراد انما يتم لو لم نقل بأن العلم الاجمالي مانع من فعلية الترخيصين معاً اما إذا قلنا بأنه حتّى لو كان الأصلان من سنخين فأحدهما راجع لقاعدة الحيلولة والآخر راجع لقاعدة الفراغ إلا انه مع ذلك نقيس العلم الاجمالي بوجود حق معلوم الا وهو عدم امتثال الامر بإحدى الصلاتين مانع من فعلية الترخيصين معاً، فإذا قلنا ان نفس العلم الاجمالي مانع من فعلية الترخيصين فهو بنفسه كاف في عدم حجية كلا الاطلاقين، غاية الامر انه يقع بينهما التعارض فبناء على ذلك لا تصل النوبة الى ان نمنع من شمول دليل حجية الظهور لكلا الطرفين بواسطة احتفاف دليل حجية الظهور بالمرتكز العقلائي.

الاشكال الثالث: ما أشكل به السيد الشهيد على هذه الثمرة، فقال: أنها غير تامة، والسر في ذلك: ان الارتكاز العقلائي ينتج ارتكاز آخر فالارتكاز القائم على ان الغرض اللزومي المعلوم لا يرفع اليد عنه بغرض ترخيصي يولد ارتكازا آخر وهو انه لو صار الترخيص فعليا في طرف فلابّد ان يلزم الشارع بالطرف الآخر لأنّه لو رخص في الطرف الآخر بالفعل لضحى بالغرض اللزومي فما دام هناك ارتكاز بأن الغرض الترخيصي لا يزاحم اللزومي إذا هناك ارتكاز بأنه لو رخص فعلا في احد الطرفين فلابّد ان يلزم فعلا بترك الطرف الآخر فإن هذا لازم الإرتكاز أو نتيجته أو ارتكاز مولد عن الإرتكاز الأول، ومقتضى هذا الإرتكاز الثاني انه لو رخص الشارع في احدهما فلقد الزم بالآخر، إذا فلنفترض ان الاصلين من سنخين فنقول ان شمول قاعدة الحيلولة للطرف الاول يعني بالدلالة الإلتزامية الإلزام في الطرف الآخر اي بإعادة الصلاة في الطرف الآخر وشمول دليل قاعدة الفراغ للطرف الثاني يعني دلالة التزامية على الالزام بقضاء الصلاة، فالترخيص الفعلي في احدهما الزام بالآخر وبالتالي سوف يقع التمانع بين المدلول الالتزامي لكل منهما والمدلول المطابقي للآخر فإن المدلول الالتزامي لقاعدة الحيلولة انك ملزم بإعادة صلاة الظهر ولا يجتمع هذا مع جريان قاعدة الفراغ غي صلاة الظهر والمدلول الالتزامي لصلاة الظهر يجب عليك صلاة الفجر وهو لا يجتمع مع جريان قاعدة الحيلولة في الفجر فالمدلول الالتزامي لكل منهما معارض للمطابقي في الآخر وبالتالي حتّى لو كان الاصلان من سنخين وقلنا بأن المانع من جريان الأصول اثباتي فإن المانع الإثباتي موجود ان كان الاصلان من سنخين وهذا المانع الاثباتي عبارة عن التمانع بين المدلول الالتزامي لكل من الاصلين مع المدلول المطابقي للأصل الثاني.

والحمدُ لله ربِّ العالمين