الدرس 115

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ذ كرنا فيما سبق: ان العلم الاجمالي لا ينحل بالأصل الطولي وقد استثنى من ذلك سيدنا «قده» صورتين:

الصورة الاولى: ان يكون في احد طرفي العلم الاجمالي خطاب مختص، وحينئذ مقتضى القاعدة ان ينحل العلم الاجمالي بالخطاب المختص، بيان ذلك:

إذا علمنا اجمالا مثلا اما بنجاسة الماء أو نجاسة التراب. ويقال حينئذ: بأن اصالة الطهارة لا تشمل هذين الطرفين، لتعارضهما، فتجري اصالة الحل في طرف الماء بلا معارض، لان اصالة الحل لا يتصور جريانها في التراب. باعتبار انه لا يتصور حليته حتى تجري فيه اصالة الحل، فدليل اصالة الطهارة لا يشمل الطرفين وهما التراب والماء، فيسقط. ودليل اصالة الحل بما انه مختص بطرف الماء ولا يعقل جريانه في التراب لذلك يجري في الماء بلا معارض وينحل بذلك العلم الاجمالي.

فإن قلت: لم لا تقع المعارضة بين اصالة الطهارة في التراب واصلين في طرف الماء، وهما: اصالة الطهارة وأصالة الحل، باعتبار ان المقتضي للمعارضة موجود فكما ان الترخيص في الماء والتراب من باب اصالة الطهارة ترخيص في المخالفة القطعية فذلك الترخيص في الماء والتراب من باب اصالة الحل في احدهما واصالة الطهارة في الآخر ترخيص في المخالفة القطعية فلم لا يكون التعارض ثلاثيا بمعنى ان اصالة الطهارة في طرف التراب تعارض اصلين في طرف الماء في عرض واحد وهما اصالة الطهارة واصالة الحل.

فإن قلت بهذا، قلنا: تارة نبني على ان المانع من جريان الأصل في اطراف العلم الاجمالي مانع داخلي وتارة نبني على ان المانع خارجي، فإن بنينا على ان المانع داخلي وهو ما ادعاه السيد الصدر ق من أن دليل الاصل محفوف بارتكاز عقلائي وهو ان لا يضحي بغرض لزومي لأجل غرض ترخيصي، فمقتضى هذا المانع: انصراف دليل الاصل عن الشمول لطرفي العلم الاجمالي، فدليل اصالة الطهارة من الاصل منصرف لا يشمل طرفي العلم الاجمالي وهما: الماء والتراب.

والسر في انصرافه: انه محفوف بارتكاز عقلائي ان لا يضحى بغرض لزوم لغرض ترخيصي، فاذا كان دليل اصالة الطهارة من اصله منصرفا عن الشمول لطرفي العلم الاجمالي إذا دليل اصالة الحل في طرف الماء لا معارض له، لان المعارض له دليل اصالة الطهارة وقد فرضنا انصرافه من اصله، إذا فدليل اصالة الحل في طرف الماء لا معارض له، فيجري وينحل به العلم الاجمالي.

وكذلك إذا قلنا لا بمقالة السيد «قده» بل بمقالة بعض الاعلام: من ان قبح الترخيص في المخالفة القطعية امر بديهي وارتكازي، فإن جريان دليل الأصل في طرفي العلم الاجمالي ترخيص في المخالفة القطعية وقبح الترخيص في المخالفة القطعية من الارتكازات الواضحة فاذا اطلاق دليل الاصل محفوف بارتكاز عقلائي واضح ومقتضى هذا الاحتفاف انصراف دليل اصالة الطهارة من اصله عن الشمول للماء والتراب فيجري دليل اصالة الحال في الماء بلا معارض وينحل به العلم الاجمالي

واما إذا بنينا على ان الماء امالنع خارجي لا داخلي، اي ان مقتضى اطلاق دليل اصالة الطهارة ان يشمل الطرفين معا الماء والتراب ولا مانع منه الا حكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية وهذا الحكم العقلي ليس واضحا وانما هو حكم نظري يحتاج ادراكه إلى التأمل فلما كان نظريا لم يكن قرينة متصلة صارفة للظهور وان كانت مانعة من الحجية الا ان الظهور موجود، إذا دليل أصالة الطهارة ظاهر ظهوراً وجدانيا في الشمول لكلا طرفي العلم الاجمالي، فاذا كان ظاهراً إذا المعارضة ثلاثية، لان دليل اصالة الحل في طرف الماء ظاهر في الشمول في هذا الطرف ودليل اصالة الطهارة في اطرف الاخر ايضا ظاهر في الشمل لان ظهوره لم ينصرف فما دام لكل منهما ظهور في الشمول لمورده فحينئذ يقع المعارض بينهما فيكون دليل اصالة الحل من حيث انطباقه على طرف الماء معارضا لدليل اصالة لطهارة في طرف التراب حيث ان دليل اصالة الطهارة في طرف التراب لم يرتفع ظهوره إذا بالنتيجة تقع المعارضة ولا يقع العلم الاجمالي.

فتحصل من ذلك: ان انحلال العلم الاجمالي فيما إذا كان في احد الطرفين خطاب مختص كأصالة الحل في طرف الماء في المثال انما يتم إذا بنينا ان دليل اصالة الطهارة من اصله لا يشمل الطرف الاخر وانما نبني على ذلك إذا كان المانع داخليا اي إذا كان المانع من جريان دليل الاصل في طرفي العلم الاجمالي ارتكازا واضحا واما إذا لم يكن المانع لهذا الدرجة من الوضوح فالظهور منعقد ومقتضى انعقاداه وقوع المعارضة.

هذا إذا لم يكن في احد الطرفين اصل حاكم كما مثلنا.

واما إذا افترضنا ان في احد الطرفين اصل حاكم، وهو المثال الذي تكلمنا حوله في الاسبوع الماضي وهو ما إذا علمنا اجمالا بنجاسة احد المائين الف وباء، وكان في احد الماءين مجرى لاستصحاب الطهارة إذا فما هوا لفرق بين هذا المثال والمثال السابق فإن في كلا المثالين يوجد خطاب مختص غاية ما في الباب أنه في المثال السابق لا يوجد اصل حاكم احد الطرفي ففي طرف التراب يوجد اصل واحد وهو اصالة الطهارة وفي طرف الماء يوجد اصلان عرضيان لا حكومة لاحدهما على الاخر وهما اصالة الحل واصالة لطهارة، أما في هذا المثال وهو ما إذا كان في احد الماءين استصحاب الطهارة فالخطاب المختص بنفسه اصل حاكم، اي يوجد اصل مشترك وهو اصل الطهارة تشملهما معا ويوجد اصل مختص بماء الف وهو استصحاب الطهارة. الا ان هذا الخطاب المختص حاكم على اصالة الطهارة فهل يفرق في النتيجة؟ بأن نقول في المثال السابق بنحل العلم الاجمال بجريان اصالة الحل في الماء بلا معارض فلك ان تشرب وان تطعمه مثلا. واما في المثال الثاني لا ينحل العلم الاجمالي بل يقع اصل التعارض في ماي باء مع أصلين في ماء الف وهما استصحاب الطهارة واصالة الطهارة. فما هو الفرق بين المثالين؟!.

فقد يقال بانه: توجد هنا معارضة فلا ينحل العلم الاجمالي، لكن السيد الشهيد ق قال: لا فرق بين المثالين ففي كليهما ينحل العلم الاجمالي غاية الامر في المقام في المثال الثاني لا ينحل الاجمالي بأصالة الطهارة الذي هو الاصل الطولي بل ينحل باستصحاب الطهارة بمعنى ان دليل اصالة الطهارة لا يشمل المائين من اصله فاستصحاب الطهارة يجري في الماء الف بلا معارض لان دليل اصالة الطهارة ساقط لا قيمة له باعتبار انه منصرف عن مورد العلم الاجمالي، والسر في ذلك بنظر السيد الشهيد «قده»:

أن دليل اصالة الطهارة اصلا لا ظهور له في الشمول لهذا المورد فالتعارض بين الاصلين انما هو تمانع في الحجية والتمانع في الحجية فرع تمامية المقتضي الا وهوا لظهور. فلابد ان نفرغ اولا عن وجود ظهور بحيث من مقتضاه يشمل دليل الاصل كلا طرفين وبعد الفراغ من الظهور نقول يتعارض الاصلان يعني لا يكون دليل الاصل حجة في كليهما وان كان ظاهرا فالتعارض تمانع في الحجية.

ففي المقام: تعارض استصحاب الطهارة في ماء الف مع اصالة الطاهرة في ماء باب فرع الظهور حتى تقول تمانعا في الحجية بعد الفراغ من ظهورهما؛ لكن دليل الاستصحاب ظاهر في الشمول لماء الف فالظهور موجود، أما دليل اصالة الطهارة فليس ظاهراً في الشمول لماء باء فأصل الظهور له غير موجود لا انه ظاهر في الشمول وتقع المعارضة بينه وبين استصحاب اصالة الطهارة، والسر في عدم ظهوره: انه لو اغمضنا النظر عن الاستصحاب في طرف ماء الف ما كان دليل اصالة الطهارة ظاهرا في الشمول للطرفين لامتلائه بارتكاز عقلائي واضح وهو ان لا يضحى بغرض لزومي لأجل غرض ترخيصي، إذا يعتبر في تعارض الاصول تحقق المقتضي وهو الظهور ومعنى تحقق الظهور ان لدليل الاصل ظهورا في الشمول مع غمض النظر عن دليل الأصل الاخر وهذا متوفر في دليل الاستصحاب فإن دليل الاستصحاب ظاهر في الشمول لماء الف وجد اصل اخر في طرف باء أم لم يوجد.

اما دليل اصالة الطهارة هل هو ظاهر في الشمول لطرف باء مع غمض النظر عن الاستصحاب في طرف الف ليس كذلك، لان متى اغمضنا عن دليل الاستصحاب في طرف ألف كان دليل اصالة الطهارة منصرفا عن هذا المورد لاحتفافه بارتكاز عقلائي واضح وهو ان لا يضحى بغرض لزوم لغرض ترخيصي. فلا محالة دليل الاستصحاب في الف لا معارض له في طرف باء فينحل به العلم الاجمالي. فهل ما ذكر السيد تام أم لا؟. يأتي الكلام عنه غدا ان شاء الله.

والحمدُ لله ربِّ العالمين