مهرجاناتنا الدينية مظهر لحفظ النظام

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

صدق الله العلي العظيم

حديثنا انطلاقًا من الآية المباركة في محاور ثلاثة:

  • في بيان المقصود من الحكمة في الآية المباركة.
  • وفي بيان ما تعارف لدى الفقهاء من وجوب حفظ النظام.
  • وفي بيان كيفية التحفظ على النظام عند احتفالاتنا بمواليد أئمتنا المعصومين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».
المحور الأول: معنى الحكمة في الآية المباركة.

الآية المباركة تقول: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ وهو النبي محمد الذي بُعِث من أمّ القرى، وأهل أم القرى يسمّون بالأميين، والنبي بُعِث منهم للقيام بعدة أدوار ووظائف، منها: تلاوة الوحي ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، ومنها: تزكيتهم التزكية الروحية من خلال سلوكه، ومن خلال إرشاداته، ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، وقال في آية أخرى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، والدور الثالث: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ أي: تفسير مضامين ومداليل القرآن الحكيم ظاهره وباطنه، والدور الرابع: الحكمة، ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فما هو المقصود بالحكمة؟ هنا تفسيران:

التفسير الأول: أن المراد بالحكمة القضايا الأخلاقية العقلائية.

القضايا الأخلاقية ليست قضايا تعبّدنا بها الشرع المقدس فقط، وإنما هي قضايا حكم بها الوجدان العقلائي، بمعنى أننا إذا رجعنا إلى المرتكزات العقلائية في كل مجتمع وفي كل حضارة وفي كل دولة، نجد أن المرتكزات العقلائية تقر القضايا الأخلاقية، مثلًا: الظلم قبيح، الخيانة قبيحة، الكذب قبيح، العدل حسن، الصدق جميل، هذه القضايا الأخلاقية قضايا نابعةٌ من الوجدان والضمير الإنساني العقلائي، فلا يخلو منها مجتمع، ولا تخلو منها حضارة، جميع المجتمعات العقلائية تحكم بهذه القضايا وتقرها، فهي ليست قضايا اخترعها الإسلام، أو فرضتها الديانات السماوية فرضًا تعبديًا، وإنما هي قضايا نادى بها الوجدان والضمير العقلائي في كل مجتمع، لذلك جاءت الديانات السماوية مرسخةً لها، وجاءت الديانات السماوية مذكّرةً بها، وإلا فهي قضايا وجدانية وعقلائية.

وهذا ما ورد عن النبي محمد : ”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“، مكارم الأخلاق هي قضايا عقلائية، أن لم أفرضها ولم أخترعها، وإنما أنا مذكر بها ومتمم لتفاصيلها وموضح لزواياها.

التفسير الثاني: أن المقصود بالحكمة النظام الإداري.

لا يمكن أن ينهض مجتمع بدون نظم حضارية، لا يمكن أن تقوم حضارة من دون إدارة، إدارة للأموال، إدارة للبيئة، إدارة للتعليم، إدارة للمرافق العامة، قيام حضارة أو كيان اجتماعي يتوقف على نظم إدارية، وهذه النظم الإدارية لا بد وأن تكون نظمًا شاملة لجميع المرافق ولجميع المجالات؛ حتى تنهض الحضارة، وحتى يقوم الكيان.

النبي الأعظم ليس دوره فقط تلاوة الوحي، وتزكية النفوس والأرواح، وتفسير مضامين الكتاب، وإنما دوره أيضًا وضع النظم الإدارية، وتعليم المجتمع الإسلامي على كيفية الانتظام تحت هذه القوانين، وعلى كيفية الانضباط تحت هذه النظم؛ من أجل أن يكون المجتمع الإسلامي مؤهلًا لأن يقوم بحضارة ولأن يقوم بكيان شمولي عام، ولأجل ذلك كان المراد بالحكمة تعليم هذه النُظُم الإدارية، التي الحكمة منها والهدف منها حفظ النفوس والأعراض والأموال عن التلف والتبعثر، كما أشارت إليه الآية المباركة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.

وهذا ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي وهو في آخر لحظات حياته وفي وصاياه الثمينة عندما قال: ”عليكم بتقوى الله ونظم أموركم“، النظام، الإدارة أمر ضروري لحضارتكم، أمر ضروري لرقيكم، عليكم بتقوى الله ونظم أموركم. إذن، الحكمة وضع النظام الإداري وتعليمه وبثه.

المحور الثاني: معنى وجوب حفظ النظام في كلمات الفقهاء.

أنتم تسمعون في كلمات الفقهاء أنه يجب حفظ النظام، ويجب الالتزام بالنظام، فما هو المقصود بالنظام الذي يجب الالتزام به ويجب حفظه ويجب رعايته؟ هل يعني ذلك أن كل قوانين الدولة يجب الالتزام بها ويجب حفظها ويجب رعايتها، لأن قوانين الدولة تمثل النظام، والنظام يجب حفظه ورعايته، أم لا؟ هذا أمر لا بد من تحديده، ولا بد من تمييزه بشكل واضح فاصل. النظام له ثلاثة مفاهيم في كلمات الفقهاء، ولذلك قد يقول فقيه: يجب حفظ النظام، وهو ينظر إلى مفهوم غير ما ينظر إليه الفقيه الآخر عندما يقول: يجب حفظ النظام.

المفهوم الأول: خصوص ما يحفظ الأنفس والأعراض والأموال.

أن المراد بحفظ النظام القوانين التي وُضِعَت لحفظ الأنفس عن التلف، وحفظ الأعراض عن الانتهاك، وحفظ الأموال عن السرقة والتبعثر، خصوص قوانين المرور التي وُضِعَت لحفظ الأنفس عن التلف، لحفظ الأموال عن التلف، خصوص القوانين الجزائية التي وُضِعت لمنع الجريمة، لمنع السرقة، لمنع الاعتداء، لمنع التجاوز، إذن المقصود بالنظام الذي يجب حفظه هو خصوص القوانين التي الهدف منها هو حماية الأنفس، حماية الأعراض، حماية الأموال.

وهذا المعنى وهذا المفهوم هو الذي يقصده سيدنا الخوئي «قدس سره» في فتاواه، عندما يقول: يجب حفظ النظام، لا يقصد حفظ كل القوانين وكل الأنظمة ورعاية كل ما يصدر من الدولة من قوانين وأنظمة، لا، النظام هو خصوص القوانين التي وُضِعَت لحماية الأنفس والأعراض والأموال. وهنا يراد بالحماية الحماية على نحو المعرضية، بمعنى: لو أن إنسانًا جاء إلى إشارة المرور، ورأى أنه لا يوجد أحد في الشارع الآخر، الشارغ فارغ، ولو قطع إشارة المرور لم يتلف نفسًا ولم يتلف مالًا، لكن الإشارة حمراء، هل يجوز له تجاوز الإشارة بمعنى أنه لا يترتب على تجاوزه هنا تلف نفس أو تلف مال، أم لا؟ يقولون: يكفي في الوجوب المعرضية، أي: ما دام تجاوزك فيه معرضية، فيه مظنة لتلف نفس، فيه مظنة لتلف مال، وإن لم تكن قاطعًا بذلك، إذ قد يعبر إنسان فجأة ومن دون توقع، ما دام تجاوزك فيه مظنة وفيه معرضية لتلف نفس أو مال فحينئذ لا يجوز، حفظ النظام يشمل مثل هذه الصورة، صورة المظنة والمعرضية لوقوع مثل هذه المحاذير والمفاسد.

المفهوم الثاني: كل ما يحفظ المصالح العامة.

أن المراد بالنظام المصالح العامة، أي: ما هو أوسع من حماية النفوس والأعراض والأموال، المصالح العامة، نظافة البيئة مصلحة عامة، منع الهرج والمرج بين الناس مصلحة عامة، كيفية استخدام الثروة، الماء ثروة، الطاقة الكهربائية ثروة، طاقة الاتصالات ثروة، كيفية استخدام الطاقات، كيفية استخدام المياه، كيفية استخدام البيئة، كل القوانين التي يكون الهدف منها مصلحة عامة، الحفاظ على البيئة، الحفاظ على الثروة، الحفاظ على منع الهرج والمرج بين أبناء المجتمع، هذه تسمى مصالح عامة، ويعبّر عنها الفقهاء بالأمور العامة، أو الأمور النظامية.

القوانين التي تصدر من الدولة والهدف منها هو حماية هذه المصالح العامة، هل يجب الالتزام بها أم لا؟ هنا يأتي دورٌ آخر لفقيه آخر، وهو السيد السيستاني «دام ظله»، يقول: نعم، أنا أوسّع الدائرة أكثر مما يفتي به سيدنا الخوئي «قدس سره»، أنا أرى دائرة أوسع للنظام، فهو يرى أن الفقيه له الولاية، الفقيه له الولاية على حفظ المصالح العامة للمجتمع الإسلامي، سواء كانت هذه المصالح العامة متعلقة بمجال التعليم، أو مجال الصحة، أو مجال البيئة، أو مجال تقاسم الثروات، أو مجال استخدامها والتعامل معها، الفقيه له الولاية على حفظ المصالح العامة، فالفقيه من خلال ولايته - كالسيد السيستاني مثلًا - يقول: أنا بولايتي أمضي كل القوانين التي تحفظ المصالح العامة وتحمي المصالح العامة، وبعد أن أمضيها بولايتي يجب على المؤمنين تطبيقها والالتزام بها؛ لأنها أصبحت قوانين ممضاة من قِبَلي أنا الحاكم الشرعي الذي لي الولاية على حفظ هذه المصالح العامة.

لذلك، هناك بعض الأنظمة أنظمة ذوقية، افترض أنه صدر نظام من البلدية مثلًا، تعرف أن هذا النظام نظام ذوقي، هؤلاء الجالسون في الإدارة صنّفوا في رأسهم وأخرجوا نظامًا لمسألة ذوقية أو لمسألة وقتية لا علاقة لها بحماية المصالح العامة، أو ربما تكون ضد حفظ المصالح العامة، أو يصدر مثلًا قانون يمنع دخول الكتب الشيعية، هذا ليس قانونًا يحمي المصالح العامة، أو قانون يمنع تداول الكتب الشيعية، هذا ليس قانونًا يحفظ المصالح العامة. إذن، القوانين التي وُضِعَت مدروسةً مخططًا لها لأجل حماية المصالح العامة في مختلف المرافق وفي مختلف المجالات، السيد السيستاني يقول: أنا بولايتي أمضي هذه القوانين، وبعد إمضائي لها يجب على المؤمنين تطبيقها والالتزام بها، ولكن بشرطين:

الشرط الأول: أن يكون تطبيق هذه الأنظمة مبنيًا على العدالة لا على التسامح. إذا كان النظام نفسه مبنيًا على التسامح، هناك نظام، ولكنه لا يتعقّب من يخالفه، ولا يبالى بمن يتجاوزه، فتطبيقه مبنيٌ على التسامح وليس مبنيًا على العدالة، إذن حينئذ يكون إلزام الناس بتطبيقه مع عدم تعهّد الإدارة المسؤولة بتطبيقه وحمايته، يكون لغوًا لا أثر له، إلزام الناس بتطبيقه لغو ما دام تطبيقه مبنيًا على التسامح، وغير مبني على الدقة والعدالة، إذن الشرط الأول أن يكون تطبيق النظام مبنيًا على العدالة لا على التسامح.

والشرط الثاني: أن رعاية هذا النظام والالتزام بهذا النظام بحدود ما يحفظ المصلحة العامة، فلو كان هذا النظام مضرًا بجهةٍ أخرى من الجهات، لا يجب رعايته حتى ولو أضر بجهة عامة أخرى، فالالتزام به إنما هو في حدود ما يحفظ منه ويحمي منه المصلحة العامة. لذلك، يُرْجَع في مثل هذه الأمور إلى الخبراء بهذه الأنظمة وهذه القوانين، ومقدار فاعليتها، ومقدار دقتها، ومقدار حمايتها للمصالح والمرافق العامة.

المفهوم الثالث: المراد بالنظام النظام الإسلامي.

النظام هو نظام الحدود الإسلامية، نظام الديات في الإسلام، النظام الاقتصادي في الإسلام، فالمراد بحفظ النظام النظام الإسلامي، النظام الصادر من الفقيه كنظام إسلامي وديني. هذا المفهوم للنظام هو الذي إذا وُجِد في كلمات الإمام الخميني «قدس سره»، عندما يقول: يجب حفظ النظام، يعني النظام الإسلامي، النظام الصادر من الفقيه كنظام مستنبطٍ من الأدلة الشرعية، كنظام ديني وسماوي، فهو يقصد خصوص النظام الإسلامي.

وأنتم تعرفون أن بين الفقهاء خلافًا في أنه هل هناك قدرة على تطبيق النظام الإسلامي في زمان الغيبة أم لا، هذا خلاف فقهي، الفقهاء متفقون على أنه يجب تطبيق النظام الإسلامي عند القدرة على تطبيقه، إذا كانت هناك قدرة على تطبيق النظام الإسلامي فيجب تطبيقه، إقامة الحدود، حد السرقة، حد الزنا، حد شرب الخمر، نظام العقوبات في الإسلام، نظام الجزاءات في الإسلام، النظام اللاربوي في الإسلام، بمعنى أن تكون البنوك كلها لنظام لاربوي واحد بدون تخلف ولا اختلاف.

على أية حال، هذه الأنظمة الإسلامية إذا كان المجتمع الإسلامي قادرًا على تطبيقها يجب تطبيقها، كأي واجب شرعي، أي واجب شرعي تطبيقه منوط بالقدرة، يجب عليك الحج إذا كنت قادرًا على الحج، يجب عليك الصيام إذا كنت قادرًا على الصيام، أيضًا يجب تطبيق النظام الإسلامي إذا كان المجتمع قادرًا على تطبيق النظام الإسلامي، فلا خلاف بين الفقهاء في هذه الكلمية: أنه يجب تطبيق النظام الإسلامي عند القدرة على تطبيقه، لكن الكلام: هل يمكن للمسلمين في عصر غيبة المعصوم تطبيق النظام الإسلامي؟ هل هم قادرون على تطبيق النظام الإسلامي أم غير قادرين؟

هنا يختلف الفقهاء في هذه المفردة، فسيدنا الخوئي «قدس سره» يقول: لا يمكن، لا يمتلك المسلمون القدرة التامة على تطبيق النظام الإسلامي بتمامه وبحذافيره، غير ممكن، نتيجة لتمازج المجتمع الإسلامي مع المجتمعات الأخرى، لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يستقل بنظام إسلامي منفصلًا عن النظام العالمي، ومنفصلًا عن التأثيرات العالمية، وبالتالي المجتمع الإسلامي غير قادر على تطبيق النظام الإسلامي، إذن يكتفى بتطبيق ما أمكن، ويُرْجَع في غير ذلك إلى النظام الإنساني الذي يراعى فيه كرامة الإنسان وحقوق الإنسان، وإلا النظام الإسلامي غير مقدور على تطبيقه.

في المقابل، طبعًا النظرية الأخرى - كنظرية الإمام الخميني - بأنه المسلمون قادرون على تطبيق النظام الإسلامي قدرةً تامةً وبتمام حذافيره، ويجب عليهم السعي إلى ذلك، ويجب عليهم السعي إلى تكوين القدرة إن لم تكن حاصلةً فعلًا على تطبيق النظام الإسلامي بتمام حذافيره، هذا اختلاف في الرؤية الفقهية، نحن لا ندخل في تفصيله وبيان الحق منه وغير الحق، إنما أردنا أن نشير إلى معنى لزوم حفظ النظام أو وجوب حفظ النظام عندما ترد هذه المفردة في كلمات الفقهاء.

المحور الثالث: إبراز الصورة النظامية في احتفالاتنا الدينية.

كيف نبرز الصورة النظامية عند احتفالاتنا بمواليد الأئمة المعصومين من آل محمد ؟ من جملة النظام - كما ذكرنا - النظام الذي يحفظ المصلحة العامة، فكيف نحتفل بميلاد الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» احتفالًا يحفظ المصلحة العامة لمجتمعنا؟ وكيف نحتفل بميلاد الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» احتفالًا ينسجم مع حضارتنا، ينسجم مع تراثنا، ينسجم مع قيمنا، وينسجم مع بنية هذا المجتمع العريق؟

من هنا، لا بد في الاحتفالات التي ستقام في ليلة الجمعة القادمة.. وفقنا الله وإياكم لإحياء أمر آل محمد في هذه الليلة المباركة.. كيف تقام هذه الاحتفالات بالصورة التي نرغب فيها، وبالصورة التي نطمح إليها، وبالصورة التي ننادي بها وننشدها؟ نحن نحتاج أن نقيم الاحتفالات في ليلة مولد الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» بما يحقّق أهدافًا ثلاثة:

الهدف الأول: إبراز ولائنا لمحمد وآل محمد.

هذا المجتمع القطيفي الأحسائي قطعةٌ من الولاء، قطعةٌ من الارتباط، نقطةٌ مضيئةٌ في مساحة كبيرة، مضيئةٌ بولاء آل البيت وتراث آل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، فلا بد أن يبرز هذا المجتمع ولاءه وارتباطه، وأن له ارتباطًا يفوق كل الارتباطات، وأن له ولاء يفوق كل الولاءات، ويتقدم على كل الولاءات والارتباطات، ألا وهو ولاؤه لمحمد وآل محمد، بتزيين البلاد كلها، البيوت، الشوارع، الطرقات، وضع البوابات، توزيع المشروبات والمأكولات، كل ذلك لإظهار الفرحة والبهجة.

وخصوصًا الشعارات، الشعارات هي التي يقرؤها من يفد على بلادك ليعرف ثقافتك، ليعرف حضارتك، إنه يقرأ ثقافتك وحضارتك من خلال الشعارات التي تضعها، من خلال الشعارات والكلمات التي تضعها على بيتك، أو على المسجد، أو على الحسينية، مثلًا: يا قائم آل محمد، مثلًا: نحن ننتظر خروج الإمام المنتظر، اللهم عجّل فرجه، اللهم اجعلنا من أنصاره... إلخ، كل شعارات الانتظار التي تُبْرِز ثقافة الانتظار هي مطلوبةٌ في مثل هذه الليلة العظيمة المباركة. حتى البيت الذي لم يعتد أن يضع على بيته زينةً أو شعارًا فليضع على بيته زينة، فليضع على بيته شعارًا يظهر ثقافته وانتماءه وولاءه لمهدي آل محمد.

الهدف الثاني: إبراز الجانب الحضاري من المجتمع.

إبراز أن هذا المجتمع مجتمعٌ حضاريٌ، والمجتمع الحضاري يعني المجتمع الذي يحافظ على نظافة البيئة، يحافظ على نظافة الطرقات، يحافظ على كيفية سير الحركة سيرًا سلسًا سهلًا، لا بد أن تبرز الاحتفالات بهذه الصورة النظامية، لا بد أن تكون الاحتفالات لا يسودها الهرج والمرج والبعثرة، لا بد أن تكون الاحتفالات بهيئة نظامية، فيها حفاظ على النظافة، فيها حفاظ على نظافة الشوارع والطرقات، فيها حفاظ على رعاية كيفية مرور الناس من خلال هذه الشوارع والطرقات، نظام لا يؤدي إلى ضرر أو حرج على الناس، وهم يحتفلون بهذه الليلة المباركة العظيمة.

الهدف الثالث: إبراز التدين والقيم الإسلامية.

الاحتفال ليس على حساب ديننا، وليس على حساب قيمنا، وليس على حساب أوامر الشرع الشريف، فالمستحب لا يكون مقدّمًا على الواجب، لا بد أن نحافظ على الحرمات، والالتزام بالواجبات، ونحن نقوم بهذه الاحتفالات العظيمة الشريفة، ولأجل ذلك، كيف تكون احتفالاتنا مصداقًا لإحياء أمر آل البيت؟ حيث ورد عن الإمام الباقر : ”إني أحب تلك المجالس، فأحيوا فيها أمرنا“، إحياء أمرهم ليس فقط بإظهار البهجة والفرحة والابتسامة، بل إحياء أمرهم بإبراز قيمهم، ومن قيمهم: المحافظة على النظافة، ومن قيمهم: المحافظة على تسهيل المرور في الطرقات، ومن قيمهم: الالتزام بالواجبات والبعد عن المحاذير والمحرمات الشرعية. هذا هو إحياء أمرهم «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين». من أجل ذلك، لا بد من التركيز على أمور ثلاثة:

الأمر الأول: تسهيل طرق المرور.

لا تسدُّ الشوارع بحدٍّ يقع الناس في حرج أو ضرر في نقل مرضاهم أو نقل محتاجيهم أو الوصول إلى مقاصدهم، لا بد أن يكون تنظيم كيفية المرور بنحو مدروس يسهّل عملية تنقل الناس من مكان إلى مكان ومن منطقة إلى أخرى.

الأمر الثاني: البعد عن الموسيقى.

الأمر الثاني الذي لا بد من التركيز عليه هو: البعد عن الموسيقى المطربة، عن الموسيقى اللهوية. نحن لا نحتاج، نحن في غنى عن الموسيقى برمتها، لا نحتاج إلى ذلك، يكفينا أناشيد تصدر من الأطفال، تبث من خلال المكروفونات، من دون موسيقى، ومن دون تأثيرات صوتية، ومن دون ضمائم يقع فيها محذور شرعي، نحن لا نحتاج إلى كل ذلك، يكفينا أن تمر على أي شارع وأنت تسمع صوت طفل يدعو للإمام المنتظر، اللهم كل لوليك الحجة بن الحسن، يكفيك أن تمر على أي شارع وأنت تسمع صوت أنشودة لا موسيقى معها ولا تأثيرات معها، أنشودة فيها طهارة، فيها إخلاص، فيها صدق ولاء، فيها صدق إبراز الارتباط بالأئمة المعصومين من آل بيت محمد .

الأمر الثالث: منع الاختلاط.

الاختلاط من أشد المحاذير التي لا بد أن نركز عليها وأن نلتفت إليها. يا أصحاب البيوت، يا أصحاب المواقع، ركّزوا على هذا الأمر، أنت تفتح بيتك لأجل الاحتفال بهذه الليلة الشريفة، فلا يكن فتح البيت سببًا لمعصيةٍ أشد وأدهى وأعظم من هذا الثواب الذي ستحصل عليه من خلال فتح المنزل، أنت الذي تنصب موقعًا في الشارع لتوزيع بعض العصائر أو بعض المأكولات، أنت الذي تنصب موقعًا في الشارع لتوزيع بعض الجوائز، عليك ألا تضم ضميمةً تفسد عليك العمل، وتحبط العمل، وتخسرك الثواب، عليك أن تدرس الأمر كله بحيث يكون هناك عزل للرجال عن النساء، بحيث يكون هناك رعاية للضوابط الشرعية.

فعلى شبابنا الذين لنا الأمل في حياطتهم وشدة التزامهم أن يكونوا مراعين لهذه الضوابط، فهم أملنا، أملنا فيهم وضع النظم التي تمنع الاختلاط، وتمنع التكدس، وتمنع تداخل الطرفين بنحو يكون مظهرًا للالتزام بالقيم الإسلامية، ومظهرًا حضاريًا لكيفية انتظام هذا المجتمع وانضباطه تحت إدارة محكمة مدروسة. ”عليكم بتقوى الله ونظم أموركم“، ومن أهم نظم أمورنا أن يبرز هذا الاحتفال بالنحو النظيف النقي الذي تراعى فيها حضارتنا وقيمنا والتزاماتنا وواجباتنا الشرعية.

إننا نريد من هذه الاحتفالات أولًا أن نعدّ أنفسنا لنصرة مولانا الإمام المهدي، ألسنا نقرأ في الدعاء: واجعلنا من أنصاره وأعوانه؟! ونصرته ليست بالاحتفال والبهجة فقط، بل نصرته بأن أعد نفسي للالتزام بقيمه، ومن قيمه: البعد عن المحرمات، البعد عن المفاسد، البعد عن المحاذير الشرعية، إن نصرة الإمام ليست بالكلام، وليست باللفظ، بل نصرته بأن أكون شديدًا في تطبيق الواجبات الشرعية، وشديدًا في البعد عن المحاذير الشرعية، فإن الشدة في هذه الأمور مطلوبةٌ؛ لأنها مظهر حيٌّ لنصرة الإمام المنتظر، وتطبيق قيمه، وتطبيق مبادئه .

ماذا نبغي من احتفالاتنا؟ إننا نبغي بهذه الاحتفالات أن يشملنا بدعائه، نحن نقول في الدعاء الذي نقرؤه: وارزقنا دعاءه وخيره، نحن نحتاج إلى دعائه، نحتاج في تلك الليلة إذا رفع يديه وهو يصلي صلاة المغرب أو نافلة المغرب أو صلاة العشاء أو نافلتها وتمتم بين شفتيه الشريفتين الطاهرتين بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات بالمغفرة وبالرحمة وبقضاء الحاجة، أن يشملنا بدعائه، أن يشملنا ببركة كلماته العظيمة، وهذا الشمول إنما يتأتى إذا نحن كنا أهلًا لهذه البركة، وأهلًا لهذه الرحمة، وأهلًا لهذا العطاء، وإنما نكون أهلًا لذلك إذا صمّمنا على تطبيق القيم الإسلامية، فنكون أهلًا لأن نُشْمَل بدعائه وبركته .

ونحن قد نطمح إلى ما هو أكثر من ذلك، كما كان يؤكد عليه مراجع الشيعة في العراق وفي إيران، بأننا نريد من هذه الاحتفالات فرحًا وحزنًا أن يباركها بمروره «صلوات الله وسلامه عليه»، أن يمرها بخطواته القدسية، ومباركتها بخطواته لن تكون ممكنة والجو فيه بعض المحرمات، والمكان فيه بعض المفاسد. إذن، لكي يكون المكان مباركًا بخطواته القدسية الشريفة فلا بد من تنزيه أنفسنا، احتفالاتنا، وأماكننا، شعاراتنا، وطريقة ارتباطنا، وطريقة اجتماعنا، كلها عن كل مفسدة، وعن كل محذور شرعي، حتى نقول هذا الدعاء ونحن صادقون، نحن نقول هذا الدعاء ونعني ما نقول، حتى نقول هذا الدعاء ونحن لا نكذب على أنفسنا، ولا نغالط ضميرنا.

كلنا ندعو بهذا الدعاء في هذا اليوم المبارك والشهر المبارك؛ استعدادًا للاحتفال المبارك في تلك الليلة المباركة. اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كل ساعة، وليًا وحافظًا، وقائدًا وناصرًا، ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتّعه فيها طويلًا، وهب لنا رأفته ورحمته، ودعاءه وخيره، بحقه وبحق آبائه الطاهرين، صلواتك عليهم أجمعين.