الدرس 140

الطولية بين العلوم الإجمالية

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

التنبيه الجديد:

تارة يكون للمعلوم بالاجمال اثر مشترك فقط، وأخرى: يكون باحد طرفيه اثر زائد.

فمثلا: اذا علم اجمالا إما بوجوب الظهر او الجمعة، او بكون هذا اللحم ميتة او ذاك فان العلم الاجمالي له اثر مشترك وهو وجوب الاداء او حرمتها.

وتارة يكون لأحد طرفيه اثر زائد وقد مثل المحقق النائيني «قده»: بما اذا علم اجمالا إما بنجاسة الماء المطلق او نجاسة الماء المضاف. فان هنا: اثرا مشتركا وهو حرمة الشرب ولأحد الطرفين وهو الماء المطلق اثر زائد الا وهو جواز الوضوء به او عدم جوازه، اذ على فرض نجاسته لا يصح الوضوء به.

فافاد المحقق النائيني: ان العلم الاجمالي هنا: منجز للأثر المشترك، وهو حرمة الشرب، واما الأثر الزائد وهو جواز الوضوء وهو حرمة الوضوء فليس متنجزا للعلم الاجمالي بل مقتضى اصالة الطهارة في طرف الماء المطلق صحة الوضوء به. فالعلم الاجمالي ينجز الاثر المشترك دون الاثر الزائد الخاص باحد الظرفين.

وهذا التنبيه فيه عدة مطالب:

المطلب الاول: ان سيدنا «قده»: أشكل على شيخه المحقق النائيني بان الاثر الزائد وهو صحت الوضوء بالماء المطلق انما يتم فعليته اذا نقحنا موضوعه بالاصل اي اذا جرت اصالة الطهارة في الماء المطلق تنقح موضوء صحة الوضوء به، والمفروض ان اصالة الطهارة قد سقطت بالمعارضة اي نتيجة العلم الاجمالي بنجاسة الماء المطلق او المضاف تعارضت اصالة الطهارة في الطرفين فسقطت. والمؤّمن للاثر المشترك وهو «حرمة الشرب» هو نفسه المؤمن للاثر الزائد وهو «اصالة الطهارة»، فان اصالة الطهارة هي التي يتوخى منها التأمين بلحاظ الاثر المشترك وهي مسألة الشرب، والتأمين بلحاظ الأثر الزائد وهو مسألة جواز الوضوء، فاذا سقطت اصالة الطهارة بلا معارضة فلا مؤمن من جهة الاثر الزائد الا وهو جواز الشرب، ولا يوجد في المقام اصل اخر، فان اصالة الطهارة واحدة، لا أن اصالة الطهارة تجري مرتين مرة بلحاظ الاثر المشترك وتارة بلحاظ الاثر الزائد.

ولكن السيد الشهيد «قده» دفاعا عن المحقق النائيني: افاد امرين:

الامر الاول: ان ظاهر كلام سيدنا الخوئي يعترف ان هذا الاثر الزائد لم يدخل في منجزية العلم الاجمالي وإنما لم يترتب لأنه لا يوجد أصل منقح له، فلو كان هناك اصل منقح له لترتب، فهذا يعني ان المشكلة المانعة من ترتب الاثر الزائد وهو جواز الوضوء ليس العلم الاجمالي، وأنما المشكلة المانعة ان لا يوجد اصل منقح لموضوعه، بحيث لو وجدنا اصلا منقحا لموضوعه لترتب هذا الاثر.

الامر الثاني: لا يخلو المطلب اما ان يكون هذا الاثر الزائد وهو جواز الوضوء بهذا الماء داخلا في دائرة العلم الاجمالي المنجز او غير داخل. فإن كان داخلا في دائرة العلم الاجمالي المنجز لا يمكن التأمين منه لا بأصل مشترك كأصالة الطهارة، ولا باصل مخصوص به. اذ على كل حال ما دام هناك علم اجمالي منجز فلا يمكن التأمين بلحاظ جواز الوضوء لا باصل مشترك ولا بأصل مختص.

واما اذا قال: بان العلم الاجمالي غير منجز بهذا الاثر اي ان هذا الاثر ليس داخلا تحت دائرة العلم الاجمالي، اذن بالنتيجة: لا مانع من تنقيح موضوعه بنفس الاصل المشترك وهو اصالة الطهارة، اذا نقول: بان اصالة الطهارة له اثران: أثر: وهو جواز الشرب، وبلحاظ هذا الاثر لا يمكن التأمين للعلم الاجمالي المنجز. واثر اخر: وهو جواز الوضوء وهو بلحاظ هذا الاثر يمكن التأمين منه اذ لا يوجد دعلم اجمالي منجز، فهذا الاثر الزائد إما أن يدخل في دائرة العلم الاجمالي فلا يمكن التأمين عنه بأي أصل.

اما ان لا يدخل فيمكن التأمين عنه بنفس الاصل الموجود وهو أصالة الطهارة بلا حاجة لأصل آخر ولا لجريان آخر، بل أصالة الطهارة تنقح هذا الاثر دون ذاك لوجود علم اجمالي منجز بلحاظ ذاك الاثر دون هذا الاثر.

ولكن ما افاده «قده»: تحميل لعبارة السيد الخوئي اكثر مما هي عليه، والوجه في ذلك:

ان سيدنا «قده» يدعي: ان هذا الاثر الزائد داخل ضمن دائرة العلم الاجمالي وليس خارجا عنه، فمدعاه ان العلم بالموضوع علم باثاره. اي اذا علم اجمالا اما بنجاسة الماء المطلق او نجاسة الماء المضاف فهو علم اجمالي بآثار النجاسة سواء كانت في الماء المضاف او الماء المطلق، فكما يعلم اجمالا بحرمة شرب المضاف يعلم اجمالا بحرمة شرب المطلق او عدم جواز العلم به، فالعلم بالموضوع علم بآثار الموضوع، والنتيجة: انه يعلم اما يحرم شرب المضاف او يحرم شرب المطلق او لا يجوز الوضوء به فهو علم بجيمع الآثار على نحو العلم الاجمالي، ومقتضى وجود هذا العلم الاجمالي تعارض الاصول بلحاظ جميع الآثار ايضا، اي ان أصالة الطهارة في المضاف للتأمين من حرمة الشرب معارضة لأصالة الطهارة في المطلق للتأمين من كلا أثريه وههما «حرمة الشرب وعدم جواز الوضوء به»، ومقتضى ذلك: - اي مقتضى عدم تعارض الاصول من كلا الطرفين -: انه لا يتم كلام المحقق النائيني من أن أصالة الطهارة بلحاظ الاثر المشترك وهو حرمة الشرب غير جارية، وبلحاظ الاثر الزائد وهو جواز الوضوء جارية، لا معنى لذلك، فان الجميع داخل ضمن دائرة العلم الاجمالي ومقتضى ذلك تعارض الاصول في الاطراف ومقتضى تعارض الاصول في الاطراف: ان لا يوجد اصل منقح لموضوع الاثر الزائد كي يقال بان العلم الاجمالي غير منجز بلحاظه.

نعم، لو وجد أثر مختص او خطاب مختص بلحاظ الاثر الزائد فانه يخرج عن منجزية العلم الاجمالي حتى على مبنى السيد الشهيد «قده»، كما سياتي بيانه في المطلب الرابع، فانه يعترف انه لو كان هناك اصل مختص او خطاب مختص فانه مخرج لهذا الاثر الزائد عن دائرة منجزية العلم الاجمالي.

فمفاد كلام سيدنا ليس اكثر من هذا المقدار لا انه يريد ان يقول: بان الاثر الزائد خارج عن دائرة العلم الاجمالي ومع ذلك لا يترتب لعدم وجود اصل منقح لموضوعه.

المطلب الثاني: ان السيد الشهيد «قده» قسّم هذا التنبيه الى قسمين:

القسم الاول: ما اذا كانت الآثار لموضوع واحد. القسم الثاني: ما اذا كانت الآثار لموضوعين.

القسم الاول: اذا علم المكلف انه: اما فاته خمسة ايام من شهر رمضان او انه نذر صوم عشرة ايام؟ ففي مثل هذا المورد حيث ان الموضوع واحد وهو موضوع ما يجب عليه من الصوم، فهو اما فاته خمسة ايام من شهر رمضان فيجب قضائها، او نذر صوم عشرة ايام فيجب ادائها، ففي مثل هذا الفرض وهو «ما اذا كان موضوع العلم الاجمالي واحدا وهو الصوم عليه» يكون من باب الاقل والاكثر الاستقلاليين، لانه بالنتيجة: يعلم بوجوب صوم خمسة ايام على كل حال، اما قضاء او نذرا ويشك في وجوب خمسة ايام اخرى فيجري البراءة عن وجوبها، فالعلم الاجمالي بالسبب «وهو النذر او القضاء» ينحل بلحاظ المسبب وهو ما دخل في عهدته الى الاقل والاكثر الاسقلاليين فتجري البراءة عن وجوب الاكثر بلا مانع.

القسم الثاني: «وهو محل الكلام»: وهو ما اذا ما كان متعلق الاجمالي موضوعين، وهو ما مثله له المحقق النائيني: من انه يعلم اما بنجاسة الماء المطلق فيترتب اثران؛ او نجاسة الماء المضاف فيترتب أثر واحد الا وهو حرمة الشرب. ففي مثل هذا المورد افاد السيد الشهيد ايضا: قد يقال ايضا بالانحلال كما قيل في القسم الاول. ببيان:

انه يقال: بالنتيجة: نحن نعلم بخطاب ونجهل خطابا اخر، اي ان هذا المعلوم بالاجمالي ينحل بخطاب متيقن وخطاب مشكوك، فالخطاب المتيقن حرمة الشرب، يحرم عليك شرب احدهما. والخطاب المشكوك: هو: هل يجوز الوضوء بالماء المطلق ام لا يجوز؟، بالنتيجة: انه على من يريد الصلاة او الطواف او مس المصحف ان يتوضأ بالماء الطاهر فنشك في أن هذا الخطاب متنقح عندنا ام لا؟ فنجري البراءة عن الخطاب الزائد. اذن بالنتيجة: يمكن دعوى ان المسألة من باب الاقل والاكثر الاستقلاليين.

ولكن يجاب عنه: بان عندنا علمين اجماليين، فهذا العلم الاجمالي بالموضوع اما نجاسة المطلق او المضاف ينحل الى علمين اجماليين في عرض واحد، وهو العلم إما بحرمة شرب المطلق او حرمة شرب المضاف، والعلم إما بعدم جواز الوضوء بالمطلق او حرمة شرب المضاف، فهناك علمان اجماليان ولا موجب لان ينحل احد العلمين بالاخر وكلاهما في عرض واحد، فمقتضى منجزية العلم الاجمالي الثاني وهو العلم الاجمالي اما بعدم جواز الوضوء بالمطلق او حرمة شرب المضاف: تعارض الاصلين بلحاظه، اي اصالة الطهارة بالمطلق تعارض اصالة الطهارة في المضاف بلحاظ هذا الاثر كما يتعارضان بلحاظ ذلك الاثر ولا موجب لدعوى الانحلال.

المطلب الثالث: ان سيدنا «قده»: مثّل للمقام بمثال آخر، قال: إنما يكون العلم الاجمالي في المقام منحلا لأقل واكثر استقاليين ما لم يكن هناك اصل حاكم يقتضي التنجيز.

بيان ذلك: اذا علم اجمالا بان ثوبه تنجس اما بالدم فيجب غسله مرة واحدة، او بالبول: فيجب غسله مرتين، فهذا من العلم الاجمالي الذي يكون لأحد طرفيه اثر زائد اذ على تقدير تنجسه بالبول يجب غسله مرتين. إلا ان هذا المثال مع غمض النظر عن الاصل الحاكم يكون من موارد الأقل والاكثر الاستقلاليين لانه بالنتيجة يعلم بغسل وجوب هذا الثوب مرة واحدة على كل حال، وإنما يشك في وجوب غسله مرة ثانية فتجري البراءة عن الوجوب الثاني، اذن: فالعلم الاجمالي بالسبب منحل بلحاظ المسبب وهو العلم بوجوب الغسل مرة او مرتين فتجري عن وجوب الغسل مرة زائدة. لكن هناك اصلا حاكما الا وهو استصحاب عدم حصول الطهارة، اي: اذا غسل الثوب مرة واحدة، وأراد ان يصلي به او اراد ان يدخل المسجد به، فهو يشك في حصول الطهارة به بالغسل مرة واحدة فمقتضى استصحاب النجاسة: عدم جدوى جريان البراءة عن وجوب غسله مرة أخرى، اي ان استصحاب النجاسة حاكم على جريان أصالة البراءة عن وجوب غسله مرة اخرى.

وهنا السيد الشهيد «قده»: اشكل عليه:

اولا: ليس البحث في حكم تكليفي حتى تجري البراءة، فإن البحث عن حكم وضعي، وهو ان طهارة الثوب هل تتوقف على غسلتين؟ ام يكفي غسلة واحدة؟ وهذا حكم وضعي وليس حكما تكليفيا كي يكون مجرى البراءة في نفسه وهو البراءة عن وجوب غسلة اخرى.

ثانيا: دعوى ان استصحاب النجاسة حاكم على جريان البراءة عن وجوب غسله مرة أخرى ممنوع؛ لان هذا الاصل الحاكم اصل حكمي وهذا الاصل الحكمي مدفوع بأصل موضوعي آخر وهو استصحاب عدم ملاقاة الثوب للبول، لانه ان لاقى البول لزم تطهيره مرتين ونحن نشك انه لاقى البول ام لا؟ نستصحب عدم ملاقاته للبول، ولا يعارض باستصحاب عدم ملاقاته للدم، لاننا لو أردنا باستصحاب عدم ملاقاته للدم اثبات ملاقاته للبول فهو اصل مثبت. وان اردنا باستصحاب عدم ملاقاته للدم هو نفي وجوب غسله مرة واحدة فالمفروض ان وجوب غسله مرة واحدة امر معلوم تفصيلا فلا معنى لنفيه. اذن: استصحاب عدم ملاقاته للدم لا يجري. ويجري استصحاب عدم ملاقاته للبول، وهو اصل سببي رافع لموضوع استصحاب النجاسة.

فهل ان اشكال السيد الصدر وارد او لا؟. هذا ما عليكم الاجابة عنه غدا تأتون به.

والحمد لله رب العالمين