1441-01-04 | القانون الجزائي في القرآن وَسنة النبي محمد (ص)

شبكة المنير

ابتدأ سماحة السيد منير «حفظه الله» بالآية المباركة «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، وأشار أن سبب نزول الآية في بني ضبة أو بني سليم أو العرنيين إذ أحاط بهم وباء عند قدومهم للمدينة المنورة فأخرجهم إلى خارج المدينة إلى أن يتعافوا وكانت المنطقة قريبة من بيت المال والزكوات الذي استغله أصحاب الحجر الصحي من ناحية المال والألبان واللحوم، وما أن برئوا حتى قتلوا عمال الزكاة وسرقوا بيت المال وهربوا. هذا فساد؛ قتل، سرقة، وهروب. هذا اعتداء على الأمة والمجتمع وهناك حقوق خاصة للمغدورين وحقوق عامة. فنزل بهم العقاب حسب حجم المفسدة، فمنهم من قتل، ومنهم من قُطِع،... الخ.

ناقش سماحة السيد محورين:

1» فلسفة قانون العقوبات في القانون الوضعي

2» فلسفة قانون العقوبات في القانون الإسلامي

القانون الوضعي

أ» لا يوجد مجتمع بدون نظام، ويعد قانون العقوبات أقدم الأنظمة التي مرَت على البشرية، ولكن ما فلسفة وجود نظام العقوبات؟

هناك خمس نظريات وضعية:

1» نظرية النفع الاجتماعي التي نظّر لها روسو في عقد حماية الحقوق والحريات وأن نقض العقد يلزم عقوبة الجاني لما في ذلك التطاول على الحريات والحقوق العامة. وذكر سماحته مثال أن الڨيزا عبارة عن عقد بين المسافر والبلد المضيف. البلد تقدم حماية للمسافر، وعلى المسافر الالتزام بهذا العهد وعدم الإخلال به كشرط رسمي شرّع له سماحة السيد السيستاني «حفظه الله».

2» نظرية الردع، وهي نظرية تقليدية تناولها بوكاريا الإيطالي وبونتام الإنگليزي حيث نظّرا أن الردع واجب بوجود عقد أو عدم وجوده ولابد للمجرم أن ينال عقابه، وذلك حرصا على النفع الاجتماعي وتعويض الخسارة، مع وضع قانون لكل عقوبة يلتزم بها القضاة.

3» ألف الفيلسوف الألماني كانت كتابين في نقد العقل النظري والعملي إذ نص أنه حتى بدون وجود مجتمع، لابد من معاقبة المجرم تحقيقا للعدالة.

4» نظرية المدرسة الوضعية التي لا تعاقب المجرم ولكنها تتصدى لأسباب الجريمة، وذلك من خلال إلغاء العقوبة مع خضوع الجاني للرعاية والتأهيل.

5» نظرية المدرسة التوقيفية التي تجمع بين النظريات الأربع الآنفة الذكر وذلك بالعقاب والتأهيل وذلك بسبب وجود حقوق خاصة للمجرم وحقوق عامة للمجتمع.

فلسفة نظام العقوبات في القانون الإسلامي

ذكر سماحته أن أول من ألّف في نظام العقوبات بإطار إسلام هو ابن القيم، ثم عرج سماحته على ثلاث منطلقات:

1» أهداف أولية وثانوية في العقاب

2» الرحمة

3» التشريع

1» الأهداف الأولية استقرار الحياة الاجتماعية وحفظ النفوس وتطبيق كرامة بني أدم. وقال سماحته إن العدالة طريق للاستقرار. وإن هناك تزاحم بين مهم وأهم. الفرد مهم، لكن المجتمع أهم. إذا تسبب الفرد في ضرر المجتمع، فعقابه قد يضره ولكنه ينفع المجتمع بصفة عامة. ومن الأهداف الثانوية الحفاظ على أسرة الجاني ومجتمعه من الانتقام.

2» رحمة الرسول لها عدة أوجه، ومن ضمنها تطبيق القانون رحمة وعدلا. قارن سماحة السيد بين الرأسمالية التي تريد أن تبني حضارة تؤدي إلى سعادة الإنسان، ولكنها تخلو من بناء الأمن النفسي للفرد وتنزع من كينونته الأخوة، بينما كان هذا من الأهداف الرئيسية للإسلام من بناء حضارة يصاحبها أمان نفسي. وهذا يقارب الهدف والوسيلة. الهدف واحد؛ استعمار الأرض. ولكن النظام الإسلامي يحرص عل حفظ وصون الوسيلة من الأضرار النفسية والجسدية بالتكافل والتآخي والدفء الذي يحصل عليه مما يصب في الأمن النفسي. ذكر سماحته أن للجريمة ثلاثة أخطار: 1» المادة، 2» النفس، 3» هدم مبدأ الأخوة. والنظام الجزائي أتى للحفاظ على هذه الأمور الثلاثة المهمة، وفي ذلك رحمة لا نقمة. وشبّه سماحته بتر العضو الفاسد في الجسد للمحافظة على الجسد كله. نعم، بتر العضو ليس بشارة، ولكن البتر يبقى أفضل من موت جميع الجسد.

3» التشريع الإسلامي مرن في العقوبات ولا يلزم بالقصاص في حين تنازل ولي الدم. القصاص عدالة، والتنازل عفو؛ وكلاهما أمران حسنان. كما أن الإسلام لا يقيم الحد على القتل الخطأ أو القتل الذي لا يكون عن سبق إصرار وترصد ولكن قد يكون بسبب لوثة أو مرض.

أشار سماحته إلى نقطة مهمة في تعريف الفساد في الأرض وذلك لأن الفساد فيها يقتل مهد الحياة، وهذا مضاد لحكمة الله ولحقوق جميع البشر على وجه الأرض والأرض نفسها.

سار النبي محمد وأهل بيته على نهج الإصلاح، وإن اختلفت الظروف والسبل لأن الهدف واحد؛ الإصلاح لحقن الدماء وتخفيف نسبة الفساد. إذا تطلب الأمر حربا لفاسدين، أقبلوا عليها، وإذا تطلب الأمر صلحا أقدموا عليه. أهداف أهل البيت وعلى رأسهم رسول الله محاربة الفساد وترجيح المصلحة العامة، ولابد أن تكون هناك مواجهة مستمرة بين الصلاح والفساد، بين الحق والباطل، تحدد الظروف نوع المواجهة. وطالما حرص أهل البيت قدر المستطاع على حقن الدماء؛ خصوصا تلك البريئة إذ لا يمكن التنازل عن مجرم يروِّع الأبرياء ويقتلهم على الهوية ويبقر بطون نسائهم ظلما وعدوانا، وهذا أمر تحاربه جميع الحضارات. عالميا، لا تزال ألمانيا تعوض اليهود عما فعله هتلر بهم وذلك من خلال التجويع والقتل والتشريد وإقامة التجارب على البشر؛ طبعا، هذا حسب ما نقله لنا المنتصر، والله أعلم بالحقيقة.

سلام الله على الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.