المُصْطفى هو الفَاتِحُ والخَاتِم

سماحة السيد منير الخباز الشيخ أمين أبوتاكي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أفاد سماحة اﻷستاذ العلامة الجليل الحجة التقي السيد منير الخباز القطيفي دامت تأييداته وعطاؤه.

في ختام بحثيه في خارج اﻷصول والفقه - درس رقم 25 - ضحى يوم الأربعاء، لجمع من الفضلاء وفقهم الله، هذه الكلمة القيمة بمناسبة استقبال ذكرى المولد النبوي الشريف، وتحديدا بعد ختام بحثه الفقهي العلمي بهذه النتيجة:

أن من ذكر السجدتين المنسيتين بعد التسليم، وقبل فعل المنافي، فصلاته صحيحة، يعود فيتدارك ولا شيء عليه.. ثم أفاد دامت بركاته هذه الكلمة القيمة والمعاني السامية: ”السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاته“.

إن هذا الذكر تسليمٌ أُمر به في عدة نصوص [معصومية] وهو شرفٌ وثواب وفضيلة للمُسلِّم، وإن لم يكن المُسلَّم عليه وهو الرسول مُحتاجاً إلى هذا التسليم.

وقد اقترن هذا الذكر بفقرة عظيمة من بين الأذكار التي وردت في حق النبي المصطفى ، وهي ماورد في عدة نصوص أنه الفاتح والخاتم [1] .

1 - ففي زيارة الجامعة الكبيرة عن الإمام علي الهادي صلوات الله وسلامه عليه: ”مَوَالِيَّ لا أُحْصِي ثَنَاءَكُمْ وَلا أَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ وَأَنْتُمْ نُورُ الْأَخْيَارِ وَهُدَاةُ الْأَبْرَارِ وَحُجَجُ الْجَبَّارِ، بِكُمْ فَتَحَ اللَّهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ“. من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق ج 2 ص 615.

2 - وفي رواية أخرى: يلتفت الإمام الحسين إلى الوليد ابن عتبة والي المدينة فيقول: ”إنّا أهلُ بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة“. اللهوف في قتلى الطفوف - السيد ابن طاووس ص 17.

3 - وفي زيارة الرسول في حرم أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: ”ثمّ امش حتّى تقف على الباب في الصّحن وقل: اَلسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، أَمِينِ اللَّهِ عَلَى وَحْيِهِ، وَعَزَائِمِ أَمْرِهِ، اَلْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، وَالْفَاتِحِ لِمَا اسْتُقْبِلَ، وَالْمُهَيْمِنِ عَلَى ذلِكَ كُلِّهِ [2]  وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَى صَاحِبِ السَّكِينَةِ، اَلسَّلامُ عَلَى الْمَدْفُونِ بِالْمَدِينَةِ، اَلسَّلامُ عَلَى الْمَنْصُورِ الْمُؤَيَّدِ، اَلسَّلامُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه“. المزار للشهيد الأول ص 37.

وهذا عند التأمل لعله يشير إلى ثلاثة معاني في حقه :

المعنى الأول:

أن المنظور في ذلك إلى الفتح والختم التكوينيين، فبنوره افتُتح الوجود وبنوره يُطوى الوجود ويُختصر في نوره ، فهو الفاتح وهو الخاتم، ولعل هذا هو المنصرف إليه من زيارة الجامعة الكبيرة لورودها في سياق الحديث عن الأمور التكوينية. ”بِكُمْ فَتَحَ اللَّهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ وَيَكْشِفُ الضُّرَّ وَعِنْدَكُمْ مَا نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ وَهَبَطَتْ بِهِ مَلائِكَتُهُ..“

المعنى الثاني:

أن المنظور في الفتح والختم لعالم التشريع فجميع التشريعات التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله مُنذ يوم [نبينا] آدم على نبينا وآله و إلى يوم النبي الخاتم [قد] خُتمت بالنبي ، فلوح التشريع الذي صدع به النبي خاتِم لما سبق من تشريعات وقوانين أُنزلت من السماء.

وهو فاتح لما يُستقبل حيث إن جميع التشريعات التي صدرت عن الأئمة المعصومين وجميع التشريعات التي تصدر عن الإمام القائم [المنتظر المهدي] عجل الله فرجه الشريف - حتى يُرى أن الدِّين في عهده دينٌ جديد كما في الروايات - مفتاحها رسول الله فإن ما صدر منه من سنن وقواعد هي مفتاح جميع التشريعات المُستقبلة.

بل إن هذا التعبير في الزيارة وهو قوله : ”وَالْمُهَيْمِنِ عَلَى ذلِكَ كُلِّهِ“ يفيد أن له الولاية التشريعية على ما سبق وعلى ما لحق وأن ذلك مفوض إليه صلوات الله وسلامه عليه وآله الطاهرين.

المعنى الثالث:

أن المنظور في الفتح والختم إلى الإتصال بعالم الغيب، فلا درجة من الإتصال بعالم الغيب إلا وثبتت له .

ففي القرآن الكريم في الحديث عن كلام الله مع المخلوق قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: 51].

يشير إلى درجات من الإتصال بعالم الغيب، وهذه الدرجات كلها ثبتت للنبي محمد فهو خاتِم لما سبق بمعنى أن أعلى درجة من درجات الإتصال بالله قد حصل عليها، وجميع ما دونها قد توفَّر عليه.

وهو الفاتح لأيِّ اتصال يأتي ومن أمثلة ذلك ما يَرد على قلوب الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من علوم شهودية، كما هو ظاهر الروايات الشريفة التي ذكرت أن لديهم علما لَدُنياً إلهامياً من قبل الله تبارك وتعالى [3]  بشكل مباشر، فكل ما أُلهم به الأئمة والأوصياء من بعده علم يعود إليه وإلى باب مدينة العلم وهو أمير المؤمنين علي ، ثم ينفتح عليهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وقد ورد هذا في عدة من الروايات أنه لا يرد عليهم علم حتى يرد على رسول الله ويخرج من أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ثم يصل إليهم [4] .

لذلك فهو خاتِم لما سبق وفاتح لما استقبل.

نسألُ الله تبارك وتعالى أن يَرزُقنا في الدُّنيا زيارته وأن يرزُقنا في الآخرة قُربهُ وشفاعته، وأن يجعلنا مِن المُوالين له ولذريته ومِن المُتبرِّئين من أعدائهِ وأعداء ذريته.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

[1]  أقول: دلَّت روايات كثيرة على ذلك نذكر منها - مع حذف السند والمصدر وإبقاء الترقيم - ما ذكر في كتاب: أهل البيت في الكتاب والسنة - الشيخ محمد الريشهري - الصفحة 167 - 168:

293 - الإمام علي : قال لي رسول الله :

يا علي، بكم يفتح هذا الأمر، وبكم يختم، عليكم بالصبر، فإن العاقبة للمتقين.

294 - عنه : بنا فتح الله الاسلام، وبنا يختمه.

295 - عنه : بنا يفتح الله، وبنا يختم الله.

296 - عنه : يا أيها الناس، إنا أهل بيت بنا ميَّز الله الكذب، وبنا يفرج الله الزمان الكلِب، وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم، وبنا يفتح الله، وبنا يختم الله.

297 - الإمام الباقر : أيها الناس، أين تذهبون وأين يراد بكم؟ بنا هدى الله أولكم، وبنا يختم آخركم.

298 - الإمام الرضا : بنا فتح الله الدين، وبنا يختمه.

[2]  أقول: وردت هذه العبارة بعينها في زيارة يوم الغدير عن الإمام الهادي ، وكذلك في زيارة الإمام الصادق لجده الحسين عليهما السلام.

وهذه فائدة ننقلها «الخاتم لما سبق» يعني الأنبياء، و«الفاتح لما استقبل» يعني الأوصياء. وقوله: «المُهَيْمِنِ عَلى ذلك كلِّه» أي الرَّقيب الشّاهد عليهم جميعاً. «الوافي»

وقال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله : «لما سبق» أي لما سبق من المعارف، «ولما استقبل» أي لما استقبل من الحكم والحقائق والمعارف، وليس معناه: الفاتح لمن يأتي بعدَك؛ لاُنّ كلمة «ما» الموصولة جاءَتْ لغير ذوي العقول.

[3]  ربما يدل عليه هذه الرواية عن الإمام الباقر : إنا أهل بيت: من علم الله علمنا، ومن حكمه أخذنا، وقول صادق سمعنا، فإن تتبعونا تهتدوا.

مختصر بصائر الدرجات: 63، بصائر الدرجات: 514 / 34 كلاهما عن جابر بن يزيد.

«4» ويدل عليه مجموع روايات في كتاب: أهل البيت في الكتاب والسنة - الشيخ محمد الريشهري - الصفحة 235 - 236:

526 - أبو بصير: سمعت أبا عبد الله يقول: لولا أنا نزداد لأنفدنا، قلت: جعلت فداك، تزدادون شيئا ليس عند رسول الله ؟ قال: إنه إذا كان ذلك أتي النبي ، فأخبر ثم إلى علي ، ثم إلى واحد بعد واحد حتى ينتهي إلى صاحب هذا الأمر.

527 - عبد الله بن بكير: قلت لأبي عبد الله : أخبرني أبو بصير أنه سمعك تقول: لولا أنا نزاد لأنفدنا، قال: نعم، قلت: تزدادون شيئا ليس عند رسول الله ؟ فقال: لا، إذا كان ذلك كان إلى رسول الله وحياً وإلينا حديثاً.

528 - الإمام الصادق : ليس يخرج شئ من عند الله عز وجل حتى يبدأ برسول الله ، ثم بأمير المؤمنين ، ثم بواحد بعد واحد لكي لا يكون آخرنا أعلم من أولنا.

529 - سليمان الديلمي: سألت أبا عبد الله فقلت له: سمعتك وأنت تقول غير مرة: لولا أنا نزداد لأنفدنا، فقال: أما الحلال والحرام فقد أنزل الله على نبيه بكماله، وما يُزاد الإمام في حلال ولا حرام. قلت له: فما هذه الزيادة؟ فقال: في سائر الأشياء سوى الحلال والحرام. قلت: تزدادون شيئا يخفى على رسول الله ولا يعلمه؟ فقال: لا، إنما ظ يخرج العلم من عند الله فيأتي به الملك رسول الله فيقول: يا محمد، ربك يأمرك بكذا وكذا، فيقول: انطلق به إلى علي، فيأتي به عليا فيقول: انطلق به إلى الحسن، فلا يزال هكذا ينطلق به إلى واحد بعد واحد، حتى يخرج إلينا، ومحال أن يعلم الإمام شيئا لم يعلمه رسول الله والإمام من قبله.