خط المرجعية صمام الأمان

بسم الله والصلاة على المصطفى وآله الطاهرين، وبعد؛ فإن التشيع مدرسة فكرية ذات دعائم وركائز علمية، وقد وصلت إلينا هذه المدرسة ببركة خط المرجعية، حيث قامت المرجعية عبر الأجيال منذ زمن الغيبة الصغرى بعدة أدوار في سبيل إيصال رسالة التشيع لجميع الأمم في جميع الأزمنة.

الدور الأول: جمع الأحاديث من الأصول الأربعمائة وتهذيبها وتبويبها بما يسهل الاستفادة منها، وقد نهض بهذا الدور الكليني والصدوق والطوسي «قدس سرهم» في الكتب الأربعة.

الدور الثاني: وضع الأسس العقلية لتشييد وتأصيل المعارف العقائدية الخاصة بالمذهب ليكون للمذهب بعُده الفلسفي الذي يتميز به، وقد مثّل هذا الدور المفيد والمرتضى والمحقق الطوسي «قدس سرهم».

الدور الثالث: إقامة الحجج على صحة معالم المذهب، وقد قام بهذا الدور العلامة الحلي والسيوري وغيرهم «قدس سرهم».

الدور الرابع: هو وضع دعائم علوم القرآن وتفسيره بما ينسجم مع تراث أهل البيت ، وقد تولى ذلك الطوسي «قدس سره» في التبيان، والطبرسي «قدس سره» في مجمع البيان وغيرهم.

الدور الخامس: هو حفظ المنظومة الفقهية الواردة عن الأئمة من كتاب الطهارة إلى كتاب الديات كما صنع الشيخ الطوسي في المبسوط والحلي في السرائر ومن بعدهم حذا حذوهم.

الدور السادس: هو تأسيس الحوزة العلمية، وهي جامعة يدرس فيها علوم أهل البيت من الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وما تتوقف عليه تلك العلوم من علوم أخرى، كعلم الفلسفة والرجال والأصول والنحو والمنطق والبلاغة، وقد نهضت المرجعية بزعامة الحوزة العلمية وتطوير مناهجها وتجديد أدوات التفكير في علوم أهل البيت ، وقد بدأ هذا الدور منذ زمان الصادقين عليهما السلام في المدينة، ثم انتقلت الحوزة إلى قم المقدسة زمان العسكري ، وتابع الدور المفيد «قدس سره» في بغداد، ونقل الطوسي «قدس سره» الحوزة إلى النجف الأشرف، وكل تلك الجهود من أجل أن يبقى فكر الأئمة متجدداً مواكباً لمسيرة المعرفة والحضارة الإنسانية.

الدور السابع: هو الزعامة السياسية للتشيع بما يجعله مدرسة محترمة في الساحة الإسلامية، ورقما بارزاً ينظر إليه بعين الإجلال، وهذا ما نهض به المفيد والمرتضى والعلامة الحلي ومن انتهج نهجهم من المتأخرين كالسيد محسن الحكيم والإمام الخميني والسيد السيستاني وغيرهم «قدس سرهم».

وأمام هذا العرض التاريخي لمسيرة المرجعية ودورها في حفظ التشيع فكراً وفقهاً وسياسة يتبين لنا أن خط المرجعية - ولا نخص شخصاً بعينه - هو خط حماية المذهب وحفظ ثغوره، وضمان استمراره.

ولذلك ينبغي لنا أن نكون حذرين، ولا نصغي لأي محاولة تصب في فصل الساحة الشيعية عن موقع المرجعية، إما بالدعوة للاستقلال عن مرجعية الحوزة، أو باتهام المراجع باستغلال الحقوق الشرعية لصالح زعاماتهم، أو وصفهم بالتخلف في المجالات الفكرية غير علم الفقه، أو الدعوة إلى تأسيس أحزاب شيعية خارج إطار الخط العلمائي المتصل بالمرجعية؛ فإن كل ذلك يساهم في خدمة أعداء المذهب، ويؤدي إلى فصل الجمهور الشيعي عن قيادته المرجعية على ممر العصور، فخط المرجعية في كل تلك الموارد هو صمام الأمان، وهو الطريق المضمون، وإن تعددت أفراد المرجعية.

والله الهادي للصواب.