النَّبيُّ (ص) قدوتنا في استيعاب الاختلاف

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ[1] .

يختلف المسلمون في كثير من الأمور، ويختلف أبناء الشيعة الإمامية في كثير من الأفكار والكلمات، ولكنَّهم يتَّفقون في أنَّ رسول الله هو المثل الأعلى، والقدوة السامية، في الأخلاق والقيم والمثل، كما وصفه القرآن الكريم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [2] ، وكما قال عنه تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ[3] ، ولا كلام في أنَّ رسول الله قدوتنا في مجال القيم والخلق، ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [4] ، وإنَّما الكلام في كيفيّة تجسيد هذا الخلق الرفيع عمليّاً، وفي كيفيّة التأسي والاقتداء به.

وأوضح مجالات التمسُّك بخلقه مجال الاختلاف، وإلاَّ ففي فرض الاتِّفاق والظُّروف العاديَّة يكون التمسُّك بالأخلاق والقيم المحمدية منه أمراً جارياً على وفق طبيعتنا وسجيتنا لكوننا متفقين، إنَّما تظهر الحاجة الماسَّة لتطبيق أخلاقه في فرض الاختلاف، ففي فرض الاختلاف نحتاج حينئذٍ إلى ما يعصمنا من أن يتحول الاختلاف إلى المعصية، وأن يرتكب كلٌّ منّا المعصية، أو يتجاوز الحدَّ الشرعيَّ، لا لشيءٍ إلاّ لأنَّه يختلف مع الآخر!! فهنا نحتاج إلى ضابطٍ وعاصمٍ في مورد الاختلاف، والضابط العاصم هو ”الاقتداء بخلقه “.

وبالتالي؛ متى ما كان الاختلاف في أمورٍ لا ترجع إلى ضرورةٍ، ولا إلى مُسلَّمٍ، وإنَّما ترجع إلى مسائل نظرية؛ نحتاج هنا إلى توسيط خلقه، والاعتصام بخلقه الرفيع، كما ورد عنه : ”أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً المُوَطَّؤُون أكنافاً، الذين يَأْلفون ويُؤْلفون، وتُوطأ رحالهم[5] ، وورد عنه : ”حُسن الخُلق نصفُ الدِّين[6] ، فليس الدِّين مجرد العبادات، بل الدِّين يتجلّى ويتَّضح ويتجسد في حسن التعامل مع الآخرين، وفي قوله عز وجل: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[7] ، فإذا كنّا مطالبين في دعوة من لا دين له بالأسلوب الحسن - وهو لا دين له -، فكيف بمن هو على ديننا، وفي إطار مذهبنا؟! وكيف بمن هو متَّفقٌ معنا في عقائدنا، غير أنَّه اختلف معنا في رأيٍ أو كلمة أو حرف؟! فإنَّ الأمر يَحْتُمُ حينئذٍ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[8] .

إذن؛ اتِّخاذ الأسلوب الحسن في علاج الاختلاف، وفي النقاش، وفي الحوار حول رأيٍ معين؛ هو الذي يستوعب من يختلف معنا، ويحتضن من يختلف معنا، ويجعلنا معتصمين بالأسوة المحمَّدية للنَّبيِّ .

وما أحوجنا - نحن أبناء محمَّدٍ وعليٍّ وأهل البيت -، وما أحوجنا - نحن الدُّعاة إلى الدِّين -، وما أحوجنا - نحن طلبة الحوزة العلمية -؛ إلى أن نكون مثالاً في الأخلاق والقيم، واستيعاب الآخر واحتضانه، والكلام معه بالأسلوب الحسن مادام منّا وفي إطارنا، وإن اختلف معنا في كلمةٍ، أو رأيٍ، أو حرفٍ. ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا[9] .

والحمد لله ربِّ العالمين،،،

[1]  آل عمران، 159.
[2]  القلم، 4.
[3]  آل عمران، 159.
[4]  الأحزاب، 21.
[5]  الكافي، ج2، ص102.
[6]  الخصال، ص30.
[7]  النحل، 125.
[8]  النحل، 125.
[9]  آل عمران، 103.