نص الشريط
الدرس 36
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 21/1/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2622
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (444)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في أنّ المكلف إذا شكّ في بقاء الوقت كما لو انه لم يصل بعد وشك في ان الوقت باق كي تصحّ منه الصلاة في الوقت ام لا؟ فهل يجري استصحاب بقاء الوقت وبمقتضى هذا الاستصحاب تصحّ الصلاة منه ولا يجب قضاؤها ام لا؟، وذكرنا ان الاشكال على جريان الاستصحاب أنه اصل مثبت، فإن استصحاب بقاء الوقت الى حين الصلاة لا يثبت ان الصلاة في الوقت الا بالملازمة العقلية، وهذا اصل مثبت. وقلنا ان هناك وجوها للاجابة عن هذا الاشكال، مضى الكلام في وجهين.

الوجه الثالث: ما ذكره السيد الصدر في بحث الاستصحاب من انه يمكننا التوصل الى اثر الاستصحاب بضمّ قاعدة الاشتغال، فإن الاثر الذي نريد الوصول اليه بالاستصحاب هو التنجز فإذا شكّ المكلف هل ان النهار باق فيتنجز عليه وجوب الصوم مثلاً ام ان النهار انقضى فلا يتنجز عليه شيء وهل ان النهار باق فيتنجز عليه وجوب الصلاة ام أن النهار قد انقضى، فالغرض والاثر الذي نريد التوصل اليه هو التنجز وهذا الأثر يمكن الوصول اليه بقاعدة الاشتغال. والوجه في ذلك هو التفصيل بين صورتين: إذ تارة يؤخذ الزمان في الواجب على نحو صرف الوجود، وتارة يؤخذ الزمان في الواجب على نحو مطلق الوجود.

فالصورة الاولى: وهي انه يجب على المكلف ان يأتي بصلاة الظهر والعصر في زمن بين الزوال والغروب، فالزمن اخذ في الواجب على نحو صرف الوجود، إذ المهم ان تكون الصلاة مع زمن بين هذين الحدين، ففي هذه الصورة أيضاً يوجد فرضان:

الفرض الأول: ان يكون المكلف شاكا في الامتثال، كما لو تنجز عليه وجوب صلاة الظهر وصار فعليا في حقه ولكنه نام وجلس في وقت يشك في انقضاء الوقت وعدمه، فحينئذٍ ليس شكّه في الوجوب لان الوجوب تنجز عليه في رتبة سابقة وانما شكه في الامتثال أي لو اتى بصلاة الظهر فعلا هل تقع امتثالا للامر بصلاة الظهر في الوقت ام لا؟، وفي هذا الفرض لا نحتاج للاستصحاب في اثبات شيء كي يقال لنا ان جريان الاستصحاب اصل مثبت بل يكفينا قاعدة الاشتغال إذ المفروض ان الشكّ في بقاء الوقت شكّ في القدرة أي هل انني قادر على ان اوقع الصلاة في الوقت ام لا؛ لان الوقت قد انقضى والشك في القدرة مجرى لقاعدة الاشتغال، فإذا ابتلي الانسان بميّت مسلم ولا يدري هل هو قادر على دفنه في الارض أم لا فإذا شك في قدرته وعدمها فإن المرتكز العقلائي لا يعذره بل يقول له عليك المبادرة الى حين العجز، فبما ان الشك في القدرة مجرى لقاعدة الاشتغال فمقتضى ذلك ان يتصدى للاتيان بصلاة الظهرين وان كان شاكا في بقاء الوقت الذي اوجب الشك في قدرته.

واما الفرض الثاني: وهو ان يكون الشك في الوجوب الفعلي لا في الامتثال كما لو بلغ المكلف في وقت الشك، فهنا قد يقال بجريان البراءة أي ان المكلف بالنتيجة شاك في فعلية التكليف والشك فيه مجرى للبراءة. ولكنّ الصحيح ان البراءة محكومة بجريان الاستصحاب.

والسر في ذلك: ان هناك قضية مجعولة وهي اقم الصلاة ان كان نهار وهو لا يدري هل هناك نهار ام لا فيستصحب بقاء النهار وببركة الاستصحاب الموضوعي وهو استصحاب بقاء النهار يتنقح موضوع الوجوب، فإن النهار وان كان قيدا في الواجب إذ لا تصح الصلاة الا إذا وقعت في النهار الا ان قيد الواجب قيد للوجوب إذا كان قيدا غير اختياري، كالوقت فإنه لا يمكن البعث نحو الوقت، وعليه يصير قيد الوقت فوق البعث فكأنّ المولى يقول ان دخل الوقت فصل ولا يقول اوجد الوقت وصل، وعليه مقتضى استصحاب بقاء النهار هو فعلية الوجوب لفعلية قيده ببركة الاستصحاب، فإذا صار وجوب الظهر فعليا في حقه وهو ما زال شاكا في انه لو صلّى مع هذا النهار المستصحب هل تصح صلاته ام لا، فيكون شكه حينئذٍ شكا في الامتثال والشك في الامتثال مجرى لقاعدة الاشتغال.

فالنتيجة ان السيد الشهيد «قده» يقول: ما دام الاثر المطلوب من الاستصحاب هو تنجز المبادرة بأن يبادر فإن هذا الاثر يمكن التوصل اليه بضم قاعدة الاشتغال، ولا نحتاج الى ان نعالج ان جريان الاستصحاب مثبت.

ولكن يلاحظ على ما افاده في هذه الصورة: وهي ما إذا كان الزمن مأخوذا في الواجب على نحو صرف الوجود. انّ الغرض الذي كنّا نريد الوصول اليه بالاستصحاب ليس هو التنجز وانما هو الاجتزاء إذ ما لم يحرز المكلف ان صلاته في الوقت فمقتضى ذلك وجوب القضاء عليه، فالغرض من جريان الاستصحاب اثبات ان الصلاة في الوقت، إذ لو لم يثبت ذلك لكان مقتضى استصحاب عدم الامتثال هو وجوب القضاء عليه والمفروض ان الاستصحاب لا يثبت ذلك، فضمّ قاعدة الاشتغال غاية ما يفيد انه يتنجز عليه المبادرة ولو بادر المكلف واتى بالصلاة فهل وقعت في الوقت بحيث يجتزأ بها فهذا لا يمكن اثباته باستصحاب بقاء الوقت ولا بقاعدة الاشتغال.

والنتيجة: ان اشكال الاعلام على ان استصحاب الوقت في قيود الواجب لا يجري لأنّه اصل مثبت حيث لا يثبت كون الصلاة في الوقت باق.

الصورة الثانية: ما إذا كان الزمن مأخوذا على نحو مطلق الوجود كما في الصوم حيث يجب عليه ان يوقع الصوم في تمام آنات الوقت، فالزمن في الصوم اخذ على نحو مطلق الوجود إذ لا يكفي ايقاع الصوم في زمن من النهار،

وهذه الصورة أيضاً تنقسم الى فرضين: الفرض الاول: ان يقع الشك في بقاء النهار وعدمه محضا، كما لو كان يعلم ان النهار هو عشر ساعات ولكنه يشك هل انقضت ام لا؟ فالشك في البقاء محضاً فهنا في مثل هذه الصورة قال لا نحتاج الى ان نجري الاستصحاب؛ لان الشكّ في القدرة، فإنه إذا شكّ في بقاء النهار وعدمه فإنه يشك في انه قادر على الصوم النهار ام لا لان النهار ان انقضى فهو غير قادر على الصوم النهار وان لم ينقض فهو قادر عليه وقد ذكرنا ان الشك في القدرة مجرى لقاعدة الاشتغال.

الفرض الثاني: ان يشك في النهار نفسه لا في بقائه، كأن لا يدري ان النهار هل هو عشر ساعات ام أحدى عشرة؟. فإن كان النهار هو الاقل فقد انقضى جزما وان كان هو الاكثر فمازال باقيا فالشك في سعة النهار وضيقه لا في بقائه، ففي مثل هذا الفرض افاد «قده» بأن هذا يتصور على نحوين لأنّه هل المطلوب الصوم النهاري او ان المطلوب الصوم في كل آن ان كان نهاراً، فإن كان المطلوب الصوم النهاري أي اخذ في الواجب حيثية الاتصاف بكون الصوم نهاريا فهو لا يدري انه لو اوقع الصوم الان هل سيقع نهاريا ام لا؟، فهذا أيضاً من موارد الشك في القدرة فيجب عليه المبادرة للصوم النهاري الى ان يحرز العجز عن ذلك واما إذا كان المطلوب الصوم في كل آن يكون نهاراً فيمكن اثبات هذا المركب بالاستصحاب حيث ان احد جزئي المركب الصوم في كل ان محرز بالوجدان وكون ذلك الان نهارا باستصحاب بقاء النهار، ومقتضى ذلك صحة صومه.

قال في بحوث في علم الأصول، الجزء السادس، «صفحة279»:

انَّ استصحاب بقاء النهار ينقح موضوع وجوب الصوم لأنَّ النهار إذا أخذ قيداً في الواجب بنحو مطلق الوجود كان معنى ذلك اشتراط وجوب صوم كل آن بكونه نهاراً - سواء كان صوم كل النهار الواجب مركباً استقلالياً أم ارتباطياً - فباستصحاب نهارية الزمن المشكوك ننقح موضوع وجوب صومه هذا إذا لم تأخذ إضافة الصوم إلى نهارية ذلك الآن بنحو التقييد وإلّا بأن كان الواجب صوم ذلك الآن بما هو نهار كان من موارد الشك في القدرة على الامتثال الّذي هو مجرى للاشتغال العقلي فيكون الاستصحاب منقحاً لموضوع الاشتغال كما تقدم في الفرضية الأولى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 35
الدرس 37