نص الشريط
الدرس 35
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 19/1/1436 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2710
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (490)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم ان السيد الشهيد فرّق بين المنجز الطبعي والعقلي، وافاد بأن ما له الاعتبار والاهمية هو العقلي.

ويلاحظ على ذلك: انه لا ريب في وجود الفرق بين المنجز العقلي والطبعي كما لا اشكال في ان المنجز العقلي إذا كان فعلياً فلا حاجة إلى المنجز الطبعي، ولكن هذا لا يلغي الحاجة إلى المنجز الطبعي في فرض عدم فعلية المنجز العقلي، كما لو فرضنا أن العقل ينكر حق الطاعة للمولى في فرض العلم بالتكليف فضلا عن فرض الاحتمال او كان يشك في سعة هذا الحق لفرض الاحتمال مع الشك في البراءة العقلية، ففي مثل هذا المورد لا منجز للتكليف الا المنجز الطبعي وهو قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل، فإن المراد بالمنجز ليس هو خصوص حكم العقل باستحقاق العقوبة على فرض المخالفة، كي يقال بأن قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل لا يثبت استحقاق العقوبة بل المناط والمدار في المنجزية هو الباعثية والزاجرية، سواء حكمنا باستحقاق العقوبة على المخالفة ام لم يحكم العقل بذلك، وما دام المنجز الطبعي كافيا في الباعثية او الزاجرية فلا يمكن الغاء قيمته وتأثيره.

بل ذكرنا في بحث حجية الظن الانسدادي في الاعتقاديات ان أول باعث نحو الفحص عن الخالق هو المنجز الطبعي، والا فالذهن الخالي عن الاعتقاد بوجود خالق فضلا عن الاعتقاد بوجود دين لا باعث له نحو الفحص والبحث الا قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل ولولا ذلك لم يحكم العقل بلزوم الفحص والبعث ما دام الذهن خاليا عن أيّ معتقد.

فإن قلت: بأن هذا المنجز وهو قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل فرع احتماله، فلو قطع المكلف بأن لا عقوبة عليه فلا منجز حينئذٍ الا ان يحكم العقل بحق الطاعة.

قلت: ان هذا المورد النادر وهو ان يقطع المكلف بأن لا ضرر عليه - إذ الضرر ليس المراد به خصوص العقوبة الاخروية، بل الضرر المحتمل في مخالفة التكليف هو سخط المولى الذي قد يتمثل في العقوبة وقد يتمثل في غيرها فلو فرضنا ان المكلف قطع بأنه ليس في مخالفة التكليف أي ضرر، وهو امر نادر - فإن هذا لا يصلح نقضا على اطراد المنجز الطبعي، إذ كما يتصور ذلك يتصور في المنجز العقلي أيضاً فقد مرّ علينا في بحث الاوامر، حقيقة التكليف وان حقيقته على مسالك، من هذه المسالك أنّ مرجع التكاليف الصادرة عن المشرّع إلى الارشاد لا إلى الطلب المولوي، أي إلى ان العمل دخيل في اكتساب الملاك الضروري للعبد، فمرجع قوله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى ان الصوم دخيل في حصول ملاك ضروري للعبد من دون ان يكون هناك طلب مولوي، كي نبحث هل ان لهذا المولى حق الطاعة ام لا، فإن البحث في ثبوت حق الطاعة وعدمه فرع كون الطلب مولويا واما إذا فرضنا ان مرجع الخطابات الشرعية دائما إلى الارشاد إلى الملازمة بين العمل والملاك الضروري فلا محالة حينئذٍ ينتفي حقّ الطاعة بأنتفاء موضوعه.

إذاً فكما ان المنجز الطبعي وهو قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل لا يشمل موردا يقطع المكلف فيه بعدم الضرر، كذلك المنجز العقلي وهو حكم العقل بأن للمولي حق الطاعة لا يشمل مكلفاً قطع بأنه لا يوجد طلب مولوي في البين، فكما ينقض على الاطراد في المنجز الطبعي بتخلفه في بعض المكلفين، كذلك في المنجز العقلي، وهذا لا قيمة له.

إذاً بالنتيجة: ان ما أُفيد في كلمات السيد الشهيد من ان الاهمية للمنجز العقلي لا الطبعي الذي ذكره السيد الخوئي محل تأمل.

هذا ما يرتبط بما ذكره سيدنا من انه في مورد العلم الإجمالي العلم الإجمالي منجز للجامع، والمنجز للحكم في الاطراف هو احتمال التكليف المساوق لاحتمال العقوبة الذي يكون موضوعا لما عبر عنه بالمنجز الطبعي، وكلامه تام.

النحو الثاني: ما ذهب اليه السيد الشهيد ومحصله:

ان المنجز في اطراف العلم الاجمالي هو حق الطاعة باعتبار ان احتمال التكليف مورد لحق الطاعة بحسب مبناه، بل افاد في دروسه في علم الاصول الجزء الثالث «صفحة 55»: بأن البحث في منجزية العلم الاجمالي وعدم منجزيته انما يتأتّى على القول بالبراءة العقلية، فإننا لو قلنا اساسا بكبرى قبح العقاب بلا بيان وان احتمال التكليف في كل مورد موضوع لهذه الكبرى حينئذٍ يقال كل طرف من اطراف العلم الإجمالي مورد لكبرى قبح العقاب بلا بيان فلا يخرج مورد عن هذه الكبرى الا بمنجز، فنبحث حينئذٍ هل ان العلم الاجمالي منجز مخرج لاطرافه عن هذه الكبرى ام لا؟ وما هي حدود منجزيته، فهل هي في خصوص الجامع ام في الاطراف أيضاً؟ فالبحث في منجزية العلم الاجمالي وحدودها بعد المفروغية عن كبرى قبح العقاب بلا بيان.

واما إذا قلنا كما هو مبناه ان البراءة العقلية لا اصل لها وان احتمال التكليف موضوع لحق الطاعة إذا فلا حاجة إلى البحث عن منجزية العلم الاجمالي إذ لا موضوعية للعلم، وانما الموضوعية للاحتمال، ومنجزية العلم لأنّه من مصاديق احتمال التكليف ليس الا، إذا فعلى مبناه المنجز في فرض العلم الاجمالي هو الاحتمال، وهو المانع عن جريان البراءة في اطرافه.

وهذا الذي ذكره اشكل عليه الاشكال الأول بأن السيد الصدر هل يرى ان العلم الاجمالي منجز في التكاليف العقلائية ام لا؟ كما إذا علم الفرد بأن الدولة تمنع العبور في احد الطريقين، او تفرض الضريبة في احد الشهرين وامثال ذلك، فهل العلم الاجمالي في هذه الموارد منجز ام لا؟ فإن ادعى انه ليس منجزا، بمعنى ان العقلاء إذا علموا بمنع في هذا الطريق او ذاك اقتحموا احد الطريقين وطبقوا المعلوم بالاجمال على الطريق الآخر بلا مبالاة فإن هذا مصادم للوجدان العقلائي فإن العقلاء إذا علموا بالحظر في احد الطرفين كان مرتكزهم على اجتنابهما لا على اقتحامهما او احدهما.

وان ادعى ان العلم الاجمالي لدى العقلاء منجز، فما هو المنجز؟، فإن المنجز على مبنائية هو حق الطاعة الذي هو موضوعه الاحتمال، وحق الطاعة انما يتصور في المولى الحقيقي لا في الموالي العرفية، ففي الموالي العرفية ينتفي حق الطاعة بانتفاء موضوعه، إذا مقتضى مبناه ان لا منجز في التكاليف العقلائية وان كانت معلومة المنجز هو حق الطاعة موضوعه منتف فيها مع انه لا اشكال ولا ريب في منجزية العلم الإجمالي لدى العقلاء.

ولكن يمكن الدفاع عنه بأن يدعى وجود منجزين المنجز العام، في سائر موارد التكاليف عقلائية او شرعية هو قبح الظلم فإن العبد متى علم اجمالاً بتكليف الزامي في احد الطرفين فإن مقتضى ذلك ان في مخالفته ظلما اما للنفس او للغير، فمتى علم اجمالا بتكليف الزامي فقد علم ان في مخالفته ظلما اما للنفس او للغير وبما ان الظلم قبيح فملاك منجزية العلم بالتكاليف تفصيليا او اجماليا هو قبح الظلم، وغاية ما في الباب ان هذا المنجز في التكاليف الشرعية انضم اليه منجز اخر خاص بها وهو حق الطاعة، فالسيد الشهيد لا يزعم ان لا منجز الا حق الطاعة كي يشكل عليه بأن لازم ذلك عدم تنجز التكليف في التكاليف العقلائية؛ وانما يدعي ان المنجز في التكاليف الشرعية هو حق الطاعة، لا انه لا منجز الا ذلك، وبالتالي فيمكن تصوير منجز في التكاليف العقلائية وذلك من باب قبح الظلم، فإن مقتضى حكم العقل العملي بقبح الظلم هو تنجز التكليف الذي يكون العلم به مساوقا للعلم بظلم حيث ان في التكليف اللزومي ملاك ملزم ولا يكون الملاك ملزما الا إذا توقف دفع المفسدة او الضرر على حصوله في حق النفس او الغير.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 34
الدرس 36