نص الشريط
الدرس 39
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/1/1436 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2916
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (366)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم أن السيد الاستإذ «دام ظله» ذهب إلى ان المنجز في أطراف العلم الإجمال احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف. ومن أجل توضيح مرامه لابد من ذكر أمور سبق بحثها في بحث حجية القطع وانما نذكرها لربط المطالب.

الأمر الأول:

وقع الكلام في أنّ قضايا الحسن والقبح كحسن العدل وقبح الكذب، هل هي من الاعتبارات العقلائية فلا واقع لها وراء اعتبار العقلاء لها كما ذهب اليه المحقق الاصفهاني «قده»، أم انها من الميول الجبلية الفطرية كما ذهب اليه السيد الاستإذ دام ظله، أم انها من المدركات الواقعية النفس أمرية، وهو ما ذهب اليه المعروف من علمائنا من ان حسن العدل وقبح الظلم أمور مرتسمة في نفس الأمر والواقع وان العقل تجاهها مدرك ليس الا، فكما ان العقل يدرك الأمكان والاستحالة حيث ان الأمكان والاستحالة أمور واقعية وراء العقل، ووظيفة العقل تجاهها مجرد الادراك، فكذلك حسن العدل وقبح الظلم فهي أمور مرتسمة في نفس الأمر والواقع والعقل تجاهها مجرد مدرك.

الأمر الثاني:

على فرض ان هذه المدركات من الأمور الواقعية النفس أمرية، فهل هي من المدركات المعللة أم ان الحكم فيها ذاتي غير معلل.

ومعنى ذلك: هل ان ادراك العقل لحسن العدل وقبح الظلم لان مصلحة النظام تقتضي ذلك بمعنى لولا العدل والظلم للزم اختلال النظام، فادراك العقل حسن العدل وقبح الظلم لتوقف حفظ الناظم عن الاختلال عليهما، فالحسن والقبح وان كانا مدركين واقعيين الا انهما معللان، والعلة فيهما ليست من الأمور العملية كي يلزم التسلسل بان يقال ان حكم العقل بحسن العدل لأجل حفظ النظام فلابد ان يكون حفظ النظام أيضاً حسناً حتّى يترتب عليه حسن العدل فيعود السؤال ما هي العلة في حسن حفظ النظام كما اراد تصويره سيد المنتقى «قده» بل ان حفظ النظام من الأمور الواقعية وليست من الافعال كي تكون معروضة للحسن والقبح فاختلال النظام وعدم اختلاله هذا أمر واقعي فبما ان عدم اختلاله يتوقف على العدل ادرك العقل حسن العدل لا ان حسن العدل مشتق من حسن قبله كي يلزم التسلسل. أو ان يقال كما هو معروف بين علمائنا انهما غير معللين، فالعقل يدركهما مع غمض النظر عن وجود نظام وعدمه، وانه يلزم من عدمهما اختلاله أم لا فقضية الحسن والقبح منحازة وغير معللة بمسالة اختلال النظام وانحفاظه.

الأمر الثالث:

هل ان الحسن والقبح العقليين النفس أمريين مرجعهما إلى قضية واحدة، أم إلى قضيتين، وتلك القضية الواحدة هل هي عنوان الكمال والنقص، أم هي عنوان الظلم والعدل، فالمعروف بينهم ان الحسن والقبح راجع لقضيتين لا إلى قضية واحدة، بمعنى ان العقل يدرك حسن الصدق وقبح الكذب وحسن التواضع وقبح التكبر لا لأنّهما مصداق للعدل والظلم، بل انما يدرك حسن الصدق وقبح الكذب لكون الصدق كمالا وكون الكذب نقصا بل قال بعضهم معنى حسن الصق وقبح الكذب هو الكمال والنقص أي ان الصدق كمال والكذب نقص فلا ترجع هذه القضية لقضية اخرى نعم هذا الكمال من الكمال اللازم، أي انّ ما يدركه العقل ان الصدق كمال لازم، وان الكذب نقص لابد من تركه.

والقضية الاخرى هي: حسن العدل وقبح الظلم فهي مختلفة عن الأولى فان العقل يدرك ان العدل مما ينبغي والظلم مما لا ينبغي لا لانهما كمال ونقص بل في حد ذاتهما أي ان العدل بما هو عدل مما ينبغي والظلم بما هو ظلم مما لا ينبغي لا من حيث ارجاعهما إلى عنوان الكمال والنقص فالحسن والقبح يرجعان إلى قضيتين لدى المدرك العقلي، في مقابل من يقول انه لا يدرك العقل سوى الكمال والنقص في جميع هذه المفردات، وانه انما يدرك حسن العدل وقبح الظلم لانهما كمال ونقص لا لعنوانيهما، في مقابل من يرى العكس وهو ان العقل انما يحكم بحسن الصدق لان الصدق عدل وانما يحكم بقبح الكذب لأنّه ظلم، فما هو موضوع الحكم بالحسن والقبح هو العدل والظلم، وجميع المفردات تندرج تحته.

الأمر الرابع:

ان هناك فرقاً بين قبح الظلم واستحقاق المذمة، فان معنى ان الظلم قبيح هو انه في نفسه مما لا ينبغي ترتبت المذمة عليه أم لا وفي طول ذلك أي في طول ادراك العقل أن الظلم مما لا نبغي يدرك ان لو صدر هذا الذي لا ينبغي لكان فاعله مستحقا للذم فإحدى القضيتين في طول الأخرى لا انهما قضية واحدة، فليس معنى قبح الظلم أي استحقاقه للعقوبة، بل معنى قبح الظلم ان هذه القضية في نفس الأمر والواقع مردها إلى ما لا ينبغي، غاية ما في الباب ان للعقل ادراكا اخر وراء ذلك وهو انه على فرض صدوره خارجا فوظيفة العقلاء تجاهه هو المذمة لأجل ذلك اخذ في القضية الثانية العلم ولم يؤخذ في القضية الثانية العلم، فكون الظلم مما لا ينبغي لكونه ظلما علم الفاعل انه ظلم أم لا فان سلب ذي الحق حقه أمر قبيح في نفسه، نعم انما يستحق المذمة إذا كان ملتفتا إلى ان ما يفعله ظلم، فالقضية الثانية منوطة بالعلم بخلاف الأولى.

الأمر الخامس:

تطبيق هذه البحوث على مسألة المنجزية سواء كانت للعلم التفصيلي أو للعلم الاجمالي.

وبيان ذلك: ان المنجزية هي غير الباعثية والزاجرية كما ان المنجزية هي غير حكم العقل باستحقاق العقوبة بيان ذلك: ان الباعثية والزاجرية قضاء للفطرة والجبلة، فان جبلة الانسان تبعثه نحو ما ينفعه وتزجره عما يضره سواء كان بعثاً بالفعل أو بعثا شأنيا فالباعثية والزاجرية من مقتضيات الفطرة والجبلة.

وأما المنجزية بحسب مبانيهم من مقتضيات العقل، والعقل ليست وظيفته البعث أو الزجر وانما وظيفته الادراك ليس الا لذلك المنجزية من شؤون الادراك وليست من شؤون الفطرة من حيث باعثيتها أو زاجريتها، وإذا رجعنا إلى المدرك العقلي الذي يعبر عنه بالمنجزية فقد يتوهم ان المنجزية هي عبارة عن حكم العقل باستحقاق العقوبة مقابل المعذرية وهي حكم العقل بالأمن والخلو الا انّ حكم العقل باستحقاق العقوبة مجرد اثر للمنجزية، فالمنجزية في رتبة سابقة على حكم العقل باستحقاق العقوبة كما ذكرنا في مسالة قبح الظلم فان قبح الظلم بمعنى ما لا ينبغي قضية سابقة رتبة على حكم العقل باستحقاق الظالم للمذمة، فلأجل ذلك، ليست المنجزية الا ادراك العقل لابدية العمل ويترتب على حكمه باللابدية في بعض الموارد حكمه باستحقاق العقوبة، ويكون ذلك ممهدا للباعثية أو الزاجرية الجبلية لدى الانسان.

الأمر السادس:

ما هو ملاك المنجزية، حيث حددنا انها عبارة عن حكم العقل باللابدية فعلا أو تركا فما هو ملاك المنجزية، فهنا عندنا من يرى ان ملاك المنجزية في جميع مواردها هو حكم العقل بقبح الظلم، فان هذا هو ملاك المنجزية في تمأم مواردها.

وتوضيح ذلك: انه إذا كان التكليف صادرا عن الخالق عز وجل حيث ان العقل يدرك ان مقتضى الخالقية ان للخالق حقا في عهدة المخلوق وذلك الحق هو حق الطاعة إذا فمقتضى ان للخالق حقا ان في عدم الطاعة ظلما، فلأجل حكم العقل بقبح الظلم حكم العقل بلابدية الفعل والترك، وإذا كان هذا التكليف صادرا عن غير الخالق من الموالي العرفيين فانما يحكم العقل باللابدية إذا كان في المخالفة ظلما، أما لان المولى العرفي ذو حق عليه كما لو كان منعما أو لان في مخالفة هذا التكليف ظلما لنفسه أو ظلما لغيره من الناس، فما لم تدخل المخالفة للتكليف العرفي في اطار الظلم لم يحكم العقل بالمنجزية، بمعنى اللابدية، وبهذا يمكن توجيه كلام السيد الشهيد.

المسلك الآخر: الذي ينكر حق الطاعة في التكاليف المعلومة فضلاً عن التكاليف المحتملة فالذي لا ملازمة عقلاً بين الخالقية وثبوت حق الطاعة وثبوت حق في عهدة المكلف فانّه يرى ان المنجزية للتكليف ترجع لا محالة إلى مسألة دفع الضرر المحتمل ودفع الضرر المحتمل هل جذرها عقلي أم جذرها طبعي وهل ان الجذر العقلي ارشادي أم غير ذلك، هذا يحتاج إلى تدقيق وتعميق.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 38
الدرس 40