نص الشريط
الدرس 103
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 21/5/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2590
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (304)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في بيان الثمرات المترتبة على القول بالاقتضاء أو العلية. ووصل الكلام إلى الثمرة الثالثة: وقد افاد السيد الشهيد في بيان هذه الثمرة:

أنه قد يقال إذا كان المحذور في جريان الاصول الترخيصية في أطراف العلم الاجمالي ثبوتياً وهو ما ذكره مسلك العلية فانه لا فرق بين كون الاصول الترخيصية من سنخ واحد أو من سنخين بينما إذا قلنا بمسلك الاقتضاء أي ان المانع اثباتي فقد يفرق بين كون الاصول من سنخين أو من سنخ، وبيان هذا المطلب يحتاج إلى بيان مقدمات ثلاث:

المقدمة الأولى: هناك فرق بين تعارض الامارات وتعارض الاصول فتعارض الامارات هو عبارة عن التكاذب الدلالي بينها حيث إنَّ الامارات في مقام الحكاية والاخبار عن الواقع فلا محالة تعارضها انما ينعقد في مقام حكايتها عن الواقع، فيتحصل تكاذب دلالي سواء كان تكاذبا بالذات كما في الامارتين المتناقضتين أو المتضادتين كما لو قام دليل قال يجب ودليل قال لا يجب، فإن هذين الدليلين متكاذبان بالذات أو كانا متكاذبين بالعرض كما في فرض العلم الإجمالي بكذب أحدهما من الخارج مثلاً إذا قامت امارة على وجوب الجمعة تعييناً وقامت امارة أخرى على وجوب الظهر يوم الجمعة تعيينا وقد علمنا من الخارج ان لا فريضتين في وقت واحد فهنا يتحقق تكاذب دلالي بين ما دلّ على الجمعة تعيينا وما دل على الظهر تعيينا، ولكنه تكاذب دلالي بالعرض فتعارض الامارات راجع للتكاذب الدلالي سواء كان بالذات أو بالعرض، ولذلك قد يقدم احد الدليلين المتعارضين على الآخر اما من باب الجمع العرفي كما لو كان اقوى ظهورا في مورد التعارض من الآخر أو يقدم على الآخر بالحكومة أو الورود أو انه على فرض استقرار التعارض فقد يرجح احد الدليلين على الآخر بالشهرة أو بموافقة الكتاب، أو بمخالفة العامة.

واما التعارض بين الاصول فليس من باب التكاذب الدلالي وانما التعارض بين الاصول هو عبارة عن حكم العقل بعدم شمول الترخيص لهذا المورد مثلا في مورد العلم الاجمالي إذا علم اجمالاً مثلاً بنجاسة احد الانائين فيقال بأن الاصول هنا متعارضة فالمقصود بذلك ان اصالة الطهارة لا يجري لا في كلا الطرفين لأنّه ترخيص في المخالفة القطعية ولا أحدهما المعين لأنّه ترجيح بلا مرجح فهذا هو معنى تعارض الاصول لا ان معناها ان هناك تكاذبا دلاليا بين اصالة الطهارة في اناء الف واصالة الطهارة في اناء باء حيث إنَّ الاصول العملية لا تحكي عن الواقع كي يقع تكاذب دلالي بينها وانما الاصل العملي منقح لوظيفة عملية في ظرف الشك ولا تكاذب بين ان تكون وظيفتك العملية في اناء الف الطهارة وان تكون وظيفتك العملية في اناء باء الطهارة فانه لا تكاذب بينها انما يحكم العقل بمقتضى العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما ان شمول دليل اصالة الطهارة لكليهما قبيح لأنّه ترخيص بالمخالفة القطعية وشموله لاحدهما المعين ترجيح بلا مرجح فلا يجري فالمقصود بالتعارض حكم العقل بعدم الجريان لوجود محذور عقلي في الجريان لا ان هناك تكاذبا بين الاصلين ولذلك لا مجال في تعارض الأصول لتقديم أحدهما من باب الجمع لاظهريته أو حكومته أو وروده أو على فرض الاستقرار فيرجح أحدهما بأحد المرجحات المنصوصة في تعارض الدليلين.

المقدمة الثانية: عندما يقول الاصوليون بتعارض الاصول في أطراف العلم الإجمالي فلا يقصدون ان الاصلين يجريان ويتعارضان بل المقصود انهما لا يجريان من الاصل أي لا ان دليل اصالة الطهارة يجري في هذا الطرف ويجري في الطرف الثاني ويتعارض جريانه في الاول مع جريانه في الثاني بل هو لا يجري من الاصل، فدليل اصالة الطهارة لا يشمل أطراف العلم الاجمالي من الاصل لأنّه اما ان يشمل كليهما وفيه محذور واما ان يشمل أحدهما وفيه محذور.

المقدمة الثالثة: ان ما بنى عليه السيد الشهيد «قده» من انّ ادلة الاصول العملية الترخيصية محفوفة بارتكاز عقلائي يمنع من شمولها لاطراف العلم الإجمالي الا وهو قيام الارتكاز العقلائي على ان لا يرفع اليد عن الغرض اللزومي لأجل غرض ترخيصي فهذا الإرتكاز كما يشمل الغرض الترخيصي الواقعي لأجل مصلحة في الترخيص كمصلحة التسهيل فهنا الإرتكاز أيضاً يأبى ذلك في الغرض الترخيصي الظاهري، لا فرق بينهما بمعنى تارة المكلف يعلم ان في هذا المورد يوجد غرض لزومي وعرض ترخيصي كان يعلم بنجاسة أحدهما وطهارة الآخر، فهنا لا يضحى بالغرض اللزومي المعلوم لغرض ترخيصي معلوم.

وكذلك يشمل هذا الإرتكاز الترخيص الظاهري كما إذا علم المكلف بنجاسة أحدهما ولكنه يحتمل نجاسة الآخر فهو يحتمل نجاسة كليهما وانه لا يوجد غرض ترخيصي واقعي لكن هل يمكن للمولى ان يرخص في كليهما ظاهرا لا واقعا ويقول لا يرفع اليد عن اللزومي بغرض ترخيصي.

فما يدعيه السيد خلاف ما تصوره مقرر بحوثه فإن ما يدعيه شمول الإرتكاز العقلائي في انه لا يرفع اليد عن الغرض اللزومي المعلوم بغرض ترخيصي واقعي أو ظاهري لا فرق بينهما من حيث النكتة،

وبعد بيان هذه المقدمات الثلاث يقال: ان الثمرة المذكورة في المقام هي تارة يكون الاصلان الجاريان في أطراف العلم الاجمالي من سنخ واحد ككون كليهما من باب اصالة الطهارة أو الحل أو البراءة فهنا لا تظهر ثمرة بين مسلك العلية ومسلك الاقتضاء، واما إذا كان الاثنان من سنخين لا من سنخ واحد مثلاً إذا علمنا اجمالا اما فاتتنا صلاة الفجر أو وقع خلل في صلاة الظهر التي صليناها، فبالنسية لصلاة الفجر حيث يعرض الشك في أصل الاداء تكون مجرى لقاعدة الحيلولة وبالنسبة لصلاة الظهر التي اديت ووقع الشك في صحتها هي مجرى لقاعدة الفراغ فالأصلان الجاريان في أطراف العلم الإجمالي ليسا من سنخ واحد، فهنا هل تظهر ثمرة بين مسلك العلية والاقتضاء؟!.

فقد يقال نعم هناك ثمرة وهي بناءً على مسلك العلية يكون المانع من جريان الاصول الترخيصية في أطراف العلم الاجمالي ثبوتيا محذور عقلي وبناء عليه فلا يجري الاصلان من سنخين أو من سنخ واحد فإن جريان هذين الاصلين ولو كانا من سنخين ترخيص في المخالفة القطعية وجريان أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فلا محالة لا يجري الاصلان من الاساس، اما إذا قلنا بمسلك الاقتضاء وان المانع اثباتي والمقصود به ما بنى عليه السيد الشهيد من احتفاف الدليل بالارتكاز العقلائي الموجب لانصرافه فقد يقال ان هذا انما يتم في الدليل من ستخ واحد فيقال دليل اصالة الطهارة لا يشمل الانائين معا لوجود هذا الإرتكاز، فاذا كان يوجد لدينا دليل واحد باطلاقه قابل لان يشمل كلا الطرفين فهنا يقال ان هذا الدليل الواحد لا اطلاق له لكي يشمل الطرفين معا لاحتفافه بالارتكاز العقلائي المانع من اطرافه اما إذا كان لدينا دليلان وكل منهما لا يشمل الطرفين في حد ذاته بل كل منهما يختص بطرف فالطرف الاول وهو الشك في اداء صلاة الفجر ليس مجرى لقاعدة الفراغ في نفسه لان الشك في الاداء، والطرف الثاني وهو الشك في صحّة الظهر ليس مجرى لقاعدة الحيلولة في نفسه فكل من الدليلين لا يشمل الآخر موضوعاً وانما يختص كل منهما بطرف فهنا لا مورد للارتكاز العقلائي حيث إنَّ معقد الإرتكاز هو ان لا يشمل دليل الاصل المرخص كلا الطرفين لا ان يشمل احدهما، إذا كان الاصلان من سنخ واحد فهنا المانع الاثباتي يتم واما إذا كان الاصلان من سنخين بأن كان لكل من الدليلين طرف يختص به فلا يوجد ارتكاز عقلائي يمنع من جريانهما فيجريان فاذا جريا غاية ما هناك ان هناك علما اجماليا بعدم فعلية أحدهما لان العلم الاجمالي اما بفوت الفجر أو بفساد الظهر يعني اشتغال الذمة بأحد الصلاتين ومع العلم الاجمالي باشتغال الذمة بإحدى الصلاتين إذا احد الاصلين المرخصين لا فعلية له قطعا والا فالدليلان شملا أطراف العلم الاجمالي وجرى الاصلان غاية ما هناك علم بعدم فعلية احدهما.

فإن قلت: ما هي الثمرة قلتم بأن الاصل لا يجري من الاساس أو قلتم ان الاصلين يجريان لكن يحصل العلم بعد فعلية أحدهما فما هي الثمرة المترتبة على ذلك؟.

نقول: في مقام تقريب كلامه ان الثمرة تظهر في موارد الاصول الطولية أي لو كان بين الاصول طولية مثلاً إذا علمنا اجمالا اما بنجاسة هذا اللحم أو حرمة ذلك اللحم فهنا تتعارض اصالة الطهارة فيما يحتمل نجاسته مع اصالة الحل فيما يحتمل حرمته فالاصلان من سنخين لا من سنخ واحد فاذا افترضنا ان في أحدهما يوجد علم بالحالة السابقة بحيث يكون مجرى للاستصحاب كما إذا افترضنا ان اللحم الف علم حالته السابقة وهي الطهارة فهو مجرى لاستصحاب الطهارة في نفسه مضافا لأصالة الطهارة، فهنا يقال اصالة الطهارة في اللحم أصل طولي أي لا جريان له مع جريان استصحاب الطهارة حيث إنَّ استصحاب الطهارة وارد على اصالة الطهارة فأصالة الطهارة في لحم الف طولي إذا بالنتيجة المعارض لأصالة الحل في لحم باء هو استصحاب الطهارة في لحم الف، وليس اصالة الطهارة لان اصالة الطهارة طولي انما يصار اليه لو لم يجري استصحاب الطهارة في لحم الف فعلى هذا الاساس ان قلنا بأن الاصول الترخيصية في أطراف العلم الاجمالي تجري وتتعارض كما إذا كان المانع اثباتيا وكان الاصلان من سنخين كما قررنا في بيان الثمرة إذا بالنتيجة سوف تقع المعارضة بين الثالثة لأنّه اصالة الحل في طرف باء تعارض اصلين في طرف الف فهي تعارض استصحاب الطهارة وعلى تقدير عدم جريانها تعارض اصالة الطهارة فيه فإن مقتضى اطلاق دليل اصالة الحل انه يعارض الاصل الحاكم والمحكوم، والوارد والمورود، اما إذا قلتم بأن مقتضى كون المانع اثباتيا وكون الاصول من سنخين هو عدم جريانها من الاساس لا انها تجري وتتعارض أي قررتم عدم تمامية الثمرة مثلاً إذا بالنتيجة استصحاب الطهارة لم يجري من الاصل وعليه فالجاري حينئذٍ اصالة الطهارة بلا مانع.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 102
الدرس 104