نص الشريط
الدرس 131
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 16/7/1436 هـ
تعريف: الطولية بين العلوم الإجمالية
مرات العرض: 3018
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (860)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في وجه عدم منجزية العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، وقد ذكر المحقق الإصفهاني «قده» كما في «نهاية الدراية» الجزء الرابع ص 274، أنّ مقتضى القاعدة منجّزية العلم الإجماليّ في الشبهة غير المحصورة ولا موجب للخروج عن ذلك إلّا في فرض كون الاحتياط مستلزمًا للإخلال بالنظام. كلامه ينحلّ إلى أمرين:

الأمر الأول: أنّ مقتضى القاعدة هو منجّزية العلم الإجمالي، وبيان ذلك: فقد أفاد بأنّه قد يقال بأنّ العلم الإجمالي غير منجَّز، وذلك لأمورٍ ثلاثة:

الأمر الأول: أنّ المقتضي للمنجّزية دائمًا هو احتمال التكليف، حيث إنّ احتمال التكليف في حدِّ نفسه موجبٌ للخوف، وبلحاظ موجبيته للخوف، يكون مقتضيًا للمنجّزية، غاية ما في الباب أنّ هذا الاحتمال إذا لم يقترن بالبيان فهو موضوعٌ للبراءة العقلية، أي قبح العقاب بلا بيانٍ، ومقتضى هذا الحكم العقليّ هو الأمن من احتمال التكليف، وإن كان هذا الاحتمال في نفسه ذا اقتضاءٍ للمنجزية، لكن الحكم العقليّ مانعٌ من تأثير هذا الاقتضاء أثره.

الأمر الثاني: إذا اقترن هذا الاحتمال بالعلم، كما إذا علم إجمالًا، فإذا علم إجمالًا بحرمة الدخول في إحدى الدور مثلًا، فحينئذٍ ببركة هذا العلم الإجمالي يزول المانع، فإنّ المانع من تأثير الاحتمال في المنجزية هو البراءة العقلية أي حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان. فإذا وجد العلم الإجمالي بحرمة الدخول في إحدى الدور فقد حصل البيان، ومع حصول البيان ترتفع البراءة العقلية، فإذا ارتفعت البراءة العقلية بارتفاع موضوعها وهو تبدّل اللابيان للبيان، أثّر الاحتمال أثره، لأنّ احتمال التكليف في نفسه مقتضٍ للمنجزية، بلحاظ أنّه موجبٌ للخوف، ولا مانع من تأثيره إلّا قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإذا ارتفعت القاعدة بارتفاع موضوعها لوجود العلم الإجمالي أثر الاحتمال أثره. إذًا، فالموجب للمنجزية في أطراف العلم الإجماليّ ليس هو العلم الإجمالي، بل الموجب للمنجزية في أطراف العلم الإجمالي هو الاحتمال، وإنما العلم الإجمالي رفع المانع أي رفع البراءة العقلية، وإلا فالمقتضي للمنجزية نفس الاحتمال.

الأمر الثالث: هذا إذا كانت الشبهة محصورة، وأما إذا كانت غير محصورة، فيكون احتمال التكليف ضعيفًا، فإذا أصبح احتمال التكليف ضعيفًا نتيجة كثرة الأطراف خرج عن اقتضائه للمنجزية، إذ كون احتمال التكليف مقتضيًا للمنجّزية إذا أوجب الخوف، وأما إذا بلغ الاحتمال درجةً من الضآلة والضعف بحيث لا يوجب خوفًا نتيجة كثرة الأطراف، خرج هذا الاحتمال عن اقتضاء المنجزية. فالسر في عدم المنجزية في الشبهة غير المحصورة ضعف الاحتمال الذي هو في نفسه مقتضٍ للمنجزية.

لكن المحقق الإصفهاني «قده» أشكل على هذا الاستدلال، بأنّ احتمال التكليف لا يساوق الخوف حتى يكون احتمال التكليف بنفسه مقتضيًا للمنجزية، وإنّما يترتب الخوف على الاحتمال إذا وجد منجز، فالخوف ينشأ عن وجود منجز لا عن ذات الاحتمال، فمجرّد احتمال التكليف عقلًا لا أثر له بمقتضى قبح العقاب بلا بيان، قبح العقاب بلا بيان رافع للاقتضاء لا مانع من التأثير، أي أنّ مقتضى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان أنّ الاحتمال لا اقتضاء فيه للمنجزية، لا أن البراءة العقلية مانعةٌ من التأثير بعد المفروغية عن وجود المقتضي، لأن احتمال التكليف بنفسه لا يساوق الخوف، وإنما الخوف يحتاج إلى وجود منجز برتبة سابقة. وبناءً على ذلك، فإذا وجد العلم الإجمالي في مورد كانت المنجزية للعلم الإجمالي لا للاحتمال، نعم وجود العلم الإجمالي يجعل الاحتمال في كل طرف موجبًا للخوف، فإيجاده للخوف لوجود العلم الإجمالي، لا أنه في نفسه موجب للخوف ومقتض للمنجزية. وعلى هذا الأساس فلا فرق بين كون العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة أو الشبهة غير المحصورة، فإنّ العلم الإجماليّ منجز، ولا قصور في منجزيته وبيانيته. ولكن قد يُقال على مبنى المحقق الإصفهاني «قده» يمكن الوصول إلى عدم منجزية العلم الإجمالي في أطراف الشبهة غير المحصورة، بيان ذلك بذكر مطلبين:

المطلب الأول: أنّ المحقق الإصفهاني يرى أنّ العلم الإجمالي انكشاف للجامع وليس انكشافًا للواقع كما ذهب إليه المحقق العراقي، فبناء على ذلك، ما هو المعلوم هو الجامع، وأمّا كل طرفٍ فهو في نفسه مشكوك محتمل التكليف وليس معلومًا. فبناء على هذا المطلب، نقول في المطلب الثاني: سواء اعتبرنا الاحتمال حيثية تعليلية للمنجزية، أم اعتبرناه حيثية تقيدية للمنجزية، فالمنجزية في اعتضاد الاحتمال بالعلم الإجمالي، بيان ذلك: ذكرنا في ما سبق عند بحثنا حول منجزية العلم الإجمالي بنفسه لجميع الأطراف أنه: إذا حصل علم إجمالي - مثلًا - بوجوب إحدى الفريضتين إما الظهر أو الجمعة، فإن هذا العلم الإجمالي مساوق لاحتمال التكليف في كل من الطرفين، فنأتي إلى الاحتمال، حيث نحتمل إن الظهر هي الفريضة المطلوبة. هل هذا الاحتمال هو المنجز؟ فيكون الاحتمال حيثية تقيدية للمنجزية، بأن نقول: هناك منجزان، منجزٌ للجامع وهو العلم الإجمالي، ومنجز لكل طرف وهو الاحتمال، وكون هذا الاحتمال منجزًا لاعتضاده بالعلم الإجمالي واستقوائه به. وتارةً نقول: لا، المنجز هو العلم الإجمالي، غاية ما في الباب أن هذا العلم الإجمالي منجِّزٌ للجامع بلا واسطة، ومنجز لكل طرف بواسطة الاحتمال، فالاحتمال مجرد خيط رابط بين المنجِّز والمنجَّز،

والواسطة بينهما الاحتمال. إذًا فالاحتمال مجرد حيثية تعليلية، أي واسطة في سريان المنجزية من العلم الإجمالي إلى الطرف. فسواء اخترنا المبنى الأول أو الثاني، فبالنتيجة لا منجزية في فرض العلم الإجمالي إلا بالاحتمال، فإنه إما حيثية تقيدية أو تعليلية. فبناء على هذا المطلب الثاني يقال: إنما يكون الاحتمال دخيلًا في المنجزية إما بنحو الواسطة أو أنّه هو المنجز إذا كان احتمالًا عقلائيًا، وأما مع كثرة الأطراف في الشبهة غير المحصورة وتضاؤل هذا الاحتمال إلى حدٍّ لا يعتني به العقلاء، فمثل هذا الاحتمال الموهوم لا يصلح لأن يستنَد إليه، لا على كونه هو المنجز، ولا على كونه هو الواسطة في سراية المنجزية، فلا نحتاج إلى أن ندعي أن الاحتمال مقتضٍ للمنجزية بواسطة الخوف كي يقول المحقق الإصفهاني ليس هناك مساوقة بين الاحتمال والخوف، بل على مبناه من أن الكاشفية للجامع تحتاج منجزية العلم الإجمالي إلى ضميمة الاحتمال، والاحتمال الصالح للضميمة هو الاحتمال العقلائيّ لا مطلق الاحتمال. فبناءً على ذلك، يمكن بناء على مبنى المحقق الإصفهاني أن يقال بعدم المنجزية. وإن قيل بأن هذا الاحتمال أي احتمال التكليف في كل طرف، وإن كان احتمالًا موهومًا إلا أنه مساوم لاحتمال الضرر، فيكون منجزًا ولا يجدي في ذلك كونه موهومًا.

قلنا: على مسلك الإصفهاني من أن الاطمئنان حجة مطلقًا من دون تفصيل، فمتى ما كان الاحتمال موهومًا فهناك اطمئنان بعدم انطباق الجامع على مورده، وهذا الاطمئنان حجة مؤمِّنة.

هذا تمام الكلام الكلام في الأمر الأول للمحقق الإصفهاني.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 130
الدرس 132