نص الشريط
الدرس 136
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 23/7/1436 هـ
تعريف: الطولية بين العلوم الإجمالية
مرات العرض: 2740
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (630)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في ما إذا اشترك علمان في طرفٍ واحد، كما إذا علم إجمالًا إمّا بنجاسة الإناء الأبيض أو الإناء الأزرق، ثمّ علم إجمالًا إمّا بنجاسة الأزرق أو الأصفر مثلًا، فالإناء الأزرق طرفٌ مشتركٌ بين علمين. وهذا البحث له صورٌ: الصورة الأولى: ما إذا كان العلمان متعاصرين علمًا ومعلومًا، وقد مرّ البحث فيها. الصورة الثانية: ما إذا كان الثاني متأخّرًا علمًا ومعلومًا، كما إذا علم إجمالًا بوقوع قطرة دمٍ إمّا في إناء «أ» أو في إناء «ب»، ثمّ علم إجمالًا بوقوع قطرة جديدة، إمّا في إناء «ب» أو في إناء «ج»، فإناء «ب» طرفٌ مشترك بين علمين، والعلم الثاني متأخر عن الأول علمًا ومعلومًا. ففي مثل هذا الفرض، هل أنّ العلم الإجمالي الثاني منجّزٌ أم لا؟ وقد ذهب المحقق النائيني «قده» إلى أنّ العلم الإجمالي الثاني ليس منجزًا، والسر في ذلك أنه ليس علمًا بتكليف على كل تقدير، فإنه يعتبر في منجّزية العلم الإجمالي أن يكون المعلوم قابلًا للتنجيز، سواءً قلنا بمسلك العلّية أو قلنا بمسلك الاقتضاء، فهذا شرطٌ في المعلوم وليس في العلم. وإنّما يكون المعلوم قابلًا للتنجيز إذا كان المعلوم تكليفًا على كل تقدير، فإذا كان المعلوم تكليفًا إن كان في «أ»، وهو تكليف إن كان في «ب»، حينئذ يصبح المعلوم قابلًا للتنجيز، فيكون العلم الإجمالي منجزًا. وفي المقام، ليس الأمر كذلك، بلحاظ أنّه إذا علم إجمالًا مرةً أخرى، بأنّ هناك قطرة دم جديدة، إما في إناء «ب» أو في إناء «ج»، فعلى تقدير أنّ قطرة الدم وقعت في إناء «ج»، فهو علم بتكليف، لأنّه حدث تكليف باجتناب النجس في إناء «ج» ولم يكن كذلك. وأما على تقدير أن قطرة الدم الجديدة وقعت في إناء «ب»، وافترضنا أن إناء «ب» هو النجس الواقعيّ بلحاظ العلم الإجمالي الأول، حيث إنّه علم أولًا إمّا بقطرة دمٍ في إناء «أ» أو بقطرة دم في إناء «ب»، فعلى تقدير أنّ قطرة الدم الجديدة وقعت في إناء «ب»، وأن قطرة الدم الأولى أيضًا وقعت في إناء «ب»، إذًا بالنتيجة العلم الإجمالي الثاني ليس علمًا بتكليف جديد، إذ لو وقعت قطرة الدم الجديدة في نفس ما وقعت فيه قطرة الدم السابقة فلم يتغير شيء، لأنه من الأول يجب اجتناب إناء «ب»، ولم يحدث وجوب جديدة نتيجة وقوع قطرة دم جديدة. إذًا فما دمنا نحتمل أنّ ما وقعت قطرة الدم فيه بلحاظ العلم الثاني، هو نفس ما وقعت قطرة الدم فيه بلحاظ العلم الأول، إذًا ليس عندنا علم بتكليف جديد بلحاظ العلم الإجمالي الثاني، وإذا لم يكن علمًا بتكليف جديد، فالمعلوم نفسه غير قابل للتنجيز، لا لقصور في العلم، إنّما لقصور في المعلوم، لأن المعلوم قطرة دم لو كانت في إناء «ج» لتنجزت، لكنها لو كانت في إناء «ب» لم تتنجز، لأنّ نجاسة «ب» قد تنجّزت في رتبة سابقة، فحيث إنّ المعلوم غير قابل للتنجيز لعدم كونه علمًا بتكليف فعليّ على كل تقدير، إذًا فالعلم الإجمالي الثاني ليس منجزًا. والسر في عدم منجزيته تأخّر معلومه زمانًا عن معلوم العلم الإجماليّ الأول. هذا ما أفاده المحقق النائيني «قده» في «أجود التقريرات». وأُشكل عليه من قبل بعض الأعلام في كتابه «المباحث الأصولية»، الجزء العاشر، ص 128، وأفاد هناك بأنه: لا يعقل أن يكون العلم الإجماليّ الأول هو المنجّز لطرف «ب» بعد حدوث العلم الإجمالي الثاني، والسر في ذلك أنّ المفروض أن العلم الإجمالي الأول قد انقضى وحدث علم إجمالي جديد، إمّا بنجاسة «ب» أو نجاسة «ج»، فحينئذ إذا ادُّعي أنّ نجاسة «ب» متنجز بالعلم الإجمالي السابق، لا بالعلم الإجماليّ الجديد، فهذا راجعٌ إلى: إمّا وجود المعلوم بلا علة، أو تأثير المعدوم في الموجود، وكلاهما محال، لأنه إن ادعي أن المنجز لوجوب الاجتناب في طرف «ب» هو العلم الإجمالي السابق في وقته، فالمفروض أن العلم الإجمالي السابق ليس موجودًا الآن، وبالتالي، فتنجيزه لطرف «ب» من قبيل تأثير المعدوم في الموجود. وإن قلتم بأن التنجز في طرف «ب» بقي وإن انقضى العلم الإجمالي الأول، فلازم ذلك بقاء المعلول بلا بقاء العلّة، والتنجّز دائرٌ مدار العلم حدوثًا وبقاءً، وهذا محال. فالصحيح، كما أنّه إذا تعاصر العلمان والمعلومان، فيقال بأنّ مجموعهما منجزٌ، أي أنّ المنجِّز كلا العلمين معًا، كما لو علم إجمالًا بنجاسة «أ» أو «ب»، وفي عين الوقت علم إجمالًا إمّا بنجاسة «ب» أو نجاسة «ج»، فإن نجاسة «ب» قد تنجزت بمجموع العلمين في آنٍ واحد، لا بأحدهما دون الآخر فإنه ترجيح بلا مرجح. كذلك في المقام، بأن تنجس طرف «ب» بمجموع العلمين السابق واللاحق لا بأحدهما دون الآخر، فإنه ترجيح بلا مرجح، ولا بخصوص السابق، فإنّه عبارة عن بقاء المعلول بلا بقاء علّته. ولكنّ ما أفاد غريبٌ جدًا، فإنّ مفترض كلمات الأعلام ومنهم المحقق النائيني بقاء العلمين، وإن كان العلم الأول سابق زمانًا من حيث حدوثه، وإلّا فهو باقٍ، أي أنه لو علم إجمالًا أولًا بنجاسة «أ» أو نجاسة «ب» وبقي هذا العلم، إلى أن علم ثانيًا بوقوع قطرة دمٍ جديدة إمّا في «ب» أو في «ج»، فالعلمان اجتمعا وإن كان العلم الأول سابقًا زمانًا. وبالتالي، فتنجز «ب» بالعلم الإجمالي الأول ليس من قبيل بقاء المعلول بلا بقاء العلة، فالمفروض أن العلم الإجمالي الأول ما زال باقيًا، وليس من قبيل تأثير المعدوم في الموجود. إذًا فبالنتيجة، الكلام في أنّه بعد اجتماعهما، هل أنّ العلم الإجمالي الجديد، وهو العلم بوقوع قطرة دم إمّا في «ب» أو في «ج»، هل هو علم بتكليف فعلي على كل تقدير فيكون منجزًا؟ فإنّ هذه الجهة هي التي ركّز عليها المحقق النائيني، وينبغي معالجتها. هل أن العلم الإجمالي الجديد، وهو العلم بوقوع قطرة دمٍ جديدة، إمّا في إناء «ب» أو في إناء «ج» علم بتكليف فعلي أم لا؟ هذا هو المهمّ علاجه، وإلا لو فرضنا أنّ العلم الإجماليّ السابق قد انقضى وقد تبخّر، لم يصلح أن يكون جزء العلّة، مع أنه التزم أنه جزء العلّة، أي التزم بأنّ المنجِّز لطرف «ب» مجموع العلمين السابق واللاحق، فإذا لم يصلح السابق للتنجيز مفردًا، لم يصلح للتنجيز منضمًّا، إذ لا فرق في عدم صلاحية المعدوم للتأثير في الموجود بين كونه مستقلًّا أو منضمًّا. الصورة الثالثة: ما إذا كان العلم الإجماليّ الثاني متأخّرًا علمًا متقدمًا معلومًا، كما لو فرضنا أنّه علم إجمالًا في يوم الاثنين بنجاسة «أ» أو نجاسة «ب»، فلمّا جاء يوم الثلاثاء، علم بوقوع قطرة دم، إما في إناء «ب» أو في إناء «ج» منذ يوم السبت الماضي، فالعلم الإجمالي الجديد وإن كان متأخرًا علمًا، لكنه متقدّم معلومًا، لأن معلومه إمّا نجاسة «ب» أو نجاسة «ج» منذ يوم السبت، بينما العلم الإجمالي الأول كان معلومه إما نجاسة «أ» أو نجاسة «ب» يوم الاثنين، فهل العلم الأول منجزٌ أم لا؟ فهنا أفاد المحقق النائيني «قده» بأنّ: التنجز وصف للعلم لا على نحو الموضوعية، أي لا لأن العلم صفة نفسانية قائمة بالنفس، بل إنّ التنجز صفة للعلم بما هو كاشف وطريق، فبما أن التنجز صفة للعلم بما هو كاشفٌ وطريق، فالمدار في المنجّزية على المنكشف لا على الكاشف، فالكاشف وإن كان متأخرًا زمانًا، حيث إن العلم الإجمالي الثاني متأخر زمانًا لأنه حدث يوم الثلاثاء، إلا أن المنكشف به متقدم زمانًا، لأن ما علمه يوم الثلاثاء هو إما نجاسة «ب» أو «ج» منذ يوم السبت، فالمنكشف متقدم على الكاشف. وحيث إن المدار في المنجزية على المنكشف، إذًا فقد تنجز بالعلم الحادث يوم الثلاثاء المعلوم منذ يوم السبت، وبالتالي، فقد تنجز في حقّه إما نجاسة «ب» أو نجاسة «ج» منذ يوم السبت. وبناءً على ذلك، فالعلم الإجمالي السابق، وهو العلم الذي حدث يوم الاثنين إما بنجاسة «أ» أو نجاسة «ب» ليس علمًا بتكليف فعليّ على كل تقدير، إذ على تقدير أن النجاسة التي طرأت يوم الاثنين في إناء «أ»، فهي علم بتكليف فعلي، وأما على تقدير أن النجاسة التي طرأت يوم الاثنين في إناء «أ»، فهي علمٌ بتكليف فعلي، وأما على تقدير أن النجاسة التي طرأت يوم الاثنين هي في إناء «ب»، فالمفروض أن نجاسة إناء «ب» قد تنجزت في رتبة سابقة، أي منذ يوم السبت، فلا يكون العلم الإجمالي السابق الطارئ يوم الاثنين علمًا بتكليفٍ على كل تقدير، بل على بعض التقادير دون بعض، فالمعلوم نفسه ليس قابلًا للمنجّزية. هذا ما أفاده شيخ المحققين النائيني «قده». وأُوردَ على كلام المحقق بإيرادين: الإيراد الأول: ما ذكره بعض الأعلام في كتابه «المباحث الأصولية» في نفس الموضع الذي ذكرناه، بعنوان «التعليق الثاني» من أنّ ما ذكره المحقق النائيني غير تامّ، والسر في ذلك: أن التنجز تابع للعلم حدوثًا وبقاءً، تبعية الحكم لموضوعه، وتبعية المعلوم لعلته، والمفروض أن العلم حدث يوم الثلاثاء، أي العلم الإجمالي الثاني حدث يوم الثلاثاء، فمقتضى حدوثه يوم الثلاثاء أن التنجز حدث أيضًا يوم الثلاثاء، فإذا كان التنجز حدث يوم الثلاثاء، فكيف يُدّعى سرايته إلى يوم السبت، بلحاظ أنّ المعلوم به هو إما نجاسة «ب» أو نجاسة «ج» منذ يوم السبت. فمقتضى دوران المنجزية مدار العلم حدوثًا وبقاءً أن لا تنجز قبل يوم الثلاثاء، فكيف يقال بأن نجاسة «ب» قد تنجزت منذ يوم السبت، وهذا هو الذي أوجب خللًا في العلم الإجماليّ السابق؟ بل تنجز «ب» منذ يوم السبت مستلزم إمّا لتقدّم المعلول على علّته، حيث إنّ التنجز إنما حدث يوم الثلاثاء، فكيف يكون المتنجز منذ يوم السبت؟ أو تأثير المعدوم في الموجود، بأن نقول بأن هذا العلم الذي حدث يوم الثلاثاء أثّر منذ يوم السبت قبل وجوده، وهذا معناه تأثير المعدوم في الموجود، وهو محال. وبعبارة أخرى، إنّ المتنجز هو المعلوم بالإجمال بعنوان كونه معلومًا بالإجمال، أي ليس المتنجز ذات المعلوم، بل المتنجز المعلوم بوصف كونه معلومًا، لأنّ العلم حيثيّة تقيديّة في المنجزية، فلا بدّ أن يكون المتنجز المعلوم من حيث كونه معلومًا، ومقتضى ذلك: فنجاسة «ب» في يوم السبت وإن كانت متقدمة، إلا أنها تقدمت من حيث كونها نجاسة لا من حيث كونها معلومة، وإنما اتصفت هذه النجاسة بكونها معلومة يوم الثلاثاء، فحيث أنّ التنجز موضوعه المعلوم من حيث كونه معلومًا، والمفروض أن نجاسة «ب» لم تتصف بكونها معلومة إلّا يوم الثلاثاء، فلا يُعقل تنجزها منذ يوم السبت. إذًا فما أفاده المحقق النائيني لا يرجع إلى محصَّل. ولكن ما ذكره شيخ المحققين هو أنّ المدعى أن هذا المعلوم السابق أو اللاحق زمانًا متنجّز بهذا العلم، لا أن التنجز يسري إلى ظرفه، بيان ذلك: قد اتفق الأعلام على منجزية العلم في الأطراف التدريجية، كمنجزيته في الأطراف الدفعية، فمن علم إجمالًا بأنّ المال الذي يدفعه له فلان مغصوب، إما المال الذي يدفعه له اليوم أو الذي سيدفعه له بعد شهرين، أحدهما مغصوب لا محالة، فلا إشكال لدى أحد منهم أنّ هذا العلم منجزٌ للطرف الذي سيأتي بعد شهرين على نحو الوجوب المعلّق، بمعنى أن التنجز فعليّ، والاستقبال إنما هو في المتنجز لا في التنجز، فالتنجز فعليّ، لكنّ المتنجِّز بهذا العلم الفعليّ هو طرفٌ استقبالي، فيُقال بأن: جريان أصالة الحِلّ في المال الذي يستلمه الآن معارَض بجريان أصالة الحِلّ في المال الذي يستلمه بعد شهرين، ومقتضى تعارض الأصلين منجزية العلم الإجمالي الفعلي. فكذا الأمر بالعكس، لو علم إجمالًا اليوم، بأنّ المال الذي يستلمه من زيد مغصوب، إمّا المال الذي استلمه اليوم، أو المال الذي استلمه منه قبل شهرين، وافترضنا أن المال الذي استلمه قبل شهرين ما زال محل ابتلائه، فحينئذ يكون العلم الإجمالي منجزًا بلا كلام، التنجُّز فعليّ، إلا أن المتنجز به الطرف السابق، كما أن المتنجز به الطرف الفعلي، فلا فرق بينهما من هذه الجهة، أي أنّ إجراء أصالة الحل في المال الذي استلمه بالفعل، معارَضٌ بإجراء أصالة الحِلّ في المال الذي استلمه قبل شهرين، لا فرق بينهما. وبالنتيجة، السبق واللحوق والمعاصرة في أطراف العلم الإجماليّ لا أثر لها في المنجزية، ولا دخل لها فيها، إذ ما دام لهذا العلم الإجمالي أثر بالفعل، فهو كافٍ في منجزيته، وإن كانت بعض أطرافه متقدمة زمانًا أو متأخرة، فلا فرق من هذه الجهة أبدًا. فمُدّعى المحقق النائيني ليس هو الكشف الانقلابي كما قيل في إجازة عقد الفضولي، بمعنى أن التنجز امتدّ من يوم الثلاثاء إلى يوم السبت عبر الأثير، وإنما مقصود المحقق النائيني أن التنجز الذي حدث بالفعل يوم الثلاثاء اقتضى ترتّب أثر على النجاسة التي انكشفت يوم السبت، فالتنجز فعليّ وإن كان المتنجز به متقدمًا زمانًا. ويكفي في هذا التنجز على مسلك الاقتضاء تعارض الأصول الذي هو يُقرّ بمسلك الاقتضاء. إذًا فبالنتيجة، لم يدعِ المحقق أن التنجز سرى إلى يوم السبت كي يقال بأن هذا من تقدم المعلول على علته، أو أنّه حدث منذ يوم السبت كي يقال بأن هذا تأثيرٌ للمعدوم في الموجود، وإنما التنجز بالعلم الفعليّ طرفه متقدم زمانًا، كما لو كان طرفه متأخرًا زمانًا، فلا فرق بينهما من هذه الناحية.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 135
الدرس 137