نص الشريط
الدرس 138
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 27/7/1436 هـ
تعريف: الطولية بين العلوم الإجمالية
مرات العرض: 2680
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (524)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

يلاحظ على ما أفاده المحقق النائيني «قده» ملاحظتان:

الأولى: أنّ تأخّر الملاقاة رتبةً عن تنجُّس الملاقاة، لا يعني تأخرها رتبةً عن الطرف الآخر، حيث إنّ المحقق النائيني «قده» أفاد بأنه: إذا علم بنجاسة أحد الإناءين، إمّا «أ» أو «ب»، وعلم في نفس الوقت بملاقاة يده أو ثوبه ل «أ»، فقال بأنّ: العلم الثاني، وهو العلم بنجاسة الملاقي، أو الطرف الآخر للعلم الأول وهو «ب»، متأخر رتبة عن العلم الأول، وذلك لأنّ الملاقاة متأخّرة رتبةً عن تنجّس الملاقاة، وهذا غير سماعي، فإنّ الطرف المشترك بين العلمين هو «ب»، والملاقاة ب «أ» إذا كانت متأخرة رتبةً عن «أ»، فليست متأخرة رتبةً عن «ب» الذي هو طرف أجنبيٌّ عنها. فلأجل ذلك، فإنّ مجرّد ما مع المتقدم رتبةً ليس متقدمًا رتبةً، فإنّ كون «ب» مصاحب زمانًا ل «أ»، لا يعني أن يكون «ب» متقدم رتبةً على ما يكون «أ» متقدمًا رتبةً عليه. فلأجل ذلك، ليس العلم بنجاسة الملاقي أو «ب»، متأخرًا رتبةً عن العلم الإجمالي بنجاسة «أ» أو «ب»، لأن «ب» وإن كان طرفًا مشتركًا بينهما، لكن «ب» ليس متقدمًا رتبة عن الملاقي.

وثانيًا: على فرض السبق الرتبي، فلا أثر للسبق الرتبيّ في مسألة ما هو موجبٌ لانحلال العلم الإجمالي، فإنّه أفاد «قده»: أنّ الملاك في انحلال العلم الإجماليّ الثاني، هو أنّه ليس علمًا بتكليفٍ جديد على كل حال، وهذا الملاك إنما يُتصَوَّر في السابق زمانًا لا في السابق رتبةً، فإذا علم إجمالًا إمّا بنجاسة «أ» أو «ب»، وبعد زمن علم إجمالًا إمّا بنجاسة «ب» أو «ج»، فيقال حينئذ: بأنّ العلم الإجماليّ الثاني ليس علمًا بتكليف جديد على كل حال، إذ لعلّ النجاسة هي في «ب»، و«ب» متنجّسة من الأول. ولكن، في التقدم الرتبي لا يأتي هذا الملاك، فإذا كان لديه علمان متعاصران زمانًا، وهما: العلم بنجاسة «أ» أو نجاسة «ب»، والعلم بملاقاة يده ل «أ»، إذًا فهو يعلم إما بنجاسة يده أو نجاسة «ب»، فهذا العلم الثاني، على فرض أنّه مسبوق رتبةً بالعلم الأول، لكن لا يأتي فيه ملاك الانحلال، وهو أنّه ليس علمًا بتكليف جديد على كل حال، بل هو كذلك، لأنّه إن كانت النجاسة في «ب»، فهو علم بتكليف جديد، وإن كانت النجاسة في الملاقاة، فهي علم بتكليف جديد في الملاقي. إذًا، ما دام العلمان والمعلومان متعاصرين، ومجرّد أنّ الثاني متأخر رتبة، فهذا لا ينفي أنّه علم بتكليفٍ فعليٍّ على كل تقدير، إذ ليس لديه علم بنجاسة، بل هو مجرّد علم بنجاسة واحدة، فتلك النجاسة الواحدة إن كانت في «ب» فهي علمٌ بتكليفٍ فعليّ، إن كانت في «أ»، فهي علم بتكليف فعليّ في الملاقي. هذا ما يتعلق بما أفاده الميرزا النائيني «قده» في «أجود التقريرات». وإذا نظرنا لكلام سيدنا «قده» في النظر لكلام شيخه المحقق النائيني «قده»، فنرى أنّ سيدنا في التنبيه الرابع، من تنبيهات العلم الإجمالي، ص 427، جرى على طبق كلام المحقق النائيني، فقال بأنّه: إذا علمنا إجمالًا، إمّا بنجاسة الإناء الأبيض أو الإناء الأحمر، وقد علمنا بذلك مثلًا في يوم السبت، ثمّ علمنا إجمالًا في يوم الأحد إمّا بنجاسة الإناء الأحمر أو نجاسة الإناء الأزرق منذ يوم الجمعة، فالعلم الثاني المتأخر زمانًا أسبق من الأول من حيث المعلوم، فهنا أفاد «قده»: إذًا، فيكون العلم الإجمالي الأول السابق زمانًا، وهو العلم إمّا بنجاسة الإناء الأبيض أو الإناء الأحمر غير منجَّز، والسرّ في انحلاله وعدم تنجزه بعد حصول العلم الإجمالي الثاني، أنه ليس علمًا بتكليف فعلي على كل تقدير، إذ على تقدير أن النجاسة المعلومة في الإناء الأبيض، فهو علم بتكليف فعلي، وأما على تقدير أن النجاسة في الإناء الأحمر، فالمفروض أننا علمنا بنجاسة الإناء الأحمر منذ يوم الجمعة، فليس علمًا بتكليف فعليّ على كل تقدير، فلا يكون هذا العلم - يعني العلم الأول - منجزًا، وهذا جريٌ على وفق مطلب الشيخ النائيني. بل في شريط درسه، كما نقل لنا بعض المحصّلين، شريط 6 - 6 - 8، أيضًا كرّر كلام المحقق النائيني نفسه وارتضاه، ولكنّه عندما وصل إلى بحث «ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة» الذي هو تنبيه متأخر عن التنبيه السابق، قال بأنه: في ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة، توجد مسائل ثلاث:

المسألة الأولى: كما أفاد ص 476: إذا تأخّرت الملاقاة عن المعلوم بالإجمال علمًا ومعلومًا، كما إذا علم بنجاسة «أ» أو «ب»، ثمّ علم بملاقاة يده ل «أ» بعد فترة، فالملاقاة متأخرة علمًا ومعلومًا. وهنا أفاد بأنّ العلم الإجمالي الثاني غير منجز، وهو العلم إما بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر وهو «ب»، والسر في ذلك أن: «ب» قد تنجّز بمنجز سابق، فالأصل ساقط فيه بالمعارَضة في زمنٍ سابق، فتجري أصالة الطهارة في الملاقي بلا معارِض، لأنّ الأصل في الطرف الآخر ساقط بالمعارضة في زمن سابق.

والمسألة الثانية: أن تكون الملاقاة متقدّمةً علمًا على المعلوم بالإجمال، وهذه المسألة لها صورتان:

الصورة الأولى: أن يتّحد المعلومان وإن تقدم العلم بالملاقاة على العلم الإجمالي، كما إذا علم بملاقاة يده لهذا الإناء، وهو إناء «أ»، ثمّ علم إمّا بنجاسة «أ» أو «ب» لكن في زمن الملاقاة، فالملاقاة والنجاسة متّحدان زمنًا، وإن كان العلم بالملاقاة متقدمًا على العلم بالنجاسة. فهنا ذهب «قده» إلى المنجّزيّة، أي أنّ هذين العِلمين، وهما العلم بنجاسة «أ» أو «ب»، والعلم بنجاسة إما الملاقي ل «أ» أو «ب»، فإن هذين العلمين كليهما متنجز، إذ المفروض لا يوجد طرف لأحدهما متنجز في رتبة سابقة.

والصورة الثانية: أن تكون الملاقاة التي علم بها أولًا متأخرةً ذاتًا، أي كما لو علم الآن، وهو في يوم السبت، بأنّ: «أ» أو «ب» متنجزٌ منذ يوم الخميس، وأنّ الملاقاة لأحدهما حصلت يوم الجمعة، فهو الآن علم بنجاسة إما «أ» أو «ب» منذ يوم الخميس، وأن الملاقاة لأحدهما حصلت يوم الجمعة، فالملاقاة متأخرة ذاتًا عن النجاسة المعلومة، وإن كان العلم بالملاقاة متقدم أو معاصر. فقال أيضًا في هذه الصورة بالمنجزية، والسر في ذلك - وهنا انتزع السيد الصدر نظريّة السيد الخوئي، وجعلها نظريةً مقابلةً لنظرية المحقق النائيني -: قال: والسر في ذلك أنّ المدار في المنجزية على المعلوم بما هو معلوم، لا على ذات المعلوم، فصحيحٌ أنّ ذات النجاسة إمّا في «أ» أو «ب» حدثت منذ يوم الخميس، وذات الملاقاة حصلت يوم الجمعة، لكن بما هما معلومان متعاصران، لأنّه عَلم يوم السبت بكليهما، عَلم بنجاسة إمّا «أ» أو «ب» منذ يوم الخميس، وعَلم بملاقاة يده ل «أ» يوم الجمعة، فالملاقاة والنجاسة بما هما معلومان حصلا الآن في يوم السبت، وبما أنّ المنجّزية تدور مدار المعلوم من حيث هو معلوم، إذًا فلديه علمان فعليّان، علم بنجاسة «أ» أو «ب»، وعلمٌ بنجاسة إمّا الملاقي ل «أ» أو «ب»، فليس أحدهما متنجِّز بمتنجِّز سابق. وقال: ونظير المقام، ما إذا علم إجمالًا إما بنجاسة الإناء الأبيض أو الأحمر، وعلم إجمالًا إما بنجاسة الأحمر أو الأصفر، فإنّ العلمين متنجزان.

والمسألة الثالثة، وهي: ما إذا كانت الملاقاة متقدمةً زمانًا على المعلوم بالإجمال، فإذا افترضنا أنّه علم بالملاقاة بعد العلم الإجماليّ بالنجاسة، لكنّه علم بحصول ذلك من قبل حصول العلم الإجمالي بالنجاسة، فهنا أفاد في هذه الصورة عدم المنجّزية تبعًا للمسألة الأولى. فلأجل ذلك قلنا بأنّ: ما ذكره سيدنا ص 427 متهافتٌ مع ما ذكره في ص 487، ولعلّه جرى في التنبيه الرابع على ما قرّره في الدورة السابقة كما في الدراسات، ولما وصل إلى هذا التنبيه، وهو مُلاقي أحد أطراف الشبهة عدل عمّا سبق، وإن كان المحقق للكتاب أخطأ، لأنّه ذكر في ضمن ص 488 «لما ذكرناه سابقًا»، وأرجعه المحقق لما ذكره في التنبيه الرابع الذي يُخالف ما ذكره هنا، فلا يصحّ أن يقول «لما ذكرناه سابقًا»، ويكون مقصوده من «ما ذكرناه سابقًا» هو التنبيه الذي مضمونه يخالف ما ذكره فعلًا. وقد أورد السيد الشهيد على كلامه، يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 137
الدرس 139