بسم الله الرحمن الرحيم
﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
صدق الله العلي العظيم
انطلاقًا من الآية الشريفة نقوم بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي وردت نتيجة المحاضرات السابقة، استكمالًا لتوضيح بعض النقاط أو تصحيح البعض الآخر.
السبب الأول: أنا منذ تسع سنوات وأنا أقيم كلّ سنة أيام الصيف في أوروبا، وشاهدت أنَّ ظاهرة الإلحاد تنتشر بين الشباب المؤمن، والتشكيكات تدخل إليهم من كل جانب ومكان، وذلك عبر شبهات تبتني على نقاط فيزيائية ورياضية، لا يدخلون إليهم عبر كلمات عامية أو شبهات خطابية، وإنّما عبر شبهات مبنية على مبادئ فيزيائية أو رياضية، لذلك رأيت من اللازم ومن الضروري أن يقوم رجل الدين بمراجعة هذه العلوم بحيث يكون على وفرة منها ليكون قادرًا على ردّ هذه الشبهات وعلى دفعها.
طبعًا سبقنا علماء ورجال دين سلكوا هذا المسلك، منهم الشهيد السيد محمد باقر الصدر قبل خمسين سنة وأكثر، استعان بالنظريات الفيزيائية في كتاب فلسفتنا وغيره في ردّ كثير من الأفكار الإلحادية، يعني هذا ليس أمرًا جديدًا. بدأت رحلة مع علم الفيزياء دراسةً وثقافةً حتى أدخل في هذا الطريق من أجل التمكّن من ردّ هذه الشبهات بهذا الأسلوب وبهذا الطريق.
السبب الثاني: أنّ المنابر كما ترون متنوعة، هنالك منابر متخصصة في التاريخ، هنالك منابر متخصصة في الفقه، هنالك منابر متخصصة في عرض المشاكل الاجتماعية وعلاجها، وكل منبر هو مشكور على جهده ومشكور على تعبه، ولكل منبر هواة، ولكل منبر راغبون، فنحن غربنا أن ننوع أدوار المنبر، كما أنّ للمنبر أدوارًا في مجال التاريخ والفقه والفلسفة والوعظ والإرشاد، فليكن للمنبر أيضًا دور في مجال الحديث العلمي في ردّ الشبهات ومواجهة التشكيكات، فهذا من باب تنويع أدوار المنبر، والناس باختيارهم يحضرون أيّ منبر يعجبهم، يفيدهم، يغذيهم بما هو صلاحٌ لهم.
ثانيًا: كنت أراجع أساتذة في الفيزياء يوميًا قبل محاضرتي على المنبر، وكنت أعرض تمام النقاط عليهم، نعم قد يصحّحون وقد يلاحظون وقد يؤيدون، هذا الشيء لا إشكال فيه، ولا يعني هذا أنّ المحاضرات كانت خالية من الأخطاء! الإنسان ليس معصومًا، ربما نقلت معلومة خطأ، ربما أخطأت في اللفظ، ربما كان التقريب للفكرة ناقصًا، هذا يحصل من المتخصص فكيف من غيره؟!
نعم، كتب الدكتور عمرو شريف أيضًا كتب قيّمة، فيها جهود جبّارة، نحن أيضًا راجعنا أربعة كتب من كتبه: كيف بدأ الخلق، خرافة الإلحاد، رحلة عقل، الوجود رسالة توحيد. لخّصنا هذه الكتب، استقرأنا مصادرها، صحّحنا بعض ما فيها، هذه الكتب تحتاج إلى مراجعة المصادر، تنظيم المعلومات، والربط فيما بينها، أيضًا هذا ضممناه إلى المصادر التي قمنا بمراجعتها في ذلك.
ذكرنا أيضًا أنَّ المجال المغناطيسي للقلب المتغيّر يفوق بخمسة آلاف ضعف ما للمخ من المجال المغناطيسي، وأنه يمكن رصد هذا المجال من 2 إلى 3 متر من جسم الإنسان، ذكرنا هذه المعلومة، ما هو مصدرنا؟ «دامسيو» في دراسة له نُشِرت عام 1994 بعنوان «الخطأ والعاطفة والاستدلال»، «واديكنز» في عام 1995 بعنوان «الإدراك والعاطفة والحصانة شبكة استتبابية» نُشِرَت في الربع - سنوية في الطب.
ذكرنا أنَّ القلب يستقبل الموجات الكهرومغناطيسية ويفكّ الشفرة ويترجمها إلى مشاعر وأحاسيس، ارجع إلى ما ذكره «باديسون» في دراسة عام 1998 بعنوان «الطاقة الخفية في القلب»، أيضًا «فريد ريكسون» في دراسة له «ما الفائدة من العواطف الإيجابية» نُشِر عام 1998.
ذكرنا أنَّ بين القلوب تواصلًا، بين قلب الأم وقلب الطفل، وإن لم يكن هنالك كلام، هذا موجود، راجع موقع «هارت ماث» يعني رياضيات القلب، و«كونشينز لاين نيوز» أخبار الحياة الواعية، المشرف عليه الدكتور «باولاك». ذكرنا أنَّ للقلب جهازًا عصبيًا، وذكرنا تفاصيل، ذكر ذلك «أورمر» و«أرديل» ونشرا أبحاثهما عام 1994 في «نيورو كارديولوجي» في نشرة «أكسفورد»، و«أورمر» أيضًا له بحث قام به عام 1991 بعنوان «بنية وعمل الأعصاب داخل الصدر»، وأيضًا «ساند مان» وغيره له دراسة عام 1982. بإمكان أيّ طبيب، أيّ طالب طب، أن يرجع إلى هذه المصادر، ويرى هذه المعلومات التي نقلناها.
قد يقول قائل: هذه المصادر لا تذكر أنّ هذه الأفكار ثوابت علمية حتى نحمل القرآن عليها، وإنّما هي مجرّد بحوث واستنتاجات.
ذكرت أنا في المحاضرة أنّ هذه ليس ثوابت، ذكرت في المحاضرة أنّ هناك من يخدش في القرآن الكريم، ويقول بأنّ قول القرآن الكريم: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، قال: هذا الكلام من القرآن الكريم مخالف للحقيقة العلمية؛ لأنّ القلب مجرّد مضخّة دم. نحن كان غرضنا أن ندفع هذه الشبهة، لا نريد أن نقول بأنّ ما ذكره هؤلاء العلماء في مقالاتهم ثابت، إنما نريد أن نقول: ما هو ظاهر القرآن من أنّ القلب يعي هذا له موافق، مجموعة من الأبحاث والمقالات، ربما هذه لم تصل إلى أن تكون حقائق علمية أو ثوابت، لكن لا يصح أن نشكل على القرآن بأنه مخالف للحقيقة العلمية مع وجود بحوث ومقالات منذ عشرين سنة كُتِبَت في مجال وعي القلب، وهذا البحث مستمرٌ في هذا الطريق.
هنالك نقطة أيضًا، بعض الأطباء ناقشني، أنا مستغرب من هذه المناقشة. نحن عندما نقول: القلب يعي، ما هو مرادنا؟ يعني مثل وعي المخ؟ لا، هنالك فرق بين الوعي البسيط والوعي المركّب، أنا أعي وأعي أنني أعي، هذا يسمّى وعيًا مركّبًا، أنا واعٍ لوعيي، هذا يسمّى وعيًا مركبًا، هذا لا ندّعيه للقلب، لا نقول: القلب يعي وعيًا مركبًا، حتى تقولوا بأنّ هذه الأبحاث لا تثبت هذه الدرجة من الوعي، وإنما ندّعي أنّ القلب يعي وعيًا بسيطًا، مثل الحس، الأعصاب، كل عصب في الإنسان له درجة من الإحساس، درجة من الوعي، لكن هذا الوعي وعي بسيط وليس وعيًا مركبًا، فما كان الغرض الإشارة إليه هو الوعي البسيط لا الوعي المركّب، حتى يقال بأنّ هذا لا دليل عليه أو لم تثبت الدراسات أو المقالات التي أشرت إليها.
طبعًا أنا لن أستطيع الإجابة عن الأسئلة كلها، ولهذا قسّمت الأجوبة على المجالس الثلاثة، في هذا المجلس سأجيب على جزء من الأسئلة، في المجلس الثاني والثالث سأجيب عن الجزء الآخر من الأسئلة، لا يمكنني استيعاب إجابة المسائل كلها في هذه الساعة المخصّصة في هذا المجلس، خصوصًا أنّ الأسئلة كثيرة، وهذا شيء يفرحني، يفرحني أنّ موسم عاشوراء في هذه البلدة الطيبة في الكويت كان موسمًا مباركًا موفقًا، والدليل على أنه موسم مبارك زخم الحضور وكثرة الأسئلة التي وردت من داخل الكويت ومن خارجه، وإن كنت أنا أرتّب حسب كثرة الأسئلة، الكويت درجة أولى، عمان درجة ثانية، المنطقة الشرقية - القطيف والأحساء - درجة ثالثة، البحرين درجة رابعة، أوروبا وأمريكا درجة خامسة، لعله العراق جاءتنا منها أسئلة قليلة، المهم أنّ هنالك تفاعلًا حول هذه الموضوعات، وكثير من الأسئلة وردت، طبعًا حذفنا المكرر، تركنا غير المهم، بالنتيجة مجلس واحد لا يكفي، لذلك أجيب على بقية الأسئلة في بقية المجالس.
الإشكال الأول: أنتم ذكرتم كلام «نيكوس» من أنَّ الأرض تقليدية، تدور حول نجم تقليدي، في أحد ذراعي مجرة تقليدية، ثم رددتم على «نيكوس» بأنَّ الكون قابل للفهم الرياضي، فما هي علاقة الرد بالإشكال؟ أنتم تقولون الكون قابل للفهم الرياضي، هذا لا ينفي أنَّ الأرض كوكب تقليدي.
الإشكال الثاني: الكون فيه مئة مليار مجرّة، مجرتنا التي نحن فيها - وهي درب التبّانة - فيها مئة مليار كوكب، فما المانع من أن تكون الأرض صدفة أصبحت قابلة للحياة؟ من بين مئة مليار كوكب يصبح كوكب واحد قابل للحياة صدفة، لا مانع من ذلك، لو كان هو الكوكب الوحيد لصحّ أن نقول: كيف صار قابلًا للحياة صدفة؟! هذا دليل على أن هنالك هدفًا وغاية، أما من بين مئة مليار كوكب هناك كوكب واحد قابل للحياة، هذا يمكن أن يكون على سبيل الصدفة.
ذكرنا تلك الليلة مقدار حجم الأرض، مقدار بعدها عن الشمس، مقدار الغلاف الجوي المحيط بها، مقدار سرعتها، مقدار دورانها حول نفسها، الخصائص الكيميائية المتوفرة في الأرض، إذا لاحظنا هذا المجموع كله فهذا يضعِف احتمال الصدفة ولو كان من بين مئة مليار كوكب، بالنتيجة اجتماع هذه المظاهر والشواهد كلها في كوكب واحد يضعف احتمال الصدفة، ولذلك قلنا: هنالك تناسب عكسي بين فرضية الصدق وفرضية الكذب، اجتماع هذه القرائن يقوّي احتمال الهدفية والغائية ويضعف احتمال الصدفة، إلى أن يصل الاحتمال إلى درجة لا يعتنى به، فمجرد كون الأرض كوكبًا ضمن مئة مليار كوكب لا يعني الصدفة، بل يبقى احتمال الصدفة احتمالًا ضعيفًا نتيجة لتراكم الشواهد والقرائن التي تضعف احتمال الصدفة وتجعله ضئيلًا.
الإشكال الثالث: استشهدتم في المحور الثالث بكلمات جملة من العلماء الغربيين على هدفية الأرض، بينما مصبّ كلام العلماء الغربيين هدفية الكون وليس هدفية الأرض، وأنتم استشهدتم بذلك على هدفية الأرض.
لا، كان مصبّ كلامنا في المحور الثالث على هدفية الكون، واستشهدنا بالكلمات على هدفية الكون، ولكن حيث أن من المؤيدات والمؤكدات على هدفية الكون هدفية الأرض استعرضنا أيضًا هدفية الأرض، لا لخصوصية فيها، بل لتكون شاهدًا على هدفية الكون، مضافًا إلى أن كلمات العلماء الغربيين التي دلّت على أنّ الكون هادف انطلقت من الإنسان الهادف، نقلنا بعض كلماتهم، قالوا: كيف يخلق كون أعمى بلا هدف مخلوقًا هادفًا وهو الإنسان؟! إذن هم انطلقوا من هدفية الإنسان، بما أنهم انطلقوا من هدفية الإنسان إذن بالنتيجة نحن نقول: الإنسان الهادف دلّ على هدفية الكون، وبما أنّ الإنسان الهادف من الأرض وإلى الأرض إذن هدفية الإنسان تعني هدفية الأرض، فبين هدفية الإنسان وهدفية الأرض تلازم، فالاستدلال على هدفية الكون بهدفية الإنسان هو عبارة أخرى عن الاستدلال على هدفية الكون بهدفية الأرض؛ لتلازم الإنسان والأرض.
أضرب لك مثالًا: إنسان عائلته ليست معروفة بالذكاء، بحكم العوامل الوراثية لا يولَد ذكيًا، هل يقال: هذا من الله! لماذا لم يجعله ذكيًا؟! هو انحدر من أعراق هي بهذه الصفة، نتيجة لتزوج أبيه بأمه هو صار هكذا، ولا يصح أن ننسب كل شيء إلى الله، نتيجة عمل بشري حدث هذا الأمر، هذا إنسان ينحدر من أعراق معروفة بالذكاء، يخرج ذكيًا، هذا إنسان ينحدر من أعراق معروفة بالمهارة في الفنون، يكتسب المهارة، العوامل الوراثية تؤثر أثرها، لا أنّ كلّ أمر ننسبه إلى الله، ونعتبره مخالفًا للعدالة وللحكمة وللرحمة.
على فرض أنّ الرواية تامّة سندًا، فهذا راجع إلى اختلاف الترقيم، بعض الآيات اُخْتُلِف في ترقيمها، مثلًا: الآية التي فيها آية التطهير: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، هذه كلها آية واحدة أم عدة آيات؟ بعض الترقيمات تعتبرها كلها آية واحدة، بعض الترقيمات تعتبرها عدة آيات، إلى قوله: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ آية، إلى قوله: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ آية ثانية، إلى قوله: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ آية ثالثة، بعضهم يعتبرها ثلاث آيات وبعضهم يعتبرها آية واحدة.
كذلك البسملة، البسملة عند إخواننا أهل السنة ليست آية من كل سورة، بينما المعروف عند علماء الشيعة أنها آية من كل سورة، إذن نتيجة هذا الاختلاف سوف يصبح اختلاف في الترقيم، نتيجة الاختلاف في الترقيم تحمَل هذه الرواية - رواية الكليني - على أنها من باب الاختلاف في الترقيم، لا أنّ هناك اختلافًا في مادة القرآن، مادة القرآن ليس فيها زيادة ولا نقيصة، وإن وقع اختلافٌ في ترقيم الآيات.
السبب الآخر: أنت كل شيء تريد أن تأخذه بالراحة؟! أنت لا تبحث إلا عن الراحة؟! كل شيء لا تريد أن تصل إليه إلا بالراحة؟! الله خلق عالمًا مثاليًا، وهو الآخرة، الجنة، ولكنّ الله تبارك وتعالى يرى أنّ كمال الإنسان أن يصل إلى المثالية عن جدارة واستحقاق، لا أن يصل إلى المثالية بشكل جاهز. مثلًا: أنت تأتي إلى طفلك، طفلك عمره خمس سنوات، تعطيه شهادة دكتوراه، هل يستفيد منها؟! لا يستفيد منها، لأنه لم يصل إلى هذا الكمال عن جدارة واستحقاق، وصل إليه بشكل جاهز.
الكمال متى تحصل عليه؟ إذا وصلت إليه عن جدارة واستحقاق، كل كمال تصل إليه عن جدارة واستحقاق تشعر بطعمه، تشعر بالسعادة به، لأنك وصلت إليه عن جهد وتعب، كل كمال تصل إليه عن جهد وتبع تشعر بطعمه، تشعر بالسعادة بالتفاعل معه، وأما لو حصلت على منصب هكذا صدفة! أو حصلت على مبلغ مالي لا تلحم به صدفة! الشيء الذي تصل إليه بجهد وتبع هو الذي تشعر بالسعادة عند التفاعل معه، وهو الذي تشعر بكماله وطعمه، ولذلك أراد الله تبارك وتعالى أن نصل إلى العالم المثالي - وهو الجنة - عن جدارة واستحقاق، عن إرادة، عن مجاهدة، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
لذلك اختلف الناس، منهم من وصل إلى الشر، منهم من وصل إلى الخير، منهم من ارتفع، منهم من هوى، كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾، هذا سار نحو الحفيرة، سار نحو النزول، وهنالك من سار نحو الصعود، فإذن هنالك فرق بين البشر، والكل باختياره وإرادته، هنالك فرق بين الحر بن يزيد الرياحي وعمر بن سعد، عمر بن سعد كان جنديًا في جيش الإمام علي، عمر بن سعد ابن خالة علي الأكبر، بينه وبين علي الأكبر نسب، وكان جنديًا في جيش الإمام علي وقريبًا من بيت الإمامة، لكنه ختم حياته بالسوء، ولذلك الإمام الحسين جلس معه ليلة العاشر قبل أن تقع الواقعة، وذكّره بالماضي، وذكّره في أي موقع كان، لكنه أصرّ على أن يتّخذ هذا الموقف، ولذلك قال له الحسين: لا أكلت برَّ العراق، وفعلًا بعد قتل الحسين ما استطاع أن يأكل بيده بدعوة الحسين ، هذا عمر بن سعد ختم حياته بالسوء.
والحر بن يزيد الرياحي جاء لقتال الحسين، جاء في زهاء ألف فارس لقتال الحسين بن علي، لكن يوم العاشر من المحرَّم، إلى يوم العاشر وهو ما زال على طريقه، يوم العاشر من المحرّم عندما استعر القتال، ورأى الذبح والفتك بآل بيت رسول الله، التفت إلى عمر بن سعد، قال: أنت مصر على قتال هؤلاء؟ قال: نعم قتالًا أهونه أن تطير الرؤوس وتقطَع الأيدي، وإذا به يرتعش بدنه، قال أحد أصحابه: ما أصابك أيها الحر؟ لو قيل: من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، قال: ما أصابني شيء ولكن أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، والله لا أختار على الجنّة شيئًا أبدًا. يمّم نحو الحسين، وقال: هل لي من توبة؟ قال الحسين: إذا تبت تاب الله عليك، ولما قُتِل وقف الحسين على جسده وقال: صدقت أمّك حين سمّتك حرًّا؛ أنت حرٌّ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة. ختم حياته بالحسنى، هذا الحر.