نص الشريط
شخصية الأبناء بين الوراثة والتربية الصالحة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مجلس الغدير - النرويج
التاريخ: 9/1/1444 هـ
مرات العرض: 1977
المدة: 01:00:44
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (146) حجم الملف: 17.3 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتناول ثلاثة محاور:

  • تأثير العامل الوراثي على شخصية الإنسان.
  • التوفيق بين العامل الوراثي وبين حرية الاختيار.
  • معالم التربية الناجحة.
 المحور الأول: تأثير العامل الوراثي في شخصية الإنسان.

هل أن للوراثة تأثير على شخصية الإنسان أم لا؟

عندما نرجع إلى مجلة عالم المعرفة العدد 100 الدكتور محمد الربيعي يتحدث عن تأثير الوراثة على شخصية الإنسان يقول: تبدأ الحياة عندما تتحد الخلية الذكرية مع الخلية الأنثوية، بمعنى أن الحيوان المنوي للذكر يخترق الغلاف الخارجي للبويضة الأنثوية، ثم ينفذ إليها حتى تتحد النواة الذكرية مع النواة الأنثوية، فإذا اتحدت النواتان بدأ العامل الوراثي يشق مساره، كلا من نواة الحويمن المنوي ونواة البويضة الأنثوية تتضمن ثلاثة وعشرين من الكروموسومات، وهذه الكروموسومات تحمل أشكالاً زوجية وتتولد مسألة التأثير الوراثي عندما تقع مجموعة من الجينات المورثة من الذكر على مجموعة من الكروموسومات المماثلة للأنثى، ونتيجة ذلك أن يشق التأثير الوراثي مساره فتأثر العوامل الوراثية.

العوامل الوراثية تأثر في ثلاثة مجالات: في الصفات الجسدية، وفي الأمراض، وفي الصفات الخلقية.

الولد يكتسب من أبويه لون الشعر ولون العينين وطول القامة ونوع الدم، وهذه الصفات الجسدية يكتسبها بالوراثة، وأيضاً يكتسب الأمراض الوراثية، فالأمراض الوراثية في العالم ثلاثة آلاف مرض تنتقل من الأجداد إلى الآباء إلى الأحفاد، ربما لا يكون الأب مصاباً ولكنه يحمل المرض من الجد إلى الحفيد وإن لم يكن نفس الأب مصاباً، لاحظوا مثلاً مسألة عمى الألوان، المصاب بذلك المرض لا يرى تمييزاً بين الألوان، عمى الألوان ينتقل من الأب إلى سبطه عبر ابنته، فالبنت لا ترث عمى الألوان ولكن تكون واسطة في نقله من الأب إلى ولدها الذكر، إذن ربما الأمراض الوراثية تنتقل من طرف إلى طرف آخر بواسطة غير مصابة، وإنما تكون حاملاً للمرض وواسطة في نقل المرض.

وكما تنتقل الصفات الجسدية بالوراثة تنتقل الصفات الخلقية بالوراثة أيضاً، الكرم يورث والبخل يورث والجبن يورث والشجاعة تورث، كثير من الصفات تنتقل إلى الأحفاد وإلى السلالة عبر العوامل الوراثية.

 المحور الثاني: التوفيق بين العامل الوراثي وبين حرية الاختيار.

عندما نقرأ القرآن الكريم وهو يتحدث عن تأثير العامل الوراثي يقول عن لسان النبي نوح عليه الصلاة والسلام ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا «26» إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا «27» [نوح: 26 - 27] أي أن الكفار خلَّفوا كفاراً كأنما الكفر يورث من الأب إلى الولد.

وعندما يأتي إلى صفة النبوة والنجابة يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ «33» ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «34» [آل عمران: 33 - 34] أي أن الأنبياء سلالة من الجد إلى الأب إلى الحفيد، كأنما النبوة وهذه الصفات القدسية تنتقل عبر العامل الوراثي.

من هنا يأتي السؤال إذا كان الكفر بالوراثة فلماذا يُحاسَب الكافر؟ أليس حسابه ظلماً؟ وإذا كان الإيمان بالوراثة هل يستحق المؤمن جزاء وهو قد ورث الإيمان؟ أليس هناك تناف بين وراثة الكفر والإيمان وبين الحساب والجزاء؟

هنا أجوبة ثلاثة في التوفيق بين تأثير العامل الوراثي وبين حرية الاختيار لدى الإنسان:

الجواب الأول:

الكفر والإيمان لا يورثان، بل هما سلوك والسلوك لا يورث وإنما يرث الإنسان الاستعداد الذي يؤدي به إلى الكفر أو الإيمان، مثلاً الاستعداد للتمرد، عامل التمرد هو العامل الذي يورث ولكن هذا التمرد قد يتحول إلى كفر من الإنسان المتمرد، وعامل السكينة هو الذي يورث ولكن هذا العامل قد يتحول إلى إيمان، فالكفر والإيمان لا يورثان وإنما الذي يورث هو العامل النفسي كالتمرد أو كالسكينة والهدوء.

الجواب الثاني:

هناك فرق بين الاستعداد وبين السبب، الصفات الوراثية ليست سبباً إنما مجرد استعدادات، أي من كان أبوه كريماً لن يكون حتماً كريماً ولكن لديه استعداد للكرم، ومن كان أبوه جباناً لن يتحتم أن يكون الابن جباناً وإنما يكون لديه استعداد للجبن، الصفات الوراثية مجرد استعدادات وليست أسباب تؤدي بالإنسان إلى صيرورتها على طبق الصفات الوراثية، ولذلك حتى علماء الوراثة يقولون تأثير الوراثة يحتاج إلى بيئة، وبدون بيئة لا تؤثر العوامل الوراثية، العامل الوراثي يحتاج إلى بيئة حاضنة، مثلاً إنساناً أبوه من الأذكياء فهو يرث الذكاء ولكن ذكاءه لا يتوقد إذا لم تكن البيئة الحاضنة تساعده على بلورة هذا الذكاء، فلو كان هذا الإنسان الذكي يعيش في بيئة أسرة خاملة لا يستفيد من ذكائه، الذكاء يورث لكن لا يتحول إلى صفة إلا ببيئة تساعده على تحوله إلى الصفة.

إذن العامل الوراثي يحتاج إلى البيئة، فإن كانت البيئة مساعدة على ظهوره ظهر وإلا اختفى تأثيره، فالكفر والإيمان لا يورث هناك عامل يحتاج إلى بيئة كافرة حتى يصبح الإنسان كافراً، وهناك عامل يحتاج إلى بيئة مؤمنة حتى يصبح الإنسان مؤمناً، ولذلك ورد عن النبي محمد : ”كل مولود يولد على الفطرة إلا أن يكون أبواه يهوديان فيهودانه أو مجوسيان فيمجسانه“ إذن البيئة هي التي تعمل أثرها وإلا فهو بنقاء الفطرة يخرج من بطن أمه.

الجواب الثالث:

عندنا نظرية هي حقيقة في معتقد الإمامية، وهي ما يعبر عنها بنظرية الأمر بين الأمرين، في عهد الإمام الصادق وجدت ثلاث مدارس: مدرسة المجبرة، مدرسة المفوضة، مدرسة الأمر بين الأمرين.

  • المدرسة الأولى: مدرسة المجبرة؛ يقولون أن الإنسان مجبور على الإيمان أو الكفر، مجبور على السلوك الحسن أو السيء لأن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [غافر: 62] فهو خلقني وخلق إرادتي وسلوكي وأفعالي، فإذا كان هو الخالق لكل شيء إذن كل شيء منه، سلوكي السيء منه وسلوكي الحسن منه، فالإنسان مجبور.
     
  • المدرسة الثانية: مدرسة المفوضة، تقول أن الإنسان مفوض يفعل كما يشاء وحر كما يشاء، الله تبارك وتعالى خلق الكون واعتزل، والكون يدبر نفسه بنفسه والإنسان يدبر نفسه بنفسه.
     
  • المدرسة الثالثة: وهي الحقيقة التي طرحها الإمام الصادق لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، هناك فرق بين السبب والشرط، السبب ما منه الوجود، والشرط ما به الوجود، عندما أريد أن أكتب على الورقة أكتب بالقلم، فالكتابة تحتاج إلى عنصرين سبب وشرط، السبب حركة يدي، والشرط وجود القلم، ولولا وجود القلم ما استطعت الكتابة، أنا السبب وحركة يدي هي السبب ولكن السبب لا يكفي لوجود الفعل لابد من وجود شرط وهو وجود القلم.

عندما أريد أن أفتح الباب لا يمكن أن أفتح الباب من دون مفتاح، فعندما أحرك يدي فيتحرك المفتاح فهنا سبب وشرط، حركة يدي هي السبب، وحركة المفتاح السليم هي الشرط، لو كان المفتاح غير سليم لا يتحرك ولا تفيده حركة يدي، إذن لكل عمل عنصران سبب وشرط.

نفس الأمر في الأفعال الاختيارية، عندما أريد أن أجلس في المأتم لأستمع إلى المحاضرة، هذا العمل يحتاج إلى سبب وشرط، السبب هو العقل والإرادة، أنا أتصور الذهاب إلى المأتم أولاً ثم يقوم بالبرمجة والتخطيط للذهاب، هذا كله عمل عقلي، بعد أن تتم العملية العقلية يأتي دور الإرادة والعزم والتصميم، الإرادة كما يعرِّفها العلماء إشارة الدماغ للأعصاب بالحركة، فالدماغ يعطي الأعصاب إشارة أن تتحرك فتتحرك الأعصاب، إشارة الدماغ للأعصاب بالحركة تسمى بالإرادة، لدي عقل يبرمج ولدي إرادة وهي إشارة من الدماغ للأعصاب بالحركة.

والشرط هي الطاقة البدنية، احتاج مع العقل والإرادة إلى عامل آخر وهو الطاقة الجسمية، فلولا الطاقة ما استطاع الإنسان أن يقوم بأي عمل، من هنا يأتي السؤال هل هذه العناصر الثلاثة منك أو من الله؟

يقول الإمام الصادق هذا العمل من صلاة ومشي وحضور في المأتم يعتمد على عنصرين عنصر من الإنسان وعنصر من الله عزوجل، العنصر الذي من الإنسان هو العقل والإرادة؛ لأن الإنسان هو الذي خطط للحضور إلى المأتم وهو الذي عزم على الحضور، فالعقل والإرادة من الإنسان، ولكن العنصر الآخر ألا وهو الطاقة الجسمية فهو من الله تبارك وتعالى.

فليس العمل جبراً وليس تفويضاً، لست مجبور لأن عندك عقل وإرادة ولست مختار تماماً لأنك تحتاج إلى الطاقة البدنية التي يهبها الله إياك.

من هنا يقول الإمام أن الأمر تعادل لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، الإنسان هو السبب، والله يعطيه الطاقة، ولكن الإنسان هو السبب وراء حركة الطاقة، فهو بعقله وإرادته صرف الطاقة التي وهبه الله إياها في الخير أو في الشر، لذلك ينسب الفعل إلى الإنسان ويحاسب الإنسان ويجازى على فعله.

السيد الخوئي قدس سره أستاذ الفقهاء والمجتهدين في كتابه البيان في تفسير القرآن يتعرض لمعظم قواعد علم الكلام والمعتقدات لدى الشيعة الإمامية، ومن جملتهم نظرية لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، ويطرح عليه مثال جميل يقول لو فرضنا أن إنساناً مشلولاً لا يقدر على حركة اليد لكن طبيباً ماهراً استطاع أن يبث الطاقة إلى اليد عبر أداة كهربائية معينة فإذا قام هذا الطبيب الماهر وبث الطاقة في اليد وصار الإنسان يحرك يده بواسطة الأداة الكهربائية هل هذه الحركة اختيارية أم جبرية؟ يقول لا جبرية ولا اختيارية أمر بين أمرين، حركة اليد هنا ليست جبرية لأن الإنسان يمتلك إرادة، فباستطاعة هذا الإنسان المشلول أن لا يتحرك حتى لو ملكت اليد الطاقة الكهربائية، وفي نفس والوقت ليست اختيارية لأنه لولا الطاقة الكهربائية الخارجية لما استطاع أن يحرك يده، فحركة اليد بين البين، بين الجبر والتفويض، لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، فإذا تحركت اليد نسبت الحركة للإنسان لأنه هو الذي يمتلك العقل والإرادة.

إذن لا يصح لأحد أن يقول العامل الوراثي هو الذي أجبرني على أن أكون ظالماً لأن آبائي ظلمة، وأن العامل الوراثي هو الذي أجبرني على أن أكون كافراً لأن آبائي كفرة، العامل الوراثي لا يسلبك الإرادة والعقل، مهما اجتمعت العوامل الوراثية فإن الفعل فعلك والسلوك سلوكك لأنك تحتاج إلى العقل والإرادة في صدور السلوك منك، فأنت السبب في صدور أي فعل اختياري منك، ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء: 18] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء: 19] ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا [الإسراء: 20]

 المحور الثالث: معالم التربية الناجحة.

ما هي التربية وما هي معالم التربية الناجحة؟

هناك فرق بين عناوين ثلاثة: رعاية، تعليم، تربية.

الرعاية هي توفير وسائل العيش من مسكن وملبس وغذاء ووسائل مواصلات والوسائل الصحية، والتعليم هو نقل المعلومة من إنسان إلى إنسان آخر، وأما التربية فهي إحياء الطاقة، لابد أن تلتفت إلى طاقة ابنك، هناك ولد يحمل طاقة عقلية إذن ذهنه يناسبه الرياضيات والفلسفة، وهناك ولد عنده طاقة فنية كالرسم، والتمثيل، والتجسيم، وهناك ولد عنده قدرة تقنية مثل تقنية الأصوات والأجهزة وغيرها، فكل ولد يحمل طاقة، وعلى الأبوين أن يكتشفا طاقة الولد وأن يهيئا الفرصة للولد لكي يبلور طاقته ويظهر موهبته وقدراته وملكاته، إحياء الطاقات هو التربية، فإذا أردت أن تربي ابنك تربية حقيقية وفر له الفرصة التي تحيي طاقته وتظهر موهبته، فإن التربية هي إحياء الطاقة.

معالم التربية الناجحة:

  • المعلم الأول: قراءة مراحل النمو، الطفل في كل وقت في مرحلة، وكل مرحلة تحتاج إلى أسلوب، يقول الرسول : ”لاعب ابنك سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً“ أي أن السبع السنوات الأولى هي لعب ومزاح وضحك، وأما السبع الثانية فهي أدب يقول الإمام علي لولده الحسن «عليهما السلام»: ”إنما قلب الحدث كالأرض الخالية كلما ألقي فيها شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك وينشغل لبك“ الأدب، والأخلاق، والقيم، كيف يكون إنساناً ذا منطق مهذب، كيف يحترم الكبار، كيف يتعامل مع الناس بالكلمة الهادئة، كيف يعيش مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63]، «وصاحبه سبعاً» بمجرد أن يكون عمر ابنك أربعة عشر سنة لابد أن تكون صديقاً له، كثير من الآباء يبلغ ولده هذا السن يتعامل مع ابنه بروح السلطة والأمر والنهي، وهذه تربية غير صحيحة، فبعد سن الرابعة عشر صاحبه وتحول إلى صديق وصاحبه وإلا فالولد ينفر منك خصوصاً إذا عاش الولد في الغرب، الإمام أمير المؤمنين علي يقول: ”ولدك ريحانتك سبعاً وخادمك سبعاً ثم عدوك أو صديقك“ فإذا انفتحت على ولدك وأصبحت تسأله عن همومه وأفكاره وتشاركه في همومه وآرائه وتشجعه وتقف معه وتسنده سيتحول إلى صديق لك وستكسبه وسينفتح عليك بكل أفكاره وآرائه، وأما إذا تعاملت معه بروح السلطة وروح الأمر والنهي سيتحول إلى عدو ينفر منك ومن الجلوس معك.
     
  •  المعلم الثاني: مواكبة المستجدات، يقول أمير المؤمنين: ”لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم“ ليس المقصود بالآداب الأخلاق وإنما العادات، فالعادات تتغير، عادات الشرق تختلف عن عادات الغرب، لكل مجتمع عاداته، ولكل مرحلة عاداتها، ولكل زمن عاداته، نتعامل مع أبنائنا بلغة الجذب والاحتضان لا بلغة التنفير، وهذا ما يركز عليه الحديث الشريف الوارد عن الإمام أمير المؤمنين علي .
     
  • المعلم الثالث: التربية على القيم، كيف يعيش الإنسان في الغرب بين الاندماج والثبات، الإنسان المسلم في الغرب يعيش صراع بين الاندماج وبين الثبات على مبادئه، كيف يعيش توازناً، التوازن بين الاندماج بالمحافظة على القيم الإيجابية بين الشرق والغرب، الغرب له قيم إيجابية والدين أيضاً طرح قيماً إيجابية، فعندما يجمع الإنسان القيم الإيجابية للغرب وللتراث الإسلامي فإنه يستطيع أن يعيش توازناً بين الاندماج والثبات.

من القيم الإيجابية في الغرب:

  1. القيمة الأولى: استثمار الوقت والمحافظة عليه والدقة فيه، هناك نظام في استخدام الوقت واستثماره، استثمار الوقت وتنظيم الوقت قيمة إيجابية في الغرب لكن لها أصول وجذور في التراث الإسلامي، ورد عن الإمام علي أنه قال: ”كل يوم يمر على ابن آدم يخاطبه، أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد، فقل فيَّ خيراً، واعمل فيَّ خيراً، أشهد لك بذلك يوم القيامة“، وورد عنه : ”كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك“.
     
  2. القيمة الثانية: احترام القانون، الغرب يثير ثقافة احترام النظام والقانون كقانون المرور، وقانون البلديات، وقانون التعليم، وقانون الصحة، لا تحاول أن تلف على القوانين والأنظمة حتى يحصل على بعض الأرباح والأموال، كن إنساناً صادقاً بينك وبين ربك، تحترم القانون وتحترم النظام، إذا اتسم المسلون في الغرب باحترام القانون والنظام كانوا وجهاً حسناً عن دينهم ومبادئهم، عن الإمام الصادق : ”كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم“ وهذا أيضاً موجود في التراث الإسلامي، الإمام علي في آخر لحظات حياته يقول: ”الله الله في نظم أموركم“.
     
  3. القيمة الثالثة: التشجيع على التفوق العلمي، كثير منا يقبل من أبنائه أن ينجح فقط، ولكن المهم هو أن يتميز، نشجع أولادنا على التميز لا على مجرد النجاح، ترى في الغرب تنافساً على البحوث العلمية وعلى المناصب العلمية، تنافساً على المخترعات والأفكار البكر، حاول أن تشجع ابنك على أن يكون متميزاً في دراسته وليس فقط ناجحاً ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9].

وهناك قيم عظيمة في الدين الإسلامي:

القيمة الأولى: الحث على الأجواء الجمعية.

أي أن الإسلام يركز على الحس الاجتماعي والجو الجمعي كما يعبر علم النفس الاجتماعي عنه بالعقل الجمعي لا على العقل الفردي؛ لأن الإنسان دائماً يتأثر بالعقل الجمعي، فبالعقل الجمعي يكتسب الإنسان المعصية وبها يكتسب الطاقة، أبناؤنا يعيشون في الغرب إذن سيتأثرون بالعقل الجمعي في الغرب، فعندما يعيش وأمامه الكثير من المغريات فمن الطبيعي أن يتأثر بهذا العقل الجمعي، ولكي نحافظ على إيمان أبنائنا نحتاج إلى عقل جمعي مضاد لهذا العقل الجمعي، العقل الجمعي المضاد هو الذي أمر به الإمام الصادق : أتجلسون وتتحدثون؟ قلت: بلى يا سيدي. قال: إني أحب تلك المجالس فأحيوا فيها أمرنا.

وقال الإمام الرضا : ”من جلس في مجلس يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“.

هذه المجالس التي تعقد هي عقل جمعي، وهذا العقل الجمعي له دلالات: دلالة اجتماعية؛ أنه يقوي الأواصر بين الناس، دلالة روحية؛ أن فيه صلاة ودعاء وفيه قرباً من الله يعطي أبناءنا شحنة روحية نحو العلاقة والارتباط مع الله تبارك وتعالى، فيه دلالة ثقافية؛ أن أبناءنا في هذه المجالس يستمعون المحاضرات ويستفيدون من المعلومات، إذن هذه المجالس تؤدي دلالة اجتماعية، دلالة روحية، دلالة ثقافية، لأجل ذلك تشكل عقلاً جمعياً يصون الإنسان الذكر والأنثى عن الانزلاق والانحراف، وهذا ما حث عليه الإسلام في مجال التربية.

القيمة الثانية: الاعتزاز بالدين.

بعض الفتيات في الغرب هي مسلمة ولكنها تخلع حجابها لأنها ضعيفة أمام الإغراءات والضغوط، وبعض شبابنا في الغرب يشرب الكحول ويدخل البارات ويضعف أمام الإغراءات والضغوط، عليك أن تربي أسرتك على الاعتزاز بالمبدأ والدين، الدين أثمن من الشهوات والغرائز، حفاظنا على ديننا ومبادئنا هي السمة السلوكية التي تميزنا، الحفاظ على العزة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]

ومبدأ العزة هو الذي تجلى في مدرسة عاشوراء بأوضح صوره عندما يقول رب هذه المدرسة ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون“ ومن مبدأ العزة يخرج ذلك الشباب الغض ويقول: أنا علي بن الحسين بن علي، نحن وبيت الله أولى بالنبي، أضربكم بالسيف أحمي عن أبي، تالله لا يحكم فينا ابن الدعي.

هل يجوز الحب بين الجنسين؟
ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين