أسئلة متعددة
فاطم - 07/12/2012م
لما ذا الحجاب؟ ما هي فلسفته؟ هل يحتاج المحتشم إلى غطاء محسوس ليثبت حشمته؟ لماذا تحرم المرأة من التمتع بما خلقت عليه من نعمة الجمال التي لا تتوفر في مخلوقات غيرها من أجل أن لا تثير شهوة الرجل؟ لماذا عليها تحمل ضعفه؟ وماذا عنه؟ أين حجابه؟ لما لا يفرض عليه التغطية كما يفرض على المرأة؟؟ لماذا يحق للمرأة النظر والتمتع بما تراه ظاهراً من الرجل ولا يحق له ذلك؟

لماذا تحتكر المرأة لرجل واحد بينما يمكن لها أن تشاركه مع ثلاث أخريات؟ ولماذا أربع نساء بالتحديد؟ لما لا تكونان اثنتين؟ ستة؟ أو حتى تسعة؟؟

كيف لنا أن نوفق بين آيتي {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}؟

كيف لنا أن نوفق بين ما يذكر في القران ومجريات هذا العصر وتغيرات الزمن؟ كيف لكتاب عمره 1400 عام كُتب ليحاكي ذلك العصر وفكره لا يتجاوز عصره، وبه الكثير من المسلمات التي تنافي المنطق والعقل والتي يسقطها العقل طوال هذه المدة، والعلم الآن في تطور مستمر ودائم واكتشاف لأن العلماء لم يسلموا على نظريات كتبت قبل 1400 عام ولم يبحث عن صحتها؟

س/ كيف يمكن التوفيق بين رواية نزول آدم إلى الأرض وبداية الخلق منذ 7 إلى 9 آلاف سنة قبل الميلاد الموجود في القران، وبين ما اكتشفه علماء المستحاثات من هياكل عظمية بشرية بدائية تعود لمليون إلى مليون ونصف سنة.. ألا يدحر هذا كافة فرضية نزول آدم وبداية الخلق؟!

 
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك مجموعة من الأحكام الشرعية هي أحكام احتياطية، والمقصود بالأحكام الاحتياطية ما يراعى فيها نوع المجتمع الإنساني، فمثلاً عندما تقوم أي دولة من الدول بمحاربة المخدرات، فإن خطر المخدر ليس خطراً ثابتاً في كل شخص، وليس خطراً ثابتاً في كل حالة، فلو أن الإنسان مثلاً استخدم المخدر بنسبة لا توجب له غياب الوعي، أو صار يستخدمه في كل شهر أو شهرين مرة مثلاً بحيث لا يكون موجباً للضرر على صحته، فإن خطر المخدر قد لا يظهر في مثل هذه الحالات ولكن بما أنه لا يمكن التقنين بحيث نقول «من لم يضره المخدر أو من كان مستعملاً له بنسبة قليلة أو من كان مستخدما له في أوقات قليلة فيجوز له ممارسة استخدامه بخلاف غيره» حيث لا يمكن ضبط الناس في كيفية استعمالهم للمخدر وفي طريقة استخدامهم له فالدولة مضطرة قانونياً إلى أن تضع قانوناً عاماً بمنع المخدرات كلية، فهذا القانون الذي لوحظ فيه نوع المجتمع الإنساني لا كل شخص شخص يُسمّى بالقانون الاحتياطي، وهناك مجموعة من الأحكام الشرعية بنيت على ذلك، فحرمة شرب الخمر مثلاً فإن الشرع الشريف حرّم شرب الخمر لأجل اسكارها، لكن قد يكون شرب الخمر غير مسكر بالنسبة للبعض، قد تكون طريقة شربه غير مسكرة كما لو كانت بطريقة معينة أو في أوقات قليلة أو كانت بنسب ضئيلة، ولكن لأنه لا يمكن ضبط المجتمع بأسره عبر وضع قانون يُفرّق بين الحالات الضئيلة والحالات الكثيرة، بين الأوقات القليلة والأوقات الكثيرة حرّم الشارع المقدس شرب الخمر على الجميع من اجل الحفاظ على نوع المجتمع الإنساني من الاسترسال وراء السَّكر الذي يجر إلى المفاسد الخطيرة.
 
من هنا تأتي فلسفة الحجاب فإنه ربما لا تكون المحجبة جميلة فلا يضر ظهور وجهها، أو ربما تكون المحجبة جميلة ولكن لا يفتتن بها أحد، ربما يكون الرجل جميلاً، وأمثال ذلك، ولكن إذا نظرنا للنوع البشري العام لا إلى كل شخص شخص، إذا نظرنا إلى نوع المجتمع الإنساني نرى أن المجتمع الإنساني إذا أزيلت الفواصل بين الرجل والمرأة بحيث يتلقى الرجل المرأة بجميع مفاتنها ومظاهرها فإن هذا باب لظهور الانحراف السلوكي، وباب لظهور العلاقات غير المشروعة، كما نشاهده في كثير من البلدان التي لا تلتزم بالحجاب ولا تحافظ عليه، فمن أجل الحفاظ على نوع المجتمع فُرض الحجاب على كل امرأة، غاية ما في الباب أن الفقهاء اختلفوا في جواز فتح الوجه والكفين، فبعضهم جوزه، وبعضهم منعه، والبعض احتاط وجوباً، وهذا لا يتنافي مع استمتاع المرأة بجمالها؛ فإن المرأة تستطيع أن تستمتع بجمالها أمام زوجها وأمام أسرتها، وأمام مثيلاتها من النساء، وتستطيع أن تغذي روح الاستمتاع بالجمال في هذا الجمال، ولا يتوقف ذلك على أن تظهر أمام الرجل الأجنبي، وإلا فقد يتساءل الإنسان لماذا يحرمنا الله تعالى من الاستمتاع بشرب الخمر، فإن في شربه لذة ومتعة ولو بنسبة ضئيلة، ولماذا مثلاً يحرمنا الله من القُبلة الشهوية بين الرجل والمرأة، فإن هذا نوع من الاستمتاع أيضاً إلا أنه لما كان هذا الاستمتاع بلحاظ نوع المجتمع يؤدي إلى الانحراف السلوكي وظهور العلاقات غير المشروعة مُنع منه.
 
لماذا تحتكر المرأة لرجل واحد بينما يمكن لها أن تشاركه مع ثلاث أخريات؟ ولماذا أربع نساء بالتحديد؟ لما لا تكونان اثنتين؟ ستة؟ أو حتى تسعة؟؟
 
هناك بعض الأحكام في الشريعة المقدسة هي أحكام تعبدية، فمثلاً لماذا كانت صلاة المغرب ثلاث ركعات، وصلاة الفجر ركعتين؟! ولماذا تُرمى الجمرات في أيام الحج بمنى سبع حصيّات لا أكثر ولا أقل؟! ولماذا يُطاف بالكعبة سبعة أشواط؟! وأمثال ذلك من المقادير والأعداد التي لها ملاكات وأسرار خفيت علينا ولم يُظهرها لنا المُشرّع الأقدس، والسبب في عدم إظهارها هو تمرين العبد على روح الإطاعة والانقياد، فهذا نظير ما يقوم به المدرب في الجيش بالنسبة للجنود، فإنه في تدريب الجندي على روح الإطاعة والانقياد كي يكون جندياً باسلاً يقوم المدرب بطرح أوامر على هذا الجندي لا يفهم الجندي مغزاها، ولا يفهم الحكمة التي وراءها؛ لأنه لو أظهر له المدرب الحكمة سوف يتعامل الجندي في التدريب بمقدار ما فهمه من الحكمة، ولكن المطلوب أن يكون مجسداً لروح الانقياد والإطاعة وتنفيذ الأوامر بشكل تام، وهذا لا يتحقق إلا إذا أُخفيت عليه الحكمة، كذلك أراد الله تعالى في مجموعة من الأحكام الشرعية أن يُخفي الحكمة من ورائها؛ والسر في إخفاء الحكمة تربية عباده على روح الإطاعة والانقياد؛ إذ لو أظهر لهم الحكمة لتعاملوا مع كل عمل بمقدار ما يفهمونه من حكمته، بينما الله يريد منهم أكثر من مقدار تلك الحكمة في مقدار الانقياد والإطاعة له كإطاعة الجندي لمدربه، وهذا ما يقتضي إخفاء الحكمة عليهم في كثير من الموارد، هذا أولاً.
 
وثانياً: مشاركة مجموعة من الرجال في امرأة واحدة مما يستقذرها الطبع الإنساني للرجل، وفي بعض المجتمعات الصينية التي ألفت أن يكون للمرأة عدة رجال حدثت مشاكل اجتماعية ونفسية كثيرة لم يمكن لهذه المجتمعات تلافيها إلا بتغيير هذه العادة ومحو هذه التقاليد، بخلاف أن يكون للرجل عدة نساء فإنه مما تقبله الفطرة البشرية منذ قديم الزمن وإلى يومنا هذا حتى في المجتمعات الغربية، بخلاف ما لو كان للمرأة رجل آخر فإنه يعد عندهم خيانة مرفوضة، كما أن الرجل لو كانت له علاقة بامرأة أخرى من دون عقد وزواج يعد أيضاً خيانة عندهم.
 
وأما حصر النساء بالأربع فإنه مقدار الطاقة البشرية أي أن المتوسط من البشر لا طاقة له على الزواج بأكثر من أربع؛ لأن المطلوب من الزواج ليس مجرد الانتماء السري، بل المطلوب منه أن تكون له قدرة عاطفية ومادية وجنسية على رعاية أربع نساء، وهذا مما لا تتحمله الطاقة البشرية بالنسبة للمتوسط من الناس بأكثر من أربع، ولذلك إذا لم يستطع التعدد فإن الآية القرآنية حصرته بواحدة فقالت ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً.
 
كيف لنا أن نوفق بين آيتي ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً،﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ؟
 
الآية الأولى ناظرة للمشيئة التكوينة، والآية الثانية ناظرة للمشيئة التشريعية؛ فإن المعنى في الآية الأولى لو شاء الله لخلق الناس بطريقة تؤدي إلى أن يكونوا متفقين فإنه قادر على أن يجعل الناس متوافقين، ولكن شاءت حكمته أن يخلق الناس بطريقة قد تؤدي إلى اختلافهم في الأديان وقد تؤدي إلى اتفاقهم، فالمقصود في الآية الأولى أنه لو أراد تبارك وتعالى أن يخلق الناس بطريقة توافقية؛ لتم ذلك فإنه قادر على كل شيء، لكن شاءت حكمته أن يخلق الناس بأمزجة مختلفة، وبقدرات ذهنية متفاوتة، وبقدرات نفسية متفاوتة، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا، فالله خلق الناس متفاوتين في قدراتهم الذهنية والنفسية والبدنية والمادية، والتفاوت في القدرات هو منشأ التفاوت في الأفكار، وهو منشأ التفاوت في الاتجاهات، وهو منشأ الاختلاف، ولذلك قالت آية أخرى ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ.
 
وأما الآية الثانية وهي ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فالمقصود بها المشيئة التشريعية بمعنى أن الله تبارك وتعالى شرّع الدين واحداً، فالدين الذي شرّعته السماء هو دين واحد ألا وهو دين الإسلام، وليس المقصود بدين الإسلام شريعة النبي وإنما المقصود به الدين الذي يجمع الأديان السماوية كلها، ولذلك قال القرآن عن ابراهيم ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، فالإسلام هو عبارة عن الدين السماوي الذي كان في عصر متجسداً في ملة ابراهيم، وفي عصر نوح كان متجسداً في ملة نوح، وفي عصر موسى كان متجسداً في ملة موسى، وفي عصر عيسى كان متجسداً في ملة عيسى، وفي عصر النبي تجسد في شريعة النبي . فالدين الإسلامي هو الدين الذي يجمع هذه الأديان السماوية كلها، ويتجسّد في كل فترة في شريعة معيّنة، ولهذا قالت الله تعالى ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، وقال تبارك وتعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي أن هناك ديناً واحداً اجتمع عليه نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، فهذا الدين الواحد هو الدين الذي شرّعه الله، فلو أن شخصاً ابتغى ديناً آخر فهو خلاف الدين الذي شرّعه الله تبارك وتعالى، هذا هو معنى الآية، لا أن معناها أن الإنسان مجبور تكويناً على أن يكون في الدين الإسلامي كما هو المراد بالإرادة التكوينية والمشيئة التكوينية.
 
كيف لنا أن نوفق بين ما يذكر في القران ومجريات هذا العصر وتغيرات الزمن؟ كيف لكتاب عمره 1400 عام كُتب ليحاكي ذلك العصر وفكره لا يتجاوز عصره، وبه الكثير من المسلمات التي تنافي المنطق والعقل والتي يسقطها العقل طوال هذه المدة، والعلم الآن في تطور مستمر ودائم واكتشاف لأن العلماء لم يسلموا على نظريات كتبت قبل 1400 عام ولم يبحث عن صحتها؟
 
القران الكريم كتاب هداية، وبما انه كتاب هداية فهو يتضمن الطرق التربوية والطرق القانونية التي تؤدي إلى تحقيق الهداية، وهذه الطرق التي طرحها القران الكريم في مجال الهداية طرق ثابتة وليس متغيرة.
 
والقول بأن القران جاء ليحاكي فكر زمانه غير صحيح، بل القران جاء ليطرح طرقاً لهداية الإنسان وتهذيب شخصيته، وتهذيب سلوكه إلى يوم القيامة، لا أنه خصوص فكر زمانه خاصة والفكر المعاصر له، فإن آيات القرآن لا تختص بزمن صدوره، فقوله تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هو آية عامة، وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، وقوله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ فهذه الآيات كلها تتحدث عن المجتمع البشري في كل زمان وفي كل مكان، لا أنها تتحدث عن فكرٍ معاصر لزمان نزول القران حتى يختص القران بذلك الفكر.
 
والقول بأن العلم في تطور فإن القران لا يمنع من تطور العلم، ولم يتضمّن القران نظريّات في علم الطبيعة وعلم الفلك كذّبها العلم إلى الآن، بل هذا القول خطأ واضح فإن القران لم يطرح أيّ نظرية في أيِّ مجال قام العلم بتكذيبها أو بيان خطئها أو فشلها، لأن القران أساساً ليس كتاباً في الفلك، ولا في الطبيعة ولا في الطب، إنما هو كتاب هداية، فوظيفته أن يتحدث عن الطرق التي تؤدي إلى تحقيق الهداية، وهذه الطرق على قسمين:
 
«1» طرق ثابتة لأنها تعالج حاجة ثابتة لدى الإنسان، كحاجة الإنسان إلى العبادة التي هي حاجة ثابتة ناشئة من حاجته إلى الاطمئنان والاستقرار النفسين والعبادة توفّر له هذه الحاجة، فالطرق العبادية التي طرحها القران الكريم لكونها تعالج حاجة ثابتة فهي طرق ثابتة إلى يوم القيامة، ولا تقبل التغيّر ولم يكتشف العلم خطأها وفشلها.
 
«2» طرق متغيرة، تتغير بتغير الزمن، كما في قوله تعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ، فإن هذه الآية تتضمن عنصرين، عنصراً ثابتاً وعنصراً متغيراً، والعنصر الثابت قوله ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، فإن هذا مبدأ ثابت إلى يوم القيامة، ولا معنى أن يقال اكتشف العلم خطأه؛ فإن هذا المبدأ ـ أي حاجة المجتمع الإسلامي إلى القوة التي تنهض بحضارته ودولته ـ لا يقبل الخطأ. والعنصر الثاني عنصر متغيّر وهو قوله ﴿مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ فإن الحاجة إلى رباط الخيل حاجة متغيرة وغير ثابتة.
إذن بما أن القران الكريم كتاب هداية وليس كتاباً في الطبيعة أو الفلك أو الطب كي يقال اكتشف العلم خطأ نظرياته، فلذلك وظيفة القران هي ذكر طُرق تؤدي إلى الهداية، وهذه الطرق على قسمين ثابتة ومتغيرة بحسب حاجات الإنسان التي هي بحد ذاتها تنقسم إلى قسمين حاجات ثابتة وحاجات متغيرة.
 
س/ كيف يمكن التوفيق بين رواية نزول آدم إلى الأرض وبداية الخلق منذ 7 إلى 9 آلاف سنة قبل الميلاد الموجود في القران، وبين ما اكتشفه علماء المستحاثات من هياكل عظمية بشرية بدائية تعود لمليون إلى مليون ونصف سنة.. ألا يدحر هذا كافة فرضية نزول آدم وبداية الخلق؟!
 
هذا الكلام مبني على أن آدم هو أول بشر، وهذا ليس صحيحاً، فإن عندنا في الروايات الواردة عن المعصومين أن البشرية مرت بست دورات، وكل دورة كانت على الأرض ثم تنقرضن وتأتي بعدها دورة أخرى فآدم هو أول بشر من الدورة السادسة التي بدأت منذ سبعة آلاف سنة، وقد خُلق من التراب وأُسكن جنة من جنان الدنيا ثم أُمر بالنزول على الأرض مرة أخرى، ولعل في قوله تعالى ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ إشارة إلى المجتمعات البشرية التي كانت على الأرض قبل آدم؛ فإن كثيراً من المفسرين استظهر من هذه الآية أن هناك مجموعات بشرية عاشت على الأرض وكانت في صراع دائم وخلّفت الدمار وسفك الدماء.
 
إذن فليس هناك دليل من القران على أن آدم هو أول بشر عاش على الأرض إنما هو أول هذه الدورة السادسة من المجتمع البشري.
السيد منير الخباز
أرسل استفسارك