وجود الله
ا. - 26/03/2015م
السلام عليكم ورحمة الله سماحة السيد،،

اشكالات في وجود الإله

يعتمد الإلهيين على إثبات الخالق على شيئين رئيسيين وهم برهان النظم وبرهان العلية وللرد عليهم نقول

الرد على برهان النظم:

يعتمد هذا البرهان على القول أن هذا التعقد الحصل في الكون واجتماع شروط الحياة في هذا العالم لا يمكن إلا أن تكون عن طريق تدبير وعن طرق شخص عالم كالجوال مثلا فمن الغباء القول بأنه هو الذي صنع نفسه وهو بهذا التعقيد الدقيق وإن اختلال شرط من ملاين الشروط تقود إلى توقفه عن العمل فإن اجتماع هذا الكم الهائل من الشروط المعقدة يدل أنه لا بد في أن يكون شخص عاقل قد صنعه وفي عالمنا هذا ملايين الشروط التي يجب أن تتوفر لأجل أن تقوم فيه حياة فلا بد من وجود خالق حكيم لهذا الكون قد قام بتوفير هذه الشروط لهذه الحياة

ويلاحظ عليه هذا الدليل وأنقل ما قد قرأته في الإنترنت وناقل الكفر ليس بكافر «أيهما أكثر غرابة أن نقول بأن هذا الكون المعقد نتج بسبب تطوره كتطور الجنين في بطن أمه أو القول بأن هذا الكون المعقد نتج بسبب ساحر لا يمكن رؤيته ولا الكلام معه» عندما نجعل رجل أعمى يقوم بالضغط على الحروف ضغط عشوائي فهل من الممكن أن يقوم بكتابة قصيدة كاملة؟ بكل تأكيد نعم؟! لأنه إذا ظل هذا الشخص ملايين السنين وربما مليارات سيقوم بكتابتها وإن كنا غير متأكدين مئة بالمئة من أنه سيكتبها إلا أنه يوجد احتمال في ذلك خصوصا مع وجود هذا الزمن الكبير فلو قلنا أن الطبيعة تحتل مكان ذلك الرجل الأعمى وأن تلك القصيدة هي ما وصل إليه كوننا المعقد نجد أن هنالك احتمال ويكون كبير مع النظر لوجد ذلك الزمان الكبير على أنه لا يوجد إله وإنما الطبيعة تطورت وتكون هذا العالم مع علم أن هذه النظرية تدرس في جامعات غربية كبيرة فلها معطيات مادية وقرائن نراها

الرد على برهان العلية:

يقولون أن لكل معلول علة وسلسلة العلل يجب أن تنتهي لعلة ليس لها علة وتلك العلة هي الإله المسمى بواجب الوجود وكل ما عداه ممكن الوجود أو ممتنع الوجود

ويلاحظ عليه صدق مقولة أن لكل معلول علة وسلسلة العلل يجب أن تنتهي إلى علة ليس لها علة ولكن كيف يمكن الجزم بأن تلك علة هي الإله فربما تكون تلك العلة هي المادة نفسها فمن أي القول بأن هذه المادة لست خالدة سيطرح الإلهيين سؤال كيف أتت هذه المادة فنجيب من أين أتى الإله فإن قلتم أنه موجود ولم يخلق لنقول من أين أتى فنقول أن هذه المادة موجودة ولم تخلق من العدم لنقول من أين أتت وتوجد نظريات علمية الآن بأن المادة لا تستحدث من العدم ولا يمكن تحويلها إلى عدم ولكن يمكن أن تتحول من شكل إلى شكل آخر وربما «يوجد احتمال» العلم في المستقبل يبين لنا كيف نشأت هذه المادة

خلاصة القول:

إن القول بأن هنالك إله أقرب للصحة ولكن لا يمكن الاعتقاد بذلك جزما أبدا بل اعتقاد ظني كبير لأنه يوجد احتمال ولو كان قليل بأنه لا يوجد إله بل إن الطبيعة والزمان والتفاعلات والتغيرات أنتجت هذا العالم
الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ننقل لكم ما كتبه العلامة الشيخ حيدر السندي حفظه الله:

أما شبهة برهان «النظم»:

أقول: لكي يتضح جواب هذا الإشكال أذكر أموراً بها يتضح وجه الاستدلال بدليل «النظم» وعدم ورود ما نقله الكاتب عليه:

الأمر الأول: هو أن الصدفة تارة تطلق ويراد منها عدم وجود العلة الفاعلية، كما في حدوث بيت بلا وجود فاعل له، وأخرى يراد منها عدم وجود العلة الغائية، كما في حدوث بين هكذا من عاصفة رملية فاقدة للإدراك والإرادة، وثالثة يراد بها اقتران حادثتين لكل واحدة منهما فاعل وقصد ولكن يجهل الملاحظ لاقترانهما تحقق علل الحادثتين ولهذا يتفاجئ بتقارنهما، كما إذا رمى إنسان حجراً من خلف جدار فوقع على رأس إنسان كان يركض في الشارع فمات.

والمعنى الثالث لا استحالة فيه عقلاً والصدفة في الحقيقة فيه نسبية، لأنها تثبت بلحاظ الجاهل بالإسباب والعلل، ولو أن الإنسان تمكن من الإحاطة بجميع أسباب الظاهرتين فعلم مسبقاً بأن الأولى وهي رمي الحجر وأنها ستكون في الوقت ما وموضع ما وبقوة معينة في هواء يتحرك بسرعة معينة، وكذلك علم مسبقاً بأسباب الظاهرة الثانية لتمكن من التنبؤ بوقوع الاقتران ولم يكن في تحقق الاقتران أي مفاجئة.

وأما المعنى الأول فاستحالته واضحة للزوم اجتماع النقيضين، ولم يسق دليل «النظم» لبيان استحالتها بل قيل اتفق الإلهيون والماديون على نفيها، ووجه الاستحالة هو: أن الشيء إذا كان ملازماً للوجود استحال عليه العدم لأن هذا خلف فرضه ملازماً للوجود والوجود من ذاته، وإذا كان غير ملازم للوجود فلا بد لكي يتصف بالوجود من سبب يعطي ذاته الفاقدة للوجود وجوداً، إذ لو كان الوجود عين ذاته لكان ملازماً له وهذا خلف فرض عدم اللزوم.

فإذا كان غير الملازم للوجود لا ينفك عن السبب، والسبب متقدم على المسبب، فلا يمكن أن تكون ذات الشيء سبب وجودها للزوم تقدمها على ذاتها وتقدم ذات الشيء على ذاته تناقض واضح، لأن فرض أن المتقدم هو الذات معناه أن المتأخر معلولها المغاير لها لمغايرة العلة للمعلول، وفرض المتأخر هو الذات معناه أن المتأخر غير المتقدم فيكون المتأخر في آن واحد هو المتقدم وليس هو، وهذا تناقض.

وأما المعنى الثاني: فهو الذي أختلف فيه الإلهيون مع الماديين بالنسبة إلى العالم، فقال الإلهي بأن العالم وما فيه من نظام لم يكن من علة فاقدة للعلم والإرادة، وذهب المادي إلى أنه من فاعل فاقد لهما وهو المادة الصماء.

فمدعى الإلهي أن إتقان الصنع دليل العلم والإرادة، ولم يقع كل ذلك صدفة بلا غاية، يقول الإمام الصادق في توحيد المفضل: يا مفضل: أول العبر والأدلة على الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه، فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكل شئ فيها لشأنه معد، والانسان كالمملك ذلك البيت، والمخول جميع ما فيه، وضروب النبات مهيأة لمأربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه، ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة، ونظام وملائمة، وأن الخالق له واحد وهو الذي ألفه ونظمه بعضا إلى بعض، جل قدسه، وتعالى جده، وكرم وجهه...» البحار ج 3 ص 61.

الأمر الثاني: هو أن دليل «النظم» يعتمد حساب الاحتمال الرياضي، وهو في الحقيقة معتمد على الاستقراء وفق مصادرات المذهب الذاتي على حسب تعبير السيد الشيهد الصدر «رحمه الله» وقد تعرضنا لبيان هذا المذهب إجمالاً وكيفية توظيفه في معرفة الله في مقال مستقل بعنون «المذهب الذاتي ومعرفة الله عز وجل»[1] .

ولكن نتعرض له هنا إجمالاً ضمن نقاط:

النقطة الأولى: هي أن هذا الكون يسير وفق نظام دقيق حير العلماء في الفلك والطب وكيمياء والفيزياء والرياضيات ولعل مراجعة الموسوعات العلمية العالمية أو المختصرات التي بينت دهشة أكبر العقول البشرية ككتاب «الله يتجلى في عصر العلم» أو «خلق الإنسان بين الطب والقرآن» كافية لوقوف الإنسان على عجائب الكون في الحكمة والدقة والإتقان، وهنا نذكر شيئاً وهو ما ذكره الشهيد السعيد الصدر في موجز أصول الدين ص 148:

قال «رحمه الله»: تلقّى الأرض من الشمس كمّيةً من الحرارة تمدّها بالدفء الكافي لنشوء الحياة وإشباع حاجة الكائن الحيّ إلى الحرارة، لا أكثر ولا أقلّ. وقد لوحظ علمياً أنّ المسافة التي تفصل بين الأرض والشمس تتوافق توافقاً كاملا مع كمّية الحرارة المطلوبة من أجل الحياة على هذه الأرض، فلو كانت ضعف ما عليها الآن لَما وجدت حرارة بالشكل الذي يتيح الحياة، ولو كانت نصف ما عليها الآن لتضاعفت الحرارة إلى الدرجة التي لا تطيقها حياة. ونلاحظ أنّ قشرة الأرض والمحيطات تحتجز  على شكل مركّبات  الجزء الأعظم من الأوكسجين، حتّى إنّه يكوّن ثمانيةً من عشرة من جميع المياه في العالم، وعلى الرغم من ذلك ومن شدّة تجاوب الأوكسجين من الناحية الكيمياوية للاندماج على هذا النحو، فقد ظلّ جزء محدود منه طليقاً يساهم في تكوين الهواء، وهذا الجزء يحقّق شرطاً ضرورياً من شروط الحياة ; لأنّ الكائنات الحيّة من إنسان وحيوان بحاجة ضرورية إلى أوكسجين لكي تتنفّس، ولو قُدّر له أن يُحتجز كلّه ضمن مركّبات لَما أمكن للحياة أن توجد. وقد لوحظ أنّ نسبة ما هو طليق من هذا العنصر تتطابق تماماً مع حاجة الإنسان وتيسير حياته العملية، فالهواء يشتمل على 21 % من الأوكسجين، ولو كان يشتمل على نسبة كبيرة لتعرّضت البيئة إلى حرائق شاملة باستمرار، ولو كان يشتمل على نسبة صغيرة لتعذّرت الحياة أو أصبحت صعبة، ولَما توفّرت النار بالدرجة الكافية لتيسير مهماتها. ونلاحظ ظاهرةً طبيعيةً تتكرّر باستمرار ملايين المرّات على مرّ الزمن تنتج لحفاظ على قدر معيّن من الأوكسجين باستمرار، وهي أنّ الإنسان والحيوان عموماً حينما يتنفّس الهواء ويستنشق الأوكسجين يتلقّاه الدم ويوزّع في جميع أرجاء الجسم، ويباشر هذا الأوكسجين في حرق الطعام، وبهذا يتولّد ثاني أوكسيد الكربون الذي يتسلّل إلى الرئتين ثمّ يلفظه الإنسان، وبهذا ينتج الإنسان وغيره من الحيوانات هذا الغاز باستمرار، وهذا الغاز بنفسه شرط ضروريّ لحياة كلّ نبات، والنبات بدوره حين يستمدّ ثاني أوكسيد الكربون يفصل الأوكسجين منه ويلفظه ليعود نقياً صالحاً للاستنشاق من جديد.

وبهذا التبادل بين الحيوان والنبات أمكن الاحتفاظ بكمّية من الأوكسجين، ولولا ذلك لتعذّر هذا العنصر وتعذّرت الحياة على الإنسان نهائياً إنّ هذا التبادل نتيجة آلاف من الظواهر الطبيعية التي تجمّعت حتى أنتجت هذه الظاهرة التي تتوافق بصورة كاملة مع متطلّبات الحياة. ونلاحظ أنّ النتروجين بوصفه غازاً ثقيلا أقرب إلى الجمود يقوم عند انضمامه إلى الأوكسجين في الهواء بتخفيفه بالصورة المطلوبة للاستفادة منه. ويلاحظ هنا أنّ كمّية الأوكسجين التي ظلّت طليقةً في الفضاء، وكمّية النتروجين التي ظلّت كذلك منسجمتان تماماً، بمعنى أنّ الكمّية الاُولى هي التي يمكن للكمّية الثانية أن تخففها، فلو زاد الأوكسجين أو قلّ النتروجين لَما تمّت عملية التخفيف المطلوبة. ونلاحظ أنّ الهواء كمّية محدودة في الأرض قد لا يزيد على جزء من مليون من كتلة الكرة الأرضية، وهذه الكمّية بالضبط تتوافق مع تيسير الحياة للإنسان على الأرض، فلو زادت نسبة الهواء على ذلك أو قلّت لتعذّرت الحياة أو تعسّرت، فإنّ زيادتها تعني ازدياد ضغط الهواء على الإنسان الذي قد يصل إلى ما لا يُطاق، وقلّتها تعني فسح المجال للشهب التي تتراءى في كلّ يوم لإهلاك من على الأرض واختراقها بسهولة. ونلاحظ أنّ قشرة الأرض التي كانت تمتصّ ثاني أوكسيد الكربون والأوكسجين محدّدة على نحو لا يتيح لها أن تمتصّ كلّ هذا الغاز، ولو كانت أكثر سمكاً لامتصّته، ولهلك النبات والحيوان والإنسان.

ونلاحظ أنّ القمر يبعد عن الأرض مسافةً محدّدةً، وهي تتوافق تماماً مع تيسير الحياة العملية للإنسان على الأرض، ولو كان يبعد عنّا مسافةً قصيرةً نسبياً لتضاعف المدّ الذي يحدثه وأصبح من القوة على نحو يزيح الجبال من مواضعها.

ونلاحظ وجود غرائز كثيرة في الكائنات الحيّة المتنوّعة، ولئن كانت الغريزة مفهوماً غيبياً لا يقبل الملاحظة والإحساس المباشر فما تعبّر عنه تلك الغرائز من سلوك ليس غيبياً، بل يعتبر ظاهرةً قابلةً للملاحظة العلمية تماماً. وهذا السلوك الغريزيّ  في آلاف الغرائز التي تعرّف عليها الإنسان في حياته الاعتيادية أو في بحوثه العلمية  يتوافق باستمرار مع تيسير الحياة وحمايتها، وأنّه يبلغ أحياناً إلى درجة كبيرة من التعقيد والإتقان، وحينما نقسّم ذلك السلوك إلى وحدات نجد أنّ كلّ وحدة قد وضعت في الموضع المنسجم تماماً مع مهمّة تيسير الحياة وحمايتها.

والتركيب الفسلجي للإنسان يمثّل ملايين من الظواهر الطبيعية والفسلجية، وكلّ ظاهرة في تكوينها ودورها الفيسيولوجيّ وترابطها مع سائر الظواهر تتوافق باستمرار مع مهمّة تيسير الحياة وحمايتها. فمثلا: نأخذ مجموعة الظواهر التي ترابطت على نحو يتوافق تماماً مع مهمّة الإبصار وتيسير الإحساس بالأشياء بالصورة المفيدة. إنّ عدسة العين تلقي صورة على الشبكية التي تتكوّن من تسع طبقات، وتحتوي الطبقة الأخيرة منها على ملايين الأعواد والمخروطات، قد رتّبت جميعاً في تسلسل يتوافق مع أداء مهمّة الإبصار، من حيث علاقات بعضها بالبعض الآخر وعلاقاتها جميعاً بالعدسة، إذا استثنينا شيئاً واحداً وهو: أنّ الصورة تنعكس عليها مقلوبة، غير أنّه استثناء مؤقّت ; فإنّ الإبصار لم يربط بهذه المرحلة لكي نحسّ بالأشياء وهي مقلوبة، بل اُعيد تنظيم الصورة في ملايين اُخرى من خويطات الأعصاب المؤدّية إلى المخّ حتّى أخذت وضعها الطبيعي، وعند ذلك فقط تتمّ عملية الإبصار، وتكون عندئذ متوافقةً بصورة كاملة مع تيسير الحياة. حتّى الجمال والعطر والبهاء كظواهر طبيعية نجد أنّها تتواجد في المواطن التي يتوافق تواجدها فيها مع مهمّة تيسير الحياة ويؤدّي دوراً في ذلك، فالأزهار التي ترك تلقيحها للحشرات لوحظ أنّها قد زوّدت بعناصر الجمال والجذب من اللون الزاهي والعطر المغري بنحو يتّفق مع جذب الحشرة إلى الزهرة وتيسير عملية التلقيح، بينما لا تتمّيز الأزهار التي يحمل الهواء لقاحها عادةً بعناصر الإغراء. وظاهرة الزوجية على العموم والتطابق الكامل بين التركيب الفسلجي للذكر والتركيب الفسلجي لاُنثاه في الإنسان وأقسام الحيوان والنبات على النحو الذي يضمن التفاعل واستمرار الحياة، مظهر كوني آخر للتوافق بين الطبيعة ومهمّة تيسير الحياة ﴿وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

النقطة الثانية: لا يمكن أن تكون هذه الظواهر المحكمة والدقيقة والمترابطة بلا سبب، لأن هذا يوقعنا في الصدفة بالمعنى الأول المتقدم، فلا بد له من سبب ومنشأ، فما هو هذا السبب؟

في مقام أختلف الماديون مع الإلهيون، فقال الماديون كلّ ظاهرة من الظواهر المتوافقة مع مهمة تيسير الحياة ناتجةً عن ضرورة عمياء في المادة، بأن تكون المادة بطبيعتها وبحكم تناقضاتها الداخلية وفاعليتها الذاتية هي السبب فيما يحدث لها من تلك الظواهر.

وذهب الإلهيون إلى أن السبب هو الله تعالى العلم الحكيم، أقام هذا العالم وبإرادته وفق حكمة، والمقصود من الدليل الاستقرائي: تفضيل فرضية الصانع الحكيم على البديل المحتمل ; لأنّ تلك لا تستبطن إلاّ افتراضاً واحداً وهو افتراض الذات الحكيمة، بينما البديل يفترض ضرورات عمياء في المادة بعدد الظواهر موضوعة البحث، فيكون احتمال البديل احتمالا لعدد كبير من الوقائع والصدف، فيتضاءل حتى يفنى. «موجز في أصول الدين 154».

النقطة الثالثة: قانون حساب الاحتمالات يساهم في تضعيف احتمال فرضية وجود ضرورات عمياء متعددة بعدد الظواهر المتقنة في الكون، ولكي يتضح ذلك أضرب مثالاً وهو مثال الأعمى والآلة الكاتبة:

إذا جلس أعمى على آلة كاتبة فإنه يواجه 24 حرفاً وهذا يعني أن احتمال أن يضرب الحرف «أ» هو 24/1، وأما احتمال أن يضرب «أ» و«ب» على وجه التتابع فهو 24/1×24/1 = 576/1 وأما احتمال أن يضرب جميع الحرف مترتبة إلى «ي» فهو ضعيف جداً يعادل ضرب 24/1 في نفسه أربع وعشرين مرة.

وأما احتمال أن يكتب معلقة عنترة فهو ضعيف وفق حساب الاحتمال الرياضي إلى عد يقطع الإنسان بعدم وقوعه.

إن احتمال صدور نظام العالم من تفاعلات وتناقضات المادة العمياء أضعف بكثير من احتمال صدور قصيدة عنترة من ضرب الأعمى العشوائي على آلة الكتابة، بل إن صدور ذبابة واحدة بما فيها عجيب الصنع وإتقان وانسجام القوانين الحاكمة أضعف من ذلك بكثير جداً، وهذا ما يجعل الإنسان يجزم ببطلان فرضية الماديين ويقطع بفرضية الإلهيين، وبهذا يتضح أن الغرابة فقط وفقط في القول بعدم وجود خالق عالم حكيم للكون.

الأمر الثالث: نقل الكاتب اعتراضا على هذا الدليل وهو أنه بعد قيامنا بحساب الاحتمال يوجد احتمال  ولو كان ضعيفاً  بأن تفاعلات المادة العمياء الفاقدة لشهور وراء نشوء هذه الظواهر المحكمة  ويقوى هذا الاحتمال مع استمرار هذه التفاعلات ملايين السنين وعليه هذا الدليل لا يفيد الجزم.

ويلاحظ على هذا الكلام:

أولاً: أن ملاحظة نتيجة حساب الاحتمال في جميع ظواهر هذا الكون مع عمر العالم الفتي، تفيد ضعف احتمال فرضية الماديين بنحو لا يعتد الإنسان بها ولا يركن إليها وحس دراسة بعض العلماء فإن عمر الكون حوالي 12.5 مليار سنة، وهذه النتيجة جاءت خلال التحليل الدقيق لأقدم نجوم المجرة وقياس عمرها وهو النجم الذي يعرف باسمCS 001 - 31082.

وسبب تصور المشكل تقوي احتمال فرضية الماديين مع ملاحظة عمر العالم جهله بدقائق الكون وقياسه الكون على القصيدة!!!

وثانياً: إن حساب الاحتمال لا نواجهه في أصل حدوث النظام المتقن فحسب، وإنما نواجه في استمراره أيضاً، إذا بقاء الاستنساخ المثلي ولآلاف السنين وفي جميع الأحياء أو كون هذا الاستنساخ على نحو الترقي والتطور واستمراره على ذلك آلاف السنين نواجه سؤالاً عن السبب، ومقام الجواب أمامنا فرضيتان:

فرضية الماديين: وهي أن الصدفة اقتضت في هذه المدة بقاء جميع القوانين الحكمة على الظواهر على حالها أو سيرها بالنحو التكاملي.

فرضية الإلهيين: وهي أن المدبر العالم شاء أن يستمر الكون على هذا المنوال.

وحساب الاحتمال يضعف الفرضية الأولى، ويقوي الثانية إلى حد الجزم لأنه جر مع قصر الوقت المفروض كما هو واضح مع التأمل.

وأما شبهة برهان «العلية»:

ويلاحظ عليه:

أن برهان العلية ينطلق من حاجة الممكن إلى علة، فلا بد من معرفة علة الحاجة إلى العلة، وهنا سوف نواجه السؤال التالي:

لماذا يكون الشيء في وجوده متوقف على العلة «السبب»؟

والجواب الذي ذكره الفلاسفة هو أن سبب الحاجة إلى العلة هو «الإمكان»، فلأن الشيء ممكن الوجود ليس وجوده ضرورياً فهو بحاجة إلى سبب لكي يتصف بالوجود، وأما الواجب فلأنه ضروري فهو بلا عله، وبالتالي إذا فرض وجوب الإله فمن الخطأ السؤال عن علته وسببه.

من هنا أهتم الفلاسفة وعلماء الكلام اهتماماً بالغاً بمعرفة خواص الممكن والصفات التي تدل على الإمكان، وذكروا منها:

1 انفكاك الوجود «الحدوث ولحوق العدم».

2 التركب. وجه دلالة التركب على الإمكان هو أن لمركب لا يوجد قبل الأجزاء فإما بعدها فيكون حادت والحادث ممكن، أو معها فيجوز عليه أن ينعدم بانحلالها، وما يجوز عدمه لا يجوز أزله، وذلك لأن الأزلي غني ولولا غناه وما كان وجوده ملازماً له، والغني لا يجوز عليه العدم.

3 التغير. ووجه دلالة التغير على الحدوث هي أن التغير لا يكون إلا بانضمام شيء أو نقصانه، وهذا يعني أن المتغير مركب، وتقدم أن المركب لا يكون قديماً.

وقد أثبت العلماء أن المادة منقسمة إلى ذرية وطاقات والذرات مجموعة من العناصر، والطاقات حرارية وضوئية وكربائية وصوتية وكيكانيكية وحركية، والتحول حاكم على الكل، فالذرات تتحول إلى طاقة كما قصف الليثوم أو اليورانيوم بالبروتونات أو النيوترونات فأنه ينتج الطاقة، وهذا يجري في المشعات «كاما»، والطاقات تتحول إلى ذراتكما في تحول أشعة «كاما» إلى إلكترونات وبروتونات والذرات تتحول من عنصر إلى آخر والطاقات تتحول من نوع إلى نوع آخر مثال الأول تحول اليورانيوم بعد إشاعته «الفاوكاما وبيتا» إلى الراديوم ومثال الثاني تحول الكيميائية إلى حركية ثم حرارية.

وكل ذلك مضافاً إلى ما أثبته العلماء من حدوث المادة وفنائها وفق للمبدأ الثاني للديناميكية الحرارية الذي اكتشفه «كارنو» الذي يبرهن على أن العالم المادي في سير نحو موته الحراري وفق قانون الانسياب والتبعثر.

يقول فرنك الن عالم الطبيعة البيولوجية: «ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على أن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجياً وأنها سائرة حتماً إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق، ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة ولا مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقة عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة فكلها دليل واضح على أن أصل الكون أو اساسه يرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة فهو اذاً حدث من الأحداث ومعنى ذلك أنه لا بد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية عليم محيط بكل شيئ قوي ليس لقدرته حدود ولا بد ان يكون هذا الكون من صنع يديه» الله يتجلى في عصر العلم ص 5، 6.

وأما كلام المتشكل حول «أن المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم» والذي حاول من خلاله إثبات أزلية المادة فهو  مضافا إلى معارضه للقانون الثاني للحرارة  مجرد دعوى بلا دليل، لأن غاية ما دلت عليه التجارب أن المادة والطاقة تقبل التحول ويمكن استرجاعها وهذا غير استحالة الفناء والاستحداث من العدم كما هو واضح.

والحمد لله رب العالمين

السيد منير الخباز
[1]  http://thereismy.blogspot.com/2015/04/blog-post_6.html?m=1
أرسل استفسارك