حقيقة روح القدس
محمد - 20/12/2012م
أود سؤال سماحتكم عن روح القدس، من حيث إني قرأت روايات في الكافي أنه خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل، وهو من يؤيد الله به الأنبياء والأولياء والأئمة عليهم السلام، ومع أننا نعتقد أن الأئمة عليهم السلام هم أعظم وأفضل الخلق على الإطلاق فكيف يُؤيّدون من قبل مخلوق ـ أقصد روح القدس ـ كما ذكر في الرواية؟ وأنا في الحقيقة لم أفهم حقيقة روح القدس؟؟
الجواب
بسم الله الحمن الرحيم
 
روح القدس هو مبدأ الحياة، أي أنه موجود أبدعه الله تبارك وتعالى لتكون وظيفته إفاضة الحياة على كل موضع قابل للحياة، فكما أن النطفة التي تستقر في رحم المرأة لا تتحول إلى إنسان إلا إذا وُهبت الحياة، فيكون روح القدس هو الواسطة في هبتها الحياة، فكذلك الحياة الوحيانية بمعنى الوحي؛ فإن جبرائيل الذي عبّر عن القران الكريم بالروح الأمين حيث قال ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين، لا يستطيع أن يقوم بدوره لولا انضمام روح القدس إليه، وروح القدس من صفاته الحلول والتمثل، فهو قد يتمثل في البشر، وقد يتمثل في الملك، لذلك تمثّل إلى مريم ابنة عمران ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، وهو روح القدس نفسه، كذلك يتمثل روح القدس في جبرائيل حين نزوله بالوحي؛ لأن الوحي أيضاً نوع من الحياة، ومن له دور هبة الحياة هو روح القدس فيتمثل في جبرائيل .
 
ومن أدواره أيضاً حياة التسديد، وهذه هي الحياة التي تقترن بالأنبياء والأئمة ، وقد قال القران الكريم في حق عيسى بن مريم ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وقال أيضاً عن سائر الأنبياء ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)، والرصد هنا هو روح القدس، وتسديد روح القدس للأنبياء والأئمة الطاهرين هو من أدواره ووظائفه، غاية ما في الباب أن تسديده للأنبياء كعيسى بن مريم وغيره بمعنى أنه يكون عاملاً من عوامل العصمة، فكأن العصمة عن الوقوع في الذنب والخطأ والسهو تستند إلى عاملين:
«1» عامل داخلي وهو نور العصمة الموجود في النبي.
«2» وعامل خارجي وهو تسديد روح القدس له.
 
إلا أنه في الأئمة يكون تأييد روح القدس للإمام بمعنى أن روح القدس يكون أداة من الأدوات التي يستخدمها الإمام في بعض الأمور، فمثلاً دلت سورة القدر ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)، فإن المقصود بالروح هنا ليس جبرائيل وإنما هو روح القدس الذي هو أعظم خلقاً من الملائكة، فكما أن الملائكة تنزل على الإمام المعصوم في كلّ ليلة قدر، وتعرض عليه صحائف أعمال الخلائق، ويقوم الإمام بتصريف الملائكة على ضوء مراتبهم وعلى ضوء مهماتهم ومنهم روح القدس، فعندما نقول بأن روح القدس مؤيد للأئمة فإن المقصود بالتأييد هو أن روح القدس واسطة وأداة يستخدمها الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم في قيامهم بمهماتهم الكبيرة والعظيمة، ومنها تصريف أعمال الخلائق.
السيد منير الخباز
أرسل استفسارك