الحرية الفكرية
محمد - 03/11/2014م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سماحة السيد منير الخباز، شخصيا عشت فترة في امريكا ووجدت الكثير من الاقوال الناقدة للمسائل المتعلقة بالحدود وتطبيقها وخصوصا حد الردة ألا وهو كما اوردته في محاضرتك “الاسلام والحرية الفكرية”.

المسلمون الذين ارتدوا عن الاسلام دائما يأخذون بالتفسيرات المنطقية والفلسفية أي لا يتخذون النصوص في محاولة تبيان اسباب ارتدادهم عن الاسلام، في نص محاضرتك المذكورة سابقًا ذكرت “المعروف بين فقهائنا أنه حكم قانوني لا يتغير، لكن بعض فقهائنا ذهبوا إلى أن حد الارتداد حكم تدبيري يتغير بتغير الظروف؛ فإننا إذا لاحظنا الروايات نجد فيها قرائن على أن الحكم تدبيري وليس حكمًا قانونيًا، ولا يخفى أن حد الارتداد لم يرد في القرآن”،كما انك ذكرت ايضا الشرائط المغلظة الموجبة لتطبيق حكم الردة، لدي بعض الاسئلة شخصيا اريد معرفة اجابتها من منطلق علمي وليس بناءً على الادلة النصية.

اذا كان الاسلام يكفل للفرد حرية التفكير والتدبر والبحث وتوصل هذا الفرد من نتيجة الى انه مقتنع بالردة ولايريد العودة الى الاسلام وفي الغالب هؤلاء يهاجرون الى البلاد الغربية طلبا للأمان من هذا الحد بحكم الضمانات التي تقدمها لهم تلك البلدان بل وتضمن لهم ايضا حقوق العيش كأي مواطن اصلي دون شروط تلزمه بتغيير افكاره وارائه.

1 - هل الاسلام محتاج لقتل المرتد في حال حكم ولي الامر بذلك من اجل ردع الذين يفكرون بالارتداد ولديهم شبهات؟

2 - ألا يعتبر ذلك إكراهًا في الدين ولم يعد اختيارا خصوصا من وُلِد لأبوين مسلمين وبطبيعة الحال اكتسب العقيدة الاسلامية كنتيجة طبيعية بالعيش في مجتمع مسلم؟

3 - ايضا يرى المعارضون لحد الردة ان الحكم يرهب ولا يقنع بل ويؤصل لفكرة تناقض الاسلام مع مبادئه السلمية وضمانة حق الحرية الفكرية للفرد عن معتقداته وارائه، فهنا يبرز التناقض - حسب وجهة نظرهم - بين سماحة الاسلام وبين حكم الردة بعذر الفتنة، فهل هناك من تفسير يدحر هذه الفرضية خصوصا وان الافكار تنتقل بسهولة في هذا العصر وتجعل الاسلام في موقف غير جيد؟

ختاما اتمنى من سماحتكم بالتعرض لهذه الشبهات والرد عليها «الالحاد وانكار النبوة وعصمة اهل البيت» من المنطلقات الفلسفية والمنطقية والعلمية بطريقة يسهل على عوام الناس فهمها ضمن سلسلة محاضرات يمكن الاستناد اليها وبالتالي المساهمة في تحصينهم ضد هذه الافكار.
الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ليست المسألة مسألة الحاجة وإنما المسألة مرتبطة بصيانة المجتمع الإسلامي، فكما أن الزاني والسارق لا حاجة للإسلام إلى أن يقيم عليهما الحد، ويمكنه أن يسجنهما أو ينفيهما، ولكن لأجل صيانة المجتمع الإسلامي عن جريمة الزنا أو عن جريمة السرقة يقوم الحاكم الشرعي بإقامة الحد عليه إذا شخّص أن في اقامة الحد عليه صيانة للمجتمع الإسلامي، فكذلك حد الإرتداد إنما يمارسه الحاكم الشرعي إذا شخّص أن في تطبيقه صيانة للمجتمع الإسلامي عن الفتنة الفكرية، لا لحاجة الإسلام إلى إقامة مثل هذا الحد، كما أنه لو قامت مجموعة في البلدان الغربية بنشر فكر ارهابي واضطر المجتمع الغربي إلى اعدامهم أو سجنهم فإنه لا يقوم بهذا العمل لأجل انه محتاج له، وإنما لأجل صيانة مجتمعه عن مثل هذا الفكر الخطير.

إن اقامة حد الإرتداد تختص بمن ارتد عن عناد وعمد، لا عن شبهة فكرية في ذهنه أو عدم قدرته على استيعاب الفكر الإسلامي، ولذلك لا منافاة بين إقامة حد الإرتداد وبين ما ذكره القران الكريم من أنه ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، وقد أوضحتُ ذلك مفصلا في المحاضرة في ليلة الثامن من المحرم.

لا تنافي بين سماحة الإسلام وبين ثبوت حد الردة؛ والوجه في ذلك:

أولاً: إن حد الردة إنما يثبت إذا أعلن الشخص الإرتداد في المجتمع الإسلامي لا ما إذا كان الإرتداد بينه وبين نفسه.

وثانياً: يشرط أن يكون الإرتداد موجباً لحدوث فتنة فكرية اجتماعية في المجتمع الإسلامي بناء على رأي بعض الفقهاء.

وثالثاً: إذا شخّص الحاكم الشرعي أن في إقامته صيانة للمجتمع الإسلامي وحفظاً له.

فبما أن حد الإرتداد منوط بشروط معينة وليس مطلقاً فلا يتنافي ذلك مع سماحة الإسلام، وإلا لاستوجب أن نقول باسقاط حد القصاص واسقاط حد الإعتداء على الآخرين بالإغتصاب والسرقة وسلب الأموال لأجل أن الإسلام دين السماحة؛ فإن السماحة في الفكر وإن كانت قيمة وفضيلة مشرقة إلا أنها ليست على حساب حفظ المجتمع الإسلامي من الفتن وصيانته عن الإختلال والإختلاف، فلابد من الجمع بين السماحة من جهة وبين حفظ المجتمع الإسلامي عن الإختلال والإختلاف من جهة أخرى، لا أن تطغى الجهة الأولى وهي جهة السماحة على الجهة الثانية؛ فإن ترسيخ جهة على حساب جهة أخرى يتنافى مع كون الفكر الإسلامي فكراً حكيما متوازنا يجمع بين الحقوق والجهات.

السيد منير الخباز
أرسل استفسارك