درس الأصول | 012

دوران الامر بين الاقل والأكثر في الشبهة المصداقية

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في المقام الأول وهو الشك في المحصَّل للواجبات، ووصل الكلام الى:

المقام الثاني: وهو الشك في المحصَّل في المحرمات. وقد تعرّض له السيد الشهيد في أحد تقريريه دون الآخر، وافاد بأنه:

تارة يقع الشك في الترتب، وتارة يقع الشك في الانطباق. بنفس التقسيم الذي طرحه السيد الخوئي «قده» في فقهه في مسالة اللباس المشكوك.

ومحصّله:

اذا كان الشك في الانطباق، كما إذا قال المولى لعبده: يحرم عليك النوم، فشك العبد في أن السْنة نوم أم لا؟ فالمولى حرّم عليه هذا المسبب الا وهو النوم، ولكن شك العبد في أن النوم هل ينطبق على السْنة أم لا؟

فهنا تجري البراءة، لأن الشك في انطباق النوم على السنة شك في سعة فعلية الحرمة هل ان فعلية الحرمة تتسع لمثل الخفقة أم لا؟ فتجري البراءة عن ذلك.

وأما إذا وقع الشك في الصدق والترتب لا في الانطباق، بمعنى ان العبد يعلم ما هو النوم وما هي اسبابه، وإنما يشك في انه لو اضطجع هل يغلبه النوم، فهو شك في الترتب أي ترتب ما علم حرمته على الفعل الخارجي، وأنه لو اضطجع هل يترتب على هذا الاضطجاع النوم المحرم أم لا؟

فأفاد هنا على خلاف ما ذكره في المحصل للواجبات: انه تجري قاعدة الاشتغال، لان العبد يعلم بحرمة فعلية في حقه، وهي حرمة النوم، وإنما يشك في الامتثال. لأنه إذا شك في ترتب النوم المحرم على الاضطجاع أم لا؟ فقد شك في الامتثال لما علم بفعليته والشك في الامتثال مجرى لقاعدة الاشتغال لا لأصالة البراءة.

ويلاحظ على ما افيد ملاحظتان:

الاولى: تارة يقع الشك في المحصل على نحو الشبهة الموضوعية وأخرى على نحو الشبهة الحكمية، والشبهة الموضوعية تارة يكون الشك في الانطباق وتارة يكون الشك في الصدق، والشك في الصدق تارة يكون الشك في القدرة وتارة يكون الشك في تحقق المتعلق. فهنا عدة اقسام تختلف حكماً. لذلك نقول:

القسم الأول: ان يكون الشك في المحصّل للمحرم على نحو الشبهة الحكمية، كما لو قال له: يحرم عليك اللبث في المسجد مع النجاسة، وافترضنا ان النجاسة مسبب اعتباري، ولا يدري ان هذا المسبب وهو اللبث مع النجاسة هل يتحقق شرعاً بحمل المتنجس أم لا؟ لا يصدق الا على اللبس ولا يصدق على الحمل، فهنا الشبهة على نحو الشبهة الحكمية، هل ان المحرم شرعا وهوا للبث مع النجاسة مما يتحقق شرعاً بحمل المتنجس أم لا؟

فهنا ما ذكره في المحصّل للواجبات يجري في المحصل للمحرمات أي جريان البراءة حيث ذهب قده الى انه إذا شك في المحصل الشرعي للواجب جرت البراءة كذلك إذا شك في المحصل الشرعي للمحرم على نحو الشبهة الحكمية جرت البراءة، لان مقدار الحرام شرعا بمقدار سببه، إذ ما دام المحرم مجهول لا يعرف الا من اسبابه فمقدار الحرام بمقدار ما بين من سببه، فاذا شككنا في ان هل سبب الحرام واسع يشمل حتى حمل المتنجس أم يختص بلبس النجس والمتنجس جرت البراءة عن السعة فإذن ما ذكره في الواجبات ياتي عليه في هذا القسم.

القسم الثاني: ان يكون الشك على نحو الشبهة الموضوعية ولكن شك في الانطباق وهذا سلم في جريان البراءة فيه، كما لو قال المولى يحرم على المحرم التزين وشك في ان لبس خاتم العقيق تزين أم لا؟ على نحو الشك في الانطباق العرفي، هنا قال تجري البراءة وهو تام.

القسم الثالث: ان يكون الشك في الصدق لكن من جهة الشك في القدرة، كما لو افترضنا المكلف يعلم ان لبس الخاتم تزين يحرم ويحرم على المحرم التزين ولكن يشك في قدرته هل انا قادر على لبس الخاتم أم الخاتم ضيق على اصبعي فلا استطيع لبسه؟ فالشك في قدرته وليس الشك في المحرم في شيء. فهو يعلم في حرمة التزين ويعلم بأن لبس الخاتم تزين، ولكن يشك في قدرته على ارتكاب هذا المحرم، فهل يجوز له ان يقتحم ويحاول لبس الخاتم مع انه شاك في قدرته أم لا؟

هنا تجري اصالة القدرة كما قلنا بها في الواجبات، فكما انه قادر على دفن الميت أم لا؟ إذ يعلم ان هذا ميت مسلم ويعلم ان هذه أرض ويعلم بفعلية وجوب دفن الميت في حقه، لكن المطر ينزل من السماء ونتيجة نزول المطر يشك في قدرته على دفن الميت واخفائه أم لا؟ فالشك في القدرة بنظر المرتكز العقلائي مجرى لأصالة القدرة، أي الأصل الأولي انك قادر على إحراز الملاك الملزم ولا مجال لعذرك باحتمال عدم القدرة، فكذلك في موارد الشك في القدرة على امتثال المحرّم.

القسم الرابع: أن يشك في الصدق للشك في تحقق المتعلق وهو المثال الذي مثل به السيد الخوئي وهو مثل به ايضا: كما إذا شك بالاضطجاع يتحقق النوم أم لا؟ فهو يعلم بحرمة النوم ويحرم بأسباب النوم، إنما لا يدري لو اضطجع على ظهره هل يتحقق النوم قهرا عليه أم لا؟ شك في الصدق.

فهنا افاد بأنه تجري قاعدة الاشتغال، وهو ما افاده سيدنا الخوئي «قده» بانه شك في الامتثال والشك في الامتثال مجرى لقاعدة الاشتغال.

ولكن قد يقال: ان المرتكز العقلائي لا يرى فرقا بين الشك في فعلية الحرمة أو الشك في صدور الحرام، فكما ان الشك في فعلية الحرمة مجرى للبراءة كذلك الشك في ان الحرام صادر منك أم لا؟ مجرى للبراءة، فإن كليهما شك في التبعة وشك في الادانة، هل انني مدان ومتبع من قبل الشارع أم لا؟ فكما انني إذا شككت في فعلية الحرمة اساساً هل أن النوم حرام أم لا؟ فهو مجرى للبراءة، كذلك أدري ان النوم حرام، لكن لا ادري هل يصدر الحرام مني بالاضطجاع أم لا؟ شك في الادانة والتبعة، والشك في الادانة والتبعة مجرى للبراءة.

فكما ان المرتكز العقلائي لا يفرق بين الشك في فعلية الحرمة أو الشك في صدور الحرام لأن في كليهما شك في الادانة، كذلك «رفع عن امتي ما لا يعلمون» فإن مقتضى اطلاق «ما لا يعلمون» شموله لما لا يعلم من التكليف وما لا يعلم من مصداق المكلف به، «رفع عن امتي ما لا يعلمون»، حيث ان دليل البراءة في حديث الرفع وارد مورد الامتنان فمقتضى قرينية الامتنان الشمول لما إذا شك في صدور الحرام، ولا يختص بما إذا شك في فعلية الحرمة. أو فقل: إذا لم نسلم بقرينية الامتنان كما سبق التشكيك فيها: بما ان مفاد دليل البراءة هو ليس التصرف في التكليف وإنما مفاده مجرد المعذورية والتأمين أي رفع التبعة والإدانة، فبما ان مفاد دليل البراءة المعذورية ورفع التبعة والإدانة برفع إيجاب الاحتياط فمقتضى ذلك شموله لما إذا شك في شمول الحرام، فهو لا يدري هل الحرام يصدق منه بالاضطجاع؟ يعني تترتب منه إدانة على هذا الاضطجاع أم لا؟ فهو مجرى ل «رفع عن أمتي ما لا يعلمون».

الملاحظة الثانية: على فرض اننا لم نسلم بهذا الكلام وقلنا بأن «ما لا يعلمون» منصرف لفعلية الحرمة فالمقام مجرى للاستصحاب، بخلاف باب الواجبات، فإن الاستصحاب معاكس له، فهناك في الواجبات إذا شك في المحصل فقد شك في حصول الواجب، كما إذا قال له المولى: يجب عليك الوقوف بعرفة. وشك في ان الوقوف في ميسرة الجبل وقوف بعرفة أم لا؟ هنا لو اجرى الاستصحاب لكان مقتضى ذلك ان يأتي بالواجب، لكن الاستصحاب يعطل قاعدة الاشتغال، فإن مقتضى الاستصحاب ان هذا ليس وقوفاً بعرفة إذن لابد ان يأتي بالوقوف بعرفة في مكان آخر، فالاستصحاب في باب الواجبات معاضد لقاعدة الاشتغال. بينما الاستصحاب في المحرم بالعكس فإنه إذا شك في ان الحرام الفعلي في حقه الا وهو النوم هل يتحقق بالاضطجاع أم لا؟ فمقتضى الاستصحاب عدم تحققه بالاضطجاع وبالتالي انتفاء الحرمة الفعلية.

فبما أن الاستصحاب في باب المحرم مفاده رفع الحرمة برفع موضوعها بخلاف باب الواجبات، لذلك في المقام لا تجري قاعدة الاشتغال لوجود اصل شرعي وارد عليها.

نعم لو لم يجري الاستصحاب ولو لتوارد الحالتين ولم نقل بشمول «رفع عن أمتي ما لا يعلمون» لما إذا شك في صدور الحرام، فحينئذٍ يتم ما افاده من الجاري قاعدة الاشتغال.

هذا تمام الكلام في بحث الشك في المحصّل الشرعي والعقلي والعرفي في المحرمات.

يأتي الكلام في دوران الامر بين الجزئية والمانعية. كما إذا دار الأمر بين جزئية جلسة الاستراحة أو مانعيتها. اما انها جزء من الصلاة أو انها مانع من صحة الصلاة.

فما هو مقتضى الأصل العملي؟ يأتي الكلام عنه.

والحمد لله رب العالمين.