درس الأصول | 062

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

بقي في المقام أمور:

الأمر الأول: ذكر سيد المنتقى «قده» انه لا يمكن التفكيك بين قصد الامر واقعاً وبين التشريع في متعلق الامر أو امتثاله. حيث ذكرنا فيما سبق: أن المكلف إذا قام بالتشريع في متعلق الامر فهذا لا يظهر بصحة العمل إذا قصد امتثال الامر الواقعي. ولكن المنتقى افاد بانه: متى ما تصرف المكلف في متعلق الامر فقد تصرف في الامر، واذا تصرف في الامر فما قصده هو الامر الخيالي التشريعي وليس الامر الواقعي. وبيان ذلك: ان من مشخصات الامر متعلقه، فإن الامر يتشخص في وعاء الاعتبار بمتعلقه، فلأجل ذلك يكون اختلاف المتعلق موجبا لاختلاف الامر لا محالة، فالامر المتعلق بالجامع غير الامر المتعلق بالفرد والامر المتعلق بالأقل على نحو اللا بشرط غير الامر المتعلق بالاكثر.

فبناء على ذلك: إذا شرّع المكلف وادّعى أن متعلق الامر الواقعي ما يشمل المركب المشتمل على الزيادة، اذن فقد ادعى ان متعلق الامر هو الجامع، وإذا كان الامر متعلقا بالجامع فهذا هو ليس الامر الواقعي إذا المفروض ان الامر الواقعي متعلق بالحصة وليس بالجامع، فما قصده عند تشريعه انما هو الامر الخيالي التشريعي لا الامر الواقعي، فكيف تصح عبادته؟!

ولكن يلاحظ على ما افيد: لا ملازمة عقلا بين مقام الابعاث ومقام القصد، والسر في ذلك: ما قام بالتصرف فيه هل هو حيثية تقييدية لانبعاثه أم حيثية تعليلية؟ فإذا افترضنا أن المكلف قام وتصدى لجعل متعلق الأمر الجامع، قال: أنا لا ادري هل ان المولى امر بالجامع أو ان المولى امر بالفرد، يعني اللا بشرط من حيث الزيادة، لكنني ادعي ان متعلق الامر هو الجامع، فتصرف المكلف في المتعلق لا اشكال انه تصرف في الامر، فإن الامر مما يتشخص بمتعلقه، فاذا اختلف المتعلق اختلف الامر. انما الكلام عند تشريعه انبعث عن الامر الشرعي عن الامر الواقعي، فهل ان ما شرعه كان حيثية تقييدية لانبعاثه أم حيثية تعليلية؟ فإن كان ما شرعه حيثية تقييدية لانبعاثه؟! بمعنى انه قصد فقد وفقد الامر بما شرعه الامر المتعلق بالجامع؟ نعم، هذا لم يقصد الأمر الواقعي، فيأتي فيه ما ذكرناه فيما إذا شرع اصل الامر هل انبعث عن الامرين وهل انبعث عن خصوص الامر التشريعي واذا انبعث عن الأمرين هل كلاهما جزء في الداعوية أم كل منهما مستقل في الداعوية. هذا مضى بحثه.

اما إذا افترضنا ان ما شرعه كان مجرد حيثية تعليلية: نعم افترض ا ن متعلق الامر الجامع، الا انني انبعث عن الامر الذي صدر منه تعالى، وان كنت ادعي مضافا الى ذلك ان ما صدر منه تعالى الجامع لا الحصة.

الأمر الثاني: أن الشيخ الاعظم قسّم صور المسألة الى ثلاث: حيث قال: الصورة الأولى: إن يأتي بالزيادة بقصد امر مستقل بها، كما إذا كرر التشهد وقصد ان التشهد الثاني مأمور بأمر على حده. الصورة الثانية: ان يأتي بالتشهدين بقصد انه امر واحد، أي ان يدعي انهما جزء واحد. الصورة الثالثة: أن يأتي بالزيادة بدلا، أي ان يرفع اليد عن التشهد الاول، ولا يحتسبه امتثالاً ويأتي بالشهد الثاني بعنوانه أنه هو الامتثال.

فبالنسبة الى الصورة الثانية: وهي ان يأتي بالمجموع بقصد الجزئية وامتثال الامر الضمني بالجزء يأتي به نفس التفصيلات في الصورة الاولى، من انه خطأ في التطبيق أو تقييد، أو تعليق، أو تشريع، تشريع في الامر أو ي المتعلق أو الامثتال، وهذا الذي مضى بيانه مفصلاً.

وأما بالنسبة الى الصورة الثالثة: وهو ان يرفع اليد عما أتى به قصداً، ويأتي بالثاني بدلا عنه، يعني من باب تبديل الامتثال بالامتثال. فهنا لابد في تصحيحه من النظر الى شروط:

الشرط الاول: أن يكون المقام مما يصح فيه التبديل كما ورد في مسالة القراءة، حيث ورد في مسِألة القراءة ان يعدل من سورة الى سورة أخرى بعد الفاتحة، وبعضهم قال: لا خصوصية للعدول اثناء السورة بل يشمل ما بعد الاتيان بالسورة ايضاً، بمعنى انه إذا اتى بسورة القدر وأراد العدول الى سورة الكوثر حتى بعد الاتيان بسورة القدر تشمله الادلة له ان يبدل الاولى بالثاني، ويدعي ان الامتثال بالثانية لا بالأولى، إذا قام دليل خاص على جواز ذلك فلا اشكال، ودعوى ان الاولى وقعت زيادة، والزيادة مبطلة يشملها صحيحة محمد بن مسلم: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة».

الجواب: أولاً: نفس الدليل الدال على جواز تبديل الامثتال بالامتثال، واضح الدلالة على اغتفار الاول وعدم اعتباره زيادة أو انه زيادة غير ضائرة، وثانياً: على فرض اننا لم يتضح لنا ذلك فيقال: بأن ظاهر قوله: من زاد في صلاته فعليه الاعادة ان المانع احداث الزيادة، وهو هنا لم يحدث الزيادة، وإنما أتى بالأولى بقصد الامتثال، إلا أن الحاقها بالثانية جعلها زيادة، فهي زيادة بقاءً وليست زيادة حدوثاً، ودليل مانعية الزيادة منصرف للحدوث أي للزيادة الحدوثية، كما يدعى في سائر العناوين انها منصرفة الى الحدوث لا الاتصاف بوصف بقاء.

الشرط الثاني: لنفرض انه لم يقم دليل على جواز التبديل والتكرار، ولكن لم يقم دليل على صحة العمل الذي اتى به. لنفرض انه اتى بالسورة وليس له مصحح للإتيان بها، بمعنى ان المورد ليس مورداً لقاعدة التجاوز أو لقاعدة الفراغ، كما انه لم يكن اذكر في مقام العمل.

فهنا حيث إن الأدلة الدالة على أنّ المكلف ما لم يدخل في ركن لاحق فله ان يصحح عمله، وان يتدارك عمله، مقتضى الاطلاق المقامي لهذه الادلة انه لو شك في صحة العمل من حيث الصحة والفساد ولم يكن هناك مؤّمن فله أن يتدارك ما لم يدخل في ركن لاحق.

الشرط الثالث: لنفرض انه قام مصحح، شك في صحة السورة بعد الفراغ منها أو صحة الآية بعد الفراغ منها، وكان المورد مجرى لقاعدة الفراغ، أو انه شك في آية بعد الانتقال الى آية اخرى وكان المورد موردا لقاعدة التجاوز فهل يمكنه بعد ذلك الابدال والتكرار أم لا؟

هذا يبتني على ان المستفاد من قاعدتي الفراغ والتجاوز الرخصة يعني لك ان تبني على صحة العمل، حيث إن القاعدتين ورادتان في مقام الارفاق على المكلف والتسهيل عليه، فمقتضى ذلك ان الصحة المستفادة منهما على نحو الرخصة لا على نحو العزيمة، إذن يمكنه أن يرجع ما دام مرخصاً في البناء، الكلام إذا بنينا أو استفدنا من أدلة هاتين القاعدتين العزيمة كما هو ظاهر قوله: «بلى قد ركعت». أو كما هو ظاهر قوله: «اذا شككت في كل شيء مما مضى فأمضه» فإن ظاهر هذه الادلة ان الشارع يتعبد بالامتثال، أي الشارع يعتبرك امتثلت، أي ان الشارع يتعبدك بسقوط الامر الضمني. فالتصحيح من باب العزيمة لا من باب الرخصة. فهنا لو تدارك مع ان التصحيح من باب العزيمة فلا محالة، نقول: تداركه تارة من باب الخطأ وأخرى من باب التشريع.

فإن كان تداركه من باب الخطأ، وكان قاصراً، شمله حديث «لا تعاد». فمقتضى حديث «لا تعاد» صحة صلاته.

وأما إذا كان التدارك من باب التشريع. فيأتي نفس الكلام الذي ذكرناه في التشريع مفصّلاً.

الأمر الثالث: ذكرنا فيما مضى ان المكلف إذا قصد بالزيادة انها جزء من المركب فبالنتيجة قصد المركب المشتمل على الزيادة ولم يقصد المركب المأمور به واقعاً، فاذا كان قصد المركب المشرع أو المقترح مضرا ً بصحة صلاته على الخلاف الذي ذكرناه: فلا فرق بين ذلك بين ان يقصد ابتداء أو بعد ذلك، أي تارة المكلف اول ما يدخل الصلاة يقصد المركب المشتمل على الزيادة. وتارة دخل الصلاة وهو قاصد المأمور به الواقعي، ولما وصل الى مورد الزيادة كرر التشهد بقصد الجزئية من المركب المأمور به، فلا محالة حينئذٍ حين التشهد قصد المركب المقترح وليس المركب الواقعي. لا فرق في المحذور، لو قلنا بأن قصد المركب المقترح مضر فلا فرق في هذه الضائرية بين ان يقصده ابتداء أو ان يقصده ابتداء أو يقصده حين الاتيان بالزيادة. إن النكتة واحدة.

الأمر الرابع: لو فرضنا أنّ هذا المكلف حين شروعه في الصلاة قصد المركب المقترح، أي قصد أنه يمتثل ما يقترحه، وأنه هو المأمور به في حقه من قبل الشارع. ولكنه عندما وصل الى موضع الزيادة ندم فلم يزد، أي عندما وصل الى مرحلة الركوع الثاني لم يركع مرة اخرى أو لم يتشهد مرة اخرى، وندم على ما قصد.

هل يمكن تصحيح عمله؟

لا يمكن، إذ ما دام قد شرع في الصلاة قاصداً المركب المقترح، وقلنا بأن قصد المركب المقترح مضر، لأنه لم يقصد امتثال الامر الواقعي فندمه بعد ذلك وعدم اتيانه بالزيادة لا ينفعه.

الأمر الخامس: كان كلامنا كله فيما لو اخذ الجزء لا بشرط من حيث التكرار. أما لو اخذ الشرط بجزء لا من حيث التكرار: فنحن قد صححنا العمل فيما سبق من جهة انه قصد امتثال الأمر الواقعي، أو من جهة انه تحقق منه قصد القربة. لكن جاءت مشكلة أخرى وهي ان المأمور به لم يأت به، لان المأمور به مقصد بعدم التكرار، وقد كرر، فهنا مشكلة أخرى.

لذلك لابد من علاجها من الرجوع الى حديث لا تعاد: بأن يقال: إن كانت مانعية التكرار من السنن وكان جاهلا قاصرا في دعوى التكرار فحينئذٍ يشمله لا تنقض السنة الفريضة، واما إذا كانت مانعية التكرار من الفرائض كما ادعاه سيدنا «قده» في الأركان فادعى ان تكرار الأركان كتكرار الركوع انه مضر بالفريضة. أو لم يكن جاهلا قاصرا بل مقصرا كما لو كان مشرعا من دون تثبت فحينئذ لا تشمله القاعدة ومقتضى ذلك بطلان صلاته.

والحمد لله رب العالمين.