درس الأصول | 102

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام سابقاً في وجوب الفحص عن الأمارة المعتبرة قبل أن يتخذ الفقيه أي وظيفة عقلية أو شرعية، ترخيصية أو الزامية. ويقع الكلام في وجوب الفحص قبل إجراء الأصل العملي الشرعي. فالكلام فيما هو أخص من المدّعى السابق.

فهل الأدلة التي استدل بها على وجوب الفحص فيما سبق تدلّ على وجوب الفحص قبل إجراء الاصل العملي التشريعي الترخيصي أم لا؟ حيث ذكرنا ان الادلة ثلاثة: العلم الاجمالي بالتكاليف، واخبار التعلم، وانصراف دليل البراءة عن الشبهة قبل الفحص باحتفافه بالمرتكز العقلائي القائم على وجوب الفحص. والأصول العملية الشرعية الترخيصية هي أصالة الطهارة في الشبهات الحكمية كما لو شك في طهارة الكتابي وعدمه أو في عدم طهارة الارنب وعدمها، وكذا أصالة التخيير، وكذا أصالة الاستصحاب.

وهنا ذكر السيد الشهيد أمرين:

الامر الاول: أن هذه الأصول من أصالة الطهارة أو أصالة التخيير لا تأتي فيها كل الادلة الدالة على وجوب الفحص، قد يأتي فيها دليل العلم الاجمالي، وقد يأتي فيها دليل اخبار التعلم مثلا، ولكن لا يأتي فيها دليل انصراف دليل البراءة، فإنه أي علاقة لانصراف دليل البراءة بأصالة الطهارة أو أصالة التخيير أو الاستصحاب. فلو كان الدليل على وجوب الفحص فقط انصراف دليل البراءة لاحتفافه بالمرتكز القائم على الفحص لم يشمل أصالة الطهارة واصالة التخيير والاستصحاب الترخيصي.

ولكن يلاحظ على كلامه هنا: أن النكتة واحدة، فإن النكتة في انصراف دليل البراءة هو احتفافه بمرتكز عقلائي قائم على أن كل مولى كان ديدنه على جعل الأمارات في معرض الوصول، فإنه لا يصار إلى الترخيص في شبهاته من دون فحص عن تلك الأمارات التي لو فحص عنها لوصل اليه. ومن الواضح ان هذه النكتة عامة، فسواء كان امامنا دليل البراءة أو دليل أصالة الطهارة أو أصالة التخيير أو الاستصحاب على أية حال ما دام ديدنه المولى جعل اماراته في معرض الوصول فالعقلاء لا يرخصون في شبهات احكامه، سواء كان الترخيص بدليل البراءة أو بأصالة الطهارة أو بأصالة التخيير أو بأي أصل آخر، فالنكتة لا تختص بأصالة البراءة.

الامر الثاني: بالنسبة إلى أصالة الطهارة قد يقال بأن أخبار التعلم معارضة له فكلاهما خبر، والنسبة بينهما عموم من وجه، فإن أخبار التعلم مفادها: أن الجهل غير معذر، وأن على المكلف أن يتعلم الأحكام في باب الطهارة أو غيره، ومفاد أصالة الطهارة انه: إذا شك في طهارة شيء على نحو الشبهة الحكمية فالأصل فيه الطهارة، سواء كان الشك قبل الفحص أم بعد الفحص، فالنسبة عموم من وجه، فهما متعارضان فبأي وجه يقال: ان اخبار التعلم تدل على وجوب الفحص قبل إجراء أصالة الطهارة، بل هما متعارضان.

ولكن الظاهر عرفاً هو الحكومة، فإن أخبار التعلم ناظرة لجميع ما صدر من الشارع من أحكام نفسة أو عملية وظيفية. فأخبار التعلم بما لها من نظر لأحكام الشارع تعد حاكمة على دليل أصالة الطهارة وهو حكم من احكام الشارع في الشبهات الحكمية أو الموضوعية، نعم، على فرض المعارضة والتساقط يرجع إلى حكم العقل بالاحتياط، باعتبار انها شبهة قبل الفحص.

وأما بالنسبة لأصالة التخيير: كما إذا دار الامر في صلاة الجمعة بين الوجوب والحرمة، اما انها واجبة وجوبا تعيينا أو تحرم في عصير الغيبة؟.

فهنا يقال: إن كان الدليل على أصالة التخيير هو البراءة عن كل من المحتملين، أو استصحاب عدم جعل كل من المحتملين، فما قلناه في البراءة والاستصحاب نقوله هنا من لزوم الفحص، وان كان مستند أصالة التخيير حكم العقل كما ذهب اليه المحقق الآخوند، فما هو مستند حكم العقل، هل مستند حكم العقل بالتخيير أن المكلف عاجز عن احراز الامتثال، أي لا يدري هل يمتثل بالترك أو بالفعل، فمع عجزه بإحراز الامتثال يحكم العقل بالتخيير، ومن الواضح ان هذا الحكم بعد احراز العجز، فلابد من الفحص قبل ذلك حتى يحرز الموضوع، وان كان مستند حكم العقل هو ان العلم الاجمالي بالجامع أي بإلزام مردد بين الوجوب والحرمة ليس بياناً مصححاً للعقوبة لأنه علم بجامع وليس علم بنوع حتى يكون بيان مصحح للعقوبة، لذلك يحكم العقل بالتخيير إذ لا يوجد بيان على التكليف. فيقال حينئذ: بما ان العلم الإجمالي في المقام ليس بياناً مصححا للعقوبة فالحكم العقلي فيه بمثابة الحكم العقلي للشبهة قبل الفحص، حيث لا يوجد فيه بيان مصحح، فإن جميع الشبهات الحكمية البدوية قبل الفحص ليس فيها بيان مصحح للعقوبة، ومع ذلك حكم العقل فيها بالتوقف ما لم يفحص، فكذلك المورد.

فتلّخص: أنّ الاصول العلمية الشرعية الترخيصية أو أصل التخيير بناء على كونه أصلا عقلياً، لا مجرى لها قبل الفحص.

وما ذكره السيد الشهيد «قده» في دليل الاستصحاب حيث انه قال: لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين مثله. قال ظاهر سياقه: انه إذا جرى في مورد الترخيص أنه فرع عدم وجود بيان رافع للشك. فعندما يقول: لا تنقض اليقين بالشك، أي لا تعتد بالشك، لا تعول على الشك، وهذا إنما يصح القاه على فرض عدم بيان رفع للشك، وإلا لكان ذلك البيان نقضا لليقين بمثله، فنفس هذه السياق يقتضي التوقف في جريان الاستصحاب قبل الفحص. لأن سياقه يدل على أن مورده فرض عدم البيان الرافع للشك. وما ذكره عرفيٌ متين.

يأتي الكلام حول: أن وجوب التعلم وجوب طريقي نفسي بملاك نفسي أو نفسي بملاك طريقي؟ وما هي حقيقة الوجوب الطريقي لاختلاف الاعلام في تحديدها؟

والحمد لله رب العالمين.