درس الأصول | 109

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الصحيح: أن وجوب التعلم وجوب طريقي، لغرض تنجيز الواقع بنفسه لا بغرض تنجيز الطريق او إيصال الواقع بإيصال طريقه، والوجه في ذلك: مجموعة من القرائن:

القرينة الأولى: القرينة السياقية، فإن ظاهر سياق اخبار التعلم في قوله «طلب العلم فريضة» او في قوله: «يسئل العبد يوم القيامة فيقول ما عملت؟ فيقول ما علمت»، أن المأمور به هو التعلم، بغرض تحصيل الواقع القابل للعلم، فإنه لا يقال تعلم الا اذا كان المطلوب عرفاً الواقع الذي يقبل التعلم، او يقبل الوصول بالعلم. فدعوى المحقق الاصفهاني أن مفاد اخبار التعلم إيصال الواقع عبر الطريق بحيث يكون نفس اخبار التعلم وصولاً للواقع بوصول طريقه تبعيد للمسافة مما لا قرينة عليه في نفس اخبار التعلم، فإن نفس ما يستفاد منه بل هو المتبادر عرفا ان المنظور فيها الواقع القابل للعلم، سواء كان قابلا للعلم الوجداني او كان قابلا للعلم التعبدي او وصل للإنسان من دون طريق، فالواقع القابل للعلم منجز بنفس أخبار التعلم وواصل بنفس أخبار التعلم، وليس شيئا آخر. كما ان دعوى سيد المنتقى «قده» أن مفاد أخبار التعلم تنجيز الطريق لا تنجيز الواقع بالأصالة، بل المقصود بالأصالة تنجيز الطريق، فإن هذا غريب عن مساق اخبار التعلم ان يكون هذا تنجيز الطريق، فإنه مضافا الى عدم معقولية تنجيز الطريق، لأنه لا معنى للنمجزية إلا استحقاق العقوبة على المخالفة، ولا معنى لاستحقاق العقوبة على مخالفة الطريق بما هو طريق كي يكون مفاد اخبار التعلم تنجيز الطريق، مضافا الى ذلك: فإنه على خلاف مساق أخبار التعلم، اذ ليس مساقها الا تنجيز الواقع القابل للعلم، لا تنجيز الطريق وهو ذلك الخبر المحتمل العثور عليه لو فحصنا عنه. طلب العلم فريضة: يعني طلب الواقع، الواقع الذي يمكن تعلمه هو الذي يكون طلبه فريضة وهو الذي يكون متنجز عليه، سواء علمت به وجدانا او تعبداً، لا طلب تعلم زرارة، او ليس المقصود بطلب العلم فريضة، انني اريد ان اوصل لك الواقع عبر خبر زرارة وصولا تنزيلا.

القرينة الثانية: القرينة اللفظية، وهي التعبير بالعمل، «ما عملت؟ «فيقول ما علمت، فيقال: هلا تعلمت حتى تعمل ولله الحجة البالغة». فإن قرن العلم بالعمل في هذه الأخبار واضح النظر الى ان المقصود بالأصالة هو تنجيز العلم بالواقع، وإيصال الواقع نفسه، لا ان هناك إيصالات كما في كلام المحقق الاصفهاني حيث عنده ان اخبار التعلم واصلة وجدانا ووصولها للخبر تعبدا ووصل الخبر وصل للواقع تنزيلاً. فإن كل ذلك ليس ملحوظاً في هذه الأخبار. بل الملحوظ فيه ان التعلم مأمور به لأجل العمل بالواقع، فهي منجزة للواقع القابل لأن يتعلم ولأن يعمل به.

القرينة الثالثة: قرينة عقلية. اشار اليه السيد الخوئي في مصباح الأصول، وفي «ج1 من التنقيح»: لا إشكال لو ترك التعلم فاستلزم تركه للتعلم تركه للواقع فلم يعمل بالواقع، لا اشكال انه يعاقب على تركه للواقع، فمع المفروغية انه من ترك التعلم فاستتبع ذلك مخالفة الواقع كان مدانا ومعاقبا على مخالفة الواقع. فنسأل هل وراء مخالفة الواقع، هل وراء استحقاق العقاب على مخالفة الواقع استحقاق العقاب على ترك التعلم؟ استحقاق العقاب على ترك الخبر؟

فهل يلتزم هؤلاء سواء بدعوى سيد المنتقى: ان مفاد أخبار التعلم بالأصالة تنجيز الطريق، او كما ذكره المحقق الاصفهاني ان مفاد أخبار التعلم إيصال التعلم بالطريق، يعني الواقع الذي لا طريق له لم يصل بأخبار التعلم. ففي مثل هذا المورد الذي لم يتعلم فلم يعمل بالواقع، لا اشكال انه يعاقب على مخالفة الواقع، فهل تترتب عليه عقوبة اخرى وهي عقوبة عدم العلم بالطريق؟ ام لا؟

فإن قالوا، لا تترتب عليه عقوبة اخرى، يكفي العقوبة على مخالفة الواقع. فإذن ما هو معنى تنجيز الطريق، وما هو الداعي ان يتشجم المولى بإيصال الواقع عبر الطريق بحيث تكون له خصوصية في الوصول!، والحال لا يترتب على عدم مخالفة الواقع أي عقوبة اخرى مع ترك العلم بالطريق. وإذا قالوا: ان هناك عقوبتان هنا، أي وراء العقوبة على ترك الواقع عقوبة على ترك الطريق، او عقوبة على ترك التعلم، فإن هذا مناف للمرتكز العقلائي، اذ لا يرى المرتكز العقلائي للتعلم أو للعمل بخبر زرارة بما هو خبر إلا الطريقية المحضة لإحراز الواقع ليس إلا، فإذا خالف الواقع فقد ضيق الخبر نفسه، لا أن في ترك التعلم او في ترك العمل بخبر زرارة غرضا آخر فوته على المولى كي يكون مستحقا للعقوبة على مخالفته.

فإن قيل: كما في بعض كلمات بعض الاستاذة، من انه: لا مانع من ان نقول ان العلم بالطريق مطلوب ولكن في فرض الموافقة يندك العقاب على مخالفة الطريق في العقاب على مخالفة الواقع. وقد مثّل لذلك «قده» بواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبحفظ الفروج. حيث قال: لا اشكال ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب نفسي، ومع ذلك الغرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو محو المنكر، وإقامة المعروف خارجاً، فملاك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ملاك غيري وليس ملاكاً نفسيا، لان الغرض منه محو المنكر وإقامة المعروف، فلو أن شخصا ترك الأمر بالمعروف وصادف من ذلك انه ذهب المعروف وتحقق المنكر، فهل يعاقب عقابين؟ لا يعاقب عقابين، مع انه ترك واجبا نفسيا، مع ذلك تركه المستلزم لعدم إقامة المعروفة وظهور لا يعاقب عقابين.

وكذلك حفظ الفروج، «والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم». فإن المطلوب من المسلم التحفظ على عروته لكي لا يقع في الشيء الآخر، فحفظ العروة في حد نفسه واجب نفسي، وان كان ملاكه ملاكا غيريا، أي الغرض من حفظ الفرج هو ان لا يقع في الفاحشة، فلو فرضنا انه ما حفظ الفرج فوقع في الفاحشة، لا إشكال انه يستحق عقوبة واحدة لا عقوبتين، مع انه خالف واجبين نفسيين: النهي عن المنكر، وحفظ الفرج، وذلك لان ملاك هذا الواجب النفسي حيث كان ملاكا غيرياً اندكت العقوبة على مخالفته في العقوبة على مخالفة الواقع، فكما قلتم في مخالفة النهي عن المنكر ومخالفة حفظ الفرج، قولوا به في ترك التعلم، او ترك العمل بخبر الثقة، هو واجب لكن لا يترتب على مخالفته عند اسلتزامه لمخالفة الواقع إلا عقوبة واحدة، لان عقوبة مخالفته تندك في عقوبة مخالفة الواقع.

اول الكلام ان هذه الأمثلة من باب الواجب النفسي، حتى يقال بأنه مع انها من الواجب النفسي مع ذلك لا يترتب على مخالفتها عقوبة وراء العقوبة وراء مخالفة الواقع.

والحمد لله رب العالمين.