نص الشريط
الدرس 9
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/11/1434 هـ
مرات العرض: 2469
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (441)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وقع البحث في حكم الزيادة في المركبات الشرعية، كالصلاة، والطواف، وما أشبه ذلك، في جهات ثلاث:

الأولى: في معقولية الزيادة، وهو أنّه تُتصور الزيادة في المركبات الشرعية أم لا؟

وقد ذُكر في كلمات الأعلام وجهان لمنع معقولية الزيادة:

الأوّل: ما ذكره المحقق الحائري في «صلاته» من أنّه لا يُعقل الزيادة في المأمور به، ويمكن بيان مطلبه بصياغتين:

الأولى: أن يقال إنّ الزيادة الحقيقية متقومة بالمسانخة - أي كون المزيد من سنخ المزيد فيه -؛ إذ لو كان أجنبيا عنه لم يصدق على إضافته الزيادة، مثلاً:

من بنى دكاناً داخل بيته، فإنّه ليس ذلك من الزيادة؛ إذ ليس الدكان من سنخ المنزل كي يكون زيادة في المنزل، بل هو من قبيل ضم الحجر بجنب الإنسان، حيث لا يُعتبر ذلك زيادة في الإنسان، إذاً فالزيادة الحقيقية متقومة بالمسانخة بين المزيد والمزيد فيه، ولأجل ذلك لا تُعقل الزيادة في المأمور به، حيث إنّ المأمور به ماهيته وحقيقته أنّه مأمور به، فماهية الصلاة المأمور بها متقومة بكونها مأمورٌ بها، فإذا كان المأمور به متقوماً بهذا العنوان أي بعنوان أنّه مأمور به، إذاً فأي إضافة إمّا أن يشملها الأمر أو لا، فإن شملها الأمر، فهي ليست زيادة بل هي من المأمور به، وإن لم يشملها الأمر كانت أجنبية فلا يصدق عليها زيادة؛ لأنه ما دامت الزيادة متقومة بالمسانخة بين المزيد والمزيد فيه والمفروض أنّ المزيد فيه متقومٌ بكونه مأموراً به، فلا تكون الإضافة زيادة حتّى تكون مسانخة، ولا تكون مسانخة حتّى تكون مأمورا بها، ومتى ما كانت مأمورا كانت من الماهية لا أنها زائدة عليها؛ لأجل ذلك لا يُعقل الزيادة في المأمور به، هذه صياغة.

الصياغة الثانية: أن يقال إن المأمور به ماهية جعلية، ومقتضى أنّها ماهية جعلية أنها بيد الجاعل، فالمأمور به ماهية قوامها ببيد الجاعل نفسه، وبالتالي فأي تصرف يحدث من غيره، كما لو قام المكلف فصلّى وأضاف إلى الصلاة ركوعا أو سجوداً او قفزة وما أشبه ذلك، فإن ما أضافه المكلف إن دخل في المأمور بحيث عُدّ زيادة فيه، فهذا خُلف كون المأمور به بيد الجاعل، فإنّ مقتضى كونه بيد الجاعل أنّ أي إضافة من غيره فهي أجنبية عنه، لا أنها زيادة فيه، فلو قلنا بأنّ ما أضافه المكلف فهو زيادة في المأمور به فهذا خُلف كون المأمور به ماهية جعلية تتقرر حدودها من حيث النقص والزيادة بيد الجاعل والمعتبر. هذا ما يمكن ذكره توجيهاً لكلام المحقق الحائري «قده».

ولكن يُلاحظ على ما أُفيد بكلتا الصياغتين:

أننا تارة نتكلم عن الزيادة في المأمور به من حيث إنه مأمور به «أي بهذه الحيثية» فهنا لا تُعقل الزيادة كما أفاد، بل لا يُعقل النقص، فإن مقتضى كون المأمور به بما هو مأمور به ماهية جعلية، أنّ أي تصرف من غير الجاعل نقصاً زيادة، فلا عُلقة له بالمأمور به من حيث أنّه مأمور به، فكما لا تُعقل الزيادة لا يُعقل أيضا النقص، ولذلك ذُكر في الصياغة الأولى أنّ المزيد إمّا أن يشمله الأمر أو لا، فإنّ هذا إنما يُفيد امتناع الزيادة في المأمور به من حيث أنّه مأمور به.

ولكن هذا ليس محلاً للبحث.

وأمّا؛ الزيادة في المأمور به لا من حيث أنّه مأمور به، وهذا أمر معقولٌ سواء كانت الإضافة تشريعية أم كانت الإضافة خارجية، فالإضافة التشريعية مثلاً، أن يقول المكلف: «أن الصلاة التي أُمرت بها هي الصلاة المشتملة على سلامين» فهذا تشريعٌ، والتشريع زيادةٌ أزاد في المأمور به لا من حيث أنّه مأمور به زيادة تشريعية، أو كانت الزيادة خارجية، بمعنى أنّ المكلف في مقام الامتثال اتى بركوعين في ركعة واحدة بقصد الجزئية ولو غفلة، فهو وإن لم يُزد في الطبيعي المأمور به من حيث أنّه مأمور به ولكنه زاد في مصداقه، أي في المحقق لامتثاله، حيث ادعى أنّ الامتثال لا يتحقق إلا بهذا، فهو زاد في المأمور به في عالم الامتثال، فيشمله من زاد صلاته فعليه الإعادة. فما ذُكر وجهاً للمنع أجنبي عن محل البحث، فإنّ محل البحث ما هو المستفاد من قوله «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، وهذا ناظر للإضافة تشريعية أو خارجية، لا في المأمور به من حيث أنّه مأمور به.

الوجه الثاني: ما أشار إليه الآخوند في الكفاية «قده» وأصبح معتركاً لكلمات الأعلام، حيث قال: لا يُعقل الزيادة في المركبات الاعتبارية أبداً، والوجه في ذلك: أنّ المركب الاعتباري إمّا أن يُلحظ بالنسبة إلى الخصوصية بشرط لا، او يُلحظ بالنسبة إليها لا بشرط، مثلاً:

إذا قسنا الصلاة إلى الركوع الثاني في الركعة الواحدة فإمّا أن الصلاة ملحوظة بالنسبة للركوع الثاني بشرط لا او لا بشرط؛ إذ لا يُحتمل انه بشرط شيء لأنه خارج عن محل البحث، فإن كان الصلاة ملحوظة بالنسبة إلى الركوع الثاني بشرط لا فمتى ما أُتي بالركوع الثاني كان نقيصة لا زيادة؛ لانّ المأمور به الركوع المشروط بعدم الزيادة، الركوع المشروط بعدم التكرار، فمتى ما أتيت بالركوع مكرراً فأنت لم تأتِ بالركوع المأمور به، فصارت الإضافة نقيصة، حيث إنّ الجزء المأمور به لم يؤتى به.

وأمّا؛ إذا كان لا بشرط، كما إذا قال: «إذا صليت فاركع لا بشرط» من حيث التكرار، فمعنى اللابشرطية رفض القيد، فإذا قيل: «قلد العالم لا بشرط» فحينئذ معنى انه لا بشرط يعني أنّ هذه الخصوصية لا دخل لها لا وجوداً ولا عدماً، فإذا قيل: «صلِّ واركع لا بشرط من حيث التكرار» معناه أن الركوع الثاني غير دخيل لا وجودا ولا عدما، فإذا لم يكن دخيلاً فالنتيجة أنّه ليس زيادة بل هو أجنبي، متى ما اتيت بركوع آخر أتيت بأمر أجنبي لا دخل له في الصلاة لا وجوداً ولا عدماً، فهو من قبيل ضم الحجر بجنب الإنسان، أمرٌ أجنبي عنه.

فعلى كلا الفرضين لا تتحقق الزيادة، فالزيادة في المركبات الاعتبارية غير معقولة بنظر الآخوند.

وقد ذُكرت أجوبة لهذه الشبهة:

الجواب الأوّل: ما أفاده المحقق العراقي «قده» في نهاية الأفكار وتبعه السيّد الصدر «قده» في بحوثه في الجزء الخامس، وعبّر عنه: «والتحقيق أن يقال»، فقد أفاد المحقق العراقي «قده» مطالب ثلاثة:

المطلب الأوّل: أنّ الزيادة إما تشريعية وإمّا حقيقية، فالزيادة التشريعية هي الإتيان بالعمل بقصد الجزئية، فمن ركع ركوعاً ثانياً أو قفز في الصلاة بقصد الجزئية من الصلاة فقد زاد في صلاته زيادة تشريفية، حيث إنّ المناط في صدق الزيادة النظر العرفي، والعرف يقول: لقد زاد في صلاته، حيث أتى بعمل بقصد أنه جزء من صلاته، مع أنه ليس بجزء، فهذه زيادة تشريعية بنظر العرف.

النوع الثاني: الزيادة الحقيقية، والزيادة الحقيقة متقومة بعنصرين - لابد من الالتفات إليهما، وقدر ركّز المحقق العراقي في نهاية الأفكار -:

العنصر الأوّل: أن يكون المزيد من سنخ المزيد فيه؛ حتى يكون المزيد فيه قابلاً لانضمام المزيد إليه، بحيث إن وُجد كان داخلاً تحت المسمى، وإن فُقد لم يضر بالمسمى، مثال ذلك:

فلو قالت لك زوجتك: «ابني لي بيتا» والبناء المتعارف مثلاً ثلاث غرف، فأنت كرماً وفضلاً بنيت خمساً فهو المزيد من سنخ المزيد فيه، لذلك فعنوان «البيت» قابلٌ لأن تنضم إليه غرفة زائدة، فإن اُضيفت كانت داخلة تحت المسمى وهو البيت، وإن فُقدت لم تضر بصدق المسمى، فهذا ما عبّر عنه العراقي ب «قابلية الانضمام»، وعبّر عنه الصدر ب «المطاطية والمرونة»، أي انّ المزيد فيه مطاطٌ مرنٌ مثلاً.

أمّا؛ لو كان أجنبيا، كما لو قام احدهم وبنى داخل البيت دكاناً أو ملعباً، فحينئذ لا يصدق عرفاً على الدكان أنّه زيادة في البيت بل ضمّ أمر أجنبي إلى البيت لأن الزوجة دخلت وأصابها الذهول كيف بنيت دكاناً في داخل البيت؟

العنصر الثاني: أن يكون هناك حدّ حتّى يُقاس عليه، فيقال: ما دام ضمن الحدّ فهو أصيل وما كان فوق الحدّ فهو زيادة؛ إذ لو لم يكن هناك حدّ فمهما أتيت فهو ليس زيادة، فلو كان المأمور به عنوان انتزاعي كما لو قالت لك الزوجة: «ابني لك بيتاً من غرفة فأزيد» فهنا حتّى لو بنيت مئة غرفة فلا يصدق عليها أنّها زيادة؛ إذ ليس هناك حدّ، إذاً صدق الزيادة عرفاً كما هو متقومٌ بالمسانخة والمطاطية فهو متقومٌ أيضاً بوجود حدٍّ يُقاس عليه، كأن تقول: ابني لي بيتاً من غرف ثلاث، وأنت بنيته من خمس غرف، فهنا يقال: زاد على الحدّ، فهذه يُعبر عنها ب «الزيادة الحقيقية»، والفرق بينهما وبين الزيادة التشريعية أنها لا تحتاج إلى قصد الجزئية، فمن صلّى وضمّ إلى صلاته ثلاث سور، قرأ بعد الفاتحة ثلاث سور، وإن لم ياتِ بالسورتين الاخريين بقصد الجزئية، فهو لم يرتكب زيادة تشريعية، لكنه ارتكب زيادة حقيقية، والسّر في ذلك: أنّ ما أتى به من سنخ المزيد فيه، حيث كرر السورة، وفي نفس الوقت هناك حدٌّ، صلِّ وأقرأ الفاتحة مع سورة، وهو قد أضاف سورتين اخريين، فهنا تصدق الزيادة الحقيقية وإن يقصد الجزئية، هذا هو المطلب الأوّل الذي افاده المحققان.

المطلب الثاني:

قال: بأنّ نسبة الماهية إلى الخصوصية لا تنحصر في اللابشرط والبشرط لا، بل هناك قسمٌ ثالث، وهذا القسم الثالث عبّر عنه سيّدنا الخوئي «قده» في «مصباح الأصول» عندما أجاب عن هذا الإشكال: بأنّ اللابشرطية لها معنيان، المعنى الأوّل: أنّ الخصوصية أجنبية وهذا ما قرره الآخوند، والمعنى الثاني: أنّ الخصوصية من ضمن المسمى وإن لم تكن مقوماً للماهية.

مثلا: إذا قال: إذا توضأت فالمطلوب غسلة للوجه على نحو اللابشرط من حيث التكرار، فما هو المقصود باللابشرط؟ فإن كان المقصود باللابشرط أنّ الغسلة الثانية أجنبية لم تتحقق الزيادة كما قال الآخوند، وإن كان المقصود باللابشرط أنك مقصود بجامع الغسل وجامع الغسل كما ينطبق على الغسلة الواحدة ينطبق على الغسلتين، فإذا أتيت بغسلتين أتيت بجامع الغسل، فهو داخل ضمن المسمى، فاللابشرطية لها معنيان، وبناءً على ذلك فقول الآخوند، إمّا أنّ الخصوصية بشرط لا فالاتيان بها نقيصة، أو لا بشرط فالإتيان بها إتيان بأمر أجنبي.

نقول: لا، لا ينحصر الأمر بذلك، قد تكون نقيصة، قد تكون أجنبية، قد تكون ضمن المسمى، كما لو كان المقصود باللابشرطية الأمر بالجامع، الصادق على القليل والكثير، هذا حسب عبارة السيّد الخوئي. والسيّد الصدر «قده» قال: ليس اللابشرطية إلّا ذات معنىً واحد، وهو عدم دخل الخصوصية لا وجوداً ولا عدماً، ليس لها معنيان.

فينبغي أن يقول سيّدنا «قده» في مقام الصياغة الفنية الصناعية، هو هذا:

أنّ الخصوصية إمّا مأخوذة بشرط لا، أو مأخوذة لا بشرط، أو أنّ المأمور به جامعٌ انتزاعي صادقٌ على القليل والكثير، كيف يكون جامع انتزاعي صادق على القليل والكثير، بأن يقول: توضأ وعليك في الوضوء بغسلة فأزيد، ليس بغسلة لا بشرط، بل بغسلة فأزيد، فإذا كان الأمر مصوغاً بهذه الصياغة، فإن أتى بغسلة واحدة قد أتى بالمأمور به، أتى بغسلتين، أيضا أتى بالمأمور به؛ لأنّ المأمور به جامعٌ انتزاعي يصدق على القليل والكثير.

والثمرة الفقهية: أنّه هل يجوز أن يمسح رأسه ببلة الغسلة الثانية أم لا؟

فإنّ قلنا إن المأمور به غسلة لا بشرط؛ إذاً الغسلة الثانية أجنبية فلا يجوز الغسل ببللها، وإن قلنا أنّ المأمور به جامعٌ انتزاعي صادقٌ على القليل والكثير، فإذا أتى بغسلتين فقد أتى بالجامع المأمور به، فيصح له المسح ببل الغسلة الثانية، انتهى الكلام.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 6
الدرس 10