نص الشريط
الدرس 22
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 1/12/1434 هـ
مرات العرض: 2493
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (367)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أن من اخل بجزء أو شرط غير ركني في صلاته إخلالاً عمديا فهل يمكن تصحيح صلاته بإطلاق «لا تعاد» أي لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة أم لا؟

وذكرنا أن التمسك بلا تعاد في الإخلال العمدي يقتضي البحث في مقامين:

الأول في إمكان ذلك ثبوتا. والثاني في الدلالة عليه إثباتاً.

أما بالنسبة إلى المقام الأول فقد ذكرنا أن الأعلام «قدست أسرارهم» ذكر وجوها لإثبات إمكان شمول «لا تعاد» لفرض الإخلال العمدي وانه حتى وان ترك الجزء كالتشهد مثلا عن عمدي وعلم مع ذلك يمكن أن يسقط عنه الأمر في الصلاة.

والوجه الأول: ما أفاده المحقق الآخوند «قدس سره» في مسألة من أتم في موضع القصر وقد ذكرنا هذا الوجه أمس ونعيده اليوم لبيان المناقشات فيه، حيث أفاد المحقق الآخوند أن هناك ملاكات ثلاث ملاك في كون الصلاة قصرا أي في خصوصية القصر وملاك في الجامع ألا وهو طبيعي الصلاة الصادق على القصر والتمام وملاكا في خصوصية التمام أي كون الصلاة تمامة.

فإذا أتى المكلف بالصلاة قصرا فقد حقق ملاك القصر وملاك الجامع وحينئذ يسقط الأمر بالقصر لأجل امتثاله لا لأجل عصيانه أو فوت موضوعه بل لأجل امتثاله وتحقيق غرضه.

وأما لو أن المكلف أتى بالتمام مع أنه مخاطب بالقصر لكونه مسافرا فالصلاة تماما صحيحة من جهة وفائها بملاك الجامع لصدق الجامع على القصر والتمام حيث لا يشترك المحقق الآخوند في صحة العبادة الأمر بها بل يكفي عنده صحة العبادة وفائها بملاك ملزم والمفروض أن التمام وان لم يؤمر بها المسافر لكنها لوفائها بملاك الجامع بين القصر والتمام تقع صحيحة.

ومن جهة أخرى حيث إن في التمام ملاكا وهذا الملاك مضاد مع ملاك القصر بحيث لا يمكن للمكلف أن يستوف الملاكين معا فان صلى القصر أولاً لم يمكنه استيفاء التمام وان صلى التمام أولاً لم يمكنه استيفاء ملاك القصر فحيث إن في التمام أي في خصوصية التمام ملاكا مضادا لملاك القصر فمتى تحققت منه الصلاة تماما كان عاجزا عن استيفاء ملاك القصر ولأجل عجزه عن استيفاء ملاك القصر يسقط الأمر بالقصر إذ فعلية الأمر منوطة بإمكان استيفاء ملاكه فإذا كان ملاكه متعذر الاستيفاء، فبقاء الأمر تكليف بما لا يطاق فيسقط الأمر فلا أمر بالقصر بعد أن صلى تماما ولكنه في نفس الوقت مستحق للعقوبة؛ لأنّه أمر بالقصر ذات الملاك الملزم وقد فوت هذا الملاك الملزم باختياره حينما صلى التمام فحيث إن في الصلاة تماما تفويتا للملاك الملزم القائم بالقصر كانت الصلاة تماما صحيحة من جهة لوفائها بملاك الجامع مستحقا للعقوبة من جهة أخرى لتفويته الملاك الملزم القائم بالقصر.

ونظير ما ذكره الآخوند «قدس سره» في بحث القصر والتمام يأتي بحث كلامنا يعني بين الصلاة التامة أو الناقصة مع الصلاة بتشهد أو من دون تشهد فلو صلى من دون تشهد كانت صلاته لوفائها لملاك الجامع موجبة لاستحقاق العقوبة لتفويت الملاك القائم بالصلاة المشتملة على التشهد.

هذا ما يستفاد من عبارة الآخوند في تصحيح الصلاة حتى في فرض الإخلال العمدي.

وهنا عدة إيرادات على ما أفاده الآخوند قدس سره:

الإيراد الأول: ما ذكره المحقق النائيني قدس سره: من أنه إما أن يكون اتصاف القصر بالملاك مشروطا بعدم سبق التمام أو لا يكون مشروطا به وعلى كلا الوجهين لا يتم كلام الآخوند.

فان افترضنا الوجه الأول وهو أن صلاة القصر لا تكون ذات ملاك إلا بشرط عدم سبقها بالتمام بحيث لو سبقت بالتمام لم تكن ذات ملاك فإذا كان منظور الآخوند ذلك إذن فبمجرد الإتيان بالتمام أولاً تصبح القصر أصلاً لا ملاك فيها فلا معنى لاستحقاقه العقوبة لأنَّ استحقاقه العقوبة على تفويت الملاك والمفروض أن القصر المسبوقة بالتمام ليست متصفة بالملاك من أول الأمر لا أنها ذات ملاك ولكن لا يمكن استيفائه. نظير أن يكون شرب الدواء من دون مرض لا ملاك فيه ولا مصلحة.

وان قلتم بأن اتصاف القصر بالملاك لا بشرط سواء سبقتها التمام أم لم تسبقها التمام إذن فسبق التمام لا اثر ومقتضى ذلك أنه يجب عليه القصر بعد التمام لأنها ما زالت ذات ملاك حتى مع سبقها بالتمام فعلى أي من الوجهين والفرضين لا يكون كلام الآخوند تاما.

ويلاحظ على ذلك كما ذكر المحقق العراقي وغيره أن البحث في شرائط الفعلية لا في شرائط الاتصاف وفرق بين الدخيل في الاتصاف المعبر عنه بشرط الوجوب المعبر عنه بشرط الوجوب وبين الشرط الدخيل في الفعلية المعبر عنه بشرط الواجب. فمثلا صلاة الظهر قبل الزوال لا اتصاف فيها بالملاك فالزوال شرط في الاتصاف ولكونه شرطا في الاتصاف فهو شرط الوجوب أما الصلاة بدون طهارة ذات ملاك ولكن لا يمكن استيفاء ملاكها فالطهارة ليست شرطا في أصل الاتصاف بالملاك بل الطهارة شرط في فعلية الملاك خارجا ولذلك كانت الطهارة شرط في الواجب لا شرط في الوجوب ومدعى الآخوند في هذا الوجه أن عدم سبق التمام شرط في الفعلية وليس شرطا في الاتصاف فهو يقول بأن الصلاة قصرا ذات ملاك متصفة بالملاك على كل حال ولكن أن سبقتها التمام كان سبقها بالتمام مانعا من استيفاء ملاكها وفعليته لا أنه شرط في أصل الاتصاف بالملاك وبالتالي فعدم سبقها بالتمام من شرائط الواجب لا من شرائط الوجوب بمعنى أن المأمور به القصر التي لم تسبق بتمام.

الإيراد الثاني: ما ذكره المحقق النائيني «قدس سره» من أن هذين الملاكين وهما الملاك في الجامع بين القصر والتمام والملاك بالقصر حيث أفاد الآخوند أن القصر تشمل على ملاكين: ملاك في خصوصية القصر وملاك في الجامع بين القصر والتمام فهذان الملاكان إما مترابطان وأما مستقلان فان كان الملاكان مترابطين بمعنى أنه لا يمكن التفكيك بينهما بالوجود فلا يمكن استيفاء الملاك إلا باستيفاء الآخر فنتيجة ذلك أنه لو أتى بالتمام لم تكن التمام ذات ملاك ما لم يردفها بالقصر إذ المفروض أن الملاكين يعني الملاك في الجامع والملاك بالقصر مترابطان فلا يمكن التفكيك بينهما خارجا وهذا خلف كلامه وهو أن في الجامع ملاكا يتحقق بالصلاة تماما.

وإن ادعى أنهما مستقلان فالملاك في الجامع يمكن أن ينفك وجودا عن الملاك في القصر ولذلك لو أتى بالصلاة تماما فقد حقق ملاك الجامع إذن مقتضى ذلك لو ترك القصر ولم يصل يستحق عقابين، عقاب لتفويت ملاك القصر وعقاب لتفويت ملاك الجامع إذ فرض الآخوند أن هناك ملاكين ملزمين ملاك في خصوصية القصر وملاك في الجامع يمكن أن يتحقق بالصلاة تماما وهو لم يحقق المكلف شيئا من الملاكين فاستحق بذلك عقوبتين ولا يمكن القول بذلك.

وقد أجيب عن هذا إيراد المحقق النائيني هذا بأحد وجهين:

الوجه الأول: ما ذكره سيد المنتقى «قدس سره» الشريف من أنه مركز العقوبة ومناطها ليس في تفويت الملاك وعدمه بل المناط في العقوبة هو مخالفة التكليف فإنه لا ربط للملف بعالم الملاك حتى يقال هل فوت ملاكين أو فوت ملاكا واحدا فان المناط في استحقاق العقوبة مخالفة التكليف فلابد من النظر هل أن المكلف خالف تكليفين أو خالف تكليفا واحدا فالمفروض بحسب مدعى المحقق الآخوند أنه ليس هناك إلا تكليف واحد وهو الأمر بصلاة القصر، غاية ما في الأمر أن المكلف لو أتى بالتمام لحقق الملاك القائم بالجامع فتكون صلاته صحيحة لا من باب الأمر إذ لا أمر بالتمام ولا أمر بالجامع وإنما من باب أن الصحة لدى الآخوند ليست منوطة بوجود أمر فبناء على ذلك يكون هذا المكلف عاصيا لأمر واحد فلا يكون مستحقا إلا لعقوبة واحدة.

ولكن هذا الكلام غير تام والسر في ذلك: لا فرق في حق المولوية بين امتثال أوامر المولى أو تحقيق ملاكاته فإننا إذا قلنا بحق المولوية كما يذعن به «قدس سره» فان مقتضى أن للمولى الحقيقي حقا على عبده أن لا فرق في هذا الحق أن يكون متعلقه تكليفا أو متعلقه ملاكا فكما أن العبد مطالب عقلا بامتثال تكاليف المولى لمولويته فإنه مطالب عقلا بتحقيق ملاكات المولى وأغراضه بمقتضى مولويته فلا فرق بين نكتة المولوية بين الأغراض والتكاليف وبالتالي إذا أدرك العبد أن في صلاة القصر ملاكين ملزمين وانه بإمكانه التفكيك بينهما وجودا بحيث لو لم يرد ملاك القصر فبمكانه أن يأتي بملاك الجامع ضمن صلاة التمام فبالنتيجة أن العبد لم يحقق لمولاه غرضين لزوميين ومقتضى ذلك استحقاقه للعقوبة.

بل قد يقال: إن مخالفة التكليف لا موضوعية لها أصلاً في استحقاق العقوبة فان مخالفة التكليف إنما تكون موجبة لاستحقاق العقوبة لأنها تؤدي إلى تفويت ملاك فما هو محط النظر هو تحقيق ملاكات المولى وأغراضه وليست مخالفة التكليف إلا وسيلة وطريقا لعدم تحقيق ملاك المولى وغرضه اللزوم فالعبرة بالغرض اللزومي لا أن العبرة بمخالفة التكليف.

فالغرض القائم بالعبودية والانقياد فوته المتجري.

الوجه الثاني ما ذهب إليه السيد الشهيد «قدس سره» الشريف من أنه ليس المناط من تعدد العقوبة بتعدد الغرض فإنه ليس دخيل في استحقاق العقوبة العامل الكمي بل الدخيل العامل الكيفي فلو فرضنا أن الأمر دائر بين أن يفوت عشرة أغراض وملاكات أو ملاك واحد إلا أن الملاك الواحد أقوى واهم من عشرة ملاكات فلا إشكال من تقديم الثاني ولو كانا متساويين أي أن العشرة ملاكات متساوية مع ملاك واحد من حيث الأهمية فإنه سواء فوت العشرة أو فوت الواحد لم يستحق إلا عقوبة واحدة بمقتضى الارتكاز أن لا عقوبة عليه إلا عقوبة واحدة وإلا فلا يحتمل أنه أن اختار تفويت الملاك الواحد كان عليه عقوبة وأما إذا اختار العشرة كان عليه عشرة عقوبات مع تساويهما من حيث الأهمية.

فبناء على ذلك يقال في المقام: إن الغرض القائم بصلاة القصر هو غرض واحد حلله العقل إلى مرتبتين لزوميتين وإلا فهاتان المرتبتان من غرض واحد أي واحد نوعا وبالتالي بما أن المرتبتين المرتبة القائمة بخصوصية القصر ومرتبة قائمة بملاك الجامع مندرجتان تحت ملاك واحد من حيث النوع والأهمية لذلك من ترك الصلاة من قصر فلم يصل لا قصرا ولا تماما لم يكن هاتكا لحرمة مولاه من جهتين بل من جهة واحدة حيث أنه فوت هذا الغرض الواحد نوعا وأهمية وان كان هذا الغرض الواحد منحلا إلى مرتبتين لزوميتين إلا أن تعدد المرتبة يعني العامل الكمي لا دخل له في مناط استحقاق العقوبة.

وبعبارة أخرى أن مناط استحقاق العقوبة بنظره هو إهدار حق المولى وهو حق الطاعة والمولوية وهذا الإهدار لا يدور مدار العدد بل يدور مدار النوع من حيث أهميته لدى المولى وفي المقام حيث إن الغرض القائم بصلاة القصر واحد نوعا وأهمية فانحلاله عقلا لمرتبتين لزوميتين لا يوجب أن يصدق على المكلف الذي ترك الصلاة من أساس أنه صدر منه إهداران واستخفافان للمولى.

فالشهيد الصدر في مقام رده على النائيني يختار شقا ثالثا: أن المحقق الآخوند يدعي أن الملاك واحد نوعا وأهمية ولكن العقل حلله إلى مرتبتين لزوميتين لا أكثر.

وقد ذكرنا في بحث مقدمة أن المناط في استحقاق العقوبة ليس هو مخالفة التكليف ولا عدم تحقيق الغرض وإنما المناط في استحقاق العقوبة مخالفة الإرادة النفسانية سواء وصل إليها المكلف بتكليف أو وصل إليه بعقله فمتى تعلقت إرادة نفسية من قبل المولى بعمل من الأعمال كان تركه موجبا لاستحقاق العقوبة مع غض النظر عن وجود تكليف أو عدم وجوده.

بيان ذلك: أنه في مقدمة الواجب بناء على الوجوب الغيري أو الإرادة الغيرية توجد إرادة لذي المقدمة وإرادة للمقدمة ولكن حيث إن إرادة المقدمة مندكة في إرادة ذيها وليست إرادة نفسية فمن ترك ذي المقدمة من الأصل لم يستحق عقوبتين وان كانت هناك إرادتان وتكليفان إذ المفروض أن احد التكليفين مندك بالآخر فالعبرة في أصل استحقاق العقوبة بمخالفة الإرادة والعبرة في تعدد العقوبة ووحدتها بتعدد الإرادة النفسية وعدمها، وهذا ما سيأتي بيانه لاحقا إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 21
الدرس 23