نص الشريط
الدرس 23
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 2/12/1434 هـ
مرات العرض: 2509
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (385)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في أن من اخل بجزء أو شرط غير ركني في صلاته إخلالاً عمديا فهل يمكن تصحيح صلاته بإطلاق «لا تعاد» أي لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة أم لا؟

وذكرنا أن التصحيح فرع إمكان شمول القاعدة ثبوتا لفرض الإخلال العمدي وذكرنا أن هناك وجوها طرحت لبيان الشمول حتى لحال العمد والوجه الأول ما ذكره صاحب الكفاية قدس سره من أن هناك مصلحة في القصر ومصلحة في الجامع وان الإتيان بالتمام مانع من تحصيل ملاك القصر

وذكنا أن من جملة الإيرادات على مطلب الكفاية أن الالتزام بوجود ملاكين ملزمين في صلاة القصر احدهما في الجامع والآخر في خصوصية القصر أن من ترك الصلاة من راس استحق عقابين لتفويته ملاكين وهذا مناف للمرتكز القطعي من انه ليس عليه إلاّ عقاب واحد.

وذكرنا أن السيد الشهيد قدس سره أفاد بان الملاك في العقوبة نوع الملاك الفائت وحيث لا يترتب على من ترك الصلاة من أصل إلاّ تفويت ملاك واحد من حيث النوع والأهمية فلا موجب لاستحقاق عقوبتين.

ولكن الصحيح المناط في استحقاق العقوبة هو مخالفة مراد المولى لا مخالفة تكليفه أو تفويت الملاك بل المناط في الاستحقاق والتعدد هو بالخروج عن الإرادة النفسية للمولى وبيان ذلك إننا إما أن نختار أن المحرك نحو الطاعة وتجنب المعصية هو لزوم دفع الضرر المحتمل كما ذكرناه في بحث حجية القطع سواء كان هذا اللزوم عقليا كما هو مسلك جماعة أم أن هذا اللزوم فطري كما هو مسلك آخرين فبناء على أن المحرك نحو الطاعة في الأوامر المعلومة هو لزوم دفع الضرر المحتمل فمخالفة الأوامر لا توجب استحقاق العقوبة بل غاية ذلك أن المخالفة مورد لاحتمال العقوبة لا أن المخالفة ملاك في استحقاق العقوبة لأنَّ المفروض أن المحرك هو الاحتمال وليس المولوية فإذا كان المحرك احتمال العقوبة لا المولوية إذن فما يترتب على المخالفة مجرد كون المخالفة معرضا للعقوبة.

إما إذا اخترنا أن المناط المحرك نحو الطاعة وتجنب المعصية حكم العقل بأن للمولى الحقيقي حق الطاعة لا بمجرد دفع الضرر المحتمل ولذلك حتى لو قطع المكلف بعدم العقوبة كأن قطع المكلف بأن ليس في مخالفة التكليف أي عقوبة مع ذلك وجب عليه الامتثال رعاية لحق المولوية وليس من باب دفع احتمال العقوبة لأنّه قاطع بالعدم.

فإذا قلنا بأن المحرك نحو الطاعة وترك المعصية حكم العقل بأن للمولى حق الطاعة لا مجرد قضاء الوجدان والفطرة بلزوم دفع الضرر المحتمل لا بل حكم العقل بأن للمولى حق الطاعة.

وبناء على ذلك إذن فالمناط في مسألة المخالفة الخروج عن هذا الحق فما دام المحرك نحو الطاعة حكم العقل بالحق إذن فالمناط بقبح المعصية الخروج عن الحق وبالتالي يكون الخروج عن حقه في الطاعة ظلما له والظلم قبيح فيكون الخروج قبيحا مستوجبا لاستحقاق القوبة.

فبما أن المناط في استحقاق العقوبة هو الخروج عن حق المولولوية والتمرد على هذا الحق فلأجل ذلك كان المحقق للخروج عن الحق هو مخالفة إرادة المولى فمجرد التكليف ليس محققا للخروج عن طاعته لأنَّ التكليف مجرد صياغة اعتبارية مبرزة لإرادته وإلا فمجرد التكليف مما لا موضوعية له في استحقاق العقوبة وعدم استحقاقها بل المدار على ما هو المبرز بهذا التكليف ألا وهو تعلق إرادة المولى بعمل من الأعمال أو بترك من التروك فبما انه لا موضوعية لتفويت الملاك فان فوت الملاك خسارة على العبد لا انه مناط للخروج عن طاعة المولى فإنما يكون فوت الملاك محققا للخروج عن حق المولوية إذا كان الملاك متعلقا لإرادة المولى وإلا إذا لم تتعلق إرادة المولى بالملاك لا يكون تفويت الملاك خروجا عن حق المولى وتمرد عليه وان كان خسارة للعبد.

فالمناط في استحقاق العقوبة وتعدد العقوبة هو الخروج عما أراده إرادة نفسية لا إرادة مندكة في إرادة أخرى فلذلك لو ترك المكلف ذا المقدمة بترك المقدمة أيضاً لم يستحق عقوبتين وان قلنا بأن إرادة ذي المقدمة موجبة لإرادة المقدمة إرادة غيرية إلا أن الإرادة الغيرية ما هي إلاّ طريق لتحقيق للمراد النفسي وبالتالي حيث لا نفسية لها لا تكون مناطا في استحقاق العقوبة.

فبناء على ذلك نطبق هذه الكبرى على محل كلامنا فنقول:

أفاد صاحب الكفاية أن في صلاة القصر ملاكين ملاك في الجامع وملاك في خصوصية القصر وهنا سال المحقق النائيني هل أن الإرادتين وهما إرادة ملاك القصر وإرادة ملاك الجامع هل أنهما إرادتان مترابطتان أم مستقلتان؟

فان كانتا مترابطتين وقد اندك إحداهما في الأخرى فمقتضاه انه لا يستحق إلاّ عقوبة واحدة ولكن مقتضاه انه لا يمكنه امتثال الإرادة المتعلقة بالجامع إلاّ إذا أتى بالقصر ولا يمكنه امتثال الإرادة بالإتيان بالتمام حيث أن إرادة الجامع في إرادة القصر.

وان قلتم يا صاحب الكفاية أن الإرادتين مستقلتان فقد أراد خصوصية القصر لملاك وقد أراد الجامع لملاك والشاهد على انفكاكهما انه لو أتى بالجامع في ضمن التمام لصحت فإذا كانت هناك إرادتان مستقلتان إذن فمقتضى ذلك تعدد العقوبة إذا ترك أصل الإتيان بالصلاة.

والجواب عما أفاده الميرزا النائيني قدس سره: انه لم يقم ارتكاز قطعي على عدم تعدد العقوبة أو نفترض قيام ارتكاز.... فان قلنا انه لا يوجد ارتكاز قطعي على عدم تعدد العقوبة فما المانع حينئذ من تعدد العقوبة، فأي أشكال على صاحب الكفاية لو قال التزم بتعدد العقوبة لمن ترك أصل الصلاة حيث لا يوجد ارتكاز على خلاف ذلك وان كان هناك ارتكاز فبركاته خرجنا عما تقتضيه القاعدة فأي إشكال في ذلك فلو كنا نحن والقاعدة لقلنا بتعدد العقوبة لتعدد الإرادة إلاّ إننا خرجنا عن مقتضى هذه القاعدة بالارتكاز المتشرعي القطعي القائم على أن لا عقوبة.

فإما أن تسلموا بالارتكاز إذن فببركة الارتكاز خرجتم عن ما تقتضيه القاعدة ولا يكون ذلك إشكال على صاحب الكفاية وإما انه لا يوجد ارتكاز فأي مانع من الالتزام بتعدد العقوبة؟!

فالنتيجة أن هذا الاشكال الذي اورد من قبل الميرزا النائيني على صاحب الكفاية غير تام.

نأتي إلى الإيراد الأخير على مطلب الكفاية:

إذا كان المدعى أن الإتيان بالتمام موجب لفوت ملاك القصر فالإتيان بالتمام لا محالة مبغوض لأنّه مفوت لملاك والمبغوض لا يكون مقربا فلا يمكن الجمع بين صحة التمام ومبغوضيتها بل أن هذا من باب الجمع بين النقيضين، فمطلب صاحب الكفاية غير معقول في نفسه لأنّه يشتمل على دعوى الجمع بين النقيضين إذ المفروض أن صاحب الكفاية يدعي أن الإتيان بالتمام صحيح من جهة ومفوت لملاك القصر من جهة أخرى ولا يمكن الجمع بين هاتين الجهتين لأنّه أن كان مفوتا لملاك القصر كان مبغوضا والمبغوض لا يصلح للمقربية فلا يقع صحيحا فكيف يجمع بين صحته ومفوتيته لملاك القصر.

وتصوير هذا الإشكال يكون بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: ما أفيد في المنتقى من أن كل ما هو دخيل في فعلية الملاك فإما أن يكون جزءا من الواجب أو شرطا له لأننا ذكرنا فيما سبق أن ما يكون دخيلا في أصل الاتصاف بالملاك فهو من قيود الوجوب ولكن ما يكون دخيلا في فعلية الملاك واستيفاء فهو دخيل في الواجب إما جزءا أو شرطا وحيث أن عدم التمام أمر دخيل في فعلية ملاك القصر حيث لا يمكن استيفاءها إلاّ معد عدم سبق التمام فعدم سبق التمام دخيل في فعلية ملاك القصر فبما انه دخيل فإذا لابد أن يكون عدم التمام معتبر في الواجب إما جزءا أو شرطا وحيث انه لا معنى لاعتباره جزءا بأن نقول أن من أجزاء الصلاة عدم التمام إذن فيتعين اعتباره شرطا فيشترط في صحة الصلاة عدم التمام فإذا كان عدم التمام شرطا في الصحة فهو من مقدمات وجوب الصلاة فكما أن من مقدماتها الطهارة والاستقبال فان من مقدماتها عدم التمام فيكون عدم التمام واجبا بالوجوب المقدمي الغيري لأنّه من مقدمات الصلاة فإذا كان عدم التمام وجوبا غيريا كان التمام مخالفة للواجب إذ لو كان عدم التمام واجبا بالوجوب الغيري فالتمام مخالفة لهذا الوجوب الغيري والمخالفة مبغوض والمبغوض لا يقع مقربا.

وقد أفاد السيد المنتقى قدس سره في دفع هذا التصوير الذي ذكره قال المسالة مبنية على الوجوب الغيري للمقدمات فان قلنا بأن المقدمة لا تجب وجوبا غيريا شرعيا كما هو مسلك المحقق الأصفهاني والسيد الخوئي أن الوجوب لا يترشح من ذي المقدمة على المقدمة فلا تكون المقدمة أصلاً واجبة وجوبا غيريا فلا إشكال إذ أن عدم التمام أصلاً ليس أصلاً بالوجوب الغيري كي تكون التمام مخالفة لهذا الواجب وأمرا مبغوضا.

وان قلنا بالوجوب الغيري كما هو مسلك المحقق النائيني وتبعه من المتأخرين السيد الأستاذ دام ظله أن المقدمة واجبة وجوبا غيريا مع ذلك يقول السيد في المنتقى ليس الوجوب بالوجوب الغيري أن هناك أمراً مولويا يستتبع تبعة أو مؤاخذة على المقدمة فهذا ليس مقصودا وإنما المقصود بالوجوب الغيري أن هناك ملازمة بينهما في المحبوبية فمن أحب شيئا أحب مقدماته فالمقصود أن هناك ملازمة في مرحلة المحبوبية لا أن هناك وجوبا مولويا يتعلق بالمقدمة ويكون مستتبعا لمؤاخذة فهذا ليس المقصود البتة لمن يدعون الوجوب الغيري وإنما مدعاهم أن هناك قضية وجدانية لا إشكال فيها وهي أن من أحب ذي المقدمة أحب المقدمة غايته أن المقدمة محبوبة.

وكون المقدمة وهي عدم التمام محبوبة لا ينافي محبوبية تركها أيضاً ألا وهو التمام نفسه فمن المعقول أن يكون عدم التمام محبوبا لأنّه مقدمة لإحراز ملاك القصر وان يكون نفس التمام محبوبا لكونه محققا للجامع فبلحاظ محبوبيته كونه محققا للجامع يقع صحيحا وان كان تركه أيضاً محبوبا من اجل إحراز ملاك القصر.

ويلاحظ على هذا التصوير:

أولاً: ما سيأتي من انه لا يتصور مقدمية بين الضدين أي لا يعقل أن يكون عدم الضد مقدمة لوجود ضده وهو ما سيأتي في التصوير الثالث.

وثانيا: إنما أفاده خروج عن مدعى القائلين بالوجوب الغيري فان هناك فرقا بين الملازمة الوجدانية بين حب شيء وحب مقدماته وبين دعوى الوجوب الغيري فان من يدعي الوجوب الغيري فان من يدعي الوجوب الغيري يدعي انه يترشح من الوجوب النفسي وجوب مولوي شرعي متعلق بالمقدمة ولذلك وقع البحث انه موجود أو غير موجود وانه يترتب على مخالفته استحقاق العقاب أم لا؟ لأنَّ بحثهم عن وجوب المولوي الشرعي وليس في المحبوبية الوجدانية فما أفاده خروج عما هو المدعى في الوجوب الغيري.

وثالثا: سلمنا بأن محبوبية ذي المقدمة تستلزم محبوبية المقدمة من دون أن يكون هناك وجوب مولوي لكن هل أن مجرد المحبوبية كافي في المقربية أم لا؟ وهذا ما بحثناه عندما تعرضنا لمطلب السيد الشهيد في التعبد والتوصل، وبيان هذا المطلب هو: ليس الموجب لانتفاء المقربية مجرد المبغوضية بمعنى انه المانع من المقربية هو المبغوضية فإذا لم يكن مبغوضا فلا مانع من مقربيته وهو غير صحيح، بل المقربية لا يكفي فيها انتفاء المبغوضية بل لا بد أن يكون الفعل أرجح من الترك فما لم يكن في الفعل رجحان على الترك لا يكون صالحا للمقربية والسر في ذلك أن المقربية عبارة عن إضافة العمل وإهدائه إلى المولى وإنما يكون العمل صالحا لأنَّ يضاف إلى المولى ما إذا كان أولى من تركه إما لو كان تركه أولى منه أو كانا متساويين فحينئذ لا يتحقق من إضافة العمل وإهدائه إليه ما دام فعله وتركه سيان أو كان تركه أرجح من فعله.

فبناء على ذلك لا يكفي في المقام أن يقول صاحب المنتقى غاية ما يؤدي إليه الوجوب الغيري أن عدم التمام محبوب وهذا لا ينافي أن يكون نفس التمام محبوبا فيصح التقرب به ما دام محبوبا فنقول ذلك لا يكفي بل لا بد أن يكون فعل التمام أرجح من تركه ليكون مقربا فلا يكفي أن يكون في نفسه انه متصف بالمحبوبية وان كان تركه أرجح منه.

إذن فالمسالة لا تبتني على القول بأن الوجوب الغيري مجرد الملازمة في المحبوبية أو عدمه بل حتى لو سلمنا أن الوجوب الغيري بل حتى لو سلمنا أن الوجوب الغيري عبارة عن الملازمة في المحبوبية فهذا لا ينفي الإشكال وهو انه إذا كان التمام مفوت لملاك القصر فترك التمام أرجح من فعله ومقتضى راجحية الترك على الفعل أن لا يكون الترك مقربا.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 22
الدرس 24